• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / مقالات
علامة باركود

السعيد من الناس

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/9/2010 ميلادي - 5/10/1431 هجري

الزيارات: 41981

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يتباهى الناس بالثراء والشباب والجاه، وركوب السيارات الفارهة، والقصور الشامخة، وعِزِّ القبيل، وكثرة العشيرة، والعِزُّ الحقيقي هو في طاعة الله وتَرْكِ الآثام، فالدنيا عَرَض زائل، وظل مبارِح، وأيام محدودة، وليال معدودة، فالسعيدُ مَن كان نصيبه منها فِعْل الخير، والمبادرة إلى طاعة الله، والتعاون على البرِّ والتقوى، وفي ذلك فليتنافسِ المتنافسون، ولمِثْل ذلك فليعملِ العاملون.

 

♦ سأل الحجَّاج شيخًا طاعنًا في السِّنِّ، فقال: كيف طعامُك؟ قال: إذا أكلتُ ثقلت، وإذا تركتُ ضعفت، قال: كيف نِكاحُك؟ قال: إذا بُذِل لي عجزت، وإذا مُنِعتُ شرهت، قال: كيف نومُك؟ قال: أنام في المجمع، وأسهر في المضجع.

 

قال: كيف قيامك وقعودك؟ قال: إذا قعدتُ تباعدتْ عني الأرض، وإذا قمت لزمتني، قال: كيف مَشْيُك؟ قال: تعقلني الشعرة، وتعثرني البعرة.

 

علماء ووعاظ:

اشتهر مِن علماء المسلمين ووعَّاظهم كثيرون، وكان لهؤلاء الوعَّاظ العلماء أسلوبٌ يوقظ المشاعر، وينبِّه إلى عدم الاغترار بالدنيا، والاستعداد ليوم اللقاء ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [النازعات: 6 - 9].

 

وكان هؤلاء العلماءُ يَحضُّون ويُشوِّقون، ويَرْجون للمسلمين خيرًا، ولا يُقنِّطونهم من رحمة الله، أو يبعثون في نفوسهم اليأسَ والحِرْمان.

 

♦ قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمِّل

الدنيا والموتُ يطلبه، وغافِلٌ لا يُغفل عنه، وضاحِك فيها ولا يَدري أساخطٌ ربُّه أم راضٍ، وأبكاني هولُ المطلع، وانقطاع العمل، ومَوْقفي بين يدي الله، لا أدري أيأمر بي إلى الجَنَّة، أم إلى النار.

 

♦ كان الحسنُ البصريُّ يقول: ما أنعم الله على عبد نِعمةً إلا وعليه فيها تَبِعة، إلا ما كان مِن نعمة لسليمان - عليه السلام - فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قال: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ص: 39].

 

♦ قال الهيثم بن عديٍّ عن رجاله: بينا حذيفة بن اليمان وسَلْمان الفارسي يتذاكرانِ أعاجيبَ الزمان وتَغيُّرَ الأيام - وهما في عرصة إيوان كسرى - وكان أعرابي من غامد يَرْعى شويهات له نهارًا، فإذا كان اللَّيلُ صرَّهنَّ إلى داخل العرصة، وفي العرصة سريرُ رخام كان كسرى ربَّما جلس عليه، فصعدت غنيماتُ الغامدي على سرير كسرى، فقال سلمان:

ومن أعجب ما تذاكرنا صعودُ غُنيمات الغامدي على سرير كسرى، قال عروة بن الزبير: التواضُع أحدُ مصائِب الشرف.

 

♦ قال الحسن البصريُّ: يا ابن آدم، طأِ الأرضَ بقدمك، فإنها عمَّا قليل قبرُك، واعلم أنك لم تزلْ في هدم عمرك منذ سقطتَ مِن بطن أمك، فرحم الله رجلاً نظر فتفكَّر، وتفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصَبَر، فقد أبصر أقوامٌ ولم يَصبروا، فذهب الجزعُ بقلوبهم، ولم يُدركوا ما طلبوا، ولم يرجعوا إلى ما فارقوا.

 

يا ابنَ آدم، اذكر قوله:﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13 - 14]، عَدَل واللهِ مَن جعلك حسيبَ نفسك.

 

♦ أنشد أعرابي:

وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ
فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ
فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي بِأَيَّةِ بَلْدَةٍ
تَمُوتُ وَلاَ مَا يُحْدِثُ اللَّهُ فِي غَدِ
يَقُولُونَ لاَ تَبْعُدْ وَمَنْ يَكُ مُسْدِلاً
عَلَى وَجْهِهِ سِتْرًا مِنَ الْأَرْضِ يَبْعُدِ

♦ قال رجل لأُمِّ الدرداء: إني لأجد في قلْبي داءً لا أجد له دواءً، وأجد قسوةً شديدة، وأملاً بعيدًا، قالت: اطَّلِعْ في القبور، واشهدِ الموتى.

♦ قال الحسن: ما أطال عبدٌ الأمل إلاَّ أساء العمل.

 

♦ قال التيمي:

إِذَا كَانَتِ السَّبْعُونَ سِنَّكَ لَمْ يَكُنْ
لِدَائِكَ إِلاَّ أَنْ تَمُوتَ طَبِيبُ
وَإِنَّ امْرَأً قَدْ سَارَ سَبْعِينَ حَجَّةً
إِلَى مَنْهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لَقَرِيبُ
إِذَا مَا مَضَى الْقَرْنُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِمُ
وَخُلِّفْتَ مِنْ قَرْنٍ فَأَنْتَ غَرِيبُ
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

دعاء:

قال أعرابي في دعائه: اللهمَّ لا تخيبْني وأنا أرجوك، ولا تُعذبْني وأنا أدعوك، اللهمَّ فقد دعوتُك كما أمرتني، فأجبْني كما وعدتني.

 

♦ قدم الهيثم بن الأسود بن العريان على عبدِالملك بن مرْوان، فقال: كيف تجدك؟ قال: أجدني قد ابيضَّ منِّي ما كنت أحبُّ أن يسودّ، واسودَّ مني ما كنت أحبُّ أن يبيضّ، واشتدَّ مني ما كنت أُحبُّ أن يلين، ولاَنَ مني ما كنت أحبُّ أن يشتدَ، ثم أنشد:

اسْمَعْ أُنَبِّئْكَ بِآيَاتِ الْكِبَرْ
نَوْمُ العَشِيِّ وَسُعَالٌ بِالسَّحَرْ
وَقِلَّةُ النَّوْمِ إِذَا اللَّيْلُ اعْتَكَرْ
وَقِلَّةُ الطُّعْمِ إِذَا الزَّادُ حَضَرْ
وَسُرْعَةُ الطَّرْفِ وَتَحْمِيجُ النَّظَرْ
وَتَرْكِيَ الْحَسْنَاءَ مِنْ قَبْلِ الظُّهُرْ
وَحَذَرًا أَزْدَادُهُ إِلَى حَذَرْ
وَالنَّاسُ يَبْلَوْنَ كَمَا يَبْلَى الشَّجَرْ

دعاء:

اللهم أحْسِن عاقبتنا في الأمور كلِّها، وأجِرْنا من خِزْي الدنيا وعذابِ الآخرة.

 

نكتة:

نابتِ الحجَّاجَ في صديق له مصيبةٌ، ورسول لعبدالملك شامي عندَه، فقال الحجاج: ليتَ إنسانًا يُعزِّيني بأبيات، فقال الشامي: أقول؟ قال: قل، فقال: وكل خليل سوف يفارِق خليله بموت أو يصاب أو يقع من فوق البيت، أو يقع عليه، أو يقع في بئر، أو يكون شيء لا نعرفه، فقال الحجَّاج: قد سليْتَني عن مصيبتني بأعظمَ منها في أمير المؤمنين إذ وجَّه مثلَك رسولاً.

 

♦ ضرب الحجاج أعناق أسرى، فلمَّا قَدَّموا إليه رجلاً ليضربَ عُنقَه، قال: والله لئن كنَّا أسأْنَا في الذنب، فما أحسنتَ في العفو، فقال الحجَّاج: أُفٍّ لهذه الجِيَف! أما كان فيها أحدٌ يُحسِن مثلَ هذا الكلام؟! وأمسك عن القَتْل.

♦ وقال الحسين بن الضحَّاك المعروف بالخليع:

أَصْبَحْتُ مِنْ أُسَرَاءِ اللَّهِ مُحْتَسِبًا
فِي الْأَرْضِ نَحْوَ قَضَاءِ اللَّهِ وَالْقَدَرِ
إِنَّ الثَّمَانِينَ إِذْ وَفَّيْتُ عِدَّتَهَا
لَمْ تُبْقِ بَاقِيَةً مِنِّي وَلَمْ تَذَرِ

نكتة:

دخلتْ عجوز على قوم تُعزِّيهم بميِّت، فرأت عليلاً في الدار، فقالت: أنا واللهِ يشقُّ عليَّ المشي، وأحسن الله عزاءَكم في هذا العليل أيضًا.

 

الأماني عراض:

الأماني عِراض، والأحلام كثيرة، والعُمر محدود، ولا يَدري المرءُ متى يفاجئه الأجل المحتوم، وفي أيِّ أرض يموت.

 

ولا يَعلم كيف يُلاقِيه حتفُه، ويدنو منه حينه، ويودِّع الدنيا، ولله حِكم جليلة تَخْفى على العِباد، وليتصور الإنسانُ نفسه لو علم بالتحديد اليومَ والساعة والدقيقة التي تفارِق فيها رُوحُه جسدَه، وينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء: أيَّ همٍّ يُصيبه؟ وأيَّ حياة نكدة مملوءة بالألَم والأحزان سيعيشها؟

 

♦ ذهب مالك بن الرَّيْب في صُحبة سعيد بن عثمان بن عفَّان حينما سار بجُنده في طريق فارس، حتى إذا كان ببعض المنازِل لَدغَتْ مالكًا أفعى، وحين أحسَّ بالموت يَسْري في أوصاله قال قصيدة وداعية مؤثِّرة، يقول فيها:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِجَنْبِ الْغَضَا أُزْجِي الْقِلاَصَ النَّوَاجِيَا
أَلَمْ تَرَنِي بِعْتُ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى
وَأَصْبَحْتُ فِي جَيْشِ ابْنِ عَفَّانَ غَازِيَا
لَعَمْرِي لَئِنْ غَالَتْ خُرَاسَانُ هَامَتِي
لَقَدْ كُنْتُ مِنْ نَأْيِي خُرَاسَانَ نَائِيَا
فَلِلَّهِ دَرِّي يَوْمَ أَتْرُكُ طَائِعًا
بَنِيَّ بِأَعْلَى الرَّقْمَتَيْنِ وَمَالِيَا
تَذَكَّرْتُ مَنْ يَبْكِي عَلَيَّ فَلَمْ أَجِدْ
سِوَى السَّيْفِ وَالرُّمْحِ الرُّدَيْنِيِّ بَاكِيَا
وَأَشْقَرَ خِنْذِيذٍ تُجَرُّ عِنَانُهُ
إِلَى الْمَاءِ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ الدَّهْرُ سَاقِيَا
وَلَكِنْ بِأَطْرَافِ السُّمَيْنَةِ نِسْوَةٌ
عَزِيزٌ عَلَيْهِنَّ الْعَشِيَّةَ مَا بِيَا
فَقَدْ كُنْتُ عَطَّافًا إِذَا الْخَيْلُ أَدْبَرَتْ
سَرِيعًا لَدَى الْهَيْجَا إِلَى مَنْ دَعَانِيَا
وَقَدْ كُنْتُ مَحْمُودًا لَدَى الزَّادِ وَالْقِرَى
وَعَنْ شَتْميَ ابْنَ الْعَمِّ وَالْجَارَ وَانِيَا
وَقَدْ كُنْتُ صَبَّارًا عَلَى الْقِرْنِ فِي الْوَغَى
ثَقِيلاً عَلَى الْأَعْدَاءِ عَضْبًا لِسَانِيَا
وَطَوْرًا تَرَانِي فِي ظِلاَلٍ وَمَجْمَعٍ
وَطَوْرًا تَرَانِي وَالْعِتَاقُ رِكَابِيَا
وَطَوْرًا تَرَانِي فِي رَحًى مُسْتَدِيرَةٍ
تُخَرِّقُ أَطْرَافُ الرِّمَاحِ ثِيَابِيَا
وُقُوفًا عَلَى بِئْرِ الشَّبِيكِ فَأَسْمِعَا
بِهَا الْوَحْشَ وَالْبِيضَ الْحِسَانَ الرَّوَانِيَا
يَقُولُونَ: لاَ تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونَنِي
وَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلاَّ مَكَانِيَا

♦ قال الأصمعيُّ وغير واحد: لَمَّا ماتت النوار بنت أعين بن ضبيعة المجاشعي امرأة الفرزدق - وكانتْ قد أوصتْ أن يصلِّي عليها الحسنُ البصري - فشهدها أعيانُ أهل البصرة مع الحسن، والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيرها، فسار فقال الحسن للفرزدق: ماذا يقولُ الناس؟ قال: يقولون: شَهِد هذه الجنازةَ اليوم خيرُ الناس، يعنونك، وشرُّ الناس، يعنوني، فقال له: يا أبا فراس: لستُ أنا بخير الناس، ولستَ أنت بشرِّ الناس، ثم قال له الحسن: ما أعددتَ لهذا اليوم؟ قال: شهادةُ ألاَّ إله إلا الله، منذ ثمانين سَنَة، فلمَّا أن صلَّى عليها الحسن مالوا إلى قبرها، فأنشأ الفرزدق يقول:

أَخَافُ وَرَاءَ الْقَبْرِ إِنْ لَمْ يُعَافِنِي
أَشَدَّ مِنَ الْقَبْرِ الْتِهَابًا وَأَضْيَقَا
إِذَا جَاءَنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَائِدٌ
عَنِيفٌ وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ الْفَرَزْدَقَا
لَقَدْ خَابَ مِنْ أَوْلاَدِ دَارِمَ مَنْ مَشَى
إِلَى النَّارِ مَغْلُولَ الْقِلاَدَةِ أَزْرَقَا
يُسَاقُ إِلَى نَارِ الْجَحِيمِ مُسَرْبَلاً
سَرَابِيلَ قَطْرَانٍ لِبَاسًا مُخَرَّقَا
إِذَا شَرِبُوا فِيهَا الصَّدِيدَ رَأَيْتَهُمْ
يَذُوبُونَ مِنْ حَرِّ الصَّدِيدِ تَمَزُّقَا

 

قال: فبَكَى الحسن حتى بلَّ الثرى، ثم الْتزم الفرزدق، وقال: لقد كنتَ مِن أبغض الناس إليَّ، وإنك اليوم من أحبِّ الناس إليَّ.

 

المعرقون في الموت:

خاطب عمر بن عبدالعزيز يومًا الناس فقال - وقد خنقتْه العَبْرة -: أيها الناس، أصلحوا آخرتَكم يُصلحِ الله دنياكم، وأصلِحوا أسراركم يُصلِحِ الله علانيتَكم، واللهِ إنَّ عبدًا ليس بينه وبين آدم إلاَّ مَن قد مات إنَّه لَمُعْرِق في الموت.

 

دعاء:

اللهم يسِّرْ أمورنا، واستُرْ عيوبنا، واغفر لنا، إنَّك سميع مجيب.

 

♦ وقال الشاعر:

عَجِبْتُ لِلْمَرْءِ فِي دُنْيَاهُ تُطْمِعُهُ
فِي الْعَيْشِ وَالْأَجَلِ الْمَحْتُومِ يَقْطَعُهُ
يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي عَشْوَاءَ يَخْطِبُهَا
أَعْمَى الْبَصِيرَةِ وَالْآمَالُ تَخْدَعُهُ
يَغْتَرُّ بِالدَّهْرِ مَسْرُورًا بِصُحْبَتِهِ
وَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ الدَّهْرَ يَصْرَعُهُ
وَيَجْمَعُ الْمَالَ حِرْصًا لاَ يُفَارِقُهُ
وَمَا دَرَى أَنَّهُ لِلْغَيْرِ يَجْمَعُهُ
تَرَاهُ يُشْفِقُ مِنْ تَضْيِيعِ دِرْهَمِهِ
وَلَيْسَ يُشْفِقُ مِنْ دِينٍ يُضَيِّعُهُ
وَأَسْوَأُ النَّاسِ تَدْبِيرًا لِعَاقِبَةٍ
مَنْ أَنْفَقَ الْعُمْرَ فِيمَا لَيْسَ يَنْفَعُهُ

♦ قال أحد الحكماء: أما بعدُ: فما أبعدَ ما فات، وما أسرعَ ما هو آت!

♦ قيل لشيخ: ما بَقِي منك؟ قال: يسبقني مَن بين يدي، ويلحقني مَن خلفي، وأنسَى الحديث، وأذكر القديم، وأنعَسُ في الملأ، وأسهر في الخلاَ، وإذا قمتُ قربت الأرض منِّي، وإذا قعدتُ تباعدتْ عني.

 

نادرة:

قال أبو الحسن المدائنيُّ: مَرِض فتًى عندنا، فقال له عمُّه: أيَّ شيء تشتهي؟ قال: رأسَ كبشين، قال: لا يكون، قال: فرأس كبش.

 

♦ وقال الشاعر:

ذَكَرْتُ أَبَا الرَّوَى فَبِتُّ كَأَنَّنِي
بِرَدِّ الْأُمُورِ الْمَاضِيَاتِ وَكِيلُ
لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ
وَكُلُّ الَّذِي دُونَ الْمَمَاتِ قَلِيلُ
وَإِنَّ افْتِقَادِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لاَ يَدُومَ خَلِيلُ

 

♦ وقال لبيد بن ربيعة:

تَمَنَّى ابْنَتَايَ أَنْ يَعِيشَ أَبُوهُمَا
وَهَلْ أَنَا إِلاَّ مِنْ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ
إِذَا حَانَ يَوْمًا أَنْ يَمُوتَ أَبُوكُمَا
فَلاَ تَخْمِشَا وَجْهًا وَلاَ تَحْلِقَا شَعَرْ
وَقُولاَ هُوَ الْمَرْءُ الَّذِي لَيْسَ جَارُهُ
مُضَاعًا وَلاَ خَانَ الصَّدِيقَ وَلاَ غَدَرْ
إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلاَمِ عَلَيْكُمَا
وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كَامِلاً فَقَدِ اعْتَذَرْ

♦ قيل لبعض العلماء: مَن أسوأُ الناس حالاً؟ قال: عبدالله بن عبدالأعلى الشيباني، القائل عند موته: دخلتُها جاهلاً، وأقمت فيها حائرًا، وأُخرجتُ منها كارهًا؛ يعني: الدنيا.

 

♦ قال المدائنيُّ: قَدِم رجلٌ من عبس ضرير، محطوم الوجه، على الوليد فسأله عن سبب ضرِّه، فقال: بتُّ ليلة في بطن وادٍّ، ولا أعلم على الأرض عبسيًّا يَزيد ماله على مالي، فطرقَنَا سيلٌ فأذهب ما كان لي مِن أهل ومال وولد، إلا صبيًّا رضيعًا، وبعيرًا صعبًا، فندَّ البعير والصبيُّ معي فوضعتُه واتبعتُ البعير لأحبسَه، فما جاوزت إلاَّ ورأس الذِّئب في بطنِه قد أكلَه، فتركتُه واتبعتُ البعيرَ فاستدار فرَمَحني رمحةً حطَّم بها وجهي، وأذهب عيني، فأصبحتُ لا ذا مال ولا ذا ولد، فقال الوليد: اذهْبوا به إلى عُروة؛ ليعلمَ أنَّ في الناس مَن هو أعظم بلاءً منه.

 

وكان عروة قد أُصيبت رِجلُه بالأكلة، فقُطِعت، ثم إنَّ فرسًا رفست أحبَّ أبنائه إليه فماتْ، وقد أظهر عروةُ صبرًا عجيبًا.

♦ قيل: إن عمر بن عبدالعزيز قال قبل خلافته:

انْهَ الْفُؤَادَ عَنِ الصِّبَا
وَعَنِ انْقِيَادٍ لِلْهَوَى
فَلَعَمْرُ رَبِّكَ إِنَّ فِي
شَيْبِ الْمَفَارِقِ وَالْجِلَى
لَكَ وَاعِظًا لَوْ كُنْتَ تَتْ
تَعِظُ اتِّعَاظَ ذَوِي النُّهَى
حَتَّى مَتَى لاَ تَرْعَوِي
وَإِلَى مَتَى وَإِلَى مَتَى
مَا بَعْدَ أَنْ سُمِّيتَ كَهْ
لاً وَاسْتُلِبْتَ اسْمَ الْفَتَى
بَلِيَ الشَّبَابُ وَأَنْتَ إِنْ
عُمِّرْتَ رَهْنٌ لِلْبِلَى
وَكَفَى بِذَلِكَ زَاجِرًا
لِلْمَرْءِ عَنْ غِيٍّ كَفَى

 

♦ قال أبو العيناء: كنتُ بحمص فمات لجارٍ لي بنتٌ، فقيل له: كم لها؟ قال: ما أدري ولكنَّها وُلِدتْ أيَّام البراغيث.

 

الموت حق:

الموت حَقٌّ لا ريبَ فيه، ولا خلاصَ منه، ولا حيلةَ في دفعه، عجز عن ردِّه الأطبَّاء، واستحال الهربُ منه على الفلاسفة والعلماء، ولم يجامِلِ الملوك والزعماء، ولا حابى الأثرياءَ والكُبراء، لا تمنع منه الحُصونُ الشاهقة، والبروج المشيَّدة، والمخابىء المستورة، والجِبال الراسية.

 

أين منه الهرب والفَكاك، ولاتَ حينَ مناص، وكلٌّ سيأتيه أجَلُه في موعد لا يستقدِم عنه ولا يستأخر، مهما رام وسعَى، وفَرَّ واستتر.

 

وهذه حقيقةٌ ليست محلَّ خلاف، ولا موطن شكٍّ وعِناد، والسعيد مَن عمل في هذه الحياة أعمالاً صالِحة، وتزوَّد من التقوى، واستعدَّ ليوم الحشر واللقاء.

 

♦ قال رجل لعمر بن عبدالعزيز:

 

تَعَزَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ
لِمَا قَدْ تَرَى يُغْذَى الصَّغِيرُ وَيُولَدُ
هَلِ ابْنُكَ إِلاَّ مِنْ سُلاَلَةِ آدَمٍ
لِكُلٍّ عَلَى حَوْضِ الْمَنِيَّةِ مَوْرِدُ

 

♦ وقيل لأعرابية مات ابنها: ما أحسنَ عزاءَك؟ فقالتْ: إنَّ فقدي أباه آمنني مِن المصيبة بعدَه.

 

♦ وقال آخر:

اصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَلَّدِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ غَيْرُ مُخَلَّدِ
أَوَ مَا تَرَى أَنَّ الْحَوَادِثَ جَمَّةٌ
وَتَرَى الْمَنِيَّةَ لِلْعِبَادِ بِمَرْصَدِ
وَإِذَا أَتَتْكَ مُصِيبَةٌ تَشْجَى بِهَا
فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدِ

♦ كان رجل أحدب قد سَقَط في بئر فذهبتْ حدبتُه، فصار آدر - والآدر هو الذي انتفختْ إحْدى خصيتيه - فدخلوا عليه يسألونه ويُهنِّئونه بذَهاب حدبته، فجعل يقول: الذي جاء شرٌّ مِنَ الذي ذهب.

 

♦ وذكر أعرابيٌّ رجلاً، فقال: كان واللهِ إذا نزلت به الحوائجُ قام إليها، ثم قام بها، ولم تقعد به علاَّت النفوس.

♦ غَضِب معاويةُ على ابنه يَزيدَ فهجره، فقال له الأحنف: يا أميرَ المؤمنين، أولادنا ثمارُ قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماءٌ ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غَضِبوا فأرْضِهم، وإن سألوا فأعطِهم، ولا تكن عليهم قفلاً فيملُّوا حياتك، ويتمنَّوْا موتك.

 

♦ قال مصعب:

فِي الْقَوْمِ مُعْتَصِمٌ بِقُوَّةِ أَمْرِهِ
وُمُقَصِّرٌ أَوْدَى بِهِ التَّقْصِيرُ
لاَ تَرْضَ مَنْزِلَةَ الذَّلِيلِ وَلاَ تَقُمْ
فِي دَارِ مَعْجِزَةٍ وَأَنْتَ خَبِيرُ
وَإِذَا هَمَمْتَ فَأَمْضِ هَمَّكَ إِنَّمَا
طَلَبُ الْحَوَائِجِ كُلُّهُ تَعْزِيرُ

 

♦ قال رجل من ولد طلبة بن قيس بن عاصم:

وَكُنْتُ إِذَا خَاصَمْتُ خَصْمًا كَبَبْتُهُ
عَلَى الْوَجْهِ حَتَّى خَاصَمَتْنِي الدَّرَاهِمُ
فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الْخُصُومَةَ غَلَّبَتْ
عَلَيَّ وَقَالُوا قُمْ فَإِنَّكَ ظَالِمُ

 

♦ عاد قوم عليلاً، فأطالوا عندَه المكث، فقال لهم: إن كان لكم في الدار شيءٌ فخذوه وانصرفوا.

 

♦ وقال آخر: إذا دخلتَ على مريض فلا تنعَ إليه الموتى، وقال غيره: عيادة النَّوْكَى أشدُّ على المريض من وَجَعِه.

 

♦ كان معاوية بن مرْوان من الحمقى، وله في ذلك قصص كثيرة، فمِن ذلك: أنه أقبل إليه ذاتَ يوم قومٌ من جيرانه، فقالوا: مات جارُك أبو فلان فمُرْ له بكفن، فقال: ما عندنا اليوم شيءٌ، ولكن عودوا إلينا إذا نُبِش.

 

♦ وقال بعض الشعراء:

تَعَزَّ فَإِنَّ الصَّبْرَ بِالْحُرِّ أَجْمَلُ
وَلَيْسَ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ مُعَوَّلُ
فَلَوْ كَانَ يُغْنِي أَنْ يُرَى الْمَرْءُ جَازِعًا
لِنَازِلَةٍ أَوْ كَانَ يُغْنِي التَّذَلُّلُ
لَكَانَ التَّعَزِّي عِنْدَ كُلِّ مُصِيبَةٍ
وَنَازِلَةٍ بِالْحُرِّ أَوْلَى وَأَجْهَلُ
فَكَيْفَ وَكُلٌّ لَيْسَ يَعْدُو حِمَامَهُ
وَلاَ لِامْرِئٍ عَمَّا قَضَى اللَّهُ مَزْحَلُ
فَإِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ فِينَا تَبَدَّلَتْ
بِبُؤْسَى وَنُعْمَى وَالْحَوَادِثُ تَفْعَلُ
فَمَا لَيَّنَتْ مِنَّا قَنَاةً صَلِيبَةً
وَلاَ ذَلَّلَتْنَا لِلَّذِي لَيْسَ يَجْمُلُ
وَلَكِنْ رَحَلْنَاهَا نُفُوسًا كَرِيمَةً
تُحَمَّلُ مَا لاَ يُسْتَطَاعُ فَتَحْمِلُ
وُقِينَا بِعَزْمِ الصَّبْرِ مِنَّا نُفُوسَنَا
فَصَحَّتْ لَنَا الْأَعْرَاضُ وَالنَّاسُ هُزَّلُ

 

♦ وكان محمَّد بن علي بن الحسين يقول: اللهمَّ أعنِّي على الدنيا بالغِنى، وعلى الآخرة بالتقوى.

 

♦ احتضر سيبويه فوَضَع رأسه في حِجر أخيه، فقطرتْ قطرةٌ من دموع أخيه على خدِّه، فأفاق من غشيته وقال:

أُخَيَّيْنِ كُنَّا فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا
إِلَى الْأَمَدِ الْأَقْصَى وَمَنْ يَأْسِنُ الدَّهْرَا

دعاء:

اللهمَّ ألهِمْنا الرشد في الأمور كلِّها، وقِنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ولا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين.

 

موعظة أبي العتاهية:

قال أبو العتاهية:

بَلِيتَ وَمَا تَبْلَى ثِيَابُ صِبَاكَا
كَفَاكَ مِنَ اللَّهْوِ الْمُضِرِّ كَفَاكَا
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الشَّيْبَ قَدْ قَامَ نَاعِيًا
مَقَامَ الشَّبَابِ الغَضِّ ثَمَّ نَعَاكَا
تَسَمَّعْ وَدَعْ مَنْ أَغْلَقَ الْغَيُّ سَمْعَهُ
كَأَنِّي بِدَاعٍ قَدْ أَتَى فَدَعَاكَا
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْقَوِي
دَعَا وَإِذَا الْكَرْبُ الشَّدِيدُ عَلاَكَا
تَمُوتُ كَمَا مَاتَ الَّذِينَ نَسِيتَهُمْ
وَتُنْسَى وَتَهْوَى الْعِرْسُ بَعْدُ سِوَاكَا
تَمَنَّيْتَ لَوْ مَا نِلْتَ ثُمَّ تَرَكْتَهَا
تَنَقَّلُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ مُنَاكَا
إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَتْجَرِ الْبِرِّ وَالتُّقَى
خَسِرْتَ نَجَاةً وَاكْتَسَبْتَ هَلاَكَا
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْزِمْ عَلَى الصَّبْرِ لِلْأَذَى
رَمَيْتَ الَّذِي مِنْهُ الْأَذَى وَرَمَاكَا
إِذَا كُنْتَ تَبْغِي الْبِرَّ فَاكْفُفْ عَنِ الْأَذَى
وَمَا الْبِرُّ إِلاَّ أَنْ تَكُفَّ أَذَاكَا
أَخُوكَ الَّذِي مِنْ نَفْسِهِ لَكَ مُنْصِفٌ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْفَعْكَ لِيْسَ أَخَاكَا

 

♦ وقال عمر بن الخطاب:

مَن أُعْطي الدعاء لم يُحرَمِ الإجابة، قال الله – تعالى -: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، ومَن أُعطي الشُّكر لم يُحرمِ الزِّيادة؛ لقوله - عزَّ وجلَّ - : ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، ومَن أُعطي الاستغفارَ لم يُحرَمِ القَبول؛ لقوله – تعالى -: ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199].

 

عبدالملك عند وفاته:

لَمَّا حضرتِ الوفاة عبدَالملك بن مرْوان دَعَا بنيه فوصَّاهم، ثم قال: الحمدُ لله الذي لا يَسأل أحدًا مِن خَلْقه صغيرًا أو كبيرًا، ثم ينشد:

 

فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا
وَهَلْ بِالْمَوْتِ لِلْبَاقِينِ عَارُ

 

ويُرْوى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شمَّ الهواء، وقال: يا دُنيا، ما أطيبَك! إنَّ طويلك لقصير، وإنَّ كثيرَك لحقير، وإنَّا كنَّا بك لفي غرور، ثم تمثَّل بهذين البيتين:

إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَا رَبْ
بِ عَذَابًا لاَ طَوْقَ لِي بِالْعَذَابِ
أَوْ تُجَاوِزْ فَأَنْتَ رَبٌّ صَفُوحٌ
عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ

 

♦ كان عبدالملك بن مرْوان في مرضِه الذي مات فيه يَعْطش، وقيل له: إن شربتَ الماء متَّ، فأقبل ذات يوم بعضُ العُوَّاد، فقال: كيف حال أمير المؤمنين؟ قال: أنا صالِح والحمد لله، ثم أنشأ يقول:

 

وَمُسْتَخْبِرٌ عَنَّا يُرِيدُ بِنَا الرَّدَى
وَمُسْتَخْبِرَاتٌ وَالْعُيُونُ سَوَاجِمُ

 

ويلكم اسقوني ماءً، وإن كان فيه تلفُ نفسي فشرب، ثم مات.

 

♦ مرض الأعمش فأبرمَه الناس بالسؤال عن حاله، فكتب قصَّته في كتاب وجعله عند رأسه، فإذا سأله أحد قال: عندَك القصَّة في كتاب.

 

♦دخل مصقلةُ بن هُبَيرة على معاوية، ومعاوية عليلٌ، وقد أرجف الناس بعِلَّته، فأخذ معاوية بيده، ثم قال: يا مصقل:

 

أَبْقِ الْحَوَادِثَ مِنْ خَلِي
لِكَ مِثْلَ جَنْدَلَةِ الْمَرَاجِمْ
قَدْ رَامَنِي الْأَقْوَامُ قَبْ
لَكَ فَامْتَنَعْتُ مِنَ الْمَظَالِمْ

 

فقال مصقلة: أما قول أمير المؤمنين "أبقي الحوادث من خليلك"، فقد أبقى الله منك جبلاً راسيًا، وكلأً مرعيًّا لصديقك، وسُمًّا ناقعًا لعدوِّك.

 

وأما قولك: "قد رامني الأقوام قبلك"، فمن ذا يرومك أو يظلمك؟! فقد كان الناس مشركِين، فكان أبو سفيان سيِّدَهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرَهم، فأعطاه معاوية فخرج فسئل عنه، فقال: والله لغمزني غمزة كاد يكسِر منها يدي، وأنتم تزعمونه مريضًا!

 

طرفة:

قال طبيب لتلميذه: إذا دخلتَ إلى مريض فانظرْ إلى أَثَرِ ما عنده من طعام أو شراب، فانْهه عمَّا لا يصلح من ذلك، فدخل الغلام يومًا على مريض فنظر إلى حداجة جَمَل في الدار، فقال للمريض: أنا والله لا أَصِف لك دواءً، قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّك قد أكلت جملاً، قال: لا واللهِ ما أكلتُ جملاً قط، فقال: هذه الحداجة مِن أين؟!

 

♦ وقال الأضبط بن قريع السعدي:

لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ
وَالْمُسْيُ وَالصَّبْحُ لاَ فَلاَحَ مَعَهْ
فَصِلْ حِبَالَ الْبَعِيدِ إِنْ وَصَلَ الْ
حَبْلَ وَأَقْصِ الْقَرِيبَ إِنْ قَطَعَهْ
لاَ تَحْقِرَنَّ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ
تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ
وَخُذْ مِنَ الدَّهْرِ مَا أَتَاكَ بِهِ
مَنْ قَرَّ عَيْنًا بِعَيْشِهِ نَفَعَهْ
قَدْ يَجْمَعُ الْمَالَ غَيْرُ آكِلِهِ
وَيَأْكُلُ الْمَالَ غَيْرُ مَنْ جَمَعَهْ

 

♦ وقال الإمام الشافعي:

تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ
فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
وَمَا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ قَبْلِي بِضَائِرِي
وَلاَ عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بِمُخْلِدِي
لَعَلَّ الَّذِي يَرْجُو فَنَائِي وَيَدَّعِي
بِهِ قَبْلَ مَوْتِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّدِي

 

♦ وقال الشافعي أيضًا:

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى
ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتُهَا
فُرِجَتْ وَكُنْتُ أَظُنُّهَا لاَ تُفْرَجُ

نادرة:

كتب بعض الحمقى إلى صديق له: بسم الله الرحمن الرحيم، وجعلني الله فداك، لولا علَّة نسيتها لسرتُ إليك حتى أُعرِّفَك بنفسي، والسلام.

 

العمل والخوف:

هل يتَّكل المسلِمُ المجتهد في العبادة على عمله؟ إنَّه إن فعل فقدْ أصابه الغُرور وجهل، فالمسلِم يعمل ويرجو غُفرانَ الله، وعصاةُ المسلمين تحت المشيئة؛ إن شاء الله رحمهم، وإن شاء عذَّبهم بقَدْر ذنوبهم، ثم يدخلهم الجَنَّة بعدَ ذلك ((اعملوا، فكُلٌّ مُيسَّر لِمَا خُلِق له)).

 

ما أبلغَه:

قال الأصمعي: لَمَّا مَرِض الحجَّاج أرجف الناس بموته، فقال في خطبته: إنَّ طائفةً من أهل الشِّقاق والنفاق نزغ الشيطانُ بينهم فقالوا: مات الحجاج، ومات الحجاج، فَمَهْ؟! فهل يرجو الحجاج الخيرَ إلا بعدَ الموت؟ والله ما يسرُّني أن لا أموت وأنَّ لي الدنيا وما فيها، وما رأيتُ الله رضي التخليد إلا لأهونِ خلقِه عليه؛ إبليس، قال الله له: ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴾ [الأعراف: 15]، فأنظَرَه إلى يوم الدِّين، ولقد دعا اللهَ العبدُ الصالح، فقال:﴿ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35] ، فأعطاه الله ذلك إلاَّ البقاء، ولقد طلب العبدُ الصالح الموتَ بعد أن تمَّ له أمرُه، فقال:﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101] ، فما عسى أن يكون أيُّها الرجل، وكلُّكم ذلك الرجل، كأنِّي واللهِ بكُلِّ حيٍّ منكم ميتًا، وبكلِّ رطب يابسًا، ثم نُقِل وأثياب أكفانه ثلاثة أذرع طولاً في ذراع عرضًا، فأكلت الأرض لحمه، ومصَّتْ صديدَه، وانصرف الخبيث من ولدِه يقسم الخبيثَ مِن ماله، إنَّ الذين يعقلون يعقلون ما أقول، ثم نَزَل.

 

♦ ذَكَر الزبير بن بكَّار عن عبَّاس بن سهل الساعديِّ: أنه دخل على جميل وهو يموت، فقال له: ما تقول في رجل لم يشربِ الخمر قطُّ، ولم يَزْنِ قطّ، ولم يسرق، ولم يَقتُلِ النفس، وهو يشهد ألاَّ إله إلا الله؟ قال: أظنُّه قد نجا، وأرجو له الجنة، فمَن هذا؟ قال: أنا، فقلت: الله! ما أظنُّك سلمت وأنت تُشبِّب بالنساء منذ عشرين سَنة بِبُثينة، فقال: لا نالتْنِي شفاعةُ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإني لفي أوَّل يوم من أيام الآخرة، وآخرِ يوم من أيام الدنيا إن كنتُ وضعتُ يدي عليها برِيبة.

 

دعاء:

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

قيل لمحمَّد بن علي الباقر: مَن أشدُّ الناس زهدًا؟

 

قال: مَن لا يبالي الدنيا في يدِ مَن كانت.

وقيل له: من أخسرُ الناس صفقة؟

 

قال: مَن باع الباقي بالفاني.

♦ قالت الفارعة في أخيها الوليد بن طريف ترثيه:

أَيَا شَجْرَ الْخَابُورِ مَا لَكَ مُورِقًا
كَأَنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيفِ
فَتًى لاَ يَذُوقُ الزَّادَ إِلاَّ مِنَ النَّقِي
وَلاَ الْمَالَ إِلاَّ مِنْ قَنًا وَسُيُوفِ

 

♦ قال الشريف الرضي:

أَمْسَيْتُ أَرْحَمُ مَنْ أَصْبَحْتُ أَغْبِطُهُ
لَقَدْ تَقَارَبَ بَيْنَ الْعِزِّ وَالْهُونِ
وَمَنْظَرٍ كَانَ بِالسَّرَّاءِ يُضْحِكُنِي
يَا قُرْبَ مَا عَادَ بِالضَّرَّاءِ يُبْكِينِي

 

♦ قال بعضهم في دعائه:

اللهمَّ أعنِّي على الموت وكُرْبته، وعلى القبر وغُمَّته، وعلى الميزان وخِفَّته، وعلى الصِّراط وزَلَّته، وعلى يوم القيامة ورَوْعته.

 

♦ مرض عوف بن أبي جميلة فعاده قوم، فجعلوا يُثنون عليه، فقال: دَعُونا من الثناء، وأمدُّونا بالدعاء.

 

♦ كان الحسن البصريُّ يقول: إنَّكم لا تنالون ما تحبُّون إلاَّ بترك ما تشتهون، ولا تُدرِكون ما تُؤمِّلون إلا بالصَّبْر على ما تكرهون.

♦ قال الفضْل بن الربيع: كنتُ مع المنصور في السفر الذي ماتَ فيه، فنزل منزلاً، فبعث إليَّ وهو في قبَّة ووجهُه إلى الحائط، فقال لي: ألَمْ أنهَك أن تدعَ العامة يدخلون هذه المنازلَ، فيكتبون ما لا خيرَ فيه؟ قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: أما تَرَى على الحائط مكتوبًا:

أَبَا جَعْفَرٍ حَانَتْ وَفَاتُكَ وَانْقَضَتْ
سِنُوكَ وَأَمْرُ اللَّهِ لاَ بُدَّ نَازِلُ
أَبَا جَعْفَرٍ هَلْ كَاهِنٌ أَوْ مُنَجِّمُ
يَرُدُّ قَضَاءَ اللَّهِ أَمْ أَنْتَ جَاهِلُ

 

فقلت: واللهِ ما أرى على الحائط شيئًا، وإنه لنقيٌّ أبيض، قال: إنَّها والله إذًا نفسي نُعِيت إليّ، ثم قال: الرحيلَ، بادِرْ بي إلى حَرَم ربِّي وأمنه؛ لأهربَ من ذنوبي وإسرافي على نفسي، فرحَلْنا وقد ثقل، حتى إذا بلغْنا بئر ميمون تُوفِّي بها.

 

نادرة:

كتب مجنونٌ إلى صديق له مجنون: بسم الله الرحمن الرحيم، حفظك الله وأبقاك، كتبتُ إليك ودجلةُ تُطفِي، وسفن الموصل ها هي، وما يزداد الصبيانُ إلا شرًّا، ولا الحجارة إلا كَثْرة، فإيَّاك والمرقَ، فإنَّه شرُّ طعام في الدنيا، ولا تبت إلا وعند رأسِك حجر أو حجران؛ لأنَّ الله يقول: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، وكتبتُ إليك لثلاث عشرة وأربعين ليلة خَلَتْ من عاشوراء سنة الكمأة.

 

الدنيا حلوة خضرة:

الدنيا حُلوة خضرة، وقد أوجد اللهُ الإنسانَ فيها ليبلوَه أيشكر أم يكفر، وهي مزرعةٌ للآخرة، فمَن زرع خيرًا وجد خيرًا، ومَن زرع شرًّا حَصَد ندامة، ولا يلومنَّ المرء إلا نفسَه.

 

فهي متاعٌ زائل، وطريقٌ عابر، نهايته الموتُ والقبر، والبعث والنشور، ثم الجزاء، فإمَّا إلى جنة، وإمَّا إلى نار.

 

فمَن وفَّقه الله اعتبر واتعظ، ولم تَفْتِنه زخارفُ الحياة عن عبادة ربه، ولم يلتفتْ لدعاة الإلحاد، ومبادِئ الهَدْم والشكوك، بل زاده ذلك تمسُّكًا بدِينه، ودحضًا لشُبَه المبطِلين، ومؤتفكات الضالين، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

حكى الأصمعيُّ قال: دخلت على الرشيد يومًا وهو ينظر في كتاب - ودموعه تسيل على خَدِّه - فلمَّا بصُر بي قال: أرأيتَ ما كان مني؟ قلت: نعم، قال: أما إنَّه ليس لأمر الدنيا، ثم رمى إليَّ بالكتاب، فإذا فيه أبيات لأبي العتاهية إسماعيل بن أبي القاسم، وهي:

هَلْ أَنْتَ مُعْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ
مِنْهُ غَدَاةَ مَضَى دَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ أَذَلَّ الدَّهْرُ مَصْرَعَهُ
فَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ عَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أَسِرَّتُهُ
وَبِمَنْ وَهَتْ مِنْهُ مَنَابِرُهُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ عِزُّهُمُ
صَارُوا مَصِيرًا أَنْتَ صَائِرُهُ
يَا مُؤْثِرَ الدُّنْيَا لِلَذَّتِهِ
وَالْمُسْتَعِدُّ لِمَنْ يُفَاخِرُهُ
نَلْ مَا بَدَا لَكَ أَنْ تُنَاوِلَهُ
يَوْمًا فَإِنَّ الْمَوْتَ آخِرُهُ

 

فلمَّا قرأتُها، قال: واللهِ يا أصمعيُّ لكأنِّي أُخاطب بهذا الشعر وحدي دون الخلق! فقلت: دعْ هذا يا أمير المؤمنين، فإنَّه استشعارٌ لا يقطع به، ولا يعول عليه، فواللهِ ما لبث بعدَ ذلك إلا شهرًا واحدًا ثم مات.

 

♦ قال رجل لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنَّ فلانًا رجلُ صدق، قال: سافرتُ معه؟ قال: لا، قال: فكانتْ بينك وبينه خصومة؟ قال: لا، قال: فهل ائتمنتَه على شيء؟ قال: لا، قال: فأنتَ الذي لا علمَ لك به، أراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد.

 

♦ دخل محمَّد بن واسع على قتيبة بن مسلم، فقال له: أتيتُك في حاجة رفعتُها إلى الله قبلَك، فإنْ تقضها حمَدْنا الله وشكرناك، وإن لم تقضِها حمدْنا الله وعذرناك، فأمَرَ له بحاجته.

 

نادرة:

كتب رجلٌ من البصرة إلى أبيه: كتبتُ إليك يا أبتِ، نحن كما يسرك الله عونه وقوته، لم يَحْدُثْ علينا بعدَك إلا كلُّ خير، إلا أنَّ حائطًا لنا وقع على أمي وأخي الصغير، وأختي والجارية، والحمار والديك والشاة، ولم يَفْلِتْ غيري.

 

♦ قال أبو حازم: إنَّ الدنيا غرَّت أقوامًا فعمِلوا فيها بغير الحق، ففاجأهم الموت، فخلَّفوا مالَهم لمن لا يحمدهم، وصاروا لمن لا يعذرهم، وقد خُلِقْنا بعدهم، فينبغي أن ننظرَ للذي كرهناه منهم فنجتنبه، والذي غبطناهم به فنستعمله.

 

♦ عَزَّت امرأةٌ المنصورَ في أبي العباس السفاح، فقالت: عظَّم الله أجْرَك، فلا مصيبة أعظم مِن مصيبتك، ولا عوضَ أعظم من خلافتك.

 

♦ وقال نصيح بن منظور الفقعي:

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقيِبُ
فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَةً
وَلاَ أَنَّ مَا تُخْفِي عَلَيْهِ يَغِيبُ
فَأَحْسِنْ وَأَجْمِلْ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّمَا
بِقَرْضِكَ تُجْزَى وَالْقُرُوضُ ضُرُوبُ
فَلاَ تَكُ مَغْرُورًا تَعَلَّلُ بِالْمُنَى
وَقُلْ إِنَّمَا أُدْعَى غَدًا فَأُجِيبُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْيَوْمَ أَسْرَعُ ذَاهِبٍ
وَأَنَّ غَدًا لِلنَّاظِرِينَ قَرِيبُ
وَأَنَّ الْمَنَايَا تَحْتَ كُلِّ ثَنِيَّةٍ
لَهُنَّ سِهَامٌ مَا تَزَالُ تُصِيبُ
ذَهَبْنَ بِإِخْوَانِ الصَّفَاءِ فَأَصْبَحَتْ
لَهُنَّ عَلَيْنَا نَوْبَةٌ سَتَنُوبُ
* قال الفُضَيل بن عياض:

 

الْخَوْف ما دام الرجل صحيحًا أفضل، فإذا نزل الموتُ فالرجاء أفضل.

 

دعاء:

اللهمَّ إني أعوذ بك من طُول الغفلة، وإفراط الفِطْنة.

 

♦ قال عمر بن هُبَيرة: اللهمَّ لا تجعل قولي فوقَ عملي، ولا تجعل سوءَ عملي ما قارب أجلي.

 

♦ وقال المهلب بن أبي صُفْرة لرجل من بني ملكان - أحد بني عدي -: متى أنت؟ قال: أيَّام عتيبة بن الحارث بن شهاب (اليربوعي، وهو أحد الفرسان الشجعان في الجاهلية)، وأقبل على رجل من الأزد، فقال له: متى أنت؟ فقال: أكلتُ مِن حياة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عامين، فقال له المهلب: أطعمك الله لحمَك.

 

♦ وقال أبو الشمقمق:

أَتَرَانِي أَرَى مِنَ الدَّهْرِ يَوْمًا
لِيَ فِيهِ مَطِيَّةٌ غَيْرُ رِجْلِي
كُلَّمَا كُنْتُ فِي جَمِيعٍ فَقَالُوا
قَرِّبُوا لِلرَّحِيلِ قَرَّبْتُ نَعْلِي
حَيْثُمَا كُنْتُ لاَ أُخَلِّفُ رَحْلاً
مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي وَرَحْلِي

 

♦ يُروى أنَّه كان في غطفان نصر بن دهمان قد سادَ غطفان وقادها، حتى خرف، وعُمِّر تسعين ومائة سنة، حتى اسودَّ شعره، ونبتت أضراسُه، وعاد شابًّا! فلا يعرف في العرب أعجوبة مثلَه.

 

♦ قال أبو الحسن المدائني: جاء رجل إلى رجل مِن الوجوه، فقال له: أنا جارُك، وقد مات أخي فلان، فمُرْ لي بكفن، قال: لا والله ما عندي اليوم شيء، ولكن تعهدْنا وتعود بعدَ أيام، فسيكون ما تحب، قال: أصلحَك الله! فنملِّحه إلى أن يتيسَّر عندكم شيء؟!

 

♦ قيل لشيخ من الأعراب: قمتَ مقامًا خِفْنا عليك منه، قال: الموتَ أخاف؟! شيخٌ كبير، ورب غفور، ولا دَيْن ولا بنات.

 

♦ مرَّ بعضُ الحمقى بامرأة قاعدة وهي تبكي، فَرَّق لها، وقال: مَن هذا الميت؟ قالت: زوْجي، قال: فما كان عملُه، قالت: يحفِر القبور، قال: أبعدَه الله، أما علم أنَّ مَن حفر حفرة وقَع فيها.

 

♦ وقال أبو الأسود الدؤلي:

ذَهَبَ الرِّجَالُ الْمُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ
وَالْمُنْكِرُونَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُنْكَرِ
وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ يُذَكِّرُ بَعْضُهُمْ
بَعْضًا لِيَدْفَعَ مُعْوِرٌ عَنْ مُعْوِرِ
فَطِنٍ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ
وَإِذَا أُصِيبَ بِعِرْضِهِ لَمْ يَشْعُرِ

 

♦ قال القاضي شُرَيح: مررتُ مع عليِّ بن أبي طالب على المقابِر، فقال: يا أهلَ المقابر، أمَّا الديار فقد سُكِنت، وأما الأموال فقد اقتُسِمت، وأما الذراري فقد نُكِحت، هذا خبرُ ما عندنا، هاتوا ما عندَكم، ثم التفتَ إليَّ، فقال: لو أُذِن لهم في الجواب، لقالوا: تزوَّدوا، فإنَّ خيرَ الزاد التقوى.

 

♦ لَمَّا تُوفي القاضي فَضَالة بن عُبَيد الأنصاري في خلافة معاوية، حضر معاوية جنازتَه، فحمل بجانبها، ثم صاح بابنه يزيد: اعْفني، واعلم أنَّك لن تحمل مثلَه بعدَه.

 

الأيام دول:

الأيام دُول، فلا يغترّ بها عاقل إن أقبلتْ، ولا ييأس إن أدبرتْ، فيومٌ لك ويوم عليك، ولو دامتْ في عزِّها ورخائها لأحد لدامتْ للملوك وأهلِ الثروة والجاه، فما الدنيا بمخلدة لحيّ، وما هي إلا متاعُ الغرور، والمحظوظ مَن اعتبر واتَّعظ وعمل خيرًا، والمغبون مَن انخدع بها، وحسب الحياةَ نهاية، وغفل عن القبر وأهواله، والبعثِ وزَلازله، والحسابِ وشدَّته، والصراط ولَهَبِ النار.

 

قال قيس بن الخطيم:

وَمَا بَعْضُ الْإِقَامِةِ فِي دِيَارٍ
يُهَانُ بِهَا الْفَتَى إِلاَّ بَلاَءُ
وَبَعْضُ خَلاَئِقِ الْأَقْوَامِ دَاءٌ
كَدَاءِ الْبَطْنِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءُ
يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاهُ
وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ مَا يَشَاءُ
وَكُلُّ شَدِيدَةٍ نَزَلَتْ بِحَيٍّ
سَيَأْتِي بَعْدَ شِدَّتِهَا رَخَاءُ
وَلاَ يُعْطَى الْحَرِيصُ غِنًى لِحِرْصٍ
وَقَدْ يَنْمَى مَعَ الْجُودِ الثَّرَاءُ
غَنِيُّ النَّفْسِ مَا اسْتَغْنَى غَنِيٌّ
وَفَقْرُ النَّفْسِ مَا عَمِرَتْ شَقَاءُ
وَلَيْسَ بِنَافِعٍ ذَا الْبُخْلِ مَالٌ
وَلاَ مُزْرٍ بِصَاحِبِهِ السَّخَاءُ
وَبَعْضُ الدَّاءِ مُلْتَمَسٌ شِفَاهُ
وَدَاءُ النَّوْكِ لَيْسَ لَهُ شِفَاءُ

الأدب العربي:

الأدب العربيُّ مظلوم، وقد تنكَّر له الكثيرون من الناشئة، حسبوه أدبًا مصطنعًا لم يتطرَّق إلاَّ لموضوعات قليلة، وأنه لا يمكن اعتبارُه تعبيرًا عن مشاعرِ أهل وقْتِه وأحوالهم، ولا يعكس صورةً صحيحة عن أوضاع ذلك المجتمع الذي يعيش فيه الشاعِرُ والأديب، وفي هذا القَوْل جحودٌ وتحامل وجَهْل، يكفي لدحضِه الاطلاعُ على ما أنتجَه الأدباء العرب شِعرًا ونثرًا، ومِن جيِّد ما جاء في الأدب العربي مِن الرِّثاء قولُ أبي ذؤيب الهُذَلي يرثي أولادَه:

أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ
وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قَالَتْ أُمَامَةُ مَا لِجِسْمِكَ شَاحِبًا
مُنْذُ ابْتُذِلْتَ وَمِثْلُ مَالِكَ يَنْفَعُ
وَلَقَدْ حَرِصْتُ بِأَنْ أُدَافِعَ عَنْهُمُ
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لاَ تُدْفَعُ
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا
أَلَفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لاَ تَنْفَعُ
فَالْعَيْنُ بَعْدَهُمُ كَأَنَّ جُفُونَهَا
كُحِلَتْ بِشَوْكٍ فَهْيَ عَوْرٌ تَدْمَعُ
وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ
أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لاَ أَتَضَعْضَعُ
حَتَّى كَأَنِّي لِلْحَوَادِثِ مَرْوَةٌ
نِصْفُ الْمُشَقَّرِ كُلَّ يَوْمٍ تُقْرَعُ
لاَ بُدَّ مِنْ تَلَفٍ مُقِيمٍ فَانْتَظِرْ
أَبِأَرْضِ قَوْمِكَ أَمْ بِأُخْرَى الْمَضْجَعُ
وَلَقَدْ أَرَى أَنَّ الْبُكَاءَ سَفَاهَةٌ
وَلَسَوْفَ يُولَعُ بِالْبُكُا مَنْ يُفْجَعُ
وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ يَوْمٌ مَرَّةً
يُبْكَى عَلَيْكَ مُقَنَّعًا لاَ تَسْمَعُ
فَلِئِنْ بِهِمْ فَجَعَ الزَّمَانُ وَرَيْبُهُ
إِنِّي بِأَهْلِ مَوَدَّتِي لَمُفَجَّعُ
وَالنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إِذَا رَغَّبْتَهَا
وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيلٍ تَقْنَعُ

 

♦ قالتْ أمُّ السليك بن السلكة - العدَّاء المشهور - وقيل: إنها لأمِّ تأبَّط شرًّا:

طَافَ يَبْغِي نَجْوَةً
مِنْ هَلاَكٍ فَهَلَكْ
لَيْتَ شِعْرِي ضَلَّةً
أَيَّ شَيْءٍ قَتَلَكْ
وَالْمَنَايَا رُصَّدٌ
لِلْفَتَى حَيْثُ سَلَكْ
كُلُّ شَيْءٍ قَاتِلٌ
حِينَ تَلْقَى أَجَلَكْ
لَيْتَ نَفْسِي قُدِّمَتْ
لِلْمَنَايَا بَدَلَكْ
أَيُّ شَيْءٍ حَسَنٍ
لِلْفَتَى لَمْ يَكُ لَكَ

 

♦ قال أبو بكر بن عبدالله المزني:

 

الدنيا ما مضى منها فَحُلم، وما بقي منها فأمانيّ.

 

♦ وقال محمد بن واسع: ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: بُلْغة مِن عيش ليس لأحد فيها عليَّ مِنَّة، ولا لله فيها عليَّ تَبِعة، وصلاة في جَمْع أُكْفى سهوها، وأخ في الله إذا ما اعوججتُ قوَّمَني.

 

نادرة:

دخل ربيعة بن عقيل اليربوعيُّ على معاوية، فقال له: أعنِّي يا أميرَ المؤمنين على بناء داري، فقال معاوية: وأين دارُك؟ قال: هي في البصرة، وهي أكثرُ مِن فرسخين طُولاً، في فرسخين عَرْضًا، فقال له معاوية: أدارك في البصرة، أمِ البصرةُ في دارك؟!

 

♦ قال الشعبي: ما رأيتُ مثلنا ومثل الدنيا إلاَّ كما قال كُثَيِّر عَزَّة:

أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لاَ مَلُومَةً
لَدَيْنَا وَلاَ مُقْلِيَّةً إِنْ تَقَلَّتِ

 

من أخبار المعمرين:

عاش نوح - عليه السلام - ألْف سَنَة وأربعمائة وخمسين سنة، وعاش لقمان خمسمائة وستِّين سَنَة، وعاش المستوفِز بن زبيد ثلاثمائة وثلاثين سنة، وعاش معديكرب الحِميريُّ مائتين وخمسين سنة، وعاش عامر بن الظرب ثلاثمائة سنة، ومثله أكْثَم بن صَيْفي، وكان مِن حُكماء العرب، وقيل: إنَّ قُسَّ بن ساعدة عاش سِتمائة سَنَة، وسأل معاوية وهو في طريقه من الشام إلى مكَّة حاجًّا عن رجل مُعمّر، فقيل: عُبَيد، وهو على طريقك، فدَعاه فقال: ممَّن أنت؟ فانتسبَ إلى قبيلة، فقال: وهل بقي منهم أحد؟ قال: نعمْ أنا، قال: وكم لك مِن السنين؟ فقال: مئتان وعشرون سَنَة.

 

ومن المعمرين لبيد بن ربيعة، ومنهم معاذ بن مسلم، وقد عاش مائة وخمسين سنة.

 

الحياة قلب:

ليستِ الحياة صفوًا كلُّها، ولا هي نورٌ دائم، فهي تارةٌ وتارة، ويومٌ ويوم، فيها الشدَّة واللِّين، والعُسْر واليُسْر، والبأساء والنعماء، والضر والنفع، والمتبصِّر مَن يشكر إذا أقبلَتْ، ويصبر إذا أدْبَرَتْ، لا يزدهيه الغرورُ والكِبْر، ولا يستسلم لليأس والقنوط، فهو صابر شاكر، ومؤمِن محتسب، وموقِن مطمئن.

 

♦ قال أبو فراس الحارث الحمداني في أبيات أرسلها لأمِّه وهو أسير:

مُصَابِي جَلِيلٌ وَالْعَزَاءُ جَمِيلُ
وَظَنِّي بِأَنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُدِيلُ
جِرَاحٌ تَحَامَاهَا الْأُسَاةُ مَخُوفَةٌ
وَسُقْمَانِ: بَادٍ مِنْهُمَا وَدَخِيلُ
وَأَسْرٌ أُقَاسِيهِ وَلَيْلٌ نُجُومُهُ
أَرَى كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَهُنَّ يَزُولُ
تَطُولُ بِيَ السَّاعَاتُ وَهْيَ قَصِيرَةٌ
وَفِي كُلِّ دَهْرٍ لاَ يَسُرُّكَ طُولُ
تَنَاسَانِيَ الْأَصْحَابُ إِلاَّ عُصَيْبَةٌ
سَتَلْحَقُ بِالْأُخَرَى غَدًا وَتَحُولُ
وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ إِنَّهُمْ
وَإِنْ كَثُرَتْ دَعْوَاهُمُ لَقَلِيلُ
أُقَلِّبُ طَرْفِي لاَ أَرَى غَيْرَ صَاحِبٍ
يَمِيلُ مَعَ النَّعْمَاءِ حَيْثُ تَمِيلُ
وَصِرْنَا نَرَى أَنَّ الْمُتَارِكَ مُحْسِنٌ
وَأَنَّ صَدِيقًا لاَ يَضُرُّ خَلِيلُ
أَكُلُّ خَلِيلٍ هَكَذَا غَيْرُ مُنْصِفٍ
وَكُلُّ زَمَانٍ بِالْكِرَامِ بَخِيلُ

الحياة الصافية:

الحياةُ الصافية مِنَ الكَدر، والهانئة من التَّعب، والخالية من المنغِّصات، هي حياةٌ وهمية، يَحلُم بها الفلاسفة، وتُراوِد أحلام الخياليِّين، ولكنها في عالم الواقع مستحيلة.

 

إنَّ الحياة جُبِلت على الكَدر، ومُزِجت بالآلام، واقترن فيها السرورُ بالحزن، والفرحُ بالغمّ، والبهجةُ بالترَح، والعاقلُ يسعى للتخفيف مِن آلامها في حدود ما يَقدِر عليه، ويحاول أن يُسهِم في هناء البشرية وسعادتها بما يحتمله، ويصبر على البأساء والضرَّاء، ويَحْمَد الله على المسرَّات والنعماء، فلا يؤدِّي به الحزنُ إلى الجزع، ولا يُفْضي به الألمُ إلى اليأس، بل يكون المؤمِن القوي الصابر المجاهد، الذي يسعى للخير جهدَه، ولا تذهب نفسُه حسراتٍ على ما فات، ولا يُصيبه الخَور والوهن عندَ المصائب، ويلتجئ إلى الله - تعالى - ويسأله السلامةَ والعافية، والعونَ والغُفْران، ويكون مَثَلاً للمؤمن التقيِّ الصادق، الذي لا يغرُّه الأَشَرُ والبَطَر والخُيلاء، ولا يركن للكسل والخنوع، والذِّلَّة والمهانة، الصابر عندَ المصيبة، الشاكر عند النعمة.

 

ومَن يريد الحياة صفوًا بلا كدر، وهناءً بلا تعب، ومرحًا بلا أحزان، فقدْ رام المستحيل، وتتطلَّب غير الممكن، وأجهد نفسَه فيما لا طاقة له به، فالحياةُ تجمع الأضداد، وتحوي المتناقضات، ويلتقي فيها الشيءُ وعكسه، ومِن ثَمَّ كان الصبر والشكر كجناحَيِ الطائر، ينبغي للمؤمن أن يتسلَّح بهما، وأن يكون صابرًا شاكرًا، حتى تقرَّ عينُه، وتهدأ نفسه، ويزداد يقينه، ويرسخ إيمانه، وفي الدار الأخرى حُسْن الثواب، ورِضا الملك الوهَّاب، الذي لا تنفد خزائنُه، ولا ينقص بما يعطيه وإن عَظُم، له الحمدُ والثناء، وله الشكر على نِعَمه التي لا تُحصى.

 

♦ قال زهير بن أبي سلمى:

وَمَنْ يُوفِ لاَ يُذْمَمْ وَمَنْ يُفْضِ قَلْبُهُ
إِلَى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لاَ يَتَجَمْجَمِ
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ
وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ
عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ

 

♦ قال بعض الشعراء في الصبر:

وَإِذَا ابْتُلِيتَ بِمِحْنَةٍ فَالْبَسْ لَهَا
ثَوْبَ السُّكُوتِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَسْلَمُ
لاَ تَشْكُوَنَّ إِلَى الْعِبَادِ فَإِنَّمَا
تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لاَ يَرْحَمُ

 

♦ قال الأصمعيُّ: بلغَنِي عن شيخ جزع على ميِّت جزعًا شديدًا، فقيل له في ذلك، فقال: نحن قومٌ لم نتعوَّدِ الموت.

 

♦ نزل يهوديٌّ على أعرابي فمات عنده، فقام الأعرابيُّ يصلِّي عليه، فقال: اللهمَّ إنَّه ضيْف، وحقُّ الضَّيْف ما قد علمت، فأمهِلْنا إلى أن نقضي ذمامَه، ثم شأنَك والكَلْب.

 

♦ قال بعض الشعراء:

إِمَّا تَرَيِني وَأَثْوَابِي مُقَارِبَةٌ
لَيْسَتْ بِخَزٍّ وَلاَ مِنْ نَسْجِ كَتَّانِ
فَإِنَّ فِي الْمَجْدِ هِمَّاتِي وَفِي لُغَتِي
عُلْوِيَّةً وَلِسَانِي غَيْرُ لَحَّانِ

 

♦ قال الشاعر:

بَكَتْ دَارُهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ فَتَهَلَّلَتْ
دُمُوعِي فَأَيَّ الْجَازِعِينِ أَلُومُ
أَمُسْتَعْبِرًا يَبْكِي عَلَى اللَّهْوِ وَالْبِلَى
أَمَ اخَرَ يَبْكِي شَجْوَهُ فَيَهِيمُ

 

♦ مات ذِرُّ بن عمر بن ذِر الهمذاني، فوقف أبوه على قبرِه، فقال: يا ذرّ، والله ما بِنا إليك مِن فاقة، أو ما بنا إلى أحدٍ سوى الله مِن حاجة، يا ذرّ، شغلني الحزنُ لك عن الحزن عليك، ثم قال: اللهمَّ إنك وعدتَني بالصبر على ذرٍّ صلواتِك ورحمتَك، اللهمَّ وقد وهبتُ ما جعلت لي مِن أجْر على ذرٍّ لذرّ، فلا تُعرِّفْه قبيحًا مِن عمله، اللهمَّ وقد وهبتُ له إساءته إليّ، فهَبْ إساءته إلى نفسه، فإنَّك أجود وأكرم، فلما انصرف عنه التفتَ إلى قبره، وقال: يا ذرّ، قد انصرفنا عنك وتركْناك، ولو أقمْنا ما نفعناك.

 

♦ اعتلّ الحرمازيُّ، وكان له صديق من الهاشميِّين فلم يَعُدْه، فكتب إليه:

مَتَى تَنْفَكُّ وَاجِبَةُ الْحُقُوقِ
إِذَا كَانَ اللِّقَاءُ عَلَى الطَّرِيقِ
إِذَا لَمْ يَكْفِهِ إِلاَّ سَلاَمٌ
فَمَا يَرْجُو الصَّدِيقُ مِنَ الصَّدِيقِ
مَرِضْتُ وَلَمْ تَعُدْنِي مُنْذُ شَهْرٍ
وَلَيْسَ كَذَاكَ فِعْلُ أَخٍ شَقِيقِ

 

♦ كتب إبراهيم بن يحيى الأسلميُّ إلى المهديِّ يُعزِّيه في ابنته:

 

أما بعد:

فإنَّ أحقَّ مَن عَرضف حقَّ الله عليه فيما أَخَذ منه مَن عظَّم حقَّ الله عليه فيما أبقى له، واعلم أنَّ الماضي قبلَك هو الباقي لك، وأنَّ الباقي بعدَك هو المأجور فيك، وأنَّ أجْرَ الصابرين فيم يُصابون به أعظمُ مِن النعمة عليهم فيما يعافون منه.

 

♦ مرض المِسْوَر فجاءه ابن عبَّاس يزوره نصفَ النهار، فقال المسور: يا أبا عبَّاس، هلاَّ ساعةً غير هذه؟ فقال ابن عبَّاس: إنَّ أحبَّ الساعات إليَّ أن أؤدِّي فيها الحق أشقُّها عليّ.

 

♦ قيل لهرم بن حبَّان: أَوصِ، فقال: صدقتْنِي نفسي في الحياة: ما لي شيءٌ أوصي فيه، ولكنِّي أوصيكم بخواتيم سورة النحل.

 

♦ قال عامر بن عبد قيس: الدنيا والدةٌ للموت، ناقضةٌ للمبرم، مرتجفة للعطية، وكلُّ مَن فيها يَجري إلى ما لا يَدْري، وكلُّ مستقرٍّ فيها غيرُ راضٍ بها، وذلك شهيدٌ بأنها ليستْ بدار قرار..

 

♦ قال فَرْقَد: دخلْنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد، ألاَ يعجبك مِن محمَّد بن الأهتم؟ فقال: ما لَه؟ فقلنا: دخلْنا عليه آنفًا وهو يجود بنفسه، فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق - وأومأ إلى صندوق في جانب بيته - فقال: هذا الصندوق فيه ثمانون ألْف دينار (أو قال درهم) لم أؤدِ منها زكاة، ولم أَصِلْ منها رَحِمًا، ولم يأكلْ منها محتاج، فقلنا: يا أبا عبدالله، فلِمَن كنت تجمعها؟ قال: لروعةِ الزمان، ومكاثرة الأقران، وجفوة السلطان.

 

فقال: انظروا، مِن أين أتاه شيطانُه، فخوَّفه روعةَ زمانه، ومكاثرةَ أقرانه، وجفوةَ سلطانه؟ ثم قال: أيُّها الوارث، لا تُخدعنَّ كما خُدِع صُوَيْحِبُك بالأمس، جاءك هذا المال لم تتعبْ لك فيه يمين، ولم يَعْرَق لك فيه جبين، جاءك ممن كان له جموعًا منوعًا، مِن باطل جَمَعه، من حقٍّ منعه، ثم قال الحسن: إنَّ يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره، فيرزقه الله فيه الصلاحَ والإنفاق في وجوه البرّ، فيجد مالَه في ميزان غيره.

 

♦ قال أبو عثمان النهديُّ: أتَتْ عليَّ ثلاثون ومائة سنة ما مِنِّي شيء إلاَّ وقد أنكرتُه، إلا الأمل، فإنَّه يزيد.

 

♦ قال الحسن: إذا سرَّك أن تنظر إلى الدنيا بعدَك، فانظر إليها بعدَ غيرك.

 

♦ سَمِع بعضُ الحمقى قومًا يتذاكرون الموت وأهواله، فقال: لو لم يكن في الموْت إلا أنَّك لا تقدر أن تتنفَّس لكفَى.

 

♦ قال أبو حازم: نحن لا نُريد أن نموتَ حتَّى نتوب، ونحن لا نتوب حتى نموت.

 

♦ قال رجل للحسن البصري:

إني أكره الموت، قال: ذاك لأنَّك أخَّرْتَ مالك، ولو قدمتَه لسرَّك أن تلحق به.

 

♦ قال عليٌّ - رضي الله عنه -: اللهمَّ إنَّ ذنوبي لا تضرُّك، وإنَّ رحمتَك إياي لا تنقصك، فاغفرْ لي ما لا يضرُّك، وأعطِني مالا ينقصك.

 

♦ دخل أحمقُ على مريض، فقال: إذا رأيتم المريض على هذه الحال فاغسلوا أيديَكم منه.

 

♦ قيل لأبي العيناء: فيمَ أنت؟ قال: في الداء الذي يتمنَّاه الناس - يعني الهرم.

 

♦ قال حاجب بن دينار لأخيه زُرارة:

عَجِلْتَ مَجِيءَ الْمَوْتِ حَتَّى هَجَرْتَنِي
وَفِي الْقَبْرِ هَجْرٌ يَا زُرَارُ طَوِيلُ

 

♦ قال بكر بن عبدالله المزني: اجتهِدوا في العمل، فإن قصَّر بكم ضعْفٌ فكفُّوا عن المعاصي.

 

الأمم السالفة:

في التاريخ أنباءٌ عن أمم سلفتْ، ودول دثرت، وأقوام كانوا فبانوا، وبقيتْ سيرتهم تُقرأ وتُروى، فإذا ذُكِر الطغاة والأشرار، وأهل الكفر والعناد ذُكروا بالاستهجان والاستقباح واللَّعائِن، وإذا مرَّ ذِكْر الأخيار والصالحين، وذوي الفضل والشهامة والمروءة، ذُكِروا بالاستحسان وعاطِر الثناء، والإعجاب بأعمالهم.

 

وهكذا لم يجدِ الطاغي طغيانَه، ولم ينتهِ المظلوم عند ظلمه.

 

وقصة الأنبياء - عليهم السلام - مع أُممهم تُعطي المثل والاعتبار، فلقد تكبَّر الكافرون، واستهانوا بالأنبياء وآذَوْهم، ورامُوا قتلهم، والمصلِحون في كل زمان ومكان أُوذُوا، وأصابتهم محنٌ وابتلاء ومتاعب، فصبروا ودافعوا عن الحقّ، ولسان حالهم يُردِّد مع السحرة عندما قالوا لفرعون: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72]، لقد كانت العاقبةُ الحسنة للأنبياء والصالحين، والمدافعين عن الحق، والداعين لدين الله؛ ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

 

♦ وقال صابئُ بن الحارث البرجمي:

وَمَا عَاجِلاَتُ الطَّيْرِ تُدْنِي مِنَ الْفَتَى
نَجَاحًا وَلاَ عَنْ رَيْثِهِنَّ نَحِيبُ
وَرُبَّ أُمُورٍ لاَ تَضِيرُكَ ضَيْرَةً
وَلِلْقَلْبِ مِنْ مَخْشَاتِهِنَّ وَجِيبُ
وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يُوَطِّنُ نَفْسَهُ
عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ
وَفِي الشَّكِّ تَفْرِيطٌ وَفِي الْحَزْمِ قُوَّةٌ
وَيُخْطِي الْفَتَى فِي حَدْسِهِ وَيُصِيبُ
وَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ صَدِيقًا وَلاَ أَخًا
إِذَا لَمْ تَعُدَّ الشَّيْءَ وَهْوَ يَرِيبُ

ومن نكت المغفلين:

قال عثمان بن عمر: نزَلَ الموتُ بزوْج امرأة، فقيل لها: لو دخلتِ على زوجك ودعتِه، قالت: أخافُ أن يعرفني مَلَكُ الموت.

 

♦ ودخل بعضُ المغفَّلين على مريض يعوده، فلما خرج التفتَ إلى أهله، وقال: لا تفعلوا بنا كما فعلتُم في فلان مات وما أعلمتمونا، إذا مات هذا، فأعلمونا حتى نصليَ عليه.

 

الموت:

الموت حقّ، وما بالموت عارٌ على الفتى، وكل من عليها فانٍ، والبقاء لله - عزَّ وجلَّ - ومَن يشمت بالميِّت لأنَّه مات فقد أساء، وجانبه التوفيق، فمَن الذي سينجو من الموت، حتى يفخرَ بدوام الحياة؟! وقد مات الأنبياء والمرسَلون، والأولياء والصالحون، والفائزُ مَن نجا يومَ البعث والحساب.

 

♦ اشتكى يزيدُ بن عبدالملك شكاةً شديدة، وبلغه أنَّ هشامًا سُرَّ بذلك فكتب إلى هشام يعاتبه، وكتب في آخِر الكتاب:

تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ
فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
وَقَدْ عَلِمُوا لَوْ يَنْفَعُ الْعِلْمُ عِنْدَهُمْ
مَتَى مِتُّ مَا الدَّاعِي عَلَيَّ بِمُخْلَدِ
مَنِيَّتُهُ تَجْرِي لِوَقْتٍ وَحَتْفُهُ
يُصَادِفُهُ يَوْمًا عَلَى غَيْرِ مَوْعِدِ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْغِي خِلاَفَ الَّذِي مَضَى
تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلَهَا فَكَأَنْ قَدِ

 

♦ كان أبو بكر - رضي الله عنه - إذا عزَّى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجَزَع فائدة، الموْت أهونُ مما قبلَه، وأشد مما بعده، اذكروا فَقْدَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تصغُرْ مصيبتكم، وعظَّم الله أجْركم.

 

♦ قال أكثم بن صيفي: أحقُّ مَن شركك في النِّعم شركاؤك في المكاره.

 

♦ وقال عبدالله بن المعتز:

نَسِيرُ إِلَى الْآجَالِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ
وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ
وَلَمْ نَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ
إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الْأَمَانِيُّ بَاطِلُ
وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا
فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ فِي الرَّأْسِ نَازِلُ
تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنَ التُّقَى
فَعُمْرُكَ أَيَّامٌ تُعَدُّ قَلاَئِلُ

 

♦ قيل: إذا قَدُمتِ المصيبة تركت التعزية، وإذا قَدُم الإخاء سَمُج الثَّناء.

 

العمر:

العمر قصير، والحياة إلى فناء، فبَعْث ونُشور، ثم جنَّة أو نار، والدنيا مزرعةُ الآخرة، فمَن زرع خيرًا وجد خيرًا، ومَن زرع شرًّا حصد ندامة، والجزاء مِن جِنْس العمل، فمن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومَن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه.

 

تُرَى لماذا تُنفق الساعات الكثيرة، والأيام والليالي في الشحناء والبغضاء؟! أما كان الأجدرُ أن تُصرَف إلى الوِفاق والتفاهم، والتصافي والاستزادة من البرّ، والتعاون على الخير؟!

 

♦قال لبيد بن ربيعة العامري يرثي أخاه أربد:

بَلِينَا وَمَا تَبْلَى النُّجُومُ الطَّوَالِعُ
وَتَبْقَى الدِّيَارُ بَعْدَنَا وَالْمَصَانِعُ
وَقَدْ كُنْتُ فِي أَكْنَافِ جَارٍ مَضَنَّةٍ
فَفَارَقَنِي جَارٌ بِأَرْبَدَ نَافِعُ
فَلاَ جَزِعٌ إِنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا
فَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمًا بِهِ الدَّهْرُ فَاجِعُ
وَمَا النَّاسُ إِلاَّ كَالدِّيَارِ وَأَهْلِهَا
بِهَا يَوْمَ حَلُّوهَا وَرَاحُوا بَلاَقِعُ
وَمَا الْمَرْءُ إِلاَّ كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ
يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ
وَمَا الْمَالُ وَالْأَهْلُونَ إِلاَّ وَدَائِعُ
وَلاَ بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ
لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي الضَّوَارِبُ بِالْحَصَى
وَلاَ زَاجِرَاتُ الطَّيْرِ مَا اللَّهُ صَانِعُ
وَمَا النَّاسُ إِلاَّ عَامِلاَنِ فَعَامِلٌ
يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعُ
فَمِنْهُمْ سَعِيدٌ آَخِذٌ بِنَصِيبِهِ
وَمِنْهُمْ شَقِيٌّ بِالْمَعِيشَةِ قَانِعُ

الأماني:

هلِ الأماني نِعمةٌ أو نقمة؟ هل هي مِن سعادة المرء أو مِن شقائه؟ هل يمكن أن تكون الأمانيُّ ذات وجهٍ واحد، ولون مفرد؟ أم لها ألوانٌ عدَّة، وأشكال متباينة؟ لعلَّ الرأي الأخير أقربُ إلى الصواب، وأدلُّ بالسداد، فمَن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كُتبتْ له حسنة كاملة، ويُبعث الناسُ يومَ القيامة على نيَّاتهم.

 

فتمنِّي الخير نعمةٌ قَمِينة بالشكر، وتمنِّي الشر نقمة حريَّة بالتباعد والنبذ.

 

الخنساء ترثي أخاها صخرًا:

قالت الخنساء ترثي أخاها صخرًا:

كَأَنَّ عَيْنِي لِذِكْرَاهُ إِذَا خَطَرَتْ
فَيْضٌ يَسِيلُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِدْرَارُ
تَبْكِي خُنَاسٌ عَلَى صَخْرٍ وَحُقَّ لَهَا
إِذْ رَابَهَا الدَّهْرُ إِنَّ الدَّهْرَ ضَرَّارُ
لاَ بُدَّ مِنْ مِيتَةٍ فِي صَرْفِهَا عِبَرٌ
وَالدَّهْرُ فِي صَرْفِهِ حَوْلٌ وَأَطْوَارُ
يا صَخرُ وَرّادَ ماءٍ قَد تَوَارَدَهُ
أَهْلُ الْمَوَارِدِ مَا فِي وِرْدِهِ عَارُ
وَإِنَّ صَخْرًا لَحَامِينَا وَسَيِّدُنَا
وَإِنَّ صَخْرًا إِذَا نَشْتُو لَنَحَّارُ
وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
لَمْ تُلْفِهِ جَارَةٌ يَمْشِي بِسَاحَتِهَا
لِرِيبَةٍ حِينَ يُخْلِي بَيْتَهُ الْجَارُ
مِثْلَ الرُّدَيْنِيِّ لَمْ تَنْفَدْ شَبِيبَتُهُ
كَأَنَّهُ تَحْتَ طَيِّ الْبَرْدِ أَسْوَارُ
طَلْقُ الْيَدَيْنِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ مُعْتَمِدٌ
ضَخْمُ الدَّسِيعَةِ بِالْخَيْرَاتِ أَمَّارُ
حَمَّالُ أَلْوِيَةٍ هَبَّاطُ أَوْدِيَةٍ
شَهَّادُ أَنْدِيَةٍ لِلْجَيْشِ جَرَّارُ

 

♦ قال أبو الحسين السروجي: كان عندنا طبيبٌ يُسمَّى النعمان، ويكنى أبا المنذر، فقال فيه صديق لي:

أَقُولُ لِنُعْمَانٍ وَقَدْ سَاقَ طِبُّهُ
نُفُوسًا نَفِيسَاتٍ إِلَى بَاطِنِ الْأَرْضِ
أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا
حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ

 

♦ قال عبدالله بن شاذان مِن أهل قزوين في رجل يعرفه ويدَّعي صداقته، اسمه أحمد، وكان أنيقًا مراوغًا، لا يثبت على عهد:

إِذَا مَا جِئْتَ أَحْمَدَ مُسْتَمِيحًا
فَلاَ يَغْرُرْكَ مَنْظَرُهُ الْأَنِيقُ
فَذَو لُطْفٍ وَلَيسَ لَدَيْهِ عُرْفٌ
كَبَارِقَةٍ تَرُوقُ وَلاَ تُرِيقُ
فَمَا يَخْشَى العَدُوُّ لَهُ وَعِيدًا
كَمَا بِالْوَعْدِ لاَ يَثِقُ الصَّدِيقُ

 

♦ وَلِي عبدالرحمن بن الضحَّاك بن قيس المدينةَ سنتين، فأَحْسن السيرة، وعفا عن أموال الناس، ثم عُزِل، فاجتمعوا إليه، فأنشد لدرَّاج الضبابي:

فَلاَ السِّجْنُ أَبْكَانِي وَلاَ الْقَيْدُ شَفَّنِي
وَلاَ أَنَّنِي مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ أَجْزَعُ
وَلَكِنَّ أَقْوَامًا أَخَافُ عَلَيْهِمُ
إِذَا مِتُّ أَنْ يُعْطُوا الَّذِي كُنْتُ أَمْنَعُ

الوصايا:

للوصايا دورٌ هام في الأدب العربي، وتمثِّل الوصايا تجارِبَ المرء، والتوجيه الحسن في عبارات موجزة مركَّزة، يسهُل استيعابها، ولا يستعصي على الفَهْم مغزاها.

 

وقد حفلتْ كُتب الأدب بوصايا قيِّمة تجمع الحِكمة والطرفة، والمثل، والاستشهاد بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وأبيات منتخبة من جيِّد الشعر، ومأثور الكَلِم، وهذه واحدة منها.

 

قال الكلبي: لَمَّا حضرتِ عبدَالله بن شداد الوفاةُ دعا ابنًا له يقال له محمد، فقال: يا بُنيّ، إني أرى داعي الموت لا يقلع، وأرى مَن مضى لا يرجع، ومَن بقي فإنَّه ينزع، وإني موصِيك بوصية فاحفظها:

 

علَيْك بتقوى الله العظيم، وليكنْ أَوْلى الأمور بك شكر الله، وحَسْن النية في السِّرِّ والعلانية، فإن الشكور يزداد، والتقوى خيرُ زاد، وكن كما قال الحطيئة:

وَلَسْتُ أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ
وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
وَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ الزَّادِ ذُخْرًا
وَعِنْدَ اللَّهِ لِلْأَتْقَى مَزِيدُ
وَمَا لاَ بُدَّ أَنْ يَأْتِي قَرِيبٌ
وَلَكِنَّ الَّذِي يَمْضِي بَعِيدُ

 

أيْ بنيّ، لا تزهدنَّ في معروف، فإنَّ الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب، على الشاهد والغائب، فكم مِن راغب قد كان مرغوبًا إليه، وطالب أصبح مطلوبًا ما لدَيه، واعلم أنَّ الزمان ذو ألوان، ومَن يصحبِ الزمان يرَ الهوان، وكن أي بنيّ، كما قال أبو الأسود الدؤلي:

وَعُدَّ مِنَ الرَّحْمَنِ فَضْلاً وَنِعْمَةً
عَلَيْكَ إِذَا مَا جَاءَ لِلْعُرْفِ طَالِبٌ
وَإِنَّ امْرَأً لاَ يُرْتَجَى الْخَيْرُ عِنْدَهُ
يَكُنْ هَيِّنًا ثَقْلاً عَلَى مَنْ يُصَاحِبُ
فَلاَ تَمْنَعَنْ ذَا حَاجَةٍ جَاءَ طَالِبًا
فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ رَاغِبُ
رَأَيْتُ الْتِوَا هَذَا الزَّمَانِ بِأَهْلِهِ
وَبَيْنَهُمُ فِيهِ تَكُونُ النَّوَائِبُ

 

أي بنيّ، كُن جوادًا بالمال في موضوع الحقّ، بخيلاً بالأسرار عن جميع الخَلْق، فإنَّ أحمدَ جود المرء الإنفاقُ في وجه البرّ، وإنَّ أحمد بُخْل الحرِّ الضنُّ بمكتوم السِّرّ، وكن كما قال قيس بن الخطيم الأنصاري:

أَجُودُ بِمَكْنُونِ التِّلاَدِ وَإِنَّنِي
بِسِرِّكَ عَمَّنْ سَالَنِي لَضَنِينُ
إِذَا جَاوَزَ الْاثْنَيْنِ سِرٌّ فَإِنَّهُ
بِبَثِّ وَتَكْثِيرِ الْحَدِيثِ قَمِينُ
وَعِنْدِي لَهُ يَوْمًا إِذَا مَا ائْتَمَنْتَنِي
فَكَانَ بِسَوْدَاءِ الْفُؤَادِ مَكِينُ

 

أي بنيّ، وإن غلبتَ يومًا على المال، فلا تدعِ الحِيلة على حال، فإنَّ الكريم يحتال، والدنيُّ عيال، وكن أحسنَ ما تكون في الظاهر حالاً أقلَّ ما تكون في الباطِن مالاً، فإنَّ الكريم مَن كرمت طبيعته، وظهرت عندَ الإنفاد نعمتُه، وكان كما قال ابن خذق العبدي:

وَجَدْتُ أَبِي قَدَ اوْرَثَهُ أَبُوهُ
خِلاَلاً قَدْ تُعَدُّ مِنَ الْمَعَالِي
فَأَكْرَمُ مَا تَكُونُ عَلَيَّ نَفْسِي
إِذَا مَا قَلَّ فِي الْأَزَمَاتِ مَالِي
فَتَحْسُنُ سِيرَتِي وَأَصُونُ عِرْضِي
وَيَجْمُلُ عِنْدَ أَهْلِ الرَّأْيِ حَالِي
وَإِنْ نِلْتُ الْغِنَى لَمْ أَغْلُ فِيهِ
وَلَمْ أَخْصُصْ بِجَفْوَتِيَ الْمُوَالِي

 

أي بني، وإن سمعتَ كلمة مِن حاسِد فكن كأنَّك لستَ بالشاهد، فإنك إن أمضيتَها حيالها رَجَع العيبُ على مَن قالها، وكان يُقال: الأريب العاقل هو الفَطِن المتغافل، وكن كما قال حاتم الطائي:

وَكِلْمَةِ حَاسِدٍ فِي غَيْرِ جُرْمٍ
سَمِعْتُ فَقُلْتُ مُرِّي فَانْقِذِينِي
فَعَابُوهَا عَلَيَّ وَلَمْ تَسُؤْنِي
وَلَمْ يَعْرَقْ لَهَا يَوْمًا جَبِينِي
سَمِعْتُ بِعَيْبِهِ فَصَفَحْتُ عَنْهُ
مُحَافَظَةً عَلَى حَسَبِي وَدِينِي

 

أي بنيَّ، لا تؤاخِ امرأً حتى تعاشرَه، وتتفقد موارده ومصادره، فإذا استطعتَ العِشرة، ورضيتَ الخبرة، فواخِه على إقالة العَثْرة، والمواساة في العُسْرة، وكن كما قال المقنَّع الكندي:

ابْلُ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهُمْ
وَتَوَسَّمَنَّ فِعَالِهَمْ وَتَفَقَّدِ
فَإِذَا ظَفِرْتَ بِذِي اللُّبَابَةِ وَالتُّقَى
فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ
وَإِذَا رَأَيْتَ وَلاَ مَحَالَةَ زَلَّةً
فَعَلَى أَخِيكَ بِفَضْلِ حِلْمِكَ فَارْدُدِ

 

أي بنيّ، إذا أحببتَ فلا تُفْرِط، وإذا أبغضتَ فلا تُشْطِط، فإنه قد كان يقال: أحبِبْ حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضَك يومًا ما، وأبْغِضْ عدوَّك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبَك يومًا ما، وكُن كما قال هُدبة بن خشرم العذري:

وَكُنْ مَعْقِلاً لِلْحِلْمِ وَاصْفَحْ عَنِ الْخَنَا
فَإِنَّكَ رَاءٍ مَا حَمَيْتَ وَسَامِعُ
وَأَحْبِبْ إِذَا أَحْبَبْتَ حُبًّا مُقَارِبًا
فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ نَازِعُ
وَأَبْغِضْ إِذَا أَبْغَضْتَ بُغْضًا مُقَارِبًا
فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَتَى أَنْتَ رَاجِعُ

اكتساب المال:

الحِرْص على اكتساب المال غريزةٌ في النفوس، والمال متاعٌ إذا أحسن صاحبه الاستفادةَ منه، وصرفه في طرقه السليمة، كان دِرعًا له، وذكرى حسنة يعطر أريجها، ويطيب حديثها، وإن بَخِل به وقرّ، وشحَّ واحتجن، عُدَّ عليه من المثالب، وعِيب به، وكان وبالاً عليه، حظُّه منه تعب الجمع، وعناء المطاردة، وإثم الجحود.

 

♦ عاش الحارث بن حبيب الباهلي ستِّين ومائة سنة، ومن شعره:

كَمْ مِنْ أَسِيرٍ تَائِهٍ فَدَيْتُهُ
وَمِنْ كَمِيٍّ مُعْلِمٍ أَرْدَيْتُهُ
وَمُسْرِعٍ بِسَرْوِهِ جَازَيْتُهُ
وَمُبْطِئٍ بِرِفْدِهِ كَفَيْتُهُ
وَمُعْلِنٍ بِضِغْنِهِ كَوَيْتُهُ
لَوْ كَانَ يُشْرَى الْمَوْتُ لَاشْتَرَيْتُهُ

 

♦ جمع الحارث بن كعب بَنِيه حين حضرتْه الوفاةُ، فقال: يا بَنِيّ، عليكم بهذا المال، فاطلبوه أجملَ الطلب، ثم اصرفوه في أجملِ مذهب، فصِلُوا به الأرحام، واصطنعوا منه الأقوام، واجعلوه جُنَّةً لأعراضكم، تحسن في الناس قالتُكم، فإنَّ بذلَه تمام الشرف، وثباتُ المروءة، وإنه ليُسوِّد غيرَ السيِّد، ومؤيد غير الأيِّد، حتى يكونَ عند الناس نبيلاً نبيهًا، وفي أعينهم مهيبًا، ومَن اكتسب مالاً فلم يَصِل به رَحِمًا، ولم يُعطِ منه سائلاً، ولم يضمن به عِرْضًا، بحث الناس عن أصْله، فإن كان مدخولاً هرتوه وهتكوه، وإن لم يكن مدخولاً ألْزمُوه دَنيَّة، وأكسبوه عرقًا لئيمًا، حتى يهجنوه به، وقال لابنه أشعث وهو يُوصيه:

أَبُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ يَوْمًا هَالِكٌ
فَاحْفَظْ أَبَاكَ رِيَاسَةً وَتَقُلُّبَا
وَإِذَا لَقِيتَ كَتِيبَةً فَتَقَدَّمَنْ
إِنَّ الْمُقَدَّمَ لاَ يَكُونُ الْأَخْيَبَا
تَلْقَى الرِّيَاسَةَ أَوْ تَمُوتَ بِطَعْنَةٍ
وَالْمَوْتُ يَأْتِي مَنْ نَأَى وَتَجَنَّبَا

 

♦ قال سحبان وائل: إنَّ الدنيا دارُ بلاغ، والآخرة دار قرار، أيُّها الناس، فخُذوا من دار ممرِّكم لدار مقرِّكم، ولا تهتكوا أستارَكم عندَ من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبَكم قبل أن تخرج منها أبدانُكم، ففيها حييتم، ولغيرها خُلِقتم.

 

♦ كتب عبدالحميد بن يحيى الكاتب المقتول سنة 132هـ إلى أهله وهو منهَزِم مع مرْوان بن محمد - آخِر ملوك بني أُمية-:

 

أما بعد:

فإنَّ الله - تعالى - جعل الدنيا محفوفةً بالكُره والسرور، فمَن ساعده الحظُّ فيها سكَن إليها، ومَن عضتْه بنابِها ذمَّها ساخطًا عليها، وشكاها مستزيدًا لها.

 

وقد كانتْ أذاقتْنا أفاويق استحليناها، ثم جمحتْ بنا فاخرةً، ورمحتنا مولية، فمَلُح عذبُها، وخَشُن لينُها، فأبعدتنا من الأوطان، وفرقتنا عن الإخوان، فالدار نازحة، والطير بارحة، وقد كتبتُ والأيام تزيدنا منكم بُعدًا، وإليكم وَجْدًا، فإن تتمَّ البلية إلى أقْصى مدتها يكن آخِر العهد بكم وبنا، وإن يلحقنا ظفر جارِح من أظفار مَن يليكم نرجعْ إليكم بذُلِّ الإسار، والذلُّ شرُّ جار نسأل الله الذي يُعزُّ مَن يشاء، ويُذلُّ مَن يشاء أن يهبَ لنا ولكم أُلْفةً جامعة، في دار آمنة، تجمع سلامة الأبدان والأديان، فإنَّه رب العالمين، وأرحم الراحمين.

 

♦ قال حكيم لبَنيه: يا بَنيّ، إيَّاكم والجزعَ عند المصائب، فإنه مجلبةٌ للهمّ، وسوء ظنٍّ بالربّ، وشماتة للعدوّ، وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترِّين، ولها آمنين، فإني والله ما سخرتُ من شيء إلا نَزَل بي مثلُه، فاحذروها وتوقعوها.

 

فإنما الإنسان في الدنيا غرَضٌ تتعاوره السهام، فمجاز له ومقصر عنه، وواقع عن يمينه وشماله، حتى يصيبَه بعضُها.

 

واعلموا أنَّ لكل شيء جزاءً، ولكلِّ عمل ثوابًا، وقد قالوا: كما تَدِين تُدان، ومن برَّ يومًا بُرَّ بِه.

 

♦ أوْصَى قيس بن عاصِم بنيه، فقال: يا بَنيّ، احفظوا عنِّي، فلا أحدَ أنصحُ لكم مني، إذا متُّ فسَوِّدوا كباركم، وعليكم باستصلاح المال، فإنه منبهة للكريم، ويُسْتغنى به عن اللئيم، وإيَّاكم ومسألةَ الناس، فإنها آخِرُ كسب الرجل.

 

دعاء:

اللهمَّ وفِّقْنا لِمَا يُرضيك، وجنِّبْنا ما يُسخِطك، ولا تجعل حياتَنا سبهللاً، وأعمالنا هباءً، اللهمَّ ارزقْنا حلاوةَ الإيمان، وثباتَ اليقين، وأعنَّا على أنفسنا وأهوائنا، واختمْ لنا بخير، إنَّك سميعُ الدعاء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ورحلت واقفاً أيها السعيد
  • أعبد الناس
  • من الناس

مختارات من الشبكة

  • المداراة مع الناس وقول النبي عليه الصلاة والسلام شر الناس من تركه الناس اتقاء شره(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة إن السعيد لمن جنب الفتن(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خطبة عيد الفطر السعيد (1445 هـ) معنى الفرح بالعيد، وإسداء النصح للعبيد(مقالة - ملفات خاصة)
  • مخطوطة الطالع السعيد في فضائل العيد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • دليل المتقاعد السعيد: مقتطفات من ورشة عمل - منتدى فهد العوهلي - عنيزة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تجهيز المتقاعدين والمتقاعدات للتقاعد السعيد(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مقومات البيت السعيد (باللغة الإنجليزية) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقومات البيت السعيد (باللغة التاميلية) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقومات البيت السعيد (باللغة الإسبانية) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقومات البيت السعيد (PDF) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب