• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

فضل استماع القرآن

فضل استماع القرآن
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/4/2022 ميلادي - 2/9/1443 هجري

الزيارات: 40561

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضل استماع القرآن

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أمَّا بعد: فالحديث عن "فضل استماع القرآن" يُجمَع في أربعة مطالب:

المطلب الأول: استماع القرآن سبب لرحمة الله.

المطلب الثاني: استماع القرآن سبب لهداية الإنس والجن.

المطلب الثالث: استماع القرآن سبب لخشوع القلب وبكاء العين.

المطلب الرابع: استماع القرآن سبب لزيادة الإيمان.

 

المطلب الأول: استماع القرآن سبب لرحمة الله:

إذا كان القرآن العظيمِ يُتعبَّد بتلاوته، فإنه أيضًا يُتعبَّد بسماعه، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُحب أن يسمع القرآن من غيره، وأَمر عبدَ الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه القرآن وهو يستمع له، فخشع لسماع القرآن منه، حتى ذرفت عيناه الشَّريفتان صلّى الله عليه وسلّم كما سيأتي معنا لاحقًا.

 

وطَلَبُ استماع القراءة من القارئ حَسَنِ الصَّوت الذي يجيد التِّلاوة أمر متفق على استحبابه، وهو عادة الأخيار، والصالحين من سلف هذه الأمة، فللتلاوة المُتقَنة أكبر الأثر في فهم معاني القرآن، لكن لا بد من تقييد ذلك بهدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الاستماع من الإنصات، والاستجابة لها ثم التدبر الذي يزيل الغشاوة، ويحرك القلوب للعمل.

 

أما ما يفعله بعض الناس عند سماعهم للقرآن من رفع الأصوات وقولهم: «الله»، أو ما أشبه ذلك مما هو معلوم، فهو بدعة منكرة وصارفة عن فهم وتدبر القرآن العظيم والانتفاع بمواعظه[1].

 

وقد أمر الله سبحانه عباده بالاستماع للقرآن والإنصات له؛ لينتفعوا به ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح وليتوصلوا بذلك إلى رحمة الله تعالى، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]. «قال الليث: يقال: ما الرَّحمة إلى أحد بأسرعِ منها إلى مستمع القرآن؛ لقول الله جَلَّ ذكره: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ و«لَعَلَّ» - من الله - واجبة»[2]. أي: لعلكم تنالون الرحمة وتفوزون بها بامتثال أمر الله تعالى.

 

«والفرق بين الاستماع والإنصات: أن الإِنصات في الظاهر، بترك التَّحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه. وأما الاستماع له، فهو أن يُلقي سمعَه، ويُحضر قلبَه، ويتدبر ما يسمع.

فإِنَّ مَنْ لاَزَمَ على هذين الأمرين، حين يُتلى كتاب الله، فإنه ينال خيرًا كثيرًا، وعلمًا غزيرًا، وإيمانًا مستمرًا متجددًا، وهدى متزايدًا، وبصيرة في دينه. ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما. فدلَّ ذلك، على أن مَنْ تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يَسْمَع له ولم يُنصِت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير»[3].

 

وليس هناك سبب نزول يُخَصِّصُ الآيةَ بالصلاة المكتوبة وغير المكتوبة، ذلك أن العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب. والأقرب أن يكون ذلك عامًا لا يُخَصِّصه شيء، فالاستماع إلى هذا القرآن والإنصات له - حيثما قُرئ - هو الأليق بكتاب الله العظيم، وبجلال قائله سبحانه.

 

وإذا قال اللهُ تعالى، أفلا يستمع الناس وينصتون؟! ثم رجاء الرحمة لهم: ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ فما الذي يُخَصِّصه بالصلاة؟ وحَيْثُما قُرئ القرآن، واستمعتْ له النفس وأنصتت، كان ذلك أرجى لأن تعي وتتأثر وتستجيب؛ فكان ذلك أرجى أن تُرْحَمَ في الدنيا والآخرة جميعًا.

 

والناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن العظيم، وإنَّ الآيةَ الواحدة لتصنع أحيانًا في النفس - حين تسمع لها وتُنصت - أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة والطمأنينة والراحة، مما لا يدركه إلاَّ مَنْ ذاقه وعَرَفَهُ.

 

وقد أَخبر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن الاجتماع للقرآن وتدارسه واستماعه له فوائد عظيمة وجليلة، منها: حصولهم على رحمة الله تعالى، في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْت مِنْ بُيُوتِ الله، يَتْلُونَ كِتَابَ الله، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ المَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»[4].

 

المطلب الثاني: استماع القرآن سبب لهداية الإنس والجن:

بَيَّنَ الله تعالى أن القرآن العظيم مصدر الهداية في الدنيا والآخرة، ومن تمسك به تلاوةً واستماعًا وتدبرًا وعملًا فلن يضل ولا يشقى، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

 

واستماع القرآن خاصة من الأعمال الصالحة الجليلة التي بَشَّرَ القرآنُ أصحابَها بالهداية، وَوَصَفهم بأنهم أصحاب عقول سليمة وراشدة، في قوله تعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18]. هذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسن الأقوال، و﴿ الْقَوْلَ ﴾ في الآية جنس، يشمل كل قول، فهم يستمعون جنس القول، ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره، مما ينبغي اجتنابه.

 

ولا شَكَّ أَنَّ أحسن القول على الإطلاق هو كلام الله تعالى، ثم كلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [الزمر: 23]. وأحسن الكتب المنزلة من كلام الله تعالى هذا القرآن العظيم.

 

وهنا فائدة مهمة وهي: أنه تعالى لَمَّا أخبر عن هؤلاء الممدوحين، أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأَنَّ سائلًا يسأل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه، حتى نَتَّصِفَ بصفات أُولي الألباب، وحتى نعرف أَنَّ مَنْ آثَرَهُ على غيره فهو مِنْ أولي الألباب؟ قيل له: نعم، أَحْسَنُه ما نَصَّ اللهُ تعالى عليه بقوله: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا... ﴾ الآية.

 

فهؤلاء الذين يستمعون القرآن العظيم ويتَّبعونه هم الذين هداهم الله تعالى لأحسن الأخلاق والأعمال الظاهرة والباطنة، وهؤلاء هم أُولوا العقول الزكية. وَمِنْ لُبِّهِم وحزمهم، أنهم عرفوا الحَسَنَ وغيرَه، وآثروا ما ينبغي إيثاره على ما سواه.

 

وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل، سوى ذلك، فإن الذي لا يُميز بين حَسَنِ الأقوالِ وقبيحِها، ليس من أهل العقول الصحيحة. أو الذي يُميز، لكن غلبت شهوتُه عَقْلَه، فبقي عقلُه تابعًا لها، فلم يؤثر الأحسن، كان ناقِصَ العقل [5].

 

ولذلك جعل الله تعالى سماع القرآن العظيم من أسباب هداية الكفار ودخولهم في الإسلام، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6].

 

وكذلك جعل الله تعالى استماع القرآن سببًا لهداية الجن ودخولهم في الإسلام، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2]. فهؤلاء نفر من الجن أراد الله تعالى لهم الخير فصرفهم إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم، لسماع القرآن الكريم، ولتقوم عليهم الحجة، وتتم عليهم النعمة، ويكونوا منذرين لقومهم. وذلك: أنهم لَمَّا حضروه قالوا: أنصتوا. فلما أنصتوا، فهموا معانيه، ووصلت حقائقه إلى قلوبهم، ثم وَلَّوا إلى قومهم منذرين ومبشرين.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 29، 30].

 

المطلب الثالث: استماع القرآن سبب لخشوع القلب وبكاء العين:

المؤمنون عند تلاوتهم لكتاب الله تعالى أو استماعهم له تخشع قلوبهم وتذرف عيونهم، يُقبلون على ربهم راغبين راهبين، ومن ذنوبهم مستغفرين، وفي رضاه طامعين، ومن غضبه وعقابه وَجِلين.

 

ذلك كان شأن الصحابة رضي الله عنهم عند استماعهم وتلاوتهم للقرآن العظيم، وقدوتهم في ذلك نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم إمام الخاشعين الذي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «اقْرَأ عَلَيَّ» قالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ وعَليْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: «إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي». قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]. قالَ لِي: «كُفَّ أَوْ أَمْسِكْ» فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ [6].

 

وعند مُسلمٍ: قال ابنُ مسعود رضي الله عنه: رَفَعْتُ رَأْسِي، أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ. وفي رواية: فَبَكَى [7]. «قال ابن بطَّال: يحتمل أَنْ يكون أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَه من غيره ليكون عَرْضُ القرآن سُنَّةً، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونَفْسُه أخلى وأنشط لذلك من القارئ؛ لانشغاله بالقراءة وأحكامها»[8].

 

ومن الفوائد التي ذكرها النووي رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: «استحبابُ استماعِ القراءة، والإصغاء لها، والبكاء عندها، وتدبُّرِها، واستحبابُ طلبِ القراءةِ من غَيرِه لِيستَمِعَ له، وهو أبلغُ في التفهم، والتدبر من قراءته بِنَفْسِه، وفيه تَواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم»[9].

 

وهذه هي سُنَّة الأنبياء وطريقتهم جميعًا عليهم السلام عند استماعهم لكلام الله تعالى وآياته تفيض أعينهم بالدموع، وتخضع وتخشع قلوبهم وتتأثر من كلام الرحمن عزّ وجل، قال تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].

 

فهؤلاء الأنبياء العظماء من أبرز صفاتهم أنهم إذا سمعوا آيات الله تعالى تتلى عليهم تأثروا تأثرًا عظيمًا، يحصل منه لبعضهم البكاء والسجود، ولبعضهم قشعريرة الجلود ولين القلوب، والجلود كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23]. ﴿ وَبُكِيًّا ﴾ جمع باك [10]. عن أبي مَعْمَرٍ قال: قَرَأَ عُمَرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه سورة مريم، فَسَجَدَ، وقال: هذا السُّجودُ، فأين البُكِيُّ؟ يريد البكاء [11].

 

فهؤلاء الأنبياء عليهم السلام وَمَنْ معهم مِمَّنْ هدى الله تعالى واجتبى من الصالحين من ذريتهم، صفتهم البارزة إذا استمعوا لآيات الرحمن تتلى عليهم ﴿ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾؛ لأنهم أتقياء أصحاب قلوب حية، ترتعش قلوبهم لذلك، فلا تسعفهم الكلمات للتعبير عَمَّا يُخالج مشاعرهم من تأثر، فتفيض أعينهم بالدموع ويخرون لعظمة الله وكلامه سجدًا وبكيًا.

 

وهذه هي صفة أهل العلم كذلك، أنهم إذا استمعوا لكلام الله تعالى تأثروا فبكوا وزادهم ذلك خشوعًا وعلمًا ويقينًا، كما أخبر الله تعالى عنهم بقولهِ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107-109].

 

قال القرطبي رحمه الله: «هذه مبالغةٌ في صفتهم ومَدْحٌ لهم وَحُقَّ لكل من تَوَسَّمَ بالعلم وحَصَّل منه شيئًا أن يجري إلى هذه المرتبة، فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويَذِل. وفي مسند الدِّارمي أبي محمد عن التَّيْمِيِّ قال: مَنْ أُوتي من العلم ما لم يُبْكِه لخَلِيقٌ ألاَّ يكون أوتي علمًا [ينفعه]؛ لأن الله تعالى نَعَتَ العلماءَ، ثم تلا هذه الآية [12]. ذكره الطبري أيضًا [13]. والأذقان جمع ذَقْن، وهو مجتمع اللَّحْيين. وقال الحسن: الأذقان عبارة عن اللِّحى؛ أي: يضعونها على الأرض في حال السجود، وهو غاية التواضع»[14].

 

المطلب الرابع: استماع القرآن سبب لزيادة الإيمان:

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]. «ووجه ذلك: أنهم يُلقون له السَّمع، ويُحضرون قلوبَهم لتدبره فعند ذلك، يزيد إيمانهم»[15]. فهؤلاء المؤمنون عند استماعهم لآيات القرآن العظيم يُلقون إليها الأسماع في إصغاء وخشوع، وأدب وخضوع، وتفكر واعتبار.

 

فسماع القرآن العظيم «حادٍ يَحدُو القُلوبَ، إلى جوار عَلاَّم الغَيوبِ، وسائِقٌ يَسوقُ الأرواحَ إلى ديارِ الأَفراحِ، ومحرِّكٌ يُثيرُ ساكنَ العَزَمَاتِ، إلى أعلى المَقاماتِ وأَرفَعِ الدَّرَجاتِ، ومُنَادٍ يُنَادي للإيمانِ، وَدَلِيلٌ يَسيرُ بالرَّكَبِ في طريقِ الجِنَانِ، ودَاعٍ يَدعُو القُلُوبَ بالمسَاءِ والصَّباحِ، مِن قِبَل فَالِقِ الإصباحِ: حَيَّ عَلى الفلاحِ، حَيَّ على الفَلاحِ.

 

فَلم يَعدم من اختارَ هذا السَّماعَ إرشادًا لحُجَّةٍ، وتَبصرةً لعبرةٍ، وتذكرةً لمعرفةٍ، وفِكرةً في آيةٍ، ودِلالةً على رشدٍ، ورَدًّا على ضَلالةٍ، وإرشادًا من غَيٍّ، وبَصيرةً من عمًى، وأمرًا بمصلحةٍ، ونَهْيًا عن مَضَرَّةٍ ومَفسَدةٍ، وهِدَايةً إلى نُورٍ، وإخراجًا مِن ظُلمَةٍ، وزَجرًا عَن هوًى، وحَثًَا على تُقًى، وَجَلاءً لبصيرةٍ، وحياةً لِقَلبٍ، وغِذَاءً ودَواءً وشِفَاءً، وعصمَةً ونَجَاةً، وكَشفَ شُبهَةٍ وإيضاحَ بُرهانٍ، وتَحقيقَ حقٍّ، وإبطالَ باطلٍ.

 

فمن قُرئ عليه القرآنُ، فَليُقدِّر نَفسَه كَأنَّما يَسمَعُه من الله يُخاطِبُه بِه، وعندئذٍ تَزدَحِمُ معانِي المسموعِ ولطائفُه وَعَجَائِبُه عَلى قلبِه، شِئتَ مِن عِلمٍ وحِكمةٍ، وبَصِيرةٍ وهِدايةٍ، فيزدَادُ حَثًّا لِنَفْسِه، وسَفرًا إلى الغايةِ المقصودةِ بالمسموعِ الَّذي جُعِل وسيلةً إليها، وهو الحقُّ سبحانه، فإنَّه غايةُ كُلِّ مَطلَبٍ ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42]، وَلَيسَ وراءَ الله مَرمًى، ولا دونَهُ مستقرٌ، ولا تَقرُّ العينُ بغيره ألبَتَّةَ، وكُلُّ مَطلوبٍ سواهُ، فَظِلٌّ زائِلٌّ، وخَيالٌ مُفارِقٌ مائِلٌ، وإن تَمَتَّعَ به صاحِبُه، فمتَاعُ الغُرُورِ»[16].

 

وأما الكافر بخلاف المؤمن، فإنه إذا سمع كلام الله تعالى لا يؤثر فيه، ولا يتغيَّر حالُه، بل يبقى مستمرًا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله إلاَّ مَنْ أراد له الله تعالى السعادة في الدنيا والآخرة واستجاب للقرآن وقليلٌ ما هم، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 124، 125][17].



[1] انظر: فقه قراءة القرآن الكريم، لسعيد يوسف (ص49).

[2] تفسير القرطبي (1/ 23).

[3] تفسير السعدي (2/ 185).

[4] رواه مسلم، (4/ 2074)، (ح2699).

[5] انظر: تفسير السعدي (4/ 315).

[6] رواه البخاري، (3/ 1627)، (ح5055).

[7] رواه مسلم، (1/ 551)، (ح800).

[8] فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 117).

[9] صحيح مسلم بشرح النووي (6/ 329).

[10] انظر: أضواء البيان (4/ 330).

[11] رواه الطبري في «تفسيره» (16/ 73، 74) وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 277).

[12] رواه الدَّارمي في «سننه»، (1/ 85)، رقم (291).

[13] في «جامع البيان» (15/ 121).

[14] الجامع لأحكام القرآن (10/ 347، 348)، وانظر: تفسير ابن كثير (5/ 134).

[15] تفسير السعدي (2/ 188).

[16] مدارج السالكين (1/ 485).

[17] انظر: تفسير ابن كثير (6/ 143).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضائل استماع القرآن (خطبة)
  • تأثير استماع القرآن في المؤمنين
  • تأثير استماع القرآن في أعدائه وخصومه
  • عبودية استماع القرآن العظيم (خطبة)
  • عبودية استماع القرآن العظيم (باللغة الأردية)

مختارات من الشبكة

  • مفهوم الفضائل والمناقب والخصائص والبركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العفو والصفح - فضل حسن الخلق - فضل المراقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فضل القرآن وفضل أهله وأهمية قراءته للمسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إذاعة مدرسية عن حفظ القرآن وفضل تعلم القرآن الكريم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فضل تلاوة القرآن من القرآن والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نسبة الفضل لله {ذلك من فضل الله علينا}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل الرب العلي فيما فضل الله به النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل شهر الله المحرم وفضل صومه وصيام عاشوراء(محاضرة - ملفات خاصة)
  • خطبة عن فضل عشر ذي الحجة وفضل الأضحية وأحكامها(مقالة - ملفات خاصة)
  • أحاديث في فضل العلم: 110 حديثا وأثرا في فضل العلم وبيان آدابه (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب