• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

حقوق الولاة على الرعية

حقوق الولاة على الرعية
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/5/2022 ميلادي - 16/10/1443 هجري

الزيارات: 25232

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حُقوق الوُلاةِ على الرَّعِيَّة

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

 

نظَّم الإسلام المصالح الدنيوية والأخروية، وجعل للمسلمين حقوقًا كثيرة، بينهم وبين ربِّهم سبحانه، وفيما بينهم كذلك، ومن ذلك الحقوق بين الراعي والرعية، أي: بين الولاة والرعية، والولاة لهم حقوق على رعيتهم، ينبغي أنْ تراعى، ويلتزم بها المسلمون، وعلى الولاة واجبات كبيرة تجاه المسلمين، يجب عليهم أن يعلموها ويعملوا بها.

 

والسمع والطاعة للولاة أصلٌ من أصول العقيدة الإسلامية، قَلَّ أن يخلو كتاب فيها من تقريره وشرحه وبيانه، وما ذلك إلاَّ لبالغ أهميته وعظيم شأنه، إذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدِّين والدُّنيا معًا، وقد عُلِمَ بالضرورة من دين الإِسلام أنه لا دينَ إلاَّ بجماعة، ولا جماعةَ إلاَّ بإمامة، ولا إمامةَ إلاَّ بسمعٍ وطاعة[1].

 

وأهل السنة والجماعة في ذلك مُتقيِّدون بأصلٍ عقدي ثابت وراسخ، وهو أنَّ المُلكَ هبةٌ من الله سبحانه لعباده، لا يُنازع عليها ولا يُتدافع من أجلها، فليس لأحد مهما أوتي من قوة أو جاه أن يتملَّك على الناس إلاَّ بمشيئة الله تعالى وقدره، ومن ثَمَّ فلا مناصَ إلاَّ الإذعان والتسليم لمراد الله تعالى، وفي هذا قال تعالى: ﴿ قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26]، ومن ثَمَّ فالتأدُّب مع ولاة الأمور، هو تأدُّبٌ مع الله الذي آتاهم هذا الأمر، ولو شاء لنزعه منهم.

 

يقول الحسن البصري رحمه الله - في الأمراء: (هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود. واللهِ لا يستقيم الدِّين إلاَّ بهم، وإنْ جاروا وظلموا. واللهِ لَمَا يُصْلِحُ اللهُ بهم أكثر مِمَّا يُفسدون)[2].

 

وكان السلف الصالح - رضوان الله عليهم - يولون هذا الأمر اهتمامًا خاصًا، لاسيما عند ظهور بوادر الفتنة، نظرًا لما يترتب على الجهل به أو إغفاله من الفساد العريض في العباد والبلاد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد.

 

أولًا: واجبات الولاة:

الواجب الأول: أداء الأمانات:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58]. وجه الدلالة: الولاية العظمى من أعظم الأمانات المأمور بحفظها. قال السعدي رحمه الله: (الأمانات: كلُّ ما ائتمن عليه الإنسان وأُمِرَ بالقيام به. فأمر اللهُ عبادَه بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولًا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات، والأموال، والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلاَّ الله)[3].

 

وقال ابن تيمية رحمه الله: (قَالَ الْعُلَمَاءُ: نَزَلَتْ الآيَةُ فِي وُلاةِ الأُمُورِ؛ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا، وَإِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. وَإِذَا كَانَتْ الآيَةُ قَدْ أَوْجَبَتْ أَدَاءَ الأمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَالْحُكْمَ بِالْعَدْلِ؛ فَهَذَانِ جِمَاعُ السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ، وَالْوِلايَةِ الصَّالِحَةِ)[4].

 

الواجب الثاني: إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

إقامة الدِّين في الرعية، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر من أعظم حقوق الرعية على الولاة، وهذا هو الأصل الثاني الذي وُضِعَ من أجله المُلكُ والولاية، وهو حِفْظُ الدِّين الذي ارتضاه الله لعباده؛ وفي ذلك يقول سبحانه: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]. وجه الدلالة: ولاة الأمور مكَّنهم الله تعالى في الأرض بالسلطان؛ فيجب عليهم أن يُقيموا دينَ الله في الأرض؛ ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

فقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ ﴾ (أي: مَلَّكناهم إيَّاها، وجعلناهم المُتسلِّطين عليها، من غيرِ مُنازِعٍ يُنازعهم، ولا مُعارِض)[5]. فيجب على ولاة الأمور أنْ يقيموا في رعيَّتهم شعيرةَ وفريضةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ (وهذا يشمل كلَّ معروفٍ شرعًا وعقلًا؛ من حقوق الله، وحقوق الآدميين، وكلَّ مُنْكَرٍ شرعًا وعقلًا معروفٌ قُبْحُه، والأمرُ بالشيءِ والنهي عنه يدخل فيه ما لا يتمُّ إلاَّ به)[6].

 

الواجب الثالث: تطبيق شرع الله، والحكم بما أنزل:

من حقوق الرعية على الولاة أن يُقيموا فيهم شرع الله تعالى، ويحكموا بما أنزل الله تعالى، ويتركوا كلَّ ما خالف ذلك من القوانين الوضعية وغيرها، قال الله تعالى - لنبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49].

 

قال السعدي رحمه الله: (هذه الآية تدلُّ على أنه إذا حَكَم، فإنه يحكم بينهم بما أنزل الله من الكتاب والسُّنة، وهو القِسْطُ الذي تقدَّم أنَّ الله قال: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة: 42]، ودلَّ هذا على بيان القِسْط، وأنَّ مادته هو ما شرعه الله من الأحكام، فإنها المشتملة على غاية العدل والقِسْط، وما خالف ذلك فهو جَورٌ وظلم)[7].

 

ثانيًا: حقوق الولاة:

ولاة الأُمور لهم حقوق على رعيَّتِهم، وجاءت هذه الحقوق منصوص عليها في كتب أهل السنة والجماعة، فقد قرَّروا أنَّ على المسلم السمع والطاعة لولاة الأمور إلاَّ أن يأمروا بمعصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

وقرَّروا أيضًا وجوب النصح والدعاء لولاة الأمور، وإعانتهم على الحق، وتحريم الخروج عليهم، سواء كانوا أئمة عدولًا صالحين أم كانوا من أئمة الجور والظلم، ما داموا لم يخرجوا عن دائرة الإسلام.

 

وقرَّروا أيضًا الصبر على جور الأئمة وظلمهم مع ما فيه من ضرر، فإنه أخف ضررًا من ضرر الخروج عليهم، وفيما يلي أهم حقوق الولاة على الرعية[8]:

الحق الأول: السمع والطاعة، وعدم الخروج عليهم:

من أعظم الواجبات التي أمر الله بها عباده طاعة ولاة الأمور في المعروف؛ لأن جميع المصالح الدينية والدنيوية لا تقوم إلاَّ بذلك؛ كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا إسلامَ إلاَّ بجماعة، ولا جماعةَ إلاَّ بإمارة، ولا إمارةَ إلاَّ بطاعة)[9]. قال ابن تيمية رحمه الله: (طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ؛ وَطَاعَةُ وُلاَةِ الأُمُورِ وَاجِبَةٌ لأمْرِ اللَّهِ بِطَاعَتِهِمْ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِطَاعَةِ وُلاةِ الأَمْرِ لِلَّهِ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ. وَمَنْ كَانَ لاَ يُطِيعُهُمْ إلاَّ لِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْوِلاَيَةِ وَالْمَالِ، فَإِنْ أَعْطَوْهُ أَطَاعَهُمْ؛ وَإِنْ مَنَعُوهُ عَصَاهُمْ، فَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)[10].

 

الأدلة: من أظهر الأدلة على لزوم طاعة ولاة الأمر في المعروف وترك الخروج عليهم:

1- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]. وجاءت تأكيدات السلف الصالح من أهل السنة بأنَّ طاعة ولاة الأمور إنما تكون في المعروف، فلا طاعة لهم في معصية الله تعالى؛ فها هو ابن تيمية رحمه الله يصف مذهبَ السلف الصالح من أهل السنة بأنهم: (لا يُوجِبون طاعةَ الإمام في كلِّ ما يأمر به، بل لا يُوجبون طاعته إلاَّ فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يُجَوِّزون طاعته في معصية الله، وإنْ كان إمامًا عادلًا، وإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه - مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصدق، والعدل، والحج، والجهاد في سبيل الله - فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله)[11].

 

وقال السعدي رحمه الله: (ولعلَّ هذا هو السِّرُّ في حذف الفِعْلِ عند الأمر بطاعتهم، وذِكْرِهِ مع طاعة الرسول، فإنَّ الرسول لا يأمر إلاَّ بطاعة الله، ومَنْ يُطِعْهُ فقد أطاع الله، وأمَّا أُولو الأمرِ فَشَرْطُ الأمرِ بطاعتهم ألاَّ يكون معصية.

 

ثم أمَرَ بِرَدِّ كلِّ ما تنازع الناسُ فيه؛ من أصول الدِّين وفروعِه إلى الله، وإلى رسوله، أي: إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله؛ فإنَّ فيهما الفَصْلَ في جميع المسائل الخلافية، إمَّا بصريحِهما أو عمومِهما، أو إيماءٍ، أو تنبيهٍ، أو مفهومٍ، أو عمومِ معنى يُقاس عليه ما أشبهه؛ لأنَّ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ رسولِه عليهما بناءُ الدِّين، ولا يستقيم الإيمان إلاَّ بهما[12].

 

2- عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ)[13]. قال النووي رحمه الله: (قال العلماء: معناه: تجب طاعةُ ولاةِ الأمور فيما يشقُّ وتَكْرَهُه النفوس، وغيرِه ممَّا ليس بمعصية، فإنْ كانت لِمَعصيةٍ فلا سمع، ولا طاعة)[14].

 

3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟ قَالَ: (تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ)[15]. وفي لفظٍ: (أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ)[16]. قال النووي رحمه الله: (هذا من معجزات النبوة، وقد وقع هذا الإخبارُ مُتكرِّرًا، ووُجِدَ مَخْبَرُه مُتكرِّرًا، وفيه الحثُّ على السَّمع والطاعة، وإنْ كان المُتولِّي ظالمًا عَسُوفًا، فيُعْطَى حقَّه من الطاعة، ولا يُخْرَجْ عليه، ولا يُخْلَعْ، بل يُتَضَرَّع إلى الله تعالى في كشفِ أذاه، ودفْعِ شرِّه، وإصلاحِه)[17].

 

4- عن عُبَادَةَ بنِ الصَّامتِ رضي الله عنه قال: (بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ[18]، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ)[19]. وفي رواية: (إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا[20]، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)[21]. (ومعنى الحديث: لا تنازعوا وُلاَةَ الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم، إلاَّ أنْ تَرَوا منهم مُنْكرًا مُحَقَّقًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأَنْكِروه عليهم، وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروج عليهم وقتالُهم فحرامٌ بإجماع المسلمين؛ وإنْ كانوا فَسَقَةً ظالمين. وأجمع أهلُ السُّنة: أنه لا ينعزل السلطان بالفِسْقِ. قال العلماء: وسببُ عدمِ انعزاله وتحريمِ الخروجِ عليه: ما يترتَّب على ذلك من الفتن، وإراقة الدِّماء، وفسادِ ذات البين، فتكون المفسدةُ في عَزْلِهِ أكثرَ منها في بقائه)[22].

 

(فدل هذا كلُّه: على ترك الخروج على الأئمة، وألاَّ يُشَقَّ عصا المسلمين، وألاَّ يُتَسَبَّبَ إلى سفك الدماء وهتكِ الحريم، إلاَّ أنْ يكفُرَ الإمامُ، ويُظْهِرَ خِلافَ دعوةِ الإسلام، فلا طاعةَ لمخلوقٍ عليه)[23].

 

لزوم أهل السنة للطاعة، وترك الخروج على الولاة:

هناك نماذج وصور كثيرة - متناثرة في بطون الكتب - في لزوم أهل السنة والجماعة لطاعة ولاة الأمور، وترك الخروج عليهم، ومن ذلك:

1- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه جاء إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ - حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ - فَقَال: اطْرَحُوا لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ[24]، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً[25])[26].

 

2- ما جرى لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله؛ إذ امتحن الخلفاءُ الناسَ بالقول بخلق القرآن، ولم يُجبهم الإمام أحمد إلى ذلك، وكان مُلتزِمًا بالسنة في طاعة ولاة الأمر في غير معصية الله، ولم يخرج عليهم، ومن ذلك:

أ- ما جاء في رواية عبدوس عن الإمام أحمد رحمه الله: (ومَنْ خَرَجَ على إمامِ المسلمين وقد كان الناسُ اجتمعوا عليه، واقرُّوا له بالخلافة بأيِّ وجهٍ كان؛ بالرِّضا أو بالغلبة، فقد شقَّ هذا الخارجُ عصا المسلمين، وخالف الآثارَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإنْ مات الخارجُ عليه ماتَ ميتةً جاهلية، ولا يَحِلُّ قِتالُ السلطان، ولا الخروج عليه لأحدٍ من الناس، فمَنْ فَعَلَ ذلك فهو مبتدعٌ على غيرِ السُّنة والطَّريق)[27].

 

ب- وما جاء عن أبي الحارث رحمه الله؛ أنه قال: (سألتُ أبا عبدِ الله في أمرٍ كان حَدَثَ ببغداد، وهَمَّ قومٌ بالخروج، فقلت: يا أبا عبد الله! ما تقولُ في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم، وجَعَلَ يقولُ: سبحان الله! الدماء الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمُرَ به، الصَّبرُ على ما نحن فيه خيرٌ من الفتنة، يُسفك فيها الدماء، وتُستباح فيها الأموال، ويُنتهك فيها المحارم، أما عَلِمْتَ ما كان الناسُ فيه؟ يعني: أيَّامَ الفتنة. قلت: والناس اليوم أليسَ هم في فتنةٍ يا أبا عبد الله؟ قال: وإنْ كان؛ فإنما هي فتنةٌ خاصة، فإذا وقع السَّيفُ عَمَّت الفِتنةُ، وانقطعت السُّبل، الصَّبرُ على هذا ويسلم لك دينُك خيرٌ لك، ورأيتُه يُنْكِرُ الخروجَ على الأئمة، وقال: الدِّماء، لا أرى ذلك، ولا آمُرَ به)[28].

 

3- ومما جاء في اعتقاد عليِّ بنِ المديني رحمه الله أنه قال: (ثم السَّمْعُ والطاعةُ للأئمة، وأمراءِ المؤمنين؛ البَرِّ والفاجر، ومَنْ وَلِيَ الخلافةَ، بإجماع الناس ورضاهم، لا يحلُّ لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخِرِ أنْ يبيتَ ليلةً إلاَّ وعليه إمامٌ؛ برًّا كان أو فاجرًا، فهو أمير المؤمنين، والغزو مع الأمراء ماضٍ إلى يوم القيامة؛ البَرِّ والفاجر لا يترك، وقِسمةُ الفيء، وإقامةُ الحدود للأئمة ماضيةٌ ليس لأحدٍ أنْ يطعنَ عليهم، ولا يُنازِعَهم. ولا يَحِلُّ قِتالُ السلطان، ولا الخروجُ عليه لأحدٍ من الناس، فمَنْ عمل ذلك فهو مبتدعٌ على غيرِ السُّنة)[29].

 

4- وقال الطَّحاوي رحمه الله: (ولا نرى الخروجَ على أَئِمَّتِنا ووُلاةِ أُمورِنا، وإنْ جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتَهم من طاعةِ الله عزَّ وجلَّ فريضةً، ما لم يَأْمروا بمعصيةٍ، وندعوا لهم بالصَّلاح والمُعافاة)[30].

 

5- وقال أبو عثمان الصابوني رحمه الله - وهو يحكي مذهب أصحاب الحديث في الاعتقاد: (ولا يرون الخروجَ عليهم بالسَّيف؛ وإنْ رأوا منهم العدولَ عن العدلِ إلى الجَورِ والحَيف)[31].

 

6- وقال ابن تيمية رحمه الله: (وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ: فَلاَ يُرَخِّصُونَ لأحَدٍ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَةِ وُلاَةِ الأُمُورِ، وَغِشِّهِمْ، وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ؛ كَمَا قَدْ عُرِفَ مِنْ عَادَاتِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدِّينِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَمِنْ سِيرَةِ غَيْرِهِمْ)[32].

 

الحق الثاني: النصح لولاة الأمر:

من صفات المؤمنين والمؤمنات في كل مكان وزمانٍ أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ﴾ [التوبة: 71]. وقد جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم النصيحة من أهمِّ أمور الدِّين؛ ومن ذلك نصح الولاة:

1- عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ[33]). قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: (لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ)[34].

 

(وأمَّا النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونَتُهم على الحقِّ وطاعتُهم فيه، وأمْرُهم به، وتنبيهُم وتذكيرُهم برفقٍ ولطف، وإعلامُهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وتركُ الخروج عليهم، وتألُّفُ قلوبِ الناس لطاعتهم، قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم: الصلاةُ خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسَّيف عليهم إذا ظهر منهم حَيفٌ أو سوءُ عِشرة، وألاَّ يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يُدعى لهم بالصلاح، وهذا كلُّه على أنَّ المراد بأئمة المسلمين الخلفاءُ وغيرُهم مِمَّنْ يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات، وهذا هو المشهور)[35].

 

2- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاَثًا، يَرْضَى لَكُمْ؛ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)[36]. والشاهد: قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ)، (أي: مَنْ جعَلَه والِي أمرِكم، وهم الإمامُ ونُوَّابُه، والمراد بِمُناصَحَتِهم: تركُ مخالفتِهم، والدعاءِ عليهم، والدعاءُ لهم، ومعاونتهم على الحق، والتَّلطُّف في إعلامِهم بما غفلوا عنه من الحقِّ والخُلُق، ولم يُؤكِّد هنا بقوله: "ولا تُخالفوا"؛ إشعارًا بأنَّ مُخالفَتَهم جائزةٌ إذا أَمَروا بمعصية)[37]. قال ابن عبد البر رحمه الله: (فيه إيجاب النَّصحية على العامة، لولاةِ الأمر؛ وهم الأئمةُ، والخلفاءُ، وكذلك سائرُ الأُمراء)[38].

 

التَّرفُّق في النصيحة وإخفاؤها:

منهج أئمة الإسلام من أهل السنة والجماعة هو الترفق في النصيحة للولاة، وأن تكون برفقٍ ولينٍ وخفية؛ لما فيه من تحصيل المصالح العامة، وتقليل المفاسد والمضار.

 

جاء في كتاب "الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ": (وأمَّا ما قد يقع من ولاة الأمور، من المعاصي والمخالفات، التي لا توجب الكفرَ، والخروجَ من الإسلام، فالواجبُ فيها مناصحتهم على الوجه الشرعي برفقٍ، واتِّباعُ ما كان عليه السلف الصالح، من عدم التشنيع عليهم في المجالس، ومجامع الناس، واعتقاد أنَّ ذلك من إنكار المنكر، الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلطٌ فاحش، وجهلٌ ظاهر، لا يَعلم صاحبُه ما يترتَّب عليه، من المفاسد العِظام في الدِّين والدنيا، كما يعرف ذلك مَنْ نَوَّرَ اللهُ قلبَه، وعَرَف طريقة السلف الصالح، وأئمةِ الدِّين)[39].

 

شواهد مهمة في التَّرفُّقِ مع الولاة، وإخفاءِ النُّصح لهم:

التاريخ الإسلامي - ماضيًا وحاضرًا - مليءٌ بالشواهد الكثيرة التي تُبيِّن أهمية التَّرفُّقِ مع الولاة، وإخفاءِ النُّصح لهم، ومن ذلك:

1- ما جاء عن شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ، وَغَيْرِهُ، قَالَ: (جَلَدَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ[40] صَاحِبَ دَارَا[41] حِينَ فُتِحَتْ، فَأَغْلَظَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ[42] الْقَوْلَ حَتَّى غَضِبَ عِيَاضٌ، ثُمَّ مَكَثَ لَيَالِيَ، فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ.

 

ثُمَّ قَالَ هِشَامٌ لِعِيَاضٍ: أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا، أَشَدَّهُمْ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا لِلنَّاسِ). فَقَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ: يَا هِشَامُ بْنَ حَكِيمٍ، قَدْ سَمِعْنَا مَا سَمِعْتَ، وَرَأَيْنَا مَا رَأَيْتَ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ، فَلاَ يُبْدِ لَهُ عَلاَنِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ)[43].

 

2- وعَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: (قِيلَ لَهُ: أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ، فَقَالَ: أَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ، وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ)[44].

 

وعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: (قِيلَ لأُسَامَةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا - هو عثمان بن عفان رضي الله عنه - فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ، دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ)[45].

 

قال النووي رحمه الله: (قوله: (أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ) يعنى: المُجاهرةَ بالإنكارِ على الأُمراء في الملأ؛ كما جرى لِقَتَلَةِ عثمان رضي الله عنه، وفيه: الأدبُ مع الأمراء، واللُّطفُ بهم، ووعْظُهم سِرًّا، وتبليغُهم ما يقول الناسُ فيهم؛ لِيَنْكَفُّوا عنه، وهذا كلُّه إذا أمكن ذلك، فإنْ لم يُمْكِنُ الوعظُ سِرًّا والإنكارُ فَلْيفْعَلْه علانيةً؛ لِئَلاَّ يَضِيعَ أصلُ الحقِّ)[46].

 

و(حاصِلُه: أُكَلِّمُه طلبًا للمصلحة، لا تهييجًا للفتنة؛ لأنَّ المُجاهرة على الأمراءِ بالإنكار يكون فيه نوعٌ من القيام عليهم؛ لأنَّ فيه تشنيعًا عليهم يؤدِّي إلى افتراق الكلمة، وتشتيت الجماعة)[47].

 

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله - في بيان منهج أهل السنة والجماعة في نُصح الولاة: (ليس من منهج السَّلف التشهيرُ بعيوب الولاة، وذِكْرُ ذلك على المنابر; لأنَّ ذلك يُفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويُفضي إلى الخوض الذي يضرُّ ولا ينفع، ولكن الطريقة المُتَّبَعَة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتَّصلون به حتى يُوَجَّه إلى الخير.

 

ولَمَّا فتَحَ الخوارجُ الجُهَّالُ بابَ الشرِّ في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان عَلَنًا؛ عظمت الفتنةُ والقتالُ، والفسادُ الذي لا يزال الناسُ في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنةُ بين عليٍّ ومعاوية، وقُتِلَ عثمانُ وعليٌّ رضي الله عنهما بأسباب ذلك، وقُتِلَ جَمْعٌ كثيرٌ من الصحابة وغيرِهم بأسبابِ الإنكارِ العَلَني، وذِكْرِ العيوب عَلَنًا، حتى أبغَضَ الكثيرون من الناس ولِيَّ أمرِهم وقتلوه)[48].

 

ولقد تعرَّضت الأُمَّة الإسلامية جرَّاء مخالفة طائفةٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة وعدم الخروج على الولاة، تعرَّضت للكثير والكثير بدايةً بقتل خليفتين من خلفاء المسلمين وهما عثمان وعلي رضي الله عنهما، والاقتتال والتناحر بين المسلمين، وانقسامهم إلى طوائفَ وفِرقٍ ما زالت حتى عصرنا الراهن تتناحر وتتنافس، فضعفت الأُمَّة بعد قُوَّتها، وتفرَّقت بعد وِحدتها، وهانت على الأُمم الأُخرى، وما زالت آثار هذه الفتنة ظاهرة واضحة إلى عصرنا وإلى ما شاء الله، وهذا من أعظم الأدلة على صحَّة مذهب أهل السنة، فاحتمال ظلم الولاة أهون بكثير من ضياع الأمة وتفرُّقها وضعفِها، وهذا ما دعا إليه أهل السنة والجماعة حيث نظروا إلى مآلات الأشياء ونتائجِها ورَبطوها بمقدِّماتِها ودوافعِها، فتبيَّن لهم أنَّ المَآل أشدُّ خطرًا وأعظمُ أثرًا من المقدِّمات والدَّوافع، ولم يكن تحريمُهم عن ضعفٍ أو جُبنٍ بقدر ما هو تعقُّل للأمر وتدبُّر أثبتت الحوادث ومُجريات الأمور صحة اجتهادهم وتوجُّههم.



[1] انظر: جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (1/ 127).

[2] آداب الحسن البصري، لابن الجوزي (ص121)؛ جامع العلوم والحكم، (1/ 262).

[3] تفسير السعدي، (1/ 183).

[4] السياسة الشرعية، (ص12)؛ مجموع الفتاوى، (28/ 245، 246).

[5] تفسير السعدي، (1/ 539).

[6] تفسير السعدي، (1/ 539).

[7] تفسير السعدي، (1/ 234).

[8] انظر: أهل السنة والجماعة، (ص411).

[9] رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله)، (1/ 127)، (رقم226).

[10] مجموع الفتاوى، (35/ 16، 17).

[11] منهاج السنة النبوية، (3/ 229).

[12] تفسير السعدي، (1/ 183).

[13] رواه البخاري، واللفظ له، (3/ 1442)، (ح7231)؛ ومسلم، (2/ 811)، (ح4869).

[14] شرح النووي على صحيح مسلم، (12/ 224).

[15] رواه مسلم، (2/ 812)، (ح4881).

[16] رواه البخاري، (3/ 1427)، (ح7139)

[17] شرح النووي على صحيح مسلم، (12/ 323).

[18] (لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ): أي: المُلكَ والإمارة. انظر: فتح الباري، (13/ 8).

[19] رواه مسلم، (2/ 811)، (ح4874).

[20] (كُفْرًا بَوَاحًا): أي: كفرًا ظاهرًا باديًا، ومنه قوله: باح بالشيء يبوح به بوحًا وبَئُوحًا، إذا أذاعه وأظهره. انظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 9).

[21] رواه البخاري، (3/ 1428)، (ح7143)؛ ومسلم، (2/ 812)، (4877).

[22] شرح النووي على صحيح مسلم، (12/ 229).

[23] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 9).

[24] (لاَ حُجَّةَ لَهُ): أي: لا حُجَّةَ له في فِعله، ولا عُذر له ينفعه. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، (12/ 240).

[25] المراد بالمِيتَةِ الجاهلية: حالةُ الموت؛ كموت أهلِ الجاهلية على ضلالٍ، وليس له إمامٌ مُطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرًا، بل يموت عاصيًا. ويحتمل: أنْ يكون التشبيه على ظاهِرِه، ومعناه: أنه يموت مِثْلَ موتِ الجاهلي، وإنْ لم يكن هو جاهليًا، أو أنَّ ذلك وَرَدَ مورد الزَّجر والتَّنفير، وظاهِرُه غير مراد. انظر: فتح الباري، (13/ 7).

[26] رواه مسلم، (2/ 816)، (ح4899).

[27] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، (1/ 161).

[28] رواه الخلال في (السنة)، (1/ 132، 133)، (رقم89). وصحح إسناده مُحَقِّقه (د. عطية الزهراني).

[29] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، (1/ 167، 168).

[30] العقيدة الطحاوية، (ص47).

[31] عقيدة أصحاب الحديث، (ص106).

[32] مجموع الفتاوى، (35/ 12).

[33] (النَّصِيحَةُ): جِماعُ تفسيرِ النصيحة: هي عناية القلب للمنصوح له، كائنًا مَنْ كان. وقيل: هي إرادة الخير للمنصوح. انظر: جامع العلوم والحكم، (1/ 79، 80).

[34] رواه مسلم، (1/ 43)، (ح205).

[35] شرح النووي على صحيح مسلم، (2/ 38).

[36] رواه أحمد في (المسند)، (14/ 399)؛ (ح8799)؛ وابن حبان في (صحيحه)، (8/ 182)، (ح3388). وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، (1/ 278)، (ح2776).

[37] فيض القدير، (2/ 383).

[38] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، (21/ 284).

[39] الدرر السنية، (12/ 120).

[40] هو عياض بن غَنْمٍ بن زهير بن أبي شداد الفهري، من الصحابة، أسلم قبل الحديبية، وشهدها، توفي بالشام عام 20هـ. انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، (1/ 382).

[41] (دَارَا): قرية من قرى دمشق، بين نصيبين وماردين، يُنسب إليها أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداري. انظر: آثار البلاد وأخبار العباد، للقزويني (ص74).

[42] هو هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي، من فضلاء الصحابة وخيارهم، كان مهيبًا، يأمر بالمعروف في رجالٍ معه. انظر: أسد الغابة، (ص1089).

[43] رواه أحمد في (المسند)، (3/ 403)، (ح15408)؛ وصححه الألباني في (ظلال الجنة في تخريج السنة)، (2/ 273، 275). وقال محققو المسند، (24/ 29)، (ح15332): ("صحيح لغيره" دون قوله: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ...) "فحسن لغيره").

[44] رواه مسلم، (2/ 1255)، (رقم7674).

[45] رواه البخاري، (2/ 638)، (رقم3303).

[46] شرح النووي على صحيح مسلم، (18/ 118).

[47] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (23/ 33).

[48] مجموع فتاوى ابن باز، (8/ 210، 211).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بسط لمهمات من حقوق الولاة على الرعية

مختارات من الشبكة

  • في حقوق الأخوة من النسب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بريطانيا: استبيان لمفوضية حقوق الإنسان عن حقوق المسلمين(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأكيد حقوق ولاة الأمر وشرح الحديث النبوي: "ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم"(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • حقوق الولاة وما يجب لهم على الأمة(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • خطبة: من أعظم حقوق الناس حق الجوار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإسلام وحقوق المعاقين: دراسة فقهية في كيفية حماية حقوق المعاقين في المجتمعات الإسلامية وفق الشريعة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • من حقوق ومكانة أهل الأعذار عند السلف وحقوقهم علينا(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب