• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات
علامة باركود

مكة البلد الآمن

مكة البلد الآمن
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2019 ميلادي - 27/12/1440 هجري

الزيارات: 12694

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مكة البلد الآمن

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: تحريم الله تعالى للبلد الحرام لا ينفكُّ من أعظم النِّعم التي تفضَّل بها سبحانه على هذا البلد، وكانت له آثار عظيمة لعلَّ من أهمها نِعمة الأمن التي يَنعم بها هذا البلد دون سائر بلدان الدنيا؛ فسائر بلدان الدنيا قد تأمن بجهود بشرية قاصرة مهما بلغت من الدقة والعناية، ومهما اتَّخذت من الاحتياطات والتَّدابير، أما مكة المكرمة فأَمْنُها إنما هو صادر من ربِّ البشرية بتكليفٍ إلهي، وأمرٍ رباني، فجعله الله تعالى بلداً آمناً مُحترماً أشد الاحترام؛ يأمن فيه الناس على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وحتى مَنْ جنى جنايةً خارج الحرم ثم لجأ إليه فإنه يأمن، ولا يُقام عليه الحد حتى يخرج منه، مبالغة في تحقيق الأمن، وسدًّا للذرائع التي يتذرَّع بها بعض الناس تحت أيِّ سببٍ من الأسباب، وهذا الأمن متوفِّر للناس حتى في أيام الجاهلية، يجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يُهيجه، مما يدل على كمال الاعتناء منه سبحانه بهذا البيت العظيم، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ومن الآيات التي تؤكد هذا المعنى:

 

الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة:125].

أي: (يأمن به كلُّ أحد حتى الوحش وحتى الجمادات كالأشجار، ولهذا كانوا في الجاهلية - على شركهم - يحترمونه أشد الاحترام، ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يهيجه، فلما جاء الإسلام زاده حرمةً وتعظيماً وتشريفاً وتكريماً)[1].

 

وذكر الماوردي - رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ وَأَمْنًا ﴾ قولين:

(أحدهما: لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب، لقوله: ﴿ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش:4].

 

والثاني: لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه)[2].

 

الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران:97].

وهذا حكم ثابت قبل الإسلام وبعده، وليس خبراً عمَّا مضى، فهو خبر يراد به الأمر[3].

 

قال ابن القيم - رحمه الله - في دلالة الآية: (وهذا إما: خبر بمعنى الأمر؛ لاستحالة الخُلف في خبره تعالى، وإمَّا: خبر عن شرعه ودينه الذي شرعه في حَرَمه، وإمَّا: إخبار عن الأمر المعهود المستمر في حَرَمه في الجاهلية والإسلام، كما قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت:67]. وقوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: ٥٧])[4].

 

الأمن لمَنْ ارتكب جناية خارج الحرم ثم لجأ إليه:

ذكر الطبري - رحمه الله - اتفاق السلف: على أنَّ مَنْ ارتكب جنايةً خارج الحرم ثم عاذ بالحرم، لا يُقام عليه الحدُّ فيه، وأنه لا بد من إخراجه ليُقام عليه الحدُّ.

 

ونص كلامه - رحمه الله: (فإن قال قائل: وما منعك من إقامة الحد عليه فيه (أي: في الحرم)؟ قيل: لاتفاق جميع السلف: على أنَّ مَنْ كانت جريرته في غيره، ثم عاذ به، فإنه لا يؤخذ بجريرته فيه) [5].

 

وما أجمل ما قرره السعدي - رحمه الله - في تأكيده على هذا المعنى قائلاً: (مَنْ دخله كان آمناً شرعاً وقدراً، فالشَّرع: قد أمر اللهُ ورسولُه إبراهيمُ ثم رسولُه محمد باحترامه وتأمين مَنْ دخله، وألاَّ يُهاج، حتى إن التحريم في ذلك شمل صيودها وأشجارها ونباتها، وقد استدل بهذه الآية مَنْ ذهب من العلماء أن مَنْ جنى جنايةً خارج الحرم ثم لجأ إليه أنه يأمن، ولا يُقام عليه الحد حتى يخرج منه، وأمَّا تأمينه قَدَراً: فلأنَّ اللهَ تعالى بقضائه وقدره وضع في النفوس حتى نفوس المشركين والكافرين به احترامَه، حتى إن الواحد منهم مع شدة حميتهم ونعرتهم وعدم احتمالهم للضيم يجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم فلا يُهيجه)[6].

 

ويُستفاد من ذلك: أنَّ الله تعالى كما أمر بحُرمته وتأمينه شرعاً، أودع في النفوس فطرةَ احترامه وتقديسه؛ فوافق الشرعُ الطَّبعَ، وكلاهما من عند الله تعالى.

 

مَنْ ارتكب حداً داخل الحرم يُقام عليه فيه:

وذكر الطبري - رحمه الله - اتفاق السلف كذلك: على أنَّ مَنْ ارتكب ما يوجب الحدَّ داخل الحرم، يُقام عليه الحدُّ فيه.

 

ونص كلامه: (فأما مَنْ أصاب الحدَّ فيه (أي: في الحرم)، فإنه لا خلاف بين الجميع في أنه يُقام عليه فيه الحد، فكلتا المسألتين أصل مُجمع على حكمهما على ما وصفنا)[7].

 

وإقامة الحد فيه إنما هو من باب: الجزاء من جنس العمل، فكما أنه لم يحترم حُرْمَتَه، وأصاب ما يوجب الحد داخله، فقدْ فَقَدَ نعمة الأمن به؛ لأنه هو الذي ضيَّعها جزاءً وفاقاً.

 

وكذلك فإنَّ إقامة الحد فيه على مَنْ أصاب حدًّا فيه له حكمة أخرى، وهي: ألاَّ يُستهان به وبحرمته، فيكون مسرحاً تُمارس فيه الجرائم تحت دعوى أمن الجاني من العقوبة داخله.

 

لا تعارض بين الآية ووجوب إخراج الجاني:

لا تعارضَ بين قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران:97]. وبين قول أهل العلم: بوجوب إخراج الجاني من الحرم؛ ليُقام عليه الحدُّ خارجه.

 

فالأمن لمَنْ دخله بدون جناية أو جريرة، أما مَن ارتكب جنايةً أو جريرةً فإنَّ الحرم لا يمنحه الأمن[8]، ووجوب إخراجه منه ليقام عليه الحدُّ خارجَه.

 

تأويلات باطلة للآية:

هناك مَنْ أوَّل معنى الأمن في الحرم بتأويلات فاسدة وباطلة تُعارض إجماع المسلمين، وهو ما نبَّه عليه أهل العلم، ومِمَّن نبَّه عليه، ابن تيمية رحمه الله حيث قال:(ومَنْ ظنَّ أن مَنْ دخل الحرم كان آمناً من عذاب الآخرة، مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها، ومع ارتكاب المحارم! فقد خالف إجماع المسلمين، فقد دخل البيتَ من الكفار والمنافقين والفاسقين مَنْ هو من أهل النار بإجماع المسلمين)[9].

 

وأكَّد ابن القيم - رحمه الله - ذلك قائلاً: (وما عدا هذا من الأقوال الباطلة، فلا يُلتفت إليه؛ كقول بعضهم: ومَنْ دخله كان آمناً من النار! وقول بعضهم: كان آمناً من الموت على غير الإسلام! ونحو ذلك، فكم مِمَّن دخله وهو في قعر الجحيم)[10].

 

الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ ﴾ [البقرة: 126]. وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ﴾ [إبراهيم: 35].

 

أي: (آمِناً من الجبابرة وغيرِهم أن يُسَلَّطوا عليه، ومن عقوبةِ الله أن تناله كما تنال سائر البلدان؛ من خَسْفٍ، وانتقالٍ، وغَرَقٍ، وغيرِ ذلك من سَخَطِ الله ومَثُلاتِه[11] التي تُصيب سائر البلاد غيره)[12].

 

سبب دعائه له بالأمن:

(دعا إبراهيم له بالأمن؛ لأنه بلد ليس فيه زرع ولا ثمر، فإذا لم يكن آمناً، لم يُجلب إليه شيء من النواحي فيتَعَذَّر المُقام به. فأجاب الله تعالى دعاء إبراهيم - عليه السلام - وجعله بلداً آمناً، فما قصده جبار إلاَّ قصمه الله تعالى؛ كما فَعَل بأصحاب الفيل، وغيرهم من الجبابرة.

 

فإن قلت: قد غزا مكةَ الحَجَّاجُ وخرَّب الكعبة. قلتُ: لم يكن قصده بذلك مكةَ ولا أهلَها ولا خراب الكعبة، وإنما كان قصده خَلْعَ ابنِ الزبير من الخلافة، ولم يتمكَّن من ذلك إلاَّ بذلك، فلمَّا حصل قصدُه أعاد بناءَ الكعبة، فبناها وشيَّدها، وعظَّمَ حُرْمَتها، وأحسن إلى أهلها)[13].

 

(ولقد كانت دعوة إبراهيم - عليه السلام - هذه من جوامع كلم النبوءة؛ فإن أمن البلاد والسُّبُلِ يستتبع جميع خصال سعادة الحياة، ويقتضي العدل والعزة والرخاء، إذ لا أمن بدونها، وهو يستتبع التعميرَ والإقبالَ على ما ينفع والثروةَ، فلا يختل الأمن إلاَّ إذا اختلت الثلاثةُ الأُوَل، وإذا اختلَّ اختلت الثلاثةُ الأخيرة، وإنما أراد بذلك تيسير الإقامة فيه على سكانه؛ لتوطيد وسائل ما أراده لذلك البلد من كونه منبع الإسلام)[14].

 

الفرق بين التنكير والتعريف في الدعوتين:

جاءت دعوة إبراهيم - عليه السلام - في (سورة البقرة) على التنكير في قوله: ﴿ بَلَدًا آمِنًا ﴾، وفي (سورة إبراهيم) على التعريف في قوله: ﴿ الْبَلَدَ آمِنًا ﴾، فما الفرق بين الدعوتين؟


تنوعت عبارات المفسرين في الفرق بين الدعوتين، ومن ذلك:

1- قال ابن كثير - رحمه الله:(قال في هذه السورة: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾ [البقرة:126]. أي: اجعل هذه البقعة بلداً آمناً، وناسب هذا؛ لأنه قبل بناء الكعبة، وقال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ﴾ [إبراهيم:35]. وناسب هذا هناك؛ لأنه - والله أعلم - وقع دعاء مرة ثانية بعد بناء البيت واستقرار أهله به، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنَّاً من إسماعيل بثلاث عشرة سنة، ولهذا قال في آخر الدعاء: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم:39].)[15].

 

2- وقال الرازي - رحمه الله: (الدعوة الأُولى وقعت ولم يكن المكان قد جُعِل بلداً، كأنه قال: اجعل هذا الوادي بلداً آمناً؛ لأنه تعالى حكى عنه أنه قال: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ [إبراهيم:37]، فقال ههنا: اجعل هذا الوادي بلداً آمناً، والدعوة الثانية وقعت وقد جُعِل بلداً، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيَّرته بلداً ذا أمن وسلامة)[16].

 

3- وجاء في الإتقان: (لأنَّ الأَوَّل: دعا به قبل مصيره بلداً، عند ترك هاجر وإسماعيل به، وهو وادٍ، فدعا بأن يصير بلداً. والثاني: دعا به بعد عوده وسُكنى جُرهم به، ومصيره بلداً، فدعا بأمنه)[17].

 

الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت:67].

 

يُذَكِّر الله تعالى كفَّار قريش بأهمِّ نعمة أنعم بها عليهم، واختصَّهم بها دون غيرهم، وهي حرمُه الآمن المعظَّم، الذي جعله عندهم، ولقد (كانت العرب حول مكة يغزو بعضهم بعضاً، ويتغاورون، ويتناهبون، وأهل مكة قارُّون آمنون فيها، لا يُغزَون ولا يُغار عليهم مع قلتهم وكثرة العرب، فذكَّرهم الله هذه النعمة الخاصة عليهم، ووبَّخهم بأنهم يؤمنون بالباطل الذي هم عليه، ومثل هذه النعمة المكشوفة الظاهرة وغيرها من النعم التي لا يقدر عليها إلاَّ الله وحده مكفورةٌ عندهم)[18].

 

وتذكير أهل مكة بنعمة الأمن هذه؛ لأنهم كانوا مقرِّين ومُوقنين بأنَّ الله وحده هو صاحب هذه النعمة؛ فلم يُشركوا معه غيره فيها، ويؤكِّد ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾ [النمل:91]. فجاء وَصْفُ الله تعالى في الآية بقوله: ﴿ الَّذِي حَرَّمَهَا ﴾؛ لأنه معلوم لديهم أنه صاحب الفضل في تحريمها، وليس للأصنام التي يشركون بها من سبيلٍ إلى ذلك.

 

فوبَّخهم سبحانه بالاستفهام في آخر الآية بقوله: ﴿ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ [العنكبوت:٦٧]؛ لأنهم جحدوا الحقَّ الذي يعرفون، وآمنوا بالباطل الذي يعيشون فيه.

 

وارتباط الأمن بمكة (بلد الله الحرام)، ارتباط ضمني وضروري، ففيها بيت الله الحرام، وبها المناسك والمشاعر، وارتبطت بها عبادة الحجِّ والعمرة، وهذا يقتضي أن يقصدها الناس من كلِّ حَدَبٍ وصوب، وأن يمكثوا بها وقتاً لقضاء مناسكهم، وهذا يعني ضرورةً أن يكون المكان آمناً وإلاَّ زهد الناس في الذهاب إليه وخشوا على أنفسهم وأموالهم.

 

كما أنَّ الله سبحانه وتعالى قد دعا دعوةً، وضَمِن ضماناً، وقَطَع وعداً؛ فأمَّا الدَّعوة: فهي قوله تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾ [الحج: 27]، حيث أَمَر نبيَّ الله إبراهيمَ - عليه السلام - بأن يدعو الناس إلى حجِّ بيته الحرام. وأمَّا الضَّمَان: فهو قوله تعالى: ﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: ٢٧]، حيث ضمن أن يلبي الناس دعوته إلى حجِّ بيته الحرام بما أودعه فيهم من خالص الإيمان وتعظيم البيت والشوق إليه، وأمَّا الوعد: فهو أن يكون هذا المكان آمناً إلى يوم القيامة، إذ إنهم ضيوفٌ على الرحمن في حِماه وحَرَمِه، وسوف يُحسن وِفادتهم بما يناسب عظيم كرمه، وأوَّل ذلك هو حفظ هؤلاء الضُّيوف وحمايتهم وصيانتهم.



[1] تفسير السعدي، (1 /65).

[2] تفسير الماوردي، (1 /185).

[3] انظر: أحكام القرآن، لابن العربي (1 /285)؛ تفسير القرطبي، (4 /140).

[4] زاد المعاد، (3 /445).

[5] انظر: تفسير الطبري، (4 /14)؛ أضواء البيان، (5 /139).

[6] تفسير السعدي، (1 /139).

[7] انظر : تفسير الطبري، (4 /14).

[8] انظر: تفسير الطبري، (4 /14).

[9] مجموع الفتاوى، (18 /343).

[10] زاد المعاد، (3 /445).

[11] المَثُلات: جمع مَثُلة، بفتح الميم وضم الثاء كسَمُرة، وبضم الميم وسكون الثاء كعُرْفة: وهي العقوبة الشديدة التي تكون مِثالاً تُمَثَّلُ به العقوبات. والمَثُلات: هي العقوبات التي تزجر عن مِثْلِ ما وقعت لأجله. انظر: مقاييس اللغة، (5/297)؛ التحرير والتنوير، (13 /92).

[12] تفسير الطبري، (1 /541).

[13] تفسير الخازن، (1 /108).

[14] التحرير والتنوير، (1 /715).

[15] تفسير ابن كثير، (1 /175).

[16] تفسير الرازي، (4 /210).

[17] الإتقان في علوم القرآن، (3 /307).

[18] الكشاف، (3 /469).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فتح مكة (خطبة)
  • وداع الأحبة إلى المدينة ومكة
  • مكة أحب البلاد إلى الله تعالى
  • المفاضلة بين مكة والمدينة
  • دوام الإيمان في مكة والمدينة إلى قيام الساعة
  • حماية الملائكة لمكة والمدينة
  • مكة البلد الحرام
  • رواء مكة.. قصة تحول في رحاب الحرم

مختارات من الشبكة

  • خطبة أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأمن في الحج(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • أسس الأمن الفكري في الثقافة لمحمد بن سرار اليامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من أين يحرم المقيمون في مكة للحج؟(مقالة - ملفات خاصة)
  • فتح مكة والخروج إلى مكة(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • مخطوطة زبدة الأعمال وخلاصة الأفعال في تاريخ مكة والمدينة الشريفة (منتقى من تاريخ مكة للأزرقي)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التأثير النفسي لرحلة الحج إلى مكة المكرمة على المسلم (فضائل مكة PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أهمية بناء الأمن الفكري(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أصول الأمن الغذائي في ضوء القرآن والسنة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أثر الإيمان بالله تعالى في تحقيق الأمن النفسي(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب