• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / مقالات
علامة باركود

الصبر على نشر العلم

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/8/2010 ميلادي - 16/9/1431 هجري

الزيارات: 42372

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشافعي وعزَّة نفسه:

قال الربيع بن سليمان: كان الشافعيُّ - رحمه الله - يُملي علينا في صحْن المسجد، فلحقتْه الشمس، فمرَّ به بعضُ إخوانه، فقال: يا أبا عبدالله، في الشمس؟! فأنشأ الشافعي يقول:

أُهِينُ لَهُمْ نَفْسِي لِأُكْرِمَهَا بِهِمْ
وَلَنْ تُكْرَمَ النَّفْسُ الَّتِي لاَ تُهِينُهَا

 

من آداب العلم:

قال الشعبيُّ - رحمة الله عليه -: جالسوا العلماء، فإنكم إن أحسنتم حمدوكم، وإن أسأتم تأوَّلوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يُعنِّفوكم، وإن جهلتُم علَّموكم، وإن شهدوا لكم نفعوكم.

♦ قال دغفل النسَّابة: إنَّ للعلم أربعة: آفةً ونكدًا، وإضاعةً واستجاعة، فآفتُه النسيان، ونكدُه الكَذِب، وإضاعتُه وضْعُه في غير موضعه، واستجاعته أنَّك لا تشبع منه.

وقالوا: لو أنَّ أهل العلم صانوا عِلمهم، لسادوا أهلَ الدنيا، لكن وضعوه في غير موضعِه، فقصَّر في حقِّهم أهلُ الدنيا.

 

علماء حفاظ:

يُروَى عن بعض العلماء والأدباء في الحِفْظ ما يُدهش، وما هو غريب، حتى ليحار المرء؛ أيُصدِّقه أم يُكذِّبه؟! فإن نظر إلى ثقة الراوي، وصِحَّة السند، وقوَّة البرهان مالَ إلى التصديق، وإن رجع إلى الحال المشاهَدة، وضعْف الذاكرة، وندرة مَن يحفظ كثيرًا، ساورتْه الشكوك والريب.

ولكنَّه على كل حال سيتأكَّد في النهاية أنَّه كان في القديم حُفَّاظ قد نبغوا في هذا الشأن، وبرَّزوا فيه، وصحَّتِ الأخبار عنهم مما لا يدعُ مجالاً للشك في صِدْق ذلك وثبوته، وأبصرت شخصين: أحدهما أستاذ لي - وإن كان لا يحبُّ أن يُلقَّب بأستاذ - فهو شيخ لي، كان حفظه كثيرًا جدًّا، بحيث إذا سمعه الإنسان وهو يسرِد الآياتِ والأحاديثَ، والرواياتِ وأبياتَ الشِّعر، والمنظومات والنوادر انبهر، وأصغى وتمنَّى أن يستمرَّ الشيخ في درْسه لا يقطعه رنين جرس، أو إزعاج سائل، وكنَّا نعدُّ من النعم العظيمة علينا أن درسنا على عالِم بهذا الوصف - متَّعه الله بالصحَّة والعافية، ونفع بعلمه.

أما الآخَرُ فهو أحد رُواة الشِّعر النبطي، فقد قال لي: إنه يحفظ القصيدةَ من أوَّل مرة يسمعها، وهكذا نرى شواهدَ تؤكِّد ما كنا نقرؤه ونسمعه عن الحفَّاظ المتقدِّمين.

 

حفظ غريب:

قال الأصمعي: ما بلغتُ الحُلُم حتى رويتُ اثنتي عشرة ألف أرجوزة للأعراب.

♦ وأقبل فتيان إلى أبي ضَمْضم بعد العِشاء، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جِئْنا نتحدَّث إليك، قال: كذبتم يا خبثاء، ولكن قلتم: كَبِر الشيخ، فهلمَّ بنا، عسى أن نأخذ عليه سَقْطة، فأنشدهم لمائة شاعِرٍ كلُّهم اسمه عمرو.

♦ وقال الشعبي: لستُ لشيء من العلوم أقل روايةً من الشعر، ولو شئتُ لأنشدتُ شهرًا، ولا أعيد بيتًا.

♦ وقال الحسن بن هانئ: رويتُ أربعة آلاف شِعر، وقلت أربعة آلاف شِعر، فما رزأتُ لشاعر شيئًا.

♦ ذكر أعرابي رجلاً، فقال: كان له عِلمٌ لا يخالطه جهْل، وصِدْق لا يشوبه كذب، كأنَّه الوبْل عند المحْل.

♦ كان أبو الفضل الرِّيَاشي من الحفَّاظ المعدودين، وكان من كِبار أهل اللُّغة، كثير الرواية للشعر، أَخَذ عنه الأصمعي، وكان يحفظ كُتبَ الأصمعي، وكُتبَ أبي زيد كلَّها، وقرأ على أبي عثمان المازني "كتاب سيبويه"، فكان المازني يقول: قرأ عليَّ الرِّيَاشي "الكتاب"، وهو أعلم به مني.

 

♦وقال الحسين بن علي بن محمد الزبيدي اليمني:

خَيْرُ مَا وَرَّثَ الرِّجَالُ بَنِيهِمْ
أَدَبٌ صَالِحٌ وَحُسْنُ ثَنَاءِ
ذَاكَ خَيْرٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالْأَوْ
رَاقِ فِي يَوْمِ شِدَّةٍ وَرَخَاءِ
تِلْكَ تَفْنَى وَالدِّينُ وَالْأَدَبُ الصَّا
لِحُ لاَ يَفْنَيَانِ حَتَّى اللِّقَاءِ

 

♦ لَمَّا صنَّف أبو عبيد القاسمُ بن سلاَّم كتابَه "غريب الحديث" عَرَضه على عبدالله بن طاهر، فاستحسنه، وقال: إنَّ عقلاً بعث صاحبه على عملٍ مِثْل هذا لحقيقٌ ألاَّ يخرج عنَّا إلى طلب المعاش، فأجرى له عشرةَ آلاف درهم في كلِّ شهر.

♦ بينما الشعبيُّ جالس في مجلسه، وأصحابُه حوله يناظرونه في الفِقه، وإذا شيخ بقربِه قد أقبل عليه - بعد أن طال جلوسه - فقال له: إني أجدُ في قفاي حكَّة، أَفَتَرى لي أن أحتجم؟ قال الشعبيُّ: الحمد لله الذي حوَّلنا من الفِقه إلى الحِجامة.

♦ قال الأستاذ أحمد أمين في كتابه "إلى ولدي": "إنَّنا في هذا الزمان أحوجُ ما نكون إلى منارات تضيء للسائرين في لُجج الظلام، يكون شعارُهم القيامَ بالواجب مهما كلَّفهم - لأنَّه واجب - لا طلبًا للصِّيت، ولا جريًا وراءَ المجد، لا يعرفون المجاملةَ ولا النفاق، ولا يستهويهم وعْد، ولا يرهبهم وعيد، لسانهم مطابق لقلبِهم، وعَملُهم متَّفق مع وحي ضميرهم، فكن إحدى هذه المنارات".

♦ قال أبو بكر بن دريد:

جَهِلْتُ فَعَادَيْتُ الْعُلُومَ وَأَهْلَهَا
كَذَاكَ يُعَادِي الْعِلْمَ مَنْ هُوَ جَاهِلُهْ
وَمَن ْكَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا
وَيَكْرَهُ "لاَ أَدْرِي" أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ

 

♦ قال يحيى بن سعيد: مَن أراد أن يبين عمله، ويظهر علمه، فليجلس في غير مجلس رهطِه.

♦ وقيل: أزهدُ الناس في عالِمٍ أهلُه.

 

واجب المدرسين:

إنَّ على المدرسين - وكلِّ مثقف - أن يدرس تاريخَه الإسلاميّ، وأن يُرشِد الطلاَّب إلى نواحي العظمة - وهي كثيرة - في تاريخهم المشرِّف، وما أدَّاه علماء الإسلام، وقادتُه وجندُه، وما لهم من جهود جليلة في الثقافة على مختلف مناحيها، وسيُدركون - عند ذاك - أنَّ إعجابهم بثقافة الغرب ورجاله إنما جاء نتيجة الصُّدود عن تاريخهم، وثقافتهم الإسلاميَّة الأصيلة، وأنَّ الأَوْلى بالتقدير والتنويه هم أولئك السَّلف الصالح، الذين نشروا علمًا نافعًا، كان خيرًا وبركةً على البشر أجمعين، وأنشؤوا حضارةً قائمة على الفَهْم، والعدل والاستقامة.

 

دعـاء:

اللهم اغفر لنا وارْحمنا، وتُبْ علينا، واعف عنَّا، واكفنا شرَّ الحاسدين، وأذى الحاقدين ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

الإفتاء على جهل:

من البلاوي التي عمَّتْ وانتشرت، وهي كثيرةٌ يُنسِي آخرُها أولَها، ويشغل كبيرُها عن صغيرها، ويتفاقم أمرُها حتى لم يَعُدِ المرء يدري ما الذي يطلق عليه اسم بلية، ممَّا يستحق اسم رزية وكارثة، فهي كما جاء في الحديث: ((فِتن يُرقِّق بعضُها بعضًا))، وذلك من علامات الساعة وأشراطها.

أقول: إنَّ من البلاوي فتاوَى صارتْ تَصدُر من بعض المنتسبين للعِلم، يزعمونها تجديدًا، وتسهيلاً وترخيصًا، وكأنَّ السلف كانوا في نظرهم مِن الغَباء بحيث أفتُوْا بضدِّ ما يُفتي هؤلاء الذين يتلاعبون بالنصوص، ويفسرونها حسبَ أهوائهم، ويتكلَّفون في تأويلها التكلفاتِ المتنطعة، ممَّا يتفق ومرامَهم.

إنَّ الدين - بحمد الله - كامل، وقد بلَّغ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - البلاغَ المبين، وكان أنصحَ الخلْق وأفصحَهم، وأكثرَهم أمانة، ولم يتوفَّه الله حتى أكمل به الدين ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فمَن لم يرضَ بذلك، وأفتى بخلافِه، فهو إما صاحبُ هوى يُخشَى عليه الفتنة.

وإما جاهل لا يدري، ولا يَعرِف الأحكام الشرعية، وإما مغرور قد زَيَّن له الشيطان، وظنَّ لنفسه منزلة لا يبلغها.

قال قتادة بن دعامة السَّدوسيّ: لو كان أحدٌ مكتفيًا من العلم لاكتفى نبيُّ الله موسى - عليه السلام - إذ قال للعبد الصالح: ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66].

♦ قالوا: علِّم عِلمَك، وتعلَّم عِلمَ غيرك، فإذا أنت قد علمتَ ما جهلت، وحفظتَ ما علمت.

♦ قال يحيى بن خالد: الناس يكتبون أحسنَ ما يسمعون، ويحفظون أحسنَ ما يكتبون، ويتحدَّثون بأحسنِ ما يحفظون.

♦ قال ابن عباس: إذا تَرَك العالِمُ قول: "لا أدري" أُصيبتْ مقاتله.

 

عبدالملك وعالم متبحر:

دخل رجلٌ على عبدالملك بن مرْوان - وكان لا يسأله عن شيء إلاَّ وجد عنده منه علمًا - فقال له: أنَّى لك هذا؟ فقال: لم أمنعْ قط يا أمير المؤمنين، علمًا أفيده، ولم أحتقرْ علمًا أستفيده، وكنتُ إذا لقيت الرجلَ أخذتُ منه وأعطيتُه.

 

نكتـة:

خرج جُحا إلى السوق يشتري حمارًا، فلقيه صَدِيق له فسأله: إلى أين؟ فقال: إلى السوق؛ لأشتريَ حمارًا، فقال: قل إن شاء الله، فقال: ليس ها هنا موضع إن شاء الله، الدراهم في كُمِّي، والحمار في السوق، فبينما هو يطلب الحمار سُرِقتِ الدراهم، فرجع خائبًا، فلقيه صديقه، فقال له: ما صنعتَ؟ قال: سُرقتِ الدراهم إن شاء الله، فقال له صديقه: ليس ها هنا موضع إن شاء الله!!

 

يقتسمون ميراث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

قال سليمان بن عمران: سمعتُ أسدَ بن الفرات يقول: بلغني أنَّ قومًا كانوا يتناظرون بالعراق في العِلم، فقال قائل: مَن هؤلاء؟ فقيل: قومٌ يقتسمون ميراثَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

أدب التلميذ مع أستاذه:

صلَّى زيد بن ثابت على جنازة، ثم قُرِّبت له بَغْلة ليركبَها، فجاء ابن عبَّاس فأخذ برِكابه، فقال له زيد: خلِّ عنك يا ابن عمِّ رسول الله، فقال ابن عباس: هكذا يُفعل بالعلماء والكبراء.

 

أثر العلم:

وعن الحسن قال: كان طالِب العلم يُرى ذلك في سمعه وبصره وتَخشُّعه.

 

مذاكرة الحديث:

وقال أبو سعيد: تذاكروا الحديث، فإنَّ الحديث يُهيِّج الحديث.

 

سؤال العالم:

♦ قال علي: ألاَ رجل يسأل فينتفع، وينفع جلساءَه؟

♦ قال عبدالرحمن بن أبي لَيْلى: لا أُماري أخي؛ فإمَّا أن أكذِّبه، وإما أن أغضبه.

♦ نظر جعفر بن محمَّد إلى فتى على ثيابِه أثرُ المداد، وهو يستره، فقال له:

لاَ تَجْزَعَنَّ مِنَ الْمِدَادِ فَإِنَّهُ
عِطْرُ الرِّجَالِ وَحِلْيَةُ الْكُتَّابِ

♦ قيل: عليكم بثلاث: جالِسوا الكُبراء، وخالِطوا الحُكماء، وسائِلوا العُلماء.

♦ يقال: أربع خصال يسود بها المرء: العلم والأدب، والعفَّة والأمانة.

♦ قال سعيد بن جبير: إنما يهمُّني أني وددتُ أنَّ الناس قد أخذوا ما معي من العِلم.

♦ وقال الربيع بن سليمان: قال لي الشافعي: يا ربيع، لو قدرتُ أن أُطعمَك العِلم لأطعمتُك إيَّاه.

♦ قال المهلب بن أبي صفرة: لأنْ أرى لعقل الرجل فضلاً على لسانه، أحبُّ إليَّ من أن أرى للسانه فضلاً على عقله.

♦ قال خالد بن صفوان لابنه: يا بُنيّ، الأدب بهاء الملوك، ورياش السُّوقة، والناس بين هاتَيْن، فتعلَّمْه تجدْه حيث تحبّ.

 

قال بعض الشعراء:

نِعْمَ الْأَنِيسُ إِذَا خَلَوْتَ كِتَابُ
تَلْهُو بِهِ إِنْ مَلَّكَ الْأَحْبَابُ
لاَ مُفْشِيًا سِرًّا إِذَا اسْتَوْدَعْتَهُ
وَتُفَادُ مِنْهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابُ

 

♦ قال سفيان بن عيينة: إنَّما العالِم مثل السراج، مَن جاء اقتبس من علمِه، ولا يَنقصه شيئًا، كما لا يَنقص القابسُ من نور السراج شيئًا.

♦ وقال أبو الأسود الدؤلي: الملوك حكَّام على الدنيا، والعلماءُ حكَّام على الملوك.

♦ كان رجل يطلب العلم، فلا يقدر عليه، فعزم على ترْكه، فمرَ بماء ينحدر من رأس جبل على صخرة، قد أثَّر فيها، فقال: الماءُ على لطافتِه قد أثَّر في صخرة على كثافتها! والله لأطلبنَّ العلم، فطلب فأدرك، وفي ذلك قال الشاعر:

اطْلُبْ وَلاَ تَضَّجِر مِنْ مَطْلَبٍ
فَآفَةُ الطَّالِبِ أَنْ يَضَّجِرَا
أَمَا تَرَى الْمَاءَ بِتَكْرَارِهِ
فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ قَدْ أَثَّرَا

 

♦ وقال سفيان الثوري: اطلبوا العلم، ويحَكم! فإنِّي أخاف أن يخرجَ منكم، فيصير في غيرِكم، فإنَّه عِزٌّ وشرفٌ في الدنيا والآخرة.

♦ قال الشعبي: عليك بالصِّدق حيث ترى أنَّه يضرُّك، فإنَّه ينفعك، واجتنبِِ الكذب في موضع تَرَى أنه ينفعك، فإنَّه يضرُّك.

 

إصلاح المناهج:

مِن أَوْلى واجباتِ مَن يُريد الإصلاح أن يتَّجه لإصلاح الناحية العِلميَّة، وأن يسعى لأن يتلقَّى الطَّلبةُ وغيرهم العلمَ النقي الصحيح.

وأوَّل ذلك: الاهتمامُ بدراسة القرآن الكريم وتفسيره، وبالأحاديث النبويَّة، وكلام السلف الصالح، وسيرتهم وعلومهم؛ ليكونَ الشباب المسلم واعيًا يقظًا، ومتسلحًا بالعلوم النافعة.

وإنَّ تعديل بعضِ الكتب في وزارة المعارف، وتطهيرها من الشوائب، ممَّا يدعو للتفاؤل بأنَّ الشباب سيتلقَّى التوجيهَ السليم، وأنَّ الغيورين على مستقبل الإسلام، وعلى أبناء المسلمين يُدرِكون ما للتعليم من أهميَّة بالغة، وأنَّهم حريصون على أن يسيرَ التعليمُ مواكبًا للدِّين، خادمًا له، لا مصادمًا معاديًا، والدِّين - بحمد الله - جاء بكلِّ نافع مفيد، وحذَّر من كلِّ ضار ومفسد.

وإن فيما نلمسه من مساعي الغيورين؛ لتشجيعِ الطلبة على حفظ القرآن، وبثِّ المدارس لتحفيظ القرآن - لدليلاً على أنَّ هذا الاتجاه سوف يَسيرُ مِن نجاح إلى نجاح، ومِن ظَفَرٍ إلى ظفر.

 

إلى المعلمين:

قال عُتبة بن أبي سفيان لمعلِّم بنيه:

ليكنْ أوَّلَ ما تبدأ به من إصلاحك بني إصلاحُ نفسك، فإنَّ أعينهم معقودةٌ بعينك، فالحسن عندَهم ما استحسنت، والقبيح عندَهم ما استقبحت، علِّمْهم كتابَ الله، ولا تُكرهْهم عليه فيملُّوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روِّهم من الشِّعر أعفَّه، ومِنَ الحديث أشرفَه، ولا تُخرجهم من عِلم إلى غيره، حتى يُحكموه، فإنَّ ازدحام الكلام في السمع مَضِلَّة للفَهْم، ورَوِّهم سِيرَ الحكماء، وأخلاقَ الأدباء، وجنِّبْهم محادثةَ النساء، وتهددْهم بي، وأدِّبْهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء، حتى يعرفَ الداء، وإيَّاك أن تتكل على عذر منِّي لك، فقد اتكلتُ على كفاية منك، وزِدْ في تأديبهم أزِدْك في برِّي - إن شاء الله تعالى.

 

تعلم النحو:

كان أيوب السَّختياني يقول: تعلَّموا النَّحْو، فإنَّه جمال للوضيع، وتَرْكه هُجْنة للشريف.

وقال أبو الأسود الدؤلي ظالِم بن عمرو:

الْعِلْمُ زَيْنٌ وَتَشْرِيفٌ لِصَاحِبِهِ
فَاطْلُبْ هُدِيتَ فُنُونَ الْعِلْمِ وَالْأَدَبَا
كَمْ سَيِّدٍ بَطَلٍ آبَاؤُهُ نُجُبٌ
كَانُوا رُؤُوسًا فَأَضْحَى بَعْدَهُمْ ذَنَبَا
وَمُقْرِفٍ خَامِلِ الآبَاءِ ذِي أَدَبٍ
نَالَ الْمَعَالِيَ بِالْآدَابِ وَالرُّتَبَا
الْعِلْمُ ذُخْرٌ وَكَنْزٌ لاَ نَفَادَ لَهُ
نِعْمَ الْقَرِينُ وَنِعْمَ الْخِدْنُ إِنْ صَحِبَا
قَدْ يَجْمَعُ الْمَالَ شَخْصٌ ثُمَّ يُحْرَمُهُ
عَمَّا قَلِيلٍ فَيَلْقَى الذُّلَّ وَالْحَرَبَا
يَا جَامِعَ الْعِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ
لاَ تَعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلاَ ذَهَبَا

 

♦ قالوا: إنَّ تمامَ آلة العالِم أن يكون شديدَ الهَيْبة، رزينَ المجلس، وقورًا صموتًا، بطيءَ الالتفات، قليلَ الإشارات، ساكنَ الحركات، لا يصخب ولا يغضب، ولا يبهر في كلامه، ولا يَمسح عُثْنونَه عند كلامه في كلِّ حين، فإنَّ هذه كلها من آفات العِيِّ.

♦ قال عبدالحميد الكاتب: مَن أخَّر الفرصة عن وقتها، فليكنْ على ثقة مِن فَوْتها.

 

قال علي - رضي الله عنه -:

كلمات لو رحلَّتم المطيَّ فيهنَّ لا تصيبوهن قبلَ أن تدركوا مثلهنَّ: لا يرجونَّ عبدٌ إلاَّ ربَّه، ولا يخافنَّ إلاَّ ذنبه، ولا يستحي مَن لا يعلم أن يتعلَّم، ولا يستحي إذا سُئِل عمَّا لا يعلم أن يقول: الله أعلم، واعلموا أنَّ منزلة الصبر من الإيمان كمنزلةِ الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

 

قال الشاعر:

يُعَدُّ رَفِيعُ الْقَوْمِ مَنْ كَانَ عَالِمًا
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْمِهِ بِحَسِيبِ
وَإِنْ حَلَّ أَرْضًا عَاشَ فِيهَا بِعِلْمِهِ
وَمَا عَالِمٌ فِي بَلْدَةٍ بِغَرِيبِ

 

♦ قال الحجَّاج لمعلِّم ولده: علِّم ولدي السباحةَ قبلَ الكتابة، فإنهم يُصيبون مَن يكتب عنهم، ولا يُصيبون مَن يَسْبح عنهم.

♦ كتب عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إلى ساكني الأمصار:

أما بعد: فعلِّموا أولادَكم السباحة والفروسية، وروُّوهم ما سار من المَثَل، وحَسُن من الشِّعر.

 

قال بعض العلماء يمدح الحفظ:

عَلَيْكَ بِالْحِفْظِ دُونَ الْجَمْعِ فِي كُتُبٍ
فَإِنَّ لِلْكُتْبِ آفَاتٌ تُفَرِّقُهَا
الْمَاءُ يُغْرِقُهَا وَالنَّارُ تَحْرِقُهَا
وَاللِّصُّ يَسْرِقُهَا وَالْفَارُ يَخْرِقُهَا

 

♦ سأل رجلٌ أبا عبيدة عَنِ اسمِ رجل، فقال: ما أعرف اسمَه، فقال له بعض أصحابه: أنا أعرف الناس به: اسمه خراس، أو خداش، أو رياش، أو شيء آخَر!!

♦ وصَف رجلٌ رجلاً، فقال: كان يغلط في عِلْمه من وجوه: يسمع غيرَ ما يُقال له، ويَحفظ غيرَ ما يسمع، ويَكتُب غيرَ ما يحفظ، ويُحدِّث بغير ما يكتب.

♦ قال الحسن اللؤلؤيُّ: عبرتُ أربعين عامًا ما قِلْتُ ولا بتُّ، إلاَّ والكتاب على صدري.

وقال الشاعر:

وَإِنَّ عَنَاءً أَنْ تُعَلِّمَ جَاهِلاً
فَيَحْسَبُ جَهْلاً أَنَّهُ مِنْكَ أَعْلَمُ
مَتَى يَبْلُغُ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ
إِذَا كُنْتَ تَبْنِيهِ وَغَيْرُكَ يَهْدِمُ
مَتَى يَنْتَهِي مِنْ سَيِّئٍ مَنْ أَتَى بِهِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَيْهِ تَنَدُّمُ

 

♦ قال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لا يَعرِف فضلَ أهل العلم إلاَّ أهلُ الفضْل.

قال بعضُ العلماء: مَن أكثر المذاكرة بالعلم لم ينسَ ما علم، واستفاد ما لم يعلم.

وقال الشاعر:

إِذَا لَمْ يُذَكِّرْ ذُو الْعُلُومِ بِعِلْمِهِ
وَلَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمًا نَسِي مَا تَعَلَّمَا
فَكَمْ جَامِعٍ لِلْكُتْبِ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ
يَزِيدُ مَعَ الْأَيَّامِ فِي جَمْعِهِ عَمَى

 

 

♦ وقد قيل: عندَ الامتحان يُكْرم المرء أو يُهان.

 

الفضيل بن عياض:

قال الفُضَيل بن عِياض: العملُ لأجْلِ الناس شِرْك، وترْك العمل لأجْل الناس رياء، والإخلاص أن يُعافيَك الله منهما.

وقال في قوله - تعالى -: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [هود: 7]، قال: يعني: أخْلصَه وأصْوَبه، إنَّ العلم يجب أن يكون خالصًا لله، وصَوابًا على متابعة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

الكسائي والرشيد:

قال الكِسائيُّ: صليتُ يومًا بالرشيد، فأعجبتْني قراءتي، فغلطتُ غلطة ما غلطها صبيّ، أردتُ أن أقول ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾، فقلت: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعِينَ)، فما تجاسَر الرشيد أن يردَّها، فلمَّا سلمتُ قال: أيُّ لغة هذه؟ فقلت: إنَّ الجواد قد يعثُر، فقال: أمَّا هذا فنَعَم.

 

سيرة الرشيد:

كان الخليفةُ هارون الرشيد من أحسن الناس سِيرة، وأكثرهم غزوًا وحجًّا، وفعلاً للخيرات، وقد قال فيه أبو المعلى الكلابي:

فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ
فَبِالْحَرَمَيْنِ أَوْ أَقْصَى الثُّغُورِ
فَفِي أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى طِمَرٍّ
وَفِي أَرْضِ التَّرَفُّهِ فَوْقَ كُورِ
وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ
مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَلَى الْأُمُورِ

 

العلم بحر:

العلم بحرٌ لا ساحلَ له، ولا حدَّ لغايته، كلما أوغل فيه المرء طلبًا وتحصيلاً أبصر بُعْدَ مداه، وسَعةَ محيطه وعمقه، وهو يجد في الغَوْص لذَّة، وفي البحث مُتعة، وفي الطلب هناءً.

وإذا سمع العُذَّال يلومونه أعْرَض عن مشورتهم، وتجنَّب خلطتهم، إذا لم يقدر على إقناعهم بخطأ رأيهم، واختلال فِكرتهم، والعلم نورٌ وهداية وسعادة.

 

المتعمِّق في العلم:

قال بعضُ العلماء: المتعمِّق في العلم كالسابح في البحر، ليس يرى أرضًا، ولا يعرف طولاً ولا عَرْضًا.

 

أنواع العلوم:

قال الإمام الشافعي: مَن تعلَّم القرآن عَظُمتْ قيمتُه، ومَن تعلَّم الفقه نَبُل مقدارُه، ومَن كتب الحديث قويتْ حُجَّتُه، ومن تعلَّم الحساب جزُل رأيُه، ومَن تعلَّم اللغةَ رقَّ طبعُه.

 

العلماء والأغنياء:

قيل لبعضهم: العلم أفضل أمِ المال؟ قال: بل العلم، قيل: فما بالنا نرى العلماء على أبواب الأغنياء، ولا نكاد نرى الأغنياء على أبواب العلماء؟ فقال: ذلك لمعرفةِ العلماء بمنفعة المال، وجَهْل الأغنياء بفضْل العلم.

 

الأوزاعي:

♦ قال الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شرًّا أعطاهم الجَدَل.

♦ قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: اذكرْ أخاك إذا غاب عنك بما تحبُّ أن يذكرك به، ودعْ منه ما تحبُّ أن يدعَ منك.

 

التصحيف:

قال الأصمعي - وذكر رجلاً يصحِّف -: كان يسمعُ فيعي غيرَ ما يسمع، ويكتب غيرَ ما وعى، ويقرأ في الكتاب غير ما هو فيه!

وكان ابنُ سِيرين إذا سُئِل عن مسألة فيها أُغلوطة، قال للسائل: أمْسِكْها حتى تسألَ عنها أخاك إبليس.

 

عطاء بن أبي رباح:

قيل لأهل مكة: كيف كان عطاء بن أبي رباح فيكم؟ قالوا: كان مِثلَ العافية التي لا يُعرَف فضلها حتى تُفْقَد.

أمَّا لونه وهيئته، فكان أسودَ أعور، أفطسَ أشلّ، أعرجَ، ثم عَمِي.

 

فضل الصحابة:

قال الحسن البصريُّ - وقد ذُكِر عنده الصحابة رضي الله عنهم -: شَهِدوا وغِبْنا، وعَلِموا وجَهِلْنا، فما اجتمعوا عليه اتبعْنا، وما اختلفوا فيه وقفْنا.

 

قال بديع الزمان الهمذاني:

العِلمُ شيءٌ بعيدُ المرام، لا يُصاد بالسِّهام، ولا يُقسَم بالأزلام، ولا يُرى في المنام، ولا يُورث عن الآباء والأعمام، وزَرْع لا يزكو إلاَّ متى صادَف من الحزم ثرًى طيِّبًا، ومن التوفيق مطرًا صيِّبًا، ومن الطبع جوًّا صافيًا، ومِن الجهد روحًا دائمًا، ومن الصبر سقيًا نافعًا، وعَرَضٌ لا يُصاب إلاَّ بافتراش المَدَر، واستناد الحجر، وردِّ الضجر، وركوب الخَطَر، وإدمان السَّهر، واصطحاب السَّفر، وكثرة النظر، وإعمال الفِكَر.

♦ قيل في الاجتهاد والمثابرة: لا تُنال الراحةُ إلاَّ بالتعب، ولا تُدرك الدعةُ إلاَّ بالنصب.

♦ قال بعضُ الحُكماء: بادروا بتأديب الأطفال قبلَ تراكُم الأشغال، وتفرُّق البال.

♦ اختار أهل حمص شيخًا لهم، لم يكن فيهم أعقلُ منه ولا أكملُ، مع ابنين له، معروفَين عندَهم بالعقل والكمال، وأوفدوهم إلى الرشيد لمظلمة كانتْ بهم، فلمَّا وردوا الباب، وأُذِن لهم دخل الشيخ، فقال: السلام عليك يا أبا موسى، فعلم أنَّه أحمق، وأمَرَه بالجلوس، ثم قال: يا شيْخ، أحسبك قد طلبت العلم، وجالستَ العلماء؟ قال: نعم يا أبا موسى، قال: مَن جالست من العلماء؟ قال: أبي، قال: وما كان يقول في عذاب القبر؟ قال: كان يكرهه، فضَحِك الرشيد ومَن حضر، ثم قال: يا شيخ، مَن حفر البحار فيما سمعت؟ فسكت الشيخ فقال أحدُ ولديه: قد حفرها موسى حين طرق له، قال: فأين طِينها؟ فقال الولد الثاني: الجِبال، ففرِح الشيخ بحسن جواب ولديه، وقال: والله ما علمتُهما، ما هو إلاَّ إلهام من الله - تعالى - وله الحمد.

 

وقال حمزة بن علي بن العين زَرْبي:

الْمَالُ يَرْفَعُ مَا لاَ يَرْفَعُ الْحَسَبُ
وَالْوُدُّ يَعْطِفُ مَا لاَ يَعْطِفُ النَّسَبُ
وَالْحِلْمُ آفَتُهُ الْجَهْلُ الْمُضِرُّ بِهِ
وَالْعَقْلُ آفَتُهُ الْإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ

 

كان سفيانُ الثوريُّ يقول: قال لي ابن مناذر: أصفُ لك أصحابَك، أمَّا الأصمعي فأحفظُ الناس، وأما أبو عبيدة فأجمعُهم، وأما أبو زيد الأنصاري فأوثقهم.

 

غَيْرة مفرطة:

قال الدكتور مصطفى السِّباعي - غفر الله له - في كتابه من "روائع حضارتنا" في معرض حديثه عن المكتبات، وما أصابها من النكبات: "وأغربُ النكبات ممَّا يثير الضَّحك ما تفعله الحماقةُ بالعِلم وكتبه، فقد كان للأمير ابن فاتك - من أمراء مصر في القرن الخامس الهجري - مكتبةٌ ضخْمة، كان يجلس فيها أكثرَ أوقاته ولا يفارقها، وكانت له زوجةٌ كبيرة القَدْر من أرباب الدولة، ولكن داخلتْها الغَيْرة من الكتب، فلمَّا توفي نهضتْ هي وجواريها إلى خزائن كتبه، وفي قلبها لَوعةٌ من الكتب؛ لأنَّه كان يشتغل بها عنها، فجعلت تبكيه وتندبه، وفي أثناء ذلك تَرْمي الكتب في بِرْكة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها! هكذا فعلتْ زوجةٌ أحْنقها وَلَعُ زوجها بالكتب، فانتقمتْ من الكتب بعد وفاته، ولا يزال في زوْجاتِنا مَن يَغِرْنَ من الكتب، كما غارتْ تلك الزوجة الفاضلة، وقديمًا كانتْ زوجة الإمام الزهري تقول له حين تراه غارقًا في الكتب: واللهِ لهذه الكتبُ أشدُّ عليَّ من ثلاث ضرائر".

 

♦ قال ابن مسعود - رضي الله عنه -:

لو أنَّ أهل العِلم صانوا علمهم، ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهلَ زمانهم، ولكنَّهم بذلوه لأهل الدنيا؛ لينالوا به مِن دنياهم، فهانوا على أهلها، سمعتُ نبيَّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن جَعَل الهمومَ همًّا واحدًا كفاه الله همَّ آخِرته، ومَن تشعَّبتْ به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالِ الله في أيِّ أوديتها وقع)).

♦ قال بعض العلماء: لستُ أطلب العِلم طمعًا في بلوغ غايته، والوقوف على نهايته، ولكن الْتماس ما لا يسع جهله، ولا يَحْسُن بالعاقل إغفاله.

♦ قال سعيد بن سلاَّم البصري: سمعتُ أبا حنيفة النعمان يقول: لقيتُ عطاءَ بن أبي رباح بمكة، فسألتُه عن شيء، فقال: مِن أين أنت؟ فقلت: مِن أهل الكوفة، قال: أنت مِن أهل القرية الذين فرَّقوا دِينهم وكانوا شِيَعًا، قلت: نعم، قال: فمِن أيِّ الأصناف أنت؟ قلت: ممن لا يسبُّ السلف، ويؤمِن بالقدر، ولا يُكفِّر أحدًا من أهل القِبلة، قال عطاء: عَرَفْتَ فالْزم.

 

أوقات للراحة:

كان السلف الصالح رهبانًا باللَّيْل، أُسودًا بالنهار، وكانوا مع التُّقى والعِفَّة والصلاح يمزحون، ويعطون النفس حقَّها من الراحة، ويدعون أوقاتًا للعطلة والاستجمام، فلا يُكثرون على طالِب العلم؛ لئلاَّ يسأمَ ويضجر، ولا يوالون المواعظ والزواجر؛ خوفًا من الملل، وحتى يعلمَ الناس أنَّ في الدِّين فُسحةً، وأنه دِين اليُسْر والسماحة، وقد فهِموا الدِّين حقيقة، وقاموا به أحسنَ قيام، فانتصروا، وفتحوا الدنيا، ونشروا العلم في أنحاء الدنيا، وأشادوا حضارةً زاهية وارفة الظلال، استمتع بها العالَم قرونًا طويلة، وحين ضَعُف أمر المسلمين، وانخدع بعضُهم بتقليد الغَرْب والإعجاب به، متجاهلاً مجدَه وتاريخه، ومتهاونًا بدِينه وعقيدته، أصاب العالَمَ من الاختلال وفقدان الاستقرار، الذي كان ينعم به في قوَّة المسلمين الشيءَ الكثير.

فهل تُشْرِق حضارة المسلمين على العالَم القَلِق المهدَّد بالدمار والحروب؟ وهل يدرك أولئك الناصِبون العداوةَ للإسلام أنَّه دينُ هداية وسعادة، وأنَّه رحمة للعالَمين؟

 

تفاوت أثر المتكلم:

أستاذان لك، يختلف تأثيرُهما عليك، وصَدِيقان لك تُصغي لواحد منهما، وتأخذ برأيه، وتقبل مشورتَه، وآخَرُ قد لا ترضَى برأيه، ولا تعمل بمشورته، وإن كنت لا تشكُّ في حُسْن نيَّته.

وواعظان يُلقيان على الناس المواعظ، فيكون لواحد منهما القَبولُ والرِّضا، ويكون حظُّ الثاني من ذلك بخسًا أو معدومًا.

وترى أشخاصًا لأوَّل مرَّة، فتأنس ببعض منهم، وتطمئن إليه، وتتحفَّظ أمام الآخرين، وربَّما - ولأسباب تجهلها - كرهتَ أحدًا منهم، مع أنه لم يسبقْ لك معرفة به مِن قبل، وتشعر بنفور منه.

ولستُ أريد الخوضَ فيما قاله علماء النفس من تعليلات، لا أحسبها صحيحةً كلها، وإن كان فيها بعضُ الصحَّة، وليس فيها الشمول، وإن كان فيها أجزاء من الحقيقة.

إنَّ للنيَّة الحسنة بلا ريب أثرًا في القَبول، وعكسها النيَّة المدخولة، وطريقة اللِّقاء والكلام والتعبير لها دَور في الرِّضا والسخط، والإقبال والإعراض، ولكن هناك حالات تبْقَى محتاجةً إلى تفسير أكثر، وإلى أن يتمَّ الكشف عن أسبابها ومسبباتها - إن كان ذلك ممكنًا - سنتوقَّف متأمِّلين، وعلى كلِّ حال فإنَّ قدرة الله لا حصرَ لها، ولا إحاطة بها، وهو الحكيم العليم.

 

من صنوف الغزو الفكري:

مِن صنوف الغزو الفكريِّ الذي يركِّز عليه أعداءُ الإسلام على اختلاف نِحَلهم ومعتقداتهم: الناحية التعليميَّة، ومحاولة توجيهها وجهةً تبعدها عن أهدافها، وتخرجها عن إطارها.

إنهم يعرفون ما للتعليم مِن أثرٍ في تربية النشء، واتجاه المجتمع؛ لذلك فَهُم يعمدون إلى القضاء على التعليم الدِّينيِّ الإسلاميّ، وإذا لم يمكنهم ذلك لسبب من الأسباب، فإنَّهم يغيِّرون وجهته؛ ليصبحَ قليلَ الأثر، وربما كانوا يهدفون لإبقاء الأسماء؛ اجتذابًا للناس، وكسبًا لثقتهم، بينما الحقيقة أنَّه لم يَبقَ إلاَّ الاسم، أما الجوهر فهو مغاير لذلك تمامًا، وشتَّان بين الاسم والمسمَّى!

ولعلَّ المعاهد الدِّينيَّة والمدارس الدينيَّة كانت من أوَّل ما عُني أعداءُ الإسلام بالإجهاز عليه كليًّا أو جزئيًّا، ونحن نعرف أنَّ بعض المعاهد الدِّينيَّة في بلدان عربية قد غيَّرت مناهجَها وطرائقها، حتى أصبحتِ اسمًا على غير مسمَّاه.

ولقد أكثروا فيها من الموادِّ الدراسيَّة ما جعل العلوم الدينيَّة تتضاءل، أو تكاد تنعدم، فيتخرَّج منها الطالِب وكأنَّه أصبح من علماء المسلمين وفقهائهم، وهو من أجْهل الناس بالعلوم الدِّينيَّة، وأبعدهم عنها!! ولا تَسَلْ عمَّا يجرُّه هذا الوضع من نتائجَ غير حميدة.

إنَّ قلاع العلوم الدينيَّة يجب أن تظلَّ صامدةً قوية، لا تزعزعها رياحُ الأباطيل، ولا ينخدع المسؤولون عنها بالدعاوى الزائفة، والترويجات الفاسِدة، إنَّ من هؤلاء كثيرين لا يشكُّ في غَيْرتهم وطِيبتهم، ولكنَّهم قد لا يدركون المقاصد من وراء بعض الدعاوى السيِّئة، ولا يعلمون ما تعقبه من شرور ومخاطر.

إنَّها أمانةٌ، وإنها مسؤولية، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].

 

تكريم النابغين:

الأمَّة التي تكرِّم نابغيها، وتقدِّر موهوبيها، وتشجِّع أذكياءَها، وتحترم عقلاءها، وتُطيع ولاتها المصلحين، وتجلُّ علماءها المتقين، وتُعْنى بأدبائها الفاهمين، هي أمَّة مآلها الفَوْز، وعقباها الظفر، وهي وشيكةٌ أن تصعد إلى أوجِّ العُلاَ، وأن ترقى إلى المجد على عجل.

أمَّا إذا كان العكس هو الواقعَ، فإنَّ ذلك نذيرٌ بالتفتُّت والتمزُّق، وضياع الأمور، واختلاط الحابل بالنابل، والنكوص إلى الوراء، والارْتكاس في حمأة الحَسَد والوشايات، وطمْر الكفاءات، والاشتغال بالقيل والقال، والادِّعاء العريض، والجهْل الكثير، واتباع كلِّ ناعق، والسَّيْر في ركاب الإمعات والغوغاء ودُعاة الباطل، اللهمَّ ارحمنا برحمتك يا ربَّ العالمين.

فالتربيةُ الصحيحة تُولِي النابغين والموهوبين والأذكياءَ من الطلبة عنايةً خاصَّة، وتدعو لتوفير أسباب الراحة لهم، وتشجيعهم على إبراز مواهبِهم وصقلها، فيهتمُّون بهم؛ ليواصلوا تعليمهم، ويختاروا التخصُّص الذي يتَّفق مع ميولهم.

ولو أنَّ البلدان تختلف في هذه المسألة من ناحية التطبيق اختلافًا شاسعًا، فبلاد تشجِّع الموهوبين والأذكياء تشجيعًا هائلاً، وتقدِّم لهم المساعدات الكبيرة، وترعاهم وتهتمُّ بشؤونهم، وبلاد تُقبر فيها الكفاءات، وتُوأَد المواهب، وليس المجال هنا مجالَ مقارنة ومفاضلة.

ولكن أردتُ أن أقول: إنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يشجِّع الأذكياء، وكذا صحابته الكرام، وتاريخُنا الإسلامي حافلٌ بالأمثلة الكثيرة، فليس ذلك مِن ميْزات التربية الحديثة المأخوذة عن الغرْب والحضارة الغربيَّة، ولكنْ لذلك تاريخٌ في الإسلام، ومكانةٌ لدى المسلمين قبل أن توجد الحضارة الغربية بقرون كثيرة.

وقد نبغ في المسلمين علماءُ متبحِّرون، وشعراءُ مجيدون، وخطباءُ مشاهير، وقد بلغ مِن تفوُّق أحدهم حدًّا يُضرَب به المثل، ويُبهِر بما وصل إليه من مكانة مرموقة، ومنزلة سامية.

وإذا كان من المتأدِّبين في هذا العصر مَن صرفتْه صوارف، وشغلتْه شواغل، أو شوّش ذهنه بالتفاهات، وقنع بها عن جيِّد تراثه، وجَزَل الأدب ورفيعه، مستعيضًا عن هذا بأدب المُجون والانحلال، وسخافات الهُراء والإسفاف، فإنَّ هذا هو الشَّطَط والخَطَل، وخير لهم أن يعودوا لكنوزهم الدفينة، ومنائرِهم الشاهقة، ومناهلهم الصافية، ففي هذا الطريق سبيلُ النجاح، والسلامةُ من المهالك والعثرات.

كان العرب في جاهليَّتهم وإسلامهم يقدِّمون النابهين، ويُكرِّمون المتفوقين، ويشجِّعون المجدِّين، وإذا كان في عصور الضَّعْف والوهن معاكسةٌ لهذه القاعدة، فليس معنى هذا أنَّ العرب كانوا على تلك الصِّفة المتخلِّفة، ولا أنَّ الغربيِّين هم الذين ينفردون بمزية تشجيع الأذكياء، وإفْساح المجال أمامَ ذوي المواهب - وقال الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجَّاج:

تَصَدَّرَ لِلْتَدْرِيسِ كُلُّ مُهَوِّسٍ
بَلِيدٍ تَسَمَّى بِالْفَقِيهِ الْمُدَرِّسِ
فَحُقَّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَمَثَّلُوا
بِبَيْتٍ قَدِيمٍ شَاعَ فِي كُلِّ مَجْلِسِ
لَقَدْ هَزُلَتْ حَتَّى بَدَا مِنْ هُزَالِهَا
كُلاَهَا وَحَتَّى سَامَهَا كُلُّ مُفْلِسِ

 

أعجوبة:

طفلٌ لبنانيٌّ في الرابعة من عُمره يعرِف عاصمةَ كلِّ بلد في العالَم، وأسماء رؤساء الدول، ويعرِف أنواعَ السيارات والطائرات، ويفرِّق بين الطائرات الحربيَّة والمدنيَّة، ويحدِّد الدولة التي تصنع تلك الطائرات، وله ذاكرةٌ مدهِشة، فهو يحفظ كلَّ ما يسمعُه، أو يطَّلع عليه من أسماء وحوادثَ، وتفصيلات دقيقة، وأسماء المشاهير، ولا ينسى شيئًا مما يُذكَر أمامَه مرَّة واحدة، فهو يحفظ غيبًا ودون تَكْرار، ثم لا ينسى ذلك، وهو يتقن العربيَّة، واليابانيَّة، والفَرْنسيَّة بطلاقة، ويفهم الإنكليزية والتركية!!

واسم هذا الطفل العجيب داتو حسن بك الهبري، أبوه لبناني، وأمُّه يابانية، فسبحان الخالق الوهَّاب!!

 

إضاعة الفرص:

ترى كم من الناس عندَه من الأسباب للهناء والراحة، ولكنَّه لا يعرِف كيف يستفيد من تلك الفُرَص السانحة، فتذهب من بين يديه سُدًى، ولا يشعر بفداحة الخَسارة إلاَّ بعد فوات الأوان.

ولأضرب مثلاً - بضحكات الأطفال وأحاديثهم البريئة وأمانيهم، وتخيلاتهم واستفساراتهم؛ هل جربتَ أن تُصغي سمعَك لهم، وتشاركهم في مشاعرهم، وتقدِّر لهم آمالهم، وتتعرَّف على مشكلاتهم، وتندمج في جوِّهم؟ ستشعر - إن فعلت - أنَّ شيئًا قد طرأ على حياتك، وأنك عِشتَ في جوٍّ مَرِح لطيف، مُشبع بالبراءة والسماحة، بعيد عن التعقيد والالْتواء، والمكر والدسائس والبغضاء، سترى أنَّك في مجتمع الحبِّ والوفاء، والنبل والطِّيبة، وستحسُّ بسعادة غامرة، وهناء وارِف.

وستتمنَّى لو أنك أدركتَ هذه المعاني منذ زمن بعيد، ولم تهربْ تلك الأوقات منك، وتفرِّط فيها؛ لأنَّك لم تكن تدرك أنَّها على هذا المستوى من العَظمة والفائدة، وبالتأكيد ستحرِص على اغتنامها مستقبلاً.

براءة الطفولة بهجةُ النفس، وقُرَّة العَيْن، وتعبيراتها السهلة، ومعانيها اللَّطيفة سَلوةٌ وفرحة، هذه البراعم اللَّدْنة، والغصون الغَضَّة، حَرِية بالتعهُّد، وحُسْن الرِّعاية، والتربية الصالحة، والسياسة الحكيمة، التي لا تسرف في التدليل، ولا تشتطُّ في العقاب.

والطفل مُولَع بالسؤال يُريد أن يستكشفَ ما حوله، وأن يعلمَ بما يدور في مجتمعه، وأن يعرِف ما يسمع عنه أو يشهده، ويجدُر بالأبوين والإخوة الكِبار ألاَّ يضجروا من سؤالات الأطفال، ولا يردُّوها بجفاء أو تبرُّم، بل يوضِّحون لهم بقدر الإمكان، ويرشدونهم برِفْق وحِكمة؛ لأنَّهم بهذه الطريقة يساعدونهم على محبَّة العلم، والبحث عن المعرفة، وصقل المواهب، وتوسيع الثقافة، وقد قيل: العلم في الصِّغر كالنقش في الحجر.

تربية الأطفال مِن أشقِّ الأمور وأصعبها، فهناك مَن يُهمِل أطفاله، ولا يكترث لهم، ولا يُعنَى بشأنهم، وإنما هو لاهٍ في مشاغله وعمله وحاجاته، وما يتعلَّق بالمعيشة والكُسوة والسكن.

وهذا إهمالٌ له نتائجُ وخيمة، وعواقبُ غير حميدة، وهناك مَن يقسو ويشتدّ، ويحاسب أطفاله حسابًا عسيرًا، ولا يعطف عليهم، وكأنَّ الرحمة قد نُزِعت من قلبه، وفيهم مَن هو مدلِّل للأطفال، ملبٍّ كلَّ طلب يطلبونه، فلا يؤدِّبهم، ولا يوجِّهُهم التوجيهَ السليم، والأدب القويم، والتربية الصالحة، وهو على عكس ذلك القاسي العنيف، كلاهما قد أخطأ الصواب، والعدل أن يَتوسَّط المرء، فلا يُهمل ولا يَتعسَّف، ولا يُسْرِف في التدليل، ولا يقسو في التأديب.

 

المراء:

المماراة تُعجِّل بالعداء، وتُوغِر الصدور، وتُثير البغضاء، قال الشاعر:

فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ الْمِرَاءَ فَإِنَّهُ
إِلَى السَّبِّ دَعَّاءٌ وَلِلصَّرْمِ جَالِبُ

 

موت العلماء:

ممَّا جاء في أشراط الساعة كثرةُ القرَّاء، وقلَّة الفقهاء، وقد توفِّي عالمان في هذه البلاد في وقت متقارِب أحدُهما مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها، شيخنا العلاَّمة محمَّد بن إبراهيم، وثانيهما السيد علوي المالكي، وقد كان لوفاتهما أسًى عميق، وحزنٌ كبير، وقد شعر الناس - بعد وفاتهما بالخَسارة الفادحة - بفَقْد العالِم العامل، وقد كان هذان العالمان يمثِّلان العلم، ويعتزَّان به ويحترمانِه، وكان لهما تلامذةٌ كُثُر، وقد نفع الله بعلمهما.

وفي أقطار إسلامية أُخرَ مات علماء، فكان لموتهم رنَّة حزن ووجوم، وشعور بهول المصاب.

إنَّنا عندما نفقد عالِمًا من هذا الطِّراز، فإنَّ وجود أعداد من العلماء تخلفه يُعدُّ من أصعب الأشياء، فالعلماء ورثةُ الأنبياء، وهم حاملو رايةِ العلم، ومشعل النور، يُضيئون به الطريق للبشرية، وللعلماء الأعلام مكانُ القيادة الصالحة، والتوجيه الرشيد، والنُّصْح والإفادة.

 

الولد المدلل:

وُلِد وفي فمِه ملعقة من ذهب - كما يقولون - فقد تفتَّحت عيناه على الثراء، والوجاهة والأُبَّهة، وعاش طفولتَه ويفاعته مُدلَّلاً مترفًا - ولم يكن يفهم لماذا يكدُّ الآخرون، ويجهدون أنفسَهم في طلب المعيشة، وبشقِّ الأنفس، فقد كان يظنُّ أنَّه من السهل أن ينهال عليهم المال بلا تعب ولا عناء، كما هي حاله وأترابِه، من ذوي الثراء العريض.

وكان يسخر من ذلك الطِّفل الفقير بأسماله البالية، ولَونِه المغبر، ورجليه المشقوقتَين، وكان ذلك الفقير مُجِدًّا حصيفًا، يضني نفسه في الدراسة والتحصيل، ولم يكن يأبه لتندُّر الطفل المدلَّل وضحكاته، ولومه له على الدِّراسة، والسهر في طلب العلم، وتبعثرتْ ثروةُ الغنيّ، وشهد ذلك الفقير البائس، وقد صار له شأن، وذِكْرٌ جميل، ومكانة سامية، ومالٌ وجاه، أما هو فقد فاتْه التعليم، وأضْحى يضرب كفًّا بكفّ، ويلوم نفسَه على جهله وحماقته، ويودُّ لو أنه عَرَف الحقيقة قبل فوات الأوان.

 

بين الكتب:

ما أجملَ الدقائقَ والساعاتِ التي يمضيها المرء بين الكتب، وما أبهاها! فهي تنقل الإنسانَ إلى عوالِمَ جديدة، على أنها تجمع أشتاتًا لا تلتقي في الزمان، ولا يُوحِّدها المكان، ولا يتجانس فيها الألوان والأشكال، ومُطالِعُ الكتب كأنَّه في بستان أغنّ، فيه عبق الورد، وشذى الخُزَامَى، وشميم العَرَار، وأزهار القرنفل والياسمين، يتفيَّأ ظلالُ النخيل، ويقطف من العنب والتين والرمان ما لذَّ وطاب، ويجني من الفاكهة ما يروم، ويَعرِف من عقول الرِّجال وآدابها، ومزايا المفكِّرين، وآثارهم وجهود العلماء وصبرهم الكثير، مما يُعجِب ويُطرِب، ويُسِرُّ ويُبهِج، ويُفيد ويُمتِع.

 

زوامل الأسفار:

قال مرْوان بن أبي حفصة في قوم يجمعون الكتب، ولا يستفيدون منها:

زَوَامِلُ لِلْأَسْفَارِ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُمْ
بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْمَطِيُّ إِذَا غَدَا
بِأَحْمَالِهَا أَوَ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ

 

أرى الشاب يقضي بعضَ الوقت من فراغه في المكتبة فيُعجبني، وأعدُّ هذا دليلاً على أنَّ الوعي قد تقدَّم، وأنَّ قيمة الوقت معروفة لدى شبابنا، وحين أرى كثيرين يُضيِّعون أوقاتهم سدًى، ويتكاسلون عن دراستهم أتأسَّف لإهمال هؤلاء، وعدم إدراكهم لِمَا يؤمِّله منهم آباؤهم وإخوانهم وأمَّتُهم، وقد أقبل الاختبار، وعندَ الامتحان يُكرم المرء أو يُهان، ومَن جدَّ وَجَد، ومَن زَرَع حَصَد.

♦ كان ابن الصابوني خازنًا لمكتبة في بغداد، فعزَّ عليه أن يجدَ الناسَ ينتفعون بها دونه، وأبَى أن يكون أمينًا على كتب يجهل ما فيها، ومِن ثَمَّ أخذ يجتهد في قراءتها، ويُعنَى بالتدقيق في مسائلها حتى ألَّف كتاب "مجمع الآداب" في خمسين مجلدًا، و"در الأصداف" في عشرين مجلدًا.

♦ قال رجل لابنه يوصيه: يا بُنيّ، لا تقطع القريب وإن أساء، فإنَّ المرء لا يأكل لَحْمه وإن جاع.

♦ قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: مَن ينصف الناس مِن نفسِه يُعطَ الظفر من أمرِه.

 

قصص الأطفال:

قصص الأطفال مهمَّة جدًّا، وما يوجد منها في المكتبات قليل، ومع قلَّته فإنَّ الكثير منه قد يأتي بنتائجَ عكسيَّة؛ لِمَا يحويه من خُرافات وخِداع، وشعوذة وشبهها، ممَّا يغرس في ذِهْن الطفل التشويش، ويخلط عليه الحقائق، ويجعله لا يُصدِّق ما يسمعه وما يقرؤه؛ لأنَّه قرأ في هذه القصص أشياءَ لا حقيقة لها، بل هي أكاذيبُ وخيالات، تُنافي الواقعَ وتصادمه، إنَّه من المهمِّ والضروري أن يُعنَى بقصص الأطفال، وأن تُكتَب بطريقة مشوقة، فيها اختيار لقصص حقيقيَّة، تدلُّ على الفضائل والمكارم، وتحذِّر من الرذائل والمعايب.

قصص تشيد بالتديُّن والبرِّ والصلة، والرِّفْق والكرم، والشهامة والمروءة والشجاعة، والمحبَّة والرحمة، والتسامح والخُلُق النبيل، وتحذِّر من الخيانة والغَدْر، والجُبْن والقطيعة، واللؤم والإلْحاد، والمُجون والبخل، والهمجيَّة والقسوة، قصص تستمدُّ عناصرها من القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، ومِن سِيرة السلف الأكارم، ومِن أخبار الفُضلاء والنابهين، وذوي الشهامة والمروءة، والشجاعة والسخاء.

 

العناية بالمكتبات:

المكتبات في العالَم العربيِّ تحتاج إلى اهتمام كبير، وإلى جهود مُخلِصة جادَّة؛ لإنقاذها من الوهدة المتردية فيها، وحِفْظها من التلف ومِن الضياع، ومِن أن تمتدَّ إليها الخيانةُ والاختلاس، وفي حاجة إلى استخدام الأدوات والآلات الحديثة؛ من تصوير للمخطوطات، والكتب النادرات، ومِن إرسال مختصِّين إلى مكتبات تركيا وأوروبا، وأمريكا وغيرها؛ لانتخاب الكتب النفيسة، وتصويرها.

ولقد كان للمكتبات شأنٌ عظيمٌ في تاريخنا الإسلامي الزاهِر، واليومَ نشهد المكتباتِ تعيش المأساةَ والهزيمة، وكأنَّها تحسُّ بما يحسُّ به شعبٌ عريق عظيم، قد جرحتْ كبرياؤه، ودِيست كرامتُه، وأُذلَّ على أيدي أعداء مختلفي الأشكال والألوان، ولكنَّه لن يسكتَ على الهوان، ولن يرضَى بالمذلَّة، وسينتصر - بإذن الله.

إنَّ الأموال متوفِّرة - بحمد الله - والغيورين على المكتبات موجودون، ولم يبقَ إلاَّ العَزْم والتصميم، ثم التنفيذ؛ ليصبحَ الحُلمُ حقيقةً، والأمانيُّ واقعًا.

♦ ذكر الأستاذ مصطفى السباعي في كتابه "من روائع حضارتنا" عن قصْر الزهراء بقرطبة - نقلاً عن المؤرِّخ التركي ضيا باشا قوله: إنه كان أعجوبةَ الدهر، التي لم يخطر مثلُ خيالها في ذهن بناء منذ بدأ الله الكون، ولا تَمثَّل رسمٌ كرسمها في عقل مهندس منذُ وُجدتِ العقول.

ويقول الأستاذ مصطفى السباعي في حديثه عن المكتبات قديمًا: "وكان للمكتبات العامَّة موظَّفون، يرأَسُهم خازن المكتبة، وهو دائمًا مِن أشهر علماء عصره، ومناولون يناولون الكتب للمطالعين، ومترجِمون ينقلون الكتب من غير العربية إلى العربية، ونسَّاخ يكتبون الكتب بخطوطهم الجميلة، ومجلِّدون يُجلِّدون الكُتب؛ لتحفظَ من التمزُّق والضياع، هذا عدَا عن الخدم وغيرهم، ممَّن تقتضيهم حاجةُ المكتبات".

أجِدُ لذَّة جامحة، وشوقًا شديدًا لقراءة كُتب التاريخ والسِّير والتراجم، وألْقَى متعة ورغبة عارمة في الأسفار، وأمنيتي أن أقومَ بجولة حول العالَم، وقد يكون لهذَين الأمرين من الفوائد ما لا يُعدُّ ولا يُحْصَى، ولا سيما مَن انصرف قلبه إلى التفكُّر، وأخْذ العبرة والموعظة.

والله - تعالى - قد أشار لذلك في القرآن الكريم فقال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت: 20]، وقال: ﴿ مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [لقمان: 28].

إنَّ المشاهد التي تمرُّ أمامَ الإنسان عيانًا، والتي يقرأ عنها، ويعيها قلبُه، وما فيها مِن تبايُن، وغرائبَ وعجائب، وتقلُّبات وتنوعات، وما قام فيها من دول، وخلفها غيرها، واختلاف القسمات والألوان، واللهجات واللغات والطبائع - ممَّا يَزيد المؤمنَ إيمانًا بعظمة الله، وقدرتِه وعِلمه وحكمته، تبارك الله ربُّ العالَمين.

 

اقتناء الكتب:

عندما أجِدُ كتابًا نفيسًا فإنِّي أبادر إلى شرائه ما أمكنني ذلك، وأعتبر الثمنَ الذي أدفعه فيه قليلاً، مهما كان الثمن، وأُسْرع إلى الاتِّفاق مع صاحب المكتبة التجارية على شرائه، حتى لا يسبقني إليه أحد، وقد دفعتُ في بعض الكتب أثمانًا باهظة، ولكن أعدُّها أقلَّ من قيمة الكتاب، وأعتبر نفسي رابحًا في اقتنائه، وإني ضَنينٌ بالكتب جدًّا، وأحرِص عليها حرصًا شديدًا.

وأعدُّ البيت الذي لا مكتبةَ فيه هو كالأرْض المعطَّلة، والقصْر الخَرِب، وإن زان رِياشه، وتأنَّق صاحبه في أثاثِه وفَرْشه، وستائره ودهانه.

إنَّني أشعر أنَّ المكتبة في البيت ضروريَّة لكلِّ مثقَّف لا يحسب الثقافةَ تنتهي بنيل الشهادة المعلَّقة في الجدار، وإنَّما العلم من المهد إلى اللَّحْد، وكلما نال منه الإنسان شيئًا أبْصر المسافةَ أمامه تتَّسع، وكأنَّه مشهد البحر الزاخر، الذي لا تُدرِك العين مداه، ولا تُبْصر نهايته، فالعِلم لا حدَّ له ولا حَصْر، ومَن يظنُّ أنه قد بلغ في العِلم نهايتَه، فقلْ: على عقله العفاء.

 

شروط التصنيف:

قال الأمير عبدالقادر الجزائريُّ في كتابه "ذِكْرى العاقل وتنبيه الغافل":

"ويُشترَط في التصنيف إتمامُ الغرض الذي وضع الكتاب لأجله من غير زيادة ولا نقص، وعدم استعمال اللفظ الغريب إلاَّ في الرموز والألْغاز، وينبغي أن يكون التصنيف مسوقًا على حسب إدراك أهل الزمن، وعلى قدر ما تصل إليه عقولُهم، فإذا كانت الخواطر ثاقبة قام الاختصار لها مقامَ الإكثار،

واستغنت بالتلويح عن التصريح، وإلاَّ تكن الخواطر كذلك فلا بد لها من زيادة الكشف والبيان.

ويلزم كلَّ مصنف - إذا أتمم ما صنفه - ألاَّ يُخرجَه للناس، ولا يطرحه مِن يدِه إلاَّ بعد تهذيبه وتنقيحه، وإعادة مطالعته، فإنَّه قد قيل: الإنسانُ في سَعة، وفي سلامة من أفواه جِنسِه ما لم يُصنِّف كتابًا، أو يقول شِعرًا.

ويقال: مَن ألَّف فقدِ استشرف؛ أي: مدَّ عنقه للمدح أو الذمّ، فإن أحسن فقد استعطف؛ أي: عطفت عليه القلوب، وإن أساء فقد استقذف؛ أي: عرَّض نفسَه للقذف والشتم.

 

تاريخ المملكة:

تاريخ المملكة لا يزال يحتاج إلى الكثيرِ ممَّا يكتب وما يُدوَّن، وكثير من الأحداث الهامَّة في وقت الملك عبدالعزيز - رحمة الله عليه - كان عددُ من شاركوا فيها يَروُون تفاصيلها، ويعرفون من أخبارها وبواعثها ونتائجها كثيرًا لم يُنْشَر.

ومِن المؤسِف أنَّ أكثر هؤلاء قد ذهبوا بما يَعرِفون، فلم يُكتب عنهم، ويُتلقَّ منهم ما كانوا يعونه ويخبرونه، وإنَّ قلَّةً لا تزال على قَيْد الحياة تلمُّ إلمامًا حسنًا ببعض الجوانب، ولديهم معلوماتٌ مفيدة في موضوعها، فعسى ألاَّ يذهبوا بما لديهم دون تدوين.

وإذا كان مَنِ انقرضوا ولم يُسجَّل ما يحفظونه قد فات الأوان في العِتاب على مَن قصَّر في إغْفال هذا الموضوع مع أهميَّته وفائدته، فإنَّه من الممكن إدراك ما يعلمه الأحياءُ ببذل الجهد والجَلَد، والسعي للرِّواية عنهم، وتقييد ما يبوحون به ممَّا يعلمون.

 

المدرِّس المجتهد:

المدرِّس المجتهد الدؤوب على التزوُّد من العلم، ونشْر المعرفة، وإرشاد الطلاَّب إلى الطريق الأقوم، والمنهج الأسلم - هو شخص جديرٌ بالاحترام والتقدير والتشجيع، فهو يربِّي جيلاً، ويُعنَى بنخبة إن صلحتْ سعدتْ بها الأمَّة، وسارت مسيرًا طيبًا، وكان للمدرِّس الناصح فضْلُ الرائد، وثواب العامل للخير، وحسنة القدوة السامية.

وما أحسنَ أن يجد الأستاذُ من تلاميذه الوفاءَ والاعتراف بما أسداه لهم من أيادٍ بيضاءَ لا تُقدَّر بثمن، ولا تقوَّم بمال! وما أحرى بالمدرِّس أن يجتهد ويصبر، ويعتبر ما يؤديه عملاً جليلاً لا ينتظر عليه ثوابًا، ولا يحزن إنْ فاته ما يستحقُّ من عناية واهتمام، أو لَقِي من تلامذته جفاءً أو إعراضًا، فالله يُثيب المخلصين الناشرين لدِينه، والداعين إلى الخير، وكَفَى بالله شهيدًا.

 

تربية الأولاد:

قال ابن الجوزي في كتابه "اللطائف والطب الروحاني": "وليعلمِ الوالدُ أنَّ الولد أمانةٌ في عنقه، فليجنبْه قُرناءَ السوء من الصِّغر، ولا يعوِّده إيَّاهم، وليلقِ إليه الخير، فإنَّ قلبه فارِغ يقبل ما يُلْقى إليه، وليحبِّبْ إليه الحياء والسخاء، وليلبسه الثياب البيضاء، فإنْ طَلَب الملوَّن قال له: تلك ملابس النِّساء والمخانيث، وليبادرْ بأخبار الصالحين، وليجنبه أشعارَ الغزل؛ لأنَّها بذور الفساد، ولا يمنع من أشعار السخاء والشجاعة؛ ليمجدَ وينجد، فإن أساء تغافَل عن إساءته، ولا يهتك مؤدِّبه ما بينه وبينه مِن السِّتْر، ولا يوبِّخ إلاَّ سرًّا، ويُمنَع من كثرة الأكْل والنَّوْم، ويُعوَّد الخشونةَ في المطعم والمفرش، فإنَّه أصحُّ لبدنه، ويعالج بالرياضات الجسمانية كالمشي، ويؤدَّب بالنهي عن استدبار الناس، والامتخاطِ بينهم والتثاؤب.

 

ذكريات الدراسة:

قد تكون ذكريات الدِّراسة هي أمتعَ الذكريات، وأكثرَها خصوبةً وإمراعًا، وأشدَّها وقعًا في النفس، والتصاقًا بالذِّهْن، مع مرور السنين والشهور والأيَّام.

وقد درستُ سنواتٍ عديدة، وكنت أرى في بعض الطلاَّب نباهةً وذكاء، وإقبالاً على العلم، وأدبًا وتهذيبًا، وكنت أتوسَّم فيهم ميلاً شديدًا للعِلم، وظننتُ أنه سيكون لهم مستقبل علمي حافل، واتِّجاه إلى نشْر العلم وتبليغه، وكان منهم مَن صَدَق ظنِّي فيه، وهو اليومَ يؤدِّي واجبَه، ويشارك في مَيْدانه بنصيب جيِّد، ومنهم من شغلتْه الوظيفة والعَيْش عن ذلك، ولعلَّه يحنُّ إلى أن يجد متسعًا من الوقت ليسهمَ في بثِّ العلم والمعرفة، وما زال الوقت أمامَه - إذا ما صَدَق العزم - وأقبل على العِلم مطالعةً ونشرًا، وقلت في نفسي لو أنَّ الأذكياء النابهين أُتيحتْ لهم فُرَص للنهل من العِلم، والقيام بنشْره، وعُمِلت طريقة لتخليصهم من رُوتين الوظيفة ومشاكلها، ووُجِّهوا توجيهًا علميًّا، أم أنَّه مَطْلَب صعب التنفيذ؟!!


المعاهد الدينية:

في بعض البلدان العربيَّة مدارسُ ومعاهدُ اشتهرتْ طيلةَ قرون أو سنين بتدريس العلوم الدينيَّة، وتخرَّج منها عددٌ كبير من العلماء، واشتهرتْ وذاع صيتُها.

وقد ساء أعداءَ الإسلام أن تستمرَّ تلك المعاهد، وأن تبقى قِلاعًا إسلامية تنشر الإسلام، وتدافع عنه، وتدحضُ الشبهات، وتردُّ على المفترين، فعملوا شتَّى الوسائل لإضعافها وزلزلتها، وكان ممَّا لجؤوا إليه أخيرًا أن أدخلوا عليها - باسم التجديد - علومًا كثيرة، وذلك بعدَ إقناع مَن يستطيعون إدخالَ تلك العلوم طَوْعًا أو كراهية، ورَّوجوا أنَّ الهدف من ذلك مسايرةُ العصر، وفَهْم المشكلات.

وكانت تلك الضربة قاصمةً، فقد زال جَوْهر تلك المعاهد، وبقي اسمها، أمَّا حقيقتها فهي لا تختلف عن بقية المعاهد والمدارس، التي يتخرَّج طلاَّبُها وهم جهلاء بأمور دِينهم، وقد تكون المصيبة بهؤلاء أشدَّ؛ لأنَّهم يحملون ألقابًا ضخمةً على أنَّهم من علماء الدِّين العارفين به، فيُصبحون قادةً جهلاءَ، وأدعياءَ علم، وسريعين في الانقياد لِمَا خُطِّط لهم في الخفاء.

 

أوقات العطل:

للنفس طاقةٌ إذا تجاوزتها أُرهِقتْ وكلَّت، وللقلْب نشاط إذا كلِّف بأكثرَ منه سَئِم وضجر، وللجسم قُدرةٌ إذا تعدَّاها ضَعُف وتعب؛ ولذا كان دفْع السأم والملل مراعًى؛ شرعًا وعُرفًا وفطرة.

وبيَّن الإسلام في آدابه العالية أنَّ لنفس المرء عليه حقًّا، ولجسمه عليه حقًّا، ولأهله عليه حقًّا، ولولده عليه حقًّا.

وكان السلف يتخلَّلون طلبةَ العلم بالدِّراسة، ويختارون الأوقاتَ المناسبة، حتى لا يسأموا.

فما أحلى أيَّام الدراسة، وأجملَ ذكرياتها! وما أبهى تلك الليالي التي سهرناها برفقة الكُتب، وصِحاب العلم، ونَهَمِ الطالب الذي لا يشبع، ولا يَروَى من اكتساب الفوائد، وتقييد الشوارد، وملازمة العلماء!

إنَّ ذكرياتِها تتضوَّع أريجًا كالمِسْك، ونقاءً كالطُّهر، وحلاوةً كالشَّهد.

أيَّامٌ وليالٍ، تنقضي وكأنها ساعات؛ لشدَّة الرغبة في القراءة والمطالعة، واجتناء العلم، فمِن قراءة في التفسير، إلى دروس في الحديث والفِقه والأصول، والعقائد والمذاهب، إلى استزادة في الأدب والتاريخ، وهكذا تمضي الأيَّام والليالي.

ومع شَظَفِ العَيْش ومتاعب الحياة، فقد كانتِ الرغبةُ في العلم، والفرح بالفائدة نُحصِّلها تُهوِّن علينا المصاعب، حتى ننسى المتطلباتِ الماديةَ، ونقنع باليسير جدًّا، فلذَّة الدِّراسة كانتْ تفوق كلَّ لذَّة، وأولئك الرفقة الأتقياء الطيِّبون كانتْ مجالسهم نظيفةً زكيَّة، فيها المعرفة والوقار، والعلم والأدب، والتأدب بالآداب الرفيعة.

وبعدُ، فما أحلى أيَّام الدراسة، وما أجملَها! على الرغم من شظفها، وصعوبة العَيْش أيَّامَها.

 

عزيمة صادقة:

كان قد شُغِل بمتطلبات المعيشة، وشؤونِ البيت والأولاد، وكان قد أَيِس من الدِّراسة أو كاد، وفكَّر ذاتَ يوم في حالته فرأى أنَّه مفرِّط، وأنَّ وظيفته الصغيرة وراتبها الزهيد لا يتناسبان وما يطمح له، ولا يقيمان أَوْدَه وحدَه، فضلاً عن أن يكفيَا عائلةً تتكوَّن من أفراد عديدين، وهالَه أكثرَ أن يجد نفسه غبيًّا بين المتعلِّمين، وما ذاك من قلَّة ذكائه، ولا نقص في فَهْمه، ولكن لأنَّه لم يتعلَّم، وعزم على الدراسة، وعلى دخول مدرسة محو الأُميَّة، أو الدراسة منتسبًا، ولكنَّه آثرَ الأخيرة، حتى يستعينَ بمُرتَّبه الزهيد، وقَطَع شوطًا في الدِّراسة لا بأس به، ونَجَح في مسابقة بوظيفة كبيرة نسبيًّا، وازداد مرتَّبُه زيادةً كثيرة، وهو اليومَ يعيش عيشةً رخية، ويستعرِض حالته، وكأنَّه لا يصدِّق ما حَدَث، ولكنَّها العزيمة التي تأتي بالعجائب، ولا تقف عند حدِّ المثبطات، ودعوى فارِق السِّنّ، أو صعوبة الأمر، فلسان حال المقدام:

لَأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى
فَمَا انْقَادَتِ الْآمَالُ إِلاَّ لِصَابِرِ

 

نبوغ:

كان مِن أسرة فقيرة، قد عضَّها الفقرُ بأنيابه، وذاقتِ البؤسَ، وشَظفَ العيش، وحرَّ الصيف، وبَرْد الشتاء، دون أن تَجِدَ الدفء، والكِساء والغذاء، الذي يدفع غائلةَ الجوع، ويقي المَسْغَبة، وكان ذا عزيمة وهمَّة عالية منذ الصِّغر، وكان طموحُه منذ أن بدأ يعي ما حولَه يُثير فضولَ الأطفال، فكانوا يلتفُّون حولَه، يستمعون له، يَسْرُدُ أحلامَه وآماله، وما ينوي أن يَعْملَه عندما يَكْبَر، فكان يُدهشهم بأحلامه، ويُعجبهم بتخيلاته.

وجدَّ في الدِّراسة، فكان في طليعة زملائه إبَّان دراسته كلِّها، وقد أثار اهتمامَ زملائه وتقديرهم له، فكانوا ينظرون إليه نظرةً رفيعة، ويُجلُّونه ويحترمونه.

وكان دؤوبًا على طلب العِلم، مكبًّا على الدِّراسة، يلتهم الوقت التهامًا في الاستفادة، والمطالعة والقراءة، وكأنَّه يشحُّ بالدقائق أن تفلت في غير فائدة.

ونبغ الطالِب، وتحدَّث زملاؤه وأساتذتُه بنبوغه، وأشادوا به، وجاءتِ الشهرة مبكَّرة، وهو يهرب منها ويبتعد، وكان لذلك قليلَ المخالطة للناس، وخاصَّة في الحفلات والمنتديات، وقد نال من العِلم حظًّا طيبًا، وهو اليوم من ألْمع الرجال في العالَم الإسلامي، ومِن أكثرِهم شُهرةً وتألقًا، وله مكانةٌ علميَّة وأدبية سامية، وقد انتفع منه خَلْقٌ كثير ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

♦ قال ابن عائشة يومًا لابن عُيينة: ما شيءٌ تحدِّثونه يا أبا محمَّد؟ قال: ما هو؟ قال: يقولون: إنَّ الله - تعالى - يقول: ((أيُّما عبدٍ كانت له إليَّ حاجة، فشغله الثناء عليَّ عن سؤال حاجته، أعطيتُه فوقَ أمنيته))، فقال له: يا ابن أخي، وما تنكر من هذا؟ أما سمعتَ قول أمية بن أبي الصلت في عبدالله بن جدعان:

إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ الْمَرْءُ يَوْمًا
كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

 

فكيف بأكرم الأكرمين؟!


♦ روى الأصمعيُّ قال: كنت أقرأ ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، وبجانبي أعرابيٌّ فقال: كلامُ من هذا؟ فقلت: كلام الله، قال: أَعِدْ فأعدت، فقال: ليس هذا كلامَ الله، فانتبهت فقرأتُ ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ فقال: أصبتَ، هذا كلامُ الله، فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا، فقلت: مِن أين علمت؟ فقال: يا هذا، عزَّ فحَكَم فقطع، ولو غَفَر ورَحِم لَمَا قطع.

 

قال الإمام الشافعي:

وَكُنْ رَجُلاً عَلَى الْأَهْوَالِ جَلْدًا
وَشِيمَتُكَ السَّمَاحَةُ وَالسَّخَاءُ
فَلاَ حُزْنٌ يَدُومُ وَلاَ سُرُورٌ
وَلاَ بَأْسٌ عَلَيْكَ وَلاَ رَخَاءُ

 

♦ يقال: أوَّل المروءة طلاقةُ الوجه، والثانية التودُّد إلى الناس، والثالثة قضاء الحاجة للناس.

 

قال مسكين الدارمي:

وَفِتْيَانُ صِدْقٍ لَسْتُ مُطْلِعُ بَعْضِهِمْ
عَلَى سِرِّ بَعْضٍ غَيْرَ أَنِّي جِمَاعُهَا
لِكُلِّ امْرِئٍ شِعْبٌ مِنَ الْقَلْبِ فَارِغٌ
وَمَوْضِعُ نَجْوَى لاَ يُرَامُ اطِّلاَعُهَا
يَظَلُّونَ شَتَّى فِي الْبِلاَدِ وَسِرُّهُمْ
إِلَى صَخْرَةٍ أَعْيَا الرِّجَالَ انْصِدَاعُهَا

 

♦ يُقال: أوَّلُ العلم الصَّمْت، والثاني الاستماع، والثالث الحِفْظ، والرابع العمل به، والخامس نَشْرُه.

♦ ويقال: لا تُناظر جاهلاً ولا لجوجًا، فإنَّه يجعل من المناظرة ذريعةً إلى التعلُّم بغير شُكْر.

♦ قال محمَّد بن حفص: كن إلى الاستماع أسرعَ منك إلى القَوْل، ومِن خطأ القول أشدَّ حذرًا من خطأِ السكوت.

♦ وعن زِرِّ بن حُبَيش قال: أتيتُ صفوانَ بن عسَّال المراديَّ، فقال: ما جاء بك؟ قلت: ابتغاء العلم، قال: فإني سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن خَرَج مِن بيته ابتغاءَ العلم، وضَعتِ الملائكةُ أجنحتَها له رضاءً بما يصنع)).

♦ وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألتُ أَبِي عمَّن طلب العلم، ترى له أن يلزم رجلاً عندَه علم، فيكتب عنه، أو ترى له أن يرحلَ إلى المواضع التي فيها العلم فيَسْمع منهم؟ قال: يرحل، يكتب عن الكوفيِّين والبصريِّين، وأهل المدينة ومكة، يُشافِهُ الناس؛ ليسمعَ منهم.

♦ وقال أحمد بن حنبل: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلبُ للعلم منه؛ رَحَل إلى اليمن، وإلى مصر، وإلى الشام والبصرة والكوفة، وكان مِن رُواة العِلم، وأهل ذلك، كَتَب عن الصِّغار والكِبار، كتب عن عبدالرحمن بن مَهْديّ، وعن الفَزَاريّ، وجَمَع أمرًا عظيمًا.

♦ وقال أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجيُّ: كنَّا نمشي في أزقَّة البصرة إلى بعض المحدِّثين، فأسرعْنا المشي، وكان معنا رجل ماجِن، مُتَّهم في دِينه، فقال: ارفعوا أرجلَكم عن أجنحة الملائكة لئلاَّ تكسروها – كالمستهزئ - فما زال من موضعه، حتى جفتْ رجلاَه وسقط.

 

تربية حسنة:

كان من قوم صالحين، ومِن بيْت علم، وأدب وتُقًى، كانت دُورهم كخلايا النحل في العبادة والتهجُّد، وتلاوة القرآن وذِكْر الله، وكان محلاًّ للمسامرات الأدبيَّة، والمجالس العلميَّة، وكان فتًى صغيرًا، يشهد عن كثب هذه الأماكنَ الطيِّبة والندوات الحافلة.

فشبَّ متخلِّقًا بالأخلاق الحسنة، متأدِّبًا بالآداب الرفيعة، شهمًا نبيلاً، راجحَ العقل، حصيفَ الرأي، لبيبًا فاضلاً، فطَار صِيته في المدينة، وذاع أمرُه في القُرَى المجاورة، واشتاق الناس إلى رؤيته، والاستماع لحديثه، والانتفاع بعِلْمه وأدبه، وجاهه وماله، وهو سخيٌّ يتهلَّل وجهه فرحًا، ويطرب لقضاء الحاجات، وإعطاء مَن يؤمِّل منه نوالاً، وينشر علمَه في تواضع جمّ، وحياء كريم، ولسانُ حال مَن يعرفه عن قُرْب يردِّد مع أبي الطيِّب المتنبي:

وَأَسْتَكْبِرُ الْأَخْبَارَ قَبْلَ لِقَائِهِ
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا صَغَّرَ الْخَبَرَ الْخَبَرْ

 

وهو كثيرُ الدعاء والابتهال إلى الله، وسؤاله إيَّاه أن يُثيب والديه وأهلَه خيرًا؛ إذ نشَّؤُوه على التربية الحسنة، وأرشدوه إرشادًا قويمًا، ولكنَّه لم يَسْلم من حَسَد الحاسدين، وأذى الجاحدين، وما زال نجمُه يتألَّق ويسمو، أمَّا حُسَّاده فإنَّهم ينحدرون، ويُقابَلون بالمقت والاحتقار، وقد اتَّسعتْ شهرتُه، وعظُم شأنُه، وطار صِيتُه في الآفاق، وأضحى مثلاً حيًّا للخِلال الكريمة، والفضائل الجمَّة.

 

القراءة بالليل:

في هدأة اللَّيْل، وخفوت الأصوات، وسكون الضجيج، تطيب القراءةُ والكتابة، ويحسُّ الإنسان بالانسجام مع الموضوع الذي يقرؤه أو يكتبه، بعيدًا عن التشويش، وانقطاع حبْل التفكير - كما هي الحال في النهار.

إنَّ هذا الوقتَ هو أنسبُ الأوقات للقراءة والمطالعة، وإني أتحدَّث عن تجرِبة، ولست الوحيدَ في هذا الرأي، فقد سبقني إليه كثيرون، ولحِكمةٍ باهرة قال الله – تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

إنَّ هذا الوقتَ من أنفس الأوقات وأبهاها، فما بالُ البعض - بل الكثيرون - يضيِّعونه فيما لا جدوى منه، إن لم يكن في الغِيبة والنميمة، والقِيل والقال، وتحمُّل الأوزار والآثام، أو في اللهو والعَبَث الضارّ، وكثيرون يهدرون الوقت في لَعِب الورق الذي يمتصُّ وقتُهم، ويفنيه فيما يضرُّ صحتَهم، ويذهب أوقاتهم سدًى، ويحرمهم من المنفعة، ويسبب الإيذاء لأهلهم وأولادهم، ويُعوقُهم عن كثير من العبادات والطاعات، فعسى أن ننتفع من أوقاتنا.

 

أدعياء العلم:

قد يجمعك مجلسٌ ببعض مَن يتشدَّق بالعِلم، ويتبجَّح بالشهادة، ويظنُّ أنَّه بالورقة المزركَشة، التي يدعونها شهادةً قد حوى العِلمَ كلَّه، فما يحتاج منه إلى مزيد، ولا وراء علمه مجال لمتعلِّم، وقد ترى البعض من هذا الصِّنف ساخطًا ناقمًا، ينكر كلَّ قديم، ويستخفُّ بالماضي؛ خيرِه وشرِّه، حسنه وسيِّئه، وهو قد تخيَّل أنَّ القديم هو العقبة التي تحول بينه وبين التطوُّر، وينصح بأن ينبذ الناس القديم إذا ما أرادوا النجاح والتطوُّر، ويُغالط ويَفْتري، ويحسب الجهلَ علمًا، والغرورَ معرفة، والتعظُّم فضيلة.

وكأنما عناه الشاعر أحمد شوقي بقوله:

لاَ تَحْذُ حَذْوَ عِصَابَةٍ مَفْتُونَةٍ
يَجِدُونَ كُلَّ قَدِيمِ شَيْءٍ مُنْكَرَا
وَلَوِ اسْتَطَاعُوا فِي الْمَجَامِعِ أَنْكَرُوا
مَنْ مَاتَ مِنْ آبَائِهِمْ أَوْ عَمَّرَا

 

إنَّ هذا النوع من الناس نكبةٌ على الأمَّة، وعقبةٌ في سبيل تقدُّمِها، وهو يعكس الآية، ويدَّعي زورًا أنه يريد رُقيَّها ونهوضها.

قال جابر بن قبيصة: شهدتُ قومًا ورأيتهم بعيني، فما رأيت أقرأَ لكتاب الله، ولا أفقهَ في دِين الله من عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - وما رأيتُ رجلاً أعطى مِن صلب مالِه في غير ولائه مِن طلحة بن عُبَيدالله، وما رأيتُ رجلاً أسودَ من معاوية، وما رأيتُ رجلاً أنصع ظرفًا، ولا أحضر جوابًا، ولا أكثر صوابًا من عمرو بن العاص، وما رأيتُ رجلاً المعرفة عنده أنفعُ منها عندَ غيره مِن المغيرة بن شعبة.

قال الشاعر:

رَجَعْتُ عَلَى السَّفِيهِ بِفَضْلِ حِلْمِي
وَكَانَ تَحَلُّمِي عَنْهُ لِجَامَا
وَظَنَّ بِيَ السَّفَاهَ فَلَمْ يَجِدْنِي
أُسَافِهُهُ وَقُلْتُ لَهُ: سَلاَمَا
فَقَامَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ذَلِيلاً
وَقَدْ كَسَبَ الْمَذَلَّةَ وَالْمَلاَمَا
وَفَضْلُ الْحِلْمِ أَبْلَغُ فِي سَفِيهٍ
وَأَحْرَى أَنْ يَنَالَ بِهِ انْتَقَامَا

 

♦ قال سهل بن هارون - وهو عند المأمون -: من أصناف العلم ما لا ينبغي للمسلمين أن ينظروا فيه، وقد يُرْغَب عن بعض العلم، كما يُرغَب عن بعض الحلال، فقال المأمون: قد يُسمِّي بعضُ الناس الشيءَ علمًا، وليس بعِلم، فإن كان هذا أردتَ، فوجهُه الذي ذكرت.

ولو قلت أيضًا: إنَّ العلم لا يُدرك غورُه، ولا يُسبر قعرُه، ولا تبلغ غايته، ولا تستقصى أصوله، ولا تنضبط أجزاؤه صدقتَ، فإن كان الأمر كذلك، فابدأ بالأهمِّ فالأهمّ، والأوكد فالأوكد، وبالفَرْض قبل النَّفْل، يكن ذلك قصدًا ومذهبًا جميلاً.

♦ وقال عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا.

♦ قال كثير بن هراسة: إنَّ من الناس ناسًا ينقصونك إذا زدتَهم، وتهون عندهم إذا خاصصتَهم، ليس لرِضاهم موضعٌ تعرفه، ولا لسخطهم موضِع تحذره، فإذا عرفتَ أولئك بأعيانهم، فابذلْ لهم موضعَ المودة، واحرمْهم موضع الخاصَّة، يكن ما بذلتَ لهم من المودة حائلاً دون شرِّهم، وما حرمتَهم من الخاصة قاطعًا لحرمتهم.

♦ قال شبيب بن شيبة: اطلبوا الأدب، فإنه مادة العقل، ودليلٌ على المروءة، وصاحب في الغربة، ومؤنس في الوحشة، وحِلية في المجلس، ويجمع لكم القلوب المختلفة.

قال أبو جعفر لسَلْم بن قتيبة: ما ترى في قتل أبي مسلِم؟ قال: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتَا، قال: حسبُك أبا أمية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصبر في القرآن الكريم .. تأويل وتحليل
  • الصبر هدوء وطمأنينة
  • الصبر: درس مستفاد من غزوة أحد
  • الصبر على طاعة الله

مختارات من الشبكة

  • أنواع الصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضائل الصبر في السنة النبوية المباركة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصبر في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • رمضان شهر الصبر (4)(مقالة - ملفات خاصة)
  • رمضان شهر الصبر (2)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وبشر الصابرين: أنواع الصبر - ما يهون المصائب - ثمرات الصبر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حياة المؤمن بين صبر وشكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رمضان شهر الصبر (3)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أهمية الصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صبر المرأة المسلمة(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب