• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / عروض الكتب
علامة باركود

عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض

عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
محمود ثروت أبو الفضل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/3/2014 ميلادي - 11/5/1435 هجري

الزيارات: 59787

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عرض كتاب

العلم والعلماء للعلامة زيد الفياض

 

• اسم الكتاب: العلم والعلماء.

• المؤلف: زيد بن عبدالعزيز الفياض.

• سنة النشر: 1433 هـ - 2012م.

• دار النشر: دار الألوكة للنشر.

• الطبعة: الأولى.

• صفحات الكتاب: 510.

 

صدر عن دار "الألوكة" للنشر - في باكورة مطبوعاتها - كتاب "العلم والعلماء"؛ للشيخ المربي "زيد بن عبدالعزيز الفياض" - رحمه الله - وهي أول مرة تطبع فيها مؤلفات الشيخ "زيد الفياض"، ومخطوطات كتبه، وتراثه، وينشر نتاجه العلمي والأدبي المميز في صورة مشروع متكامل، بالتعاون مع أسرته، وهذا الكتاب - خاصةً - يعد من أمتع ما جمعه الشيخ "زيد الفياض" بدأبه وحسن انتقائه، وضم منثور حكمه ولطيف فوائده؛ من خلال سعة غوصه في بطون كتب التراث، ودربته في النظر في أسفار التراجم وسير أهل العلم؛ حيث نلمح من خلال فصول هذا الكتاب سعة حب الشيخ الراحل "زيد الفياض" للعلم والعلماء، واحتفاءه بهم، وبسيرهم، وبما ورد في أخبارهم وتراجمهم.

 

وقد أراد الشيخ "زيد الفياض" بمصنفه هذا تذكيرَ العرب والمسلمين بفضل أسلافهم الأوائل في الاهتمام بالعلم، وتقدير أهله، وريادتهم في تأصيل النزعة العلمية وقت تسيد المسلمين العالم، ويرى الشيخ "الفياض" أن تأخر المسلمين في الوقت الحالي راجع لمؤامرة استعمارية خبيثة، هدفت في المقام الأول إلى الحط من شأن العلم، وقتل الكفاءات العلمية في البلاد الإسلامية؛ حتى لا ينتبه المسلمون إلى طريق ريادتهم، وبعثهم من انحطاطهم الحضاري في المستقبل، يقول الشيخ "زيد الفياض" في مقدمة كتابه:

"لقد أراد الغرب المستعمر - كجزء من حملته على الإسلام - أن يبعد المسلمين عن تراثهم، فنشأت أجيال جاهلة بأمجادها، معجبةٌ بثقافة أوربا وحضارتها ومدنيتها، مستهينةٌ بما خلفه السلفُ الأماجد من علم وثقافة، هما من أعظم ما تفخر به الأمم، وتستنير به الشعوب"؛ صـ6.

 

ويرى الشيخ "زيد الفياض" أن السبيل إلى استعادة الريادة الحضارية التي تُعَد من أهم خصائص الإسلام ومقوماته الحضارية لن يكون إلا بالعودة إلى مَعِينَي الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وتطبيقهما واقعًا حياتيًّا معاشًا، إلى جانب دراسة علم الأوائل، والبحث عن الكنوز التي ورثها السلف للخلف بعد عناية فائقة، واجتهاد بالغ، وتبويب وترتيب، وجرح وتعديل، وتصحيح وتمييز.

 

وقد حاول الشيخ "زيد الفياض" في هذا الكتاب أن يعطي "... صورة مصغرة لحال أولئك العلماء المسلمين الذين قدموا للإنسانية علمًا عظيمًا، وتراثًا حافلاً"؛ عله يكون ذلك دافعًا للعودة إلى تقدير العلم وآله، وعلو الهمة من جانب شباب الإسلام في الاهتمام بالتراث العلمي الذاخر لعلماء المسلمين في العصور السابقة.

 

والشيخ "زيد بن عبدالعزيز الفياض" (1350-1416 هـ) تميميّ وهيبيّ، مِن المعاضيد من المشارفة، من بطون العرب، وُلِد في رَوضة سدير عامَ (1350هـ)، وفي عام (1362هـ) أرسله والدُه إلى الرياض لطلب العِلم.

 

فالْتحق بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم لدَى عليِّ بن عَبدالله بن شاكر، ومحمد بن أحمد بن سنان، فقرأَ القرآن بطريقة مُجوَّدة.

 

ودَرَس على عددٍ من العلماء والمشايخ، منهم: سماحةُ الشّيخ محمد بن إبراهيم آل الشّيخ، وأخوه الشّيخ عَبداللطيف بن إبراهيم آل الشّيخ، والشّيخ سعود بن رشود، والشّيخ إبراهيم بن سليمان، والشّيخ عَبدالرحمن بن قاسم.

 

وفي عام (1376هـ) تخرَّج في كلية العلوم الشرعيَّة (الشريعة حاليًّا) بالرياض، وكان ترتيبه الأوَّل أيضًا، وكان متقدِّمًا في دراسته باستمرار.

 

وفي المعهَد والكلّية درَس على عدد من العلماء، منهم: الشّيخ محمد الأمين الشنقيطي (صاحب أضواء البيان) في علوم التفسير والتاريخ واللُّغة، وسماحة الشّيخ عَبدالعزيز بن باز، والشّيخ عَبدالعزيز بن ناصر الرشيد، والأساتذة: يوسف عمر، وعَبداللطيف سَرحان، ويوسف الضّبع، وعَبدالرازق عفيفي، ومحمد عَبدالرحيم، والخمسةُ من مصر، وغير هؤلاء.

 

وكان يكتُبُ في بعضِ الصُّحف في مواضيعَ متعدِّدة قبلَ أن يتخرَّج في الكلية، كما كان مشتغلاً وقتها بتأليف وتنقيح كتابه "الروضة الندية شرْح العقيدة الواسطية" الذي طُبِع بعد تخرُّجه.

 

وكان - رحمه الله - ضمنَ أوَّل دفعة تخرَّجت في كلية (دار العلوم الشرعية) سابقًا (كلية الشريعة) حاليًّا، وذلك عام (1376هـ)، وكان ترتيبُه الأوَّل.

 

وقد تولَّى - رحمه الله - بعد تخرجه رئاسةَ تحرير صحيفة اليمامة، بترشيح من سماحة الشّيخ العلاَّمة محمد بن إبراهيم - رحمه الله - ثم أسس صحيفة الدعوة، وكان لمقالاته التي عاصر فيها مشكلات العالم الإسلامي أثرُها البالغ داخليًّا وخارجيًّا، حيث سرعان ما مُنعَ من الكتابة، وفُصل من عمله على إثر إحدى تلك المقالات في 15/8/1389هـ.

 

أما حياته العملية، فقد عمل فورَ تخرُّجه في كلية الشريعة عضوًا بدار الإفتاء، وذلك في 13/11/1376هـ بترشيح من سماحة الشّيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - ثم رَغِب في التدريس، حيث انتقل إلى التدريس بالمعهد العلمي، وذلك في 20/4/1377هـ، ثم نقل إلى التدريس بكلية العلوم الشرعيَّة بالرياض، ثم عين عضوًا في رئاسة القضاة، فعمل مساعدًا لمدير عام المكتبات بوزارة المعارف، وفي 9/5/1401هـ انتقل من وزارة المعارِف إلى جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة، ثم تقاعد من الجامعة في 1/3/1409هـ بناءً على طلبه، وتفرَّغ للبحث والتأليف، حيث أكملَ بعضَ مؤلَّفاته التي كان قد بدأ في تأليفها، إضافةً إلى تأليف عدد من المؤلَّفات الجديدة.

 

وكان - رحمه الله - شاعرًا بارعًا، وصاحِبَ اتِّجاه إسلامي في شِعْره القوي الرصين، وتغلب على كتاباته النزعةُ الأدبية إلى جانب التمكن الشرعي.

 

ومن أهم مؤلفاته: "الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية"، "نظرات في الشريعة"، "واجب المسلمين في نشر الإسلام"، "دفاع عن معاوية"، "اليهود والحركات السرية"، "صور من الجهاد"... وغيرها الكثير.

 

تقسيم الكتاب:

يعتبر الكتاب سلسلة من الفوائد واللطائف التي جمعها الشيخ "زيد الفياض" وتصرف فيها بقلمه، وولف بينها في صورة أدبية لطيفة، على أمل تنقيح الكتاب فيما بعد، والعمل على تبويب فصوله، وتعديل ما حوته أوراقه ومسودة الكتاب لاحقًا، ويبدو أن الشيخ "زيد الفياض" لم يعد ثانية للكتاب، واستمر في الإضافة إليه طيلة حياته على أمل إثراء الكتاب بالمزيد والمزيد من تلك الفرائد المتنوعة من سير العلم والعلماء، ثم تركه على حالته تلك، فاجتهد بنو الشيخ "الفياض" ومحررو كتبه بتبويب هذه الفصول الغنية وترتيبها وتحريرها، وتصحيحها، والربط بينها على قدر الاستطاعة حسب فهمهم لمنهج الشيخ "زيد الفياض" الذي أراده في كتابه؛ مما أخرج لنا هذه الصورة التي تعد في جملتها من المحاولات الجديرة بالثناء والشكر على حسن الجهد والتعايش مع منهج الكاتب.

 

وقد نوه الشيخ "زيد الفياض" إلى هذا في مقدمة كتابه؛ حيث بيَّن أن مشروع كتابه كان مشروعًا تراكميًّا تنقيحيًّا، يعتمد في المقام الأول على سَعة اطلاعه على متون التراث والإحاطة بها، وصنعة قلمه فيها؛ يقول الشيخ "زيد الفياض":

"لقد كان عليّ أن أرجع إلى كتب كثيرة جمعت منها هذه النماذج التي كانت مبعثرة بين كتب الحديث والتاريخ، والتراجم والمعاجم، وكتب الأدب واللغة، ومن بعض المجلات والصحف، ورتبتها حسب ما رأيت أنه الأنسب، وربطت بينها بأسلوبٍ آمُلُ أن أكون موفقًا فيه".

 

وأشار الشيخ "زيد الفياض" - في موضع آخر - أنه كان في سبيل حذف زوائده، واختصاره قدر الإمكان، ربما في مرحلة تالية لعملية جمعه: "وقد أقف أحيانًا حائرًا في أنواع كثيرة من العلم، هل أضيفها إلى هذا الكتاب؛ لصلتها بموضوعه، أو أكتفي بأبواب منها وفصول وإشارات؛ لئلا يخرج عن إطاره ويصبح في عداد الكتب الضخام؟ وأنا أريده كتابًا لا يصعب حمله، ولا يشق شراؤه، ولا يضجر قارئه..."؛ صـ7.

 

وجاءت عناوين فصول الكتاب على النحو التالي:

المقدمة.

الفصل الأول: الرحلة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله.

الفصل الثاني: من آداب العلم.

الفصل الثالث: هيبة العلماء وتوقيرهم.

الفصل الرابع: نشر العلم ومذاكرته.

الفصل الخامس: سؤال العلماء وقول: لا أدري، فيما لا يعلمه.

الفصل السادس: الحرص على جمع الكتب.

الفصل السابع: الطب عند المسلمين القدماء.

الفصل الثامن: تعلم الفروسية.

الفصل التاسع: مؤلفون مكثرون.

الفصل العاشر: نماذج من العلماء.

الفصل الحادي عشر: من طرائف العلماء.

الفصل الثاني عشر: فُكاهات ومُلَح.

الفصل الثالث عشر: أجوبة طريفة.

الفصل الرابع عشر: جوائز.

الفصل الخامس عشر: تشجيع ذَوي المواهب والذَّكاء.

الفصل السادس عشر: نبوغ العُميان.

الفصل السابع عشر: من نوادر العُميان.

الفصل الثامن عشر: ابتلاءات ومِحَن.

الفصل التاسع عشر: العلم يقوِّي الإيمان.

الفصل العشرون: متفرِّقات.. يجمعها حبُّ العلم.

 

وختم الكاتب كتابه بذكر لأهم المراجع التي رجع إليها في استنباط تلك الفوائد والفرائد، وقد قام الكاتب - بالإضافة إلى ذلك - في خلال صفحات الكتاب بالإشارة إلى كل مصدر للفائدة في موضعه بعد ذكر الفائدة؛ وذلك من باب التوثيق، ولرجوع القارئ إن أحب الاستزادة والتحقق.

 

وقد أجاد الشيخ "زيد الفياض" في عرض الفكرة الرئيسية للكتاب، وإن كان قد مال في بعض مواضع الكتاب للإطناب في بعض فصوله، والاختصار في بعضها الآخر، مع تكرار بعض الفوائد من خلال عدة روايات، وذكر نفس الحادثة من أكثر من كتاب، وعدم ترتيب الفوائد زمنيًّا أو مكانيًّا، وإن كان منهج الكاتب كان أكثر من مميز؛ حيث قدم لأكثر من فائدة بذكر نبذة مختصرة عن صاحبها ومكانته العلمية وبعض ملابسات الشاهد من ترجمته في بيان موضوع فصله، والكتاب بصفة عامة مشوق للقراءة، جدير بالمطالعة، قد أجمل الشيخ "زيد الفياض" في موضوعه، وجمع فيه السمين النافع الذي يصور جانبًا من الحياة العلمية الثرية التي احتفى بها المسلمون واتخذوها منهاجًا حياتيًّا.

 

وتنوعت ترجمات الكتاب ما بين القديم والحديث، إلى جانب تضمين الشيخ "زيد الفياض" الكتاب بعضَ المقالات الهامة المميزة في ترجمات معاصرة بروح العصر لكثير من العلماء القدامى، بحيث لا يستوحش القارئ الجديد من صعوبة بعض الترجمات القديمة وغربة بعض ألفاظها على سمعه في الترجمة المشار إليها.

 

الرحلة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله:

ذكر الكاتب في هذا الفصل رحلات كثير من العلماء في طلب العلم؛ وعلى الأخص علماء الحديث، وذلك من خلال ترجماتهم التي وضعوها لأنفسهم، أو التي كتبها عنهم تلاميذهم، والرحلةُ في طلب العلم من أشرف السعي الذي حرص عليه المسلمون في عصورهم الذهبية، حيث ارتحل أغلب أئمة الإسلام في طلب العلم وتحصيله من كبار العلماء رغم بعد المسافات ومشقة السفر.

 

وكان العلم ينقل شفاهةً وروايةً، وهو من دلائل حفظ الله لكتابه وسنة رسوله من التبديل أو التحريف والتغيير، ودلالة على شرف العلم ورفعة قدره، والمكانة التي حظي بها في دولة الخلافة الإسلامية على امتداد عصورها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

 

وقد تناول الشيخ "زيد الفياض" أمثلة من عهد الصحابة للارتحال في طلب العلم والتحقق من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد رحل جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - إلى الشام؛ للتحقق من حديث عند أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورحل أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - من المدينة إلى مصر؛ ليسأل عقبة بن عامر عن حديث سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

أما عن سير العلماء في العصور اللاحقة، فقد زخرت بذكر أخبار الارتحال في طلب العلم، والحث عليه، والترغيب فيه، قال الشعبي: "لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمةَ حكمةٍ، ما رأيتُ سفره ضائعًا".

 

بل وعدَّ كثير من العلماء القعود عن طلب العلم تضييعًا له، ونكوصًا عن الدعوة الربانية بضرورة التعلم، قال ابن مُناذر: سألتُ عمرو بن العلاء: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: ما دام تَحسُن به الحياة.

 

وقال ابن مسعود: "إن الرجل لا يُولد عالمًا، وإنما العلم بالتعلُّم".

 

وقد أورد الكاتب سيرة ارتحال الشاذكوني في طلب العلم، والديلمي، ونوفل بن عبدمناف، وأبو بكر بن زنجويه، ورحلة ارتحال الشافعي من كتاب "ثمرات الأوراق" لابن حجة الحموي، من رواية تلميذه الربيع بن سليمان، ثم أوردها مرة أخرى عن طريق حسين الكرابيسي، ونلمح في تلك القصة الممتعة عدة دلائل، من أهمها: دأب الشافعي ونبوغه المبكر منذ بدايات طلبه الحديث، وحسن لقائه بالإمام مالك بن أنس، وسعة علم مالك وتواضعه مع تلميذه النابغة، وقصة لقائه بالرشيد حيث ولاه هارون الرشيد أمر الصدقات بنجران بعد قدومه العراق، ومناظرته مع أصحاب أبي حنيفة في العراق، كمحمد بن الحسن وغيره، ثم ارتحاله إلى مصر بعد ذلك، ونشره مذهبه، والصعوبات والابتلاءات التي مر بها خلال طلبه العلم، وصبره عليها.

 

من آداب العلم:

بيَّن الكاتب في هذا الفصل جملة من دأب العلماء في تحصيل العلم، والمشقة في تحصيله؛ مما أورثهم الأدب مع العلم والعلماء، فالعلم الموروث بالمشقة والعناية جعل طلابه أحرصَ في حفظ مقامه ومقام أهله، قال ابن شهاب يعظ يونس بن يزيد: "يا يُونُسُ، لا تُكابِر العلمَ؛ فإن العلم أوديةٌ، فأيها أخذتَ فيه، قطع بك قبل أن تَبلُغَهُ، ولكن خُذْهُ مع الأيام والليالي، ولا تأخُذ العلم جُملةً؛ فإن من رام أخْذَهُ جُملةً، ذهب عنهُ جُملةً، ولكن الشيءُ بعد الشيء مع الليالي والأيام".

 

وقال يحيى بن سعيد القطان: سمعتُ شعبة يقول: "كل من سمعت منه حديثًا، فأنا له عبد".

 

وقال أبو بكر الخلال: "خرج أبو بكر المروذي إلى الغزو فشيعوه إلى سامراء، فجعل يردهم فلا يرجعون، قال: فحزروا فإذا هم بسامراء، سوى من رجع، نحو خمسين ألفًا، فقيل له: يا أبا بكر، احمد الله! فهذا علم قد نشر لك، فبكى وقال: ليس هذا العلم لي، إنما هو علم أحمد بن حنبل".

 

وحضر بعض أولاد الخليفة المهدي عند شريك، فاستند إلى حائط وسأله عن حديث، فلم يلتفت إليه شريك، ثم عاد فعاد شريك بمثل ذلك، فقال: أتستخف بأولاد الخلفاء؟ قال: لا، ولكن العلم أجلُّ عند الله من أن أضيعه، ويروى: العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه.

 

ومن آداب العلم: احترام العلماء، ومعرفة قدرهم، والتواضع معهم، قال الربيع: "والله ما اجترأتُ أن أشرب الماء والشافعيُّ ينظر إليَّ هيبةً له".

 

وقد كان من شأن كثير من العلماء أنهم كانوا يرفضون تعليم أولاد الأغنياء والذهاب إليهم في منازلهم؛ احترامًا للعلم وقدره، وكان الخلفاء والملوك يجتهدون أن يحظوا بمجالسة العلماء، فكأن العلماء هم سلاطين الأرض لا غيرهم.

 

قال ابن المنادي: "امتنع أحمد عن التحديث قبل أن يموت بثمان سنين أو أقل أو أكثر؛ وذلك أن المتوكل وجه من يقرأ عليه السلام، ويسأله أن يجعل المعتز في حجره ويعلمه العلم، فقال للرسول: اقرأ على أمير المؤمنين السلام، وأعلِمْه أن عليَّ يمينًا أني لا أتم حديثًا حتى أموت، وقد كان أعفاني مما أكره، وهذا مما أكره".

 

ومن آداب العلم: نشره وعدم كتمانه؛ ففي الحديث: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)).

 

وروى ابن القاسم قال: "كنا إذا ودعنا مالكًا يقول لنا: اتقوا الله وانشروا هذا العلم ولا تكتموه".

 

هيبة العلماء وتوقيرهم:

أورد الكاتب في هذا الفصل نماذج من الترغيب في العلم، وبيان فضيلة أهله، وتوقيرهم، وتقديم ذوي العلم ورفعهم درجات، قال الله - عز وجل -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

 

قال ابن عباس: مكثتُ سنة وأنا أشك في ثنتين، وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أجد له موضعًا أسأله فيه، حتى خرج حاجًا، وصحبته حتى إذا كنا بمرِّ الظّهران ذهب لحاجته، وقال: أدركني بإداوة من ماء، فلما قضى حاجته ورجع، أتيته بالإداوة أصبها عليه، فرأيت موضعًا؛ فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة، قال أبو عمر بن عبدالبر: لم يمنع ابن عباس من سؤال عمر عن ذلك إلا هيبته.

 

ودخل اليزيدي يومًا على الخليل وعنده جماعة وهو جالس على وسادة، فأوسع له، فجلس مع اليزيدي على وسادته، فقال له اليزيدي: أحسبني قد ضيَّقت عليك، فقال الخليل: ما ضاق مكان على اثنين مُتحابَّين، والدنيا لا تسع اثنين متباغضين.

 

نشر العلم ومذاكرته:

عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ، انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)).

 

وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "لم يؤخذ على الجاهل عهدٌ بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهال؛ لأن العلم كان قبل الجهل به".

 

وعن أبي القاسم قال: كنا إذا ودعنا مالكًا يقول لنا: "اتقوا الله وانشروا هذا العلم وعلموه ولا تكتموه".

 

وقال الشافعي: "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا يُنسب إليَّ شيء منه أبدًا، فأوجر عليه ولا يحمدوني".

 

وعن أبي سعيد الخدري: "تذاكروا الحديث؛ فإن الحديث يهيجُ الحديث".

 

سؤال العلماء وقول: لا أدري:

بين الكاتب في هذا الفصل أن من أكبر الموبقات القول على الله بغير علم، والافتراء على دينه ما ليس فيه، إما جهلاً بموطن الصواب أو حرجًا من قول: لا أدري أو لا أعلم، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

 

وقد سار على هذا المنوال جملة السلف الصالح من العلماء، فحرصوا على التبين والبحث العميق من أجل الوصول إلى الحقيقة، وقد جاء مالكَ بن أنس يومًا سائلٌ، فاستمهله مالك حتى يفكر في الجواب، فقال له السائل: هذه مسألة خفيفة - أي: لا تحتاج إلى تفكير ولا تأجيل - فغضب مالك من ذلك وقال: مسألة خفيفة سهلة! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعتَ قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، فالعلم كله ثقيل، وخاصة ما يُسأل عنه يوم القيامة.

 

وقال مرة: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، ما اتفق لي فيها رأي حتى الآن.

وقال ابن وهب: لو كتبنا عن مالك "لا أدري" لملأنا الألواح.

وقال ابن عمر: العلم ثلاث: "آية محكمة، وسنة ماضية، ولا أدري".

 

الحرص على جمع الكتب:

بين الكاتب أن العرب كانوا من أوائل الأمم التي أدخلت الكتابة على الورق، واهتموا بصناعته، وكان قبلها الأوروبيون في القرون الوسطى يكتبون على رقوق من جلد الحيوان، مما كان له أثره في انتشار الكتب ونسخها.

ويدلنا اليعقوبي أنه كان في زمانه أكثر من مائة بائع للكتب في بغداد وحدها.

ولما مات الواقدي ترك ستمائة صندوق من الكتب، يحتاج كل منها إلى رجلين لحمله.

ويقول د. "محمد أمين المصري" أنه ربما ملك "الصاحب بن عباد" في القرن العاشر كمية من الكتب تقدر بما كان في مكتبات أوربا مجتمعة.

 

الطب عند المسلمين المتقدمين:

أفرد الكاتب هذا الفصل من فصول كتابه لبيان تقدم المسلمين في العلوم العملية، وأبرزُها علوم الطب والصيدلة، حيث بيَّن فيه جملة من سير أعلام الطب المسلمين؛ من أمثال: ابن سينا، والرازي، وجابر بن حيان، وابن زهر الإشبيلي، وأبو القاسم القرطبي، وابن رشد، وعلي بن العباس.

 

فقد لقب "جوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" ابن سينا بأمير الطب، وبلغ ابن سينا شأوًا عظيمًا في مجال الطب امتد أثره إلى وقتنا الحالي، وقد نُقلت كتب ابن سينا إلى أكثر لغات العالم، وظلت مرجعًا أساسيًّا للطب طيلة ستة قرون، وكان طبعها يعاد حتى القرن الثامن عشر، ولم ينقطع تفسيرها في "جامعة مونبليه" إلا منذ خمسين سنة.

 

ومن أبرز مؤلفاته: كتاب "القانون"، الذي يشتمل على علم وظائف الأعضاء، وعلم الصحة والأمراض، وعلم المعالجة والمادة الطبية، ووصف الأمراض.

 

أما الرازي، فهو من مشاهير الأطباء العالميين، وكان واسع الاطلاع على علم التشريح، وكان كتابه في أمراض الأطفال أول كتاب بحث في هذا الموضوع، وأشهر كتب الرازي كتاب "الحاوي" الذي جمع فيه صناعة الطب، وكتاب "المنصوري" والمؤلَّف من عشرة أقسام: التشريح، والأمزجة، والأغذية، والأدوية، والصحة، ودواء البشرة، ونظام السفر، والجراحة، والسموم، والأمراض على العموم، والحمى.

 

أما أبو القاسم القرطبي، فهو أشهر جراحي العرب، وتخيل كثيرًا من آلات الجراحة ورسمها في كتبه، ووصف عملية سحق الحصاة في المثانة على الخصوص، وكانت كتبه المصدر العام الذي استقى منه جميع من ظهر من الجراحين بعد القرن الرابع عشر الميلادي.

 

أما عن تقدم مشافي المسلمين وتحضرها، فقد كانت تضارع أعظم مشافي أوربا في الوقت الحاضر، وكانت أماكن لدراسة الطلاب، وكان الطلاب يتلقون دروسهم في فُرُش المرضى أكثر مما يتلقونها في الكتب.

 

تعلم الفروسية:

كان العرب أهل فروسية واعتزاز بالخيل، ومع كثرة الفتوحات الإسلامية وتوسع الجهاد، صار الاهتمام بالفروسية من أهم العلوم العملية التي يجب أن يتعلمها المسلم، بل كان مربي الخيل له مكانه اللائق به في المجتمع الإسلامي، وقال مصعب بن سعد: كان سعد يقول: "أيْ بَنيَّ، تعلموا الرماية؛ فإنها خير لعبكم"؛ رواه الطبراني.

 

وكان عقبة بن عامر يختلف بين الغَرَضَين وهو شيخ كبير، فقيل له: لم تفعل هذا وأنت شيخ كبير يشق عليك؟ فقال: لولا كلام سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أعانِه، سمعته يقول: ((مَن تعلَّم الرمي ثم تركه، فليس منَّا))، وفي لفظ: ((فقد عصى))؛ رواه أهل السنن.

 

وقال إبراهيم التيمي عن أبيه: رأيت حذيفة يعدو بين الهدفين بالمدائن في قميص.

 

وروى النسائي في "سننه" عن أنس قال: "لم يكن شيء أحبَّ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد النساء من الخيل".

 

مؤلفون مكثرون:

ذكر الكاتب جملة من العلماء أصحاب التصانيف الغزيرة، والذين أفنوا أعمارهم في وضع الكتب ونشر العلم بين الناس، حتى إن كثيرًا منهم تزهو مؤلفاتهم عن مائة ومائتَي مؤلَّفٍ، ليس بينها كتاب حشو، أو تناول نفس الموضوع!

 

وممن كثرت مؤلفاتهم ومصنفاتهم: ابن قتيبة الدِّينَوري، وله زهاء ثلاثمائة مؤلَّف.

 

أما مسند الإمام أحمد بن حنبل، فقد جمعه وأتقنه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفًا من الحديث وصل إليه وأحاط به.

 

ومن المكثرين ابن جرير الطبري، ومن أهم مؤلفاته كتاب تفسير القرآن المسمى "جامع البيان في تفسير القرآن" وكتاب "أخبار الرسل والملوك"، وقيل في صفة انكبابه على صنعة التأليف والكتابة: إنه مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.

 

ومن المكثرين القاضي الفاضل، ذكر عنه ابن خَلِّكان: أن مسودات رسائله إذا جُمعت ما تقصر عن مائة مجلد، وهو يجيد في أكثرها.

 

أما أبو الوفاء بن عقيل، فله كتب كثيرة منها كتاب "الفنون" الذي قيل في صفته: إنه يقارب أربعمائة مجلد، وقال الحافظ الذهبي عنه: لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، بل وقيل في صفته: إنه يبلغ ثمانمائة مجلد!

 

أما الحافظ ابن أبي الدنيا، فقيل: إن مصنفاته تزيد على ثلاثمائة مصنف.

 

وللخطيب البغدادي قريب من مائة مصنف، منها "تاريخ بغداد" من الكتب الجامعة في علم التراجم والتاريخ.

 

أما أبو محمد علي بن حزم الظاهري، فصنف نحو أربعمائة مجلد، في قريب من ثمانمائة ألف ورقة.

 

أما ابن الجوزي، فقيل: إنه لو قسمت الكراريس التي ألفها على أيام حياته، لحظي كل يوم تسع كراريس من مؤلفاته.

 

نماذج من العلماء:

أورد الكاتب في هذا الفصل جملة من دأب العلماء وعنائهم في تحصيل العلم وتقشفهم؛ حتى إنهم كانوا يُعدَّون في غمار الناس مما لحقهم في سبيل طلب العلم، وعيشهم عيشة الكفاف في سبيل حفظ هذا العلم وتبليغه المسلمين.

 

عن سفيان بن عيينة قال: رأيت الأعمش لبس فروًا مقلوبًا، وتُبَّانًا تسيل خيوطه على رجليه، ثم قال: أرأيتم لولا أنني تعلمت العلم، من كان يأتيني؟! لو كنت بقالاً، كان يَقذَرُني الناس أن يشتروا مني.

 

وتناول الكاتب سيرة الإمام البخاري وهمته في طلب الحديث، والاهتمام بتحصيله؛ حتى إنه كان يقوم في الليلة الواحدة من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى، حتى كان يتعدد منه ذلك قريبًا من عشرين مرة!

 

قال الفلاس: كل حديث لا يعرفه البخاري، فليس بحديث.

 

أما سعيد بن المسيب، فدأب على الاهتمام بطلب الحديث؛ حتى إنه يقول: كنت أرحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.

 

وكان ابن عمر يرسل إليه يسأله عن قضايا عمر وأحكامه.

 

أما أحمد بن حنبل، فقد نصر الله به السنة، وأحيا به الدين، وكانت محنته وصلابته فيها بمثابة بعث لمذهب أهل السنة والجماعة في مواجهة نزعات المتكلِّمة، قال قتيبة: إن أحمد بن حنبل قام في الأمة مقام النبوة، وقال بشر الحافي: أُدخِل أحمد الكيرَ، فخرج ذهبًا أحمر.

 

وتناول الكاتب نماذج من علو همة كل من: الشافعي، وابن جرير الطبري، وابن عقيل، وإبراهيم الحربي، وأبي غالب اللغوي، وأبي السعادات المبارك محمد بن الأثير المحدث صاحب "جامع الأصول الستة"، وغيرهم من العلماء، وأجزاء من سير حياتهم، وطلبهم العلم.

 

من طرائف العلماء:

أورد الكاتب جملة من طرائف العلماء، وحسن أجوبتهم، وتخلصهم من منادمة الملوك والوزراء، وغبن الناس، بأحسن الحيل وألطفها، وجملة من نوادرهم، وما اختص به كل منهم من خصائص وميزات، ومنها:

• عن عامر الشعبي الذي كان يضرب به المثل في حفظه، وكان ضئيلاً نحيفًا فسأله الناس ذات مرة: ما لنا نراك ضئيلاً؟ قال: إني زُوحمت في الرحم.. وكان ولد هو وأخٌ له في بطن واحد.

• ونال رجل يومًا من علي بن الحسين، فجعل يتغافل عنه - يريه أنه لم يسمعه - فقال له الرجل: إياك أعني! فقال له: وعنك أُغضِي!

• أما أحمد بن مسعود الضرير السنهوري المعروف بالمادح؛ لأنه كان يكثر من مدائح النبي - صلى الله عليه وسلم - وله قدرة عجيبة على النظم، فكان ينظم القصيدة وفي كل بيت حروف المعجم، وفي كل بيت طاء، وفي كل بيت ظاء، وهكذا من هذا اللزوم.

• نَفْطَوَيْه: قال الثعالبي: لقب بنفطويه؛ لدمامته وأُدْمَتِه؛ تشبيهًا بالنفط، وزيد "ويه" نسبة إلى سيبويه؛ لأنه كان يجري على طريقته ويدرس كتابه!

• سيبويه إمام النحاة، ومعنى سيبويه رائحة التفاح، وكانت أمه - إمعانًا في تدليله - تطلق عليه هذا الوصف، فغلب على اسمه عمرٍو.

وجرت مناظرة بينه وبين الكسائي، لم يلبث أن تُوفي من أثر الحزن؛ إذ شعر بالحيف في الحكم.

 

أجوبة طريفة:

قال مُجاهد: دخل الشعبي الحمام، فرأى داود الأزدي بلا إزار، فغمض عينيه، فقال داود: متى عميتَ يا أبا عمرو؟! فقال: منذ هَتَكَ الله سِتْرَك.

 

وقيل لأبي العيناء: بَقِي من يُلْقى؟ قال: نعم، في البئر.

 

وقال أبو جعفر المنصور لرجل من أهل الشام: احمد الله يا أعرابي، الذي دفع عنكم الطاعون بولايتنا، فقال الرجل: إنَّ الله لا يجمع علينا حشَفًا وسوءَ كَيْلٍ: ولايتكم والطاعون.

 

وعن جرير قال: جئنا الأعمش يومًا، فوجدناه قاعدًا في ناحية، فجلسنا في ناحية أخرى، وفي الموضع خليج من ماء المطر، فجاء رجلٌ وعليه فروة حقيرة، قال: قم عبرني في هذا الخليج وجذب بيده فأقامه وركبه، وقال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ [الزخرف: 13]، فمضى به الأعمش حتى توسط به الخليج، ثم رمى به، وقال: ﴿ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 29]، ثم خرج وترك المسود يتخبط في الماء.

 

نبوغ العميان:

أورد الكاتب أمثلة عديدة ممن ابتُلوا بعاهة العمى في التاريخ الإسلامي، ولم تمنعهم علتهم من طلب العلم وتصدر المجالس، ورفعة المناصب، فمن مشاهير العميان من الصحابة ممن وُلِدَ أعمى أو حصل له العمى بعد ذلك:

البراء بن عازب، جابر بن عبدالله، حسان بن ثابت، الحكم بن أبي العاص، سعد بن أبي وقاص، سعيد بن يربوع، صخْر بن حرب أبو سفيان، العبَّاس بن عبدالمطلب، عبدالله بن الأرقم، عبدالله بن عمر، عبدالله بن العباس، عبدالله بن عمير، عبدالله بن أبي أوْفى، عتبان بن مالك، عتبة بن مسعود الهذلي، عثمان بن عامر أبو قحافة، عقيل بن أبي طالب، عمرو ابن أم مكتوم، قتادة بن النعمان، كعب بن مالك، مالك بن ربيعة، أبو أسيد الساعدي، مخرمة بن نوفل.

 

ومن التَّابعين: عطاء بن أبي رباح، أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، قتادة بن دعامة، أبو عبدالرحمن السُّلمي، أبو هلال الراسبي.

 

أما بعد ذلك من أذكياء العميان وسادات العلماء، فمنهم: الحافظ الترمذي، والفقيه منصور المصري الشَّاعر، وأبو العيناء، والشَّاطبي المقرئ، وأبو العلاء المعرّي، والسُّهيلي صاحب "الرَّوض الأنف"، وابن سِيده اللغوي، وأبو البقاء العكبري، وابن الخباز النحوي، والنيلي شارح الحاجبية وغيرهم.

 

وقد ذكر "صلاح الدين الصفدي" نبذة من تراجمهم وسير حياتهم في كتابه: "نكت الهميان في نكت العميان".

 

ابتلاءات ومحن:

أكثر الناس ابتلاءً في دينهم العلماء، يبتلى كلٌّ على قدر دينه، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حديث سَعْد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - حيث قال: قُلتُ: يا رسُولَ الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياءُ، ثُم الأمثلُ فالأمثلُ، فيُبتلى الرجُلُ على حسب دينه، فإن كان دينُهُ صُلبًا، اشتد بلاؤُهُ، وإن كان في دينه رقةٌ، ابتُلي على حسب دينه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبد حتى يترُكهُ يمشي على الأرض ما عليه خطيئةٌ)).

 

وقد زخر التاريخ الإسلامي بأمثلة من ابتلاءات العلماء، والمحن التي تعرضوا لها، وثباتهم حيالها؛ حتى نصر الله بهم الدين، وقمع بهم البدعة وأهلها، ولعل الناظر إلى سير هؤلاء العلماء، ووقوفهم في وجه تلك المحن، له أن يفخر بصمود هؤلاء العلماء وثباتهم ومقارعتهم أهل السلطان في سبيل نشر صحيح الكتاب والسنة، فابتُليَ الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن، أحضره المعتصم وامتحنه بالقرآن، فلم يجب إلى القول بخلقِه، فجلده حتى غاب عقله، وتقطع جلدُه، وقُيد وحبس.

 

وابتلي الإمام البخاري في خلافه مع محمد بن يحيى الذهلي، حيث حدثت بينهما وحشة بسبب اختلافهما في مسألة: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، وكان الصواب مع البخاري، وأوذي البخاري في ذلك إيذاءً شديدًا.

 

أما سعيد بن جبير، فقد خرج مع ابن الأشعث، فلما هزم ابن الأشعث، جد الحجاج في طلبه حتى ظفر به، ومناظرةُ سعيد بن جبير مشهورة مع الحجاج، ثم ما لبث الحجاج أن قتله، وكان آخر قول سعيد بن جبير قبيل ضرب عنقه قوله: اللهم لا تترك له ظلمي، واطلبه بدمي، واجعلني آخر قتيل يُقتل من أمة محمد.

 

وامتُحنَ الإمام أبو حنيفة، وكان يزيد بن عمر بن هبيرة أمير العراقين أراده لقضاء الكوفة أيام مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، فأبى فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة أسواط، وسجنه.

 

وضُرب مالك بن أنس سبعين سوطًا، ومدت يداه حتى انخلع كتفاه، وذلك في مسألة طلاق المكرَه، قال فيها مالك: إنه غير واقع، وتأولها أعداؤه في عدم جواز يمين المكره على ولاية السلطان، فضُربَ وابتُليَ بهذه الفتوى.

 

وقال السيوطي في "حسن المحاضرة": إن أبا يعقوب البويطي خليفة الشافعي الذي كان يحيل عليه في المسائل، حُملَ إلى بغداد في أيام الواثق مغلولاً مقيدًا، ففي عنقه غُلّ، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد فيها طوق وزنتها أربعون رطلاً، وأريد على القول بخلق القرآن، فامتنع، فحبس إلى أن مات في القيد والسجن.

 

وفي "طبقات علماء إفريقية" أن ابن البرذون ضُربَ خمسمائة سوط، ثم ضُمَّ إلى السجن هو وابن هذيل، ثم ضربت رقبتاهما، وربطت أرجلهما بالحبال وجُرَّا مكشوفَين غير مستورَين من دار الإمارة، ثم صُلِبَا ثلاثة أيام.

 

ولم يزل هذا دأب العلماء في كل عصر، يبتلون في أجسادهم وأموالهم وأرزاقهم، فما يردهم ذلك عن الصدع بالحق والجهر به، أمام ذوي السلطان وأصحاب النفوذ، ومن المحْدَثين الصادعين بكلمة الحق: الأستاذ سيد قطب، والشيخ محمد الأودن العالم الأزهري.. وغيرهم كثير؛ دلالة على عظمة هذه الأمانة التي تصدى لحملها العلماء ورثة الأنبياء، وعظم التضحيات التي قدمت من أجل نشر العلم، والذي بذل فيه علماء الإسلام النفيس والغال؛ من أجل إيصاله للناس، وتبليغه إياهم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز الفياض
  • عرض كتاب : القاضي الجرجاني
  • أقوال عن العلماء
  • مشجرات في علوم القرآن لمشاعل العصيمي
  • كيف تبنى عاداتك الإيجابية لمشعل عبد العزيز الفلاحي
  • عرض كتاب: البيئة والأوبئة في التراث الطبي العربي الإسلامي تأليف محمود الحاج قاسم

مختارات من الشبكة

  • تسهيل المسالك بشرح كتاب المناسك: شرح كتاب المناسك من كتاب زاد المستقنع (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) للعلامة المصطفوي (كتاب فريد)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • كتاب: النظرية الجمالية في العروض عند المعري ـــ دراسة حجاجية في كتاب "الصاهل والشاحج" للناقدة نعيمة الواجيدي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عرض كتاب: صناعة الكتاب المدرسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • هذا كتابي فليرني أحدكم كتابه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الممتع في شرح المقنع للعلامة زين الدين المنجى: من كتاب اللعان إلى نهاية كتاب العدد(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الثاني) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قضاء الأرب من كتاب زهير بن حرب: شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (الجزء الأول) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قصة كتاب: مع كتاب "المشوق إلى القراءة وطلب العلم" في قناة المجد الفضائية(مادة مرئية - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • مخطوطة الجزء الثاني كتاب العلم من كتاب نهاية المراد من كلام خير العباد(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب