• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   برنامج نور على الدرب   قالوا عن الشيخ زيد الفياض   مواد مترجمة   عروض الكتب  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إقليم سدير في التاريخ (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نظرات في الشريعة (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قاهر الصليبيين: صلاح الدين الأيوبي (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    القاضي إياس بن معاوية (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    نصائح العلماء للسلاطين والأمراء (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    في سبيل الإسلام (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    حقيقة الدروز (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    فصول في الدين والأدب والاجتماع (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    مؤتفكات متصوف (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    قضية فلسطين (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    من كل صوب (PDF)
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
  •  
    عرض كتاب " العلم والعلماء " للعلامة زيد الفياض
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    عرض كتاب: دفاع عن معاوية للدكتور زيد عبدالعزيز ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    آثار العلامة الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض رحمه ...
    دار الألوكة للنشر
  •  
    واجب المسلمين في نشر الإسلام.. الطبعة الثالثة ...
    الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض / بحوث ودراسات
علامة باركود

جوائز

الشيخ زيد بن عبدالعزيز الفياض


تاريخ الإضافة: 15/8/2010 ميلادي - 5/9/1431 هجري

الزيارات: 20055

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كان أبو جعفر المنصور قد طلب من الإمام مالك أن يضع كتبًا يضمنها ما اجتمع عليه الصَّحابة والأئمة، ويأخذ بالقول الوَسَط من اختلاف العلماء لينشرها في الآفاق، وتُوفي المنصور وولي الخلافة بعده ابنه المهدي، ولما قدم المدينة، سأل مالكًا عما صنع فيما أمره به أبو جعفر، فأتاه بالكتب وهي كتب الموطأ، فأمر المهدي باستنساخها، وقرئت على مالك، فلما أتم قراءتها أَمَر له بأربعة آلاف دينار ولابنه بألف دينار.

 

ومن الجوائز على الشعر ما يلي:

دخل جرير بن عطية الخطفي على عبدالملك بن مروان، فأنشده قصيدته التي أولها:

أَتَصْحُو أَمْ فُؤَادُكَ غَيْرُ صَاحِ
عَشِيَّةَ هَمَّ صَحْبُكَ بِالرَّوَاحِ
تَقُولُ الْعَاذِلاَتُ عَلاَكَ شَيْبٌ
أَهَذَا الشَّيْبُ يَمْنَعُنِي مِزَاحِي
تَعَزَّتْ أُمُّ حَزْرَةَ ثُمَّ قَالَتْ
رَأَيْتُ الْوَارِدِينَ ذَوِي لِقَاحِ
ثِقِي بِاللَّهِ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ
وَمِنْ عِنْدِ الْخَلِيفَةِ بِالنَّجَاحِ
سَأَشْكُرُ أَنْ رَدَدْتَ إِلَيَّ رِيشِي
وَأَنْبَتَّ الْقَوَادِمَ فِي جَنَاحِي
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايَا
وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ

 

قال جرير: فلما انتهيتُ إلى هذا البيت، كان عبدالله متكئًا فاستوى جالسًا، وقال: من مدحنا منكم فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت، ثم التفت إليَّ، وقال: يا جرير، أترى أم حزرة ترويها مائةُ ناقة من نَعَمِ بني كلب؟ قلت: يا أمير المؤمنين، إن لم تروِها، فلا أرواها الله، قال: فأمر لي بها كلها سود الحدق، قلت: يا أمير المؤمنين، نحن مشايخ وليس بأحدنا فضل عن راحلته، والإبل أباق، فلو أمرت لي بالرِّعاء، فأمر لي بثمانية، وكان بين يديه صِحاف من الذهب وبيده قضيب، فقلت: يا أمير المؤمنين، والمحلب؟ وأشرت إلى إحدى الصِّحاف فنبذها إليَّ بالقضيب، وقال: خُذها لا نفعتْكَ.

 

وإلى ذلك يشير جرير بقوله:

أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ تَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ
مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلاَ سَرَفُ

 

وهنيدة: اسم على المائة من الإبل.

 

ولما أنشد أبو تمام محمد بن الهيثم بن شبابة الخراساني قصيدته التي يقول فيها:

جَادَتْ مَعَاهِدَهُمْ عِهَادُ سَحَابَةٍ
مَا عَهْدُهَا عِنْدَ الدِّيَارِ ذَمِيمُ

 

قال: فلما فرغ منها أمر له بألف دينار، وخلع عليه خلعة حسنة، ثم كتب له أبو تمام:

قَدْ كَسَانَا مِنْ كِسْوَةِ الصَّيْفِ خِرْقٌ
مُكْتَسٍ مِنْ مَكَارِمٍ وَمَسَاعِ [1]
حُلَّةً سَابِرِّيَّةً وَرِدَاءً
كَسَحَا الْقَيْضِ أَوْ رِدَاءِ الشُّجَاعِ
كَالسَّرَابِ الرَّقْرَاقِ فِي الْحُسْنِ إِلاَّ
أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ فِي الْخِدَاعِ
قَصَبِيًّا تَسْتَرْجِفُ الرِّيحُ مَتْنَيْ
هِ بِأَمْرٍ مِنَ الْهُبُوبِ مُطَاعِ [2]
رَجْفَانًا كَأَنَّهُ الدَّهْرُ مِنْهُ
كَبِدُ الصَّبِّ أَوْ حَشَا الْمُرْتَاعِ
لاَزِمًا مَا يَلِيهِ تَحْسَبُهُ جُزْ
ءًا مِنَ الْمَتْنَتَيْنِ وَالْأَضْلاَعِ
يَطْرُدُ الْيَوْمَ ذَا الْهَجِيرِ وَلَوْ شُبْ
بِهَ فِي حَرِّهِ بِيَوْمِ الْوَدَاعِ
خِلْعَةً مِنْ أَغَرَّ أَرْوَعَ رَحْبِ الصْ
صَدْرِ رَحْبِ الفُؤَادِ رَحْبِ الذِّرَاعِ
سَوْفَ أَكْسُوكَ مَا يُعَفِّي عَلَيْهَا
مِنْ ثَنَاءٍ كَالْبُرْدِ بُرْدِ الصَّنَاعِ
حُسْنُ هَاتِيكَ فِي الْعُيُونِ وَهَذَا
حُسْنُهُ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ


فقال محمد بن الهيثم: من لا يعطي على هذا ملكه؟ والله لا بقي في داري ثوب إلا دفعته إلى أبي تمام، فأمر له بكل ثوب يَملكه في ذلك الوقت.

 

قيل: لما استخلف عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - وفد الشعراء إليه، وأقاموا ببابه أيامًا لا يؤذن لهم، فبينما هم كذلك إذ مرَّ بهم رجاء بن حيوة وكان جليس عمر، فلما رآه جرير داخلاً قام إليه وأنشده:

يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُرْخِي عِمَامَتَهُ
هَذَا زَمَانُكَ فَاسْتَأْذِنْ لَنَا عُمَرَا

 

فدخل عليه ولم يذكر له شيئًا من أمرهم، ثم مر بهم عدي بن أرطاة، فقال جرير أبياتًا آخرها قوله:

لاَ تَنْسَ حَاجَتَنَا لَاقَيْتَ مَغْفِرَةً
قَدْ طَالَ مُكْثِيَ عَنْ أَهْلِي وَأَوْطَانِي

 

قال: فدخل عدي على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي ما لي وللشعراء؟ قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امتُدح وأعطى، ولك في رسول الله أسوة حسنة، قال: كيف؟ قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي، فأعطاه حلة فقطع بها لسانه، قال: أوَتروي من قوله شيئًا؟ قال: نعم، قوله:

رَأَيْتُكَ خَيْرًا لِلْبَرِيَّةِ كُلِّهَا
نَشَرْتَ كِتَابًا جَاءَ بِالْحَقِّ مُعْلِمَا
شَرَعْتَ لَنَا دِينَ الْهُدَى بَعْدَ جَوْرِنَا
عَنِ الْحَقِّ لَمَّا أَصْبَحَ الحقُّ مُظْلِمَا
وَنَوَّرْتَ بِالْبُرْهَانِ أَمْرًا مُدَمَّسًا
وَأَطْفَأْتَ بِالْإِسْلاَمِ نَارًا مُضَرَّمَا
فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي النَّبِيَّ مُحَمَّدًا
وُكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِمَا كَانَ قَدَّمَا
أَقَمْتَ سَبِيلَ الْحَقِّ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ
وَكَانَ قَدِيمًا رُكْنُهُ قَدْ تَهَدَّمَا

 

فقال عمر: ويلك يا عدي، من بالباب منهم؟ قال: عمر بن أبي ربيعة، قال: أليس هو الذي يقول:

ثُمَّ نَبَّهْتُهَا فَمَدَّتْ كِعَابًا
طفْلَةً مَا تُبِينُ رَجْعَ الْكَلاَمِ
سَاعَةً ثُمَّ إِنَّهَا بَعْدُ قَالَتْ
وَيْلَتَا قَدْ عَجِلْتَ يَا ابْنَ الْكِرَامِ

 

فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه، لكان أستر له، لا يدخل والله عليَّ أبدًا، فمن بالباب سواه، قال: الفرزدق، قال: أَوَليس الذي يقول:

هُمَا دَلَّتَانِي مِنْ ثَمَانِينَ قَامَةً
كَمَا انْقَضَّ بَازٍ أَقْتَمُ الرِّيشِ كَاسِرُهْ
فَلَمَّا اسْتَوَتْ رِجْلاَيَ فِي الْأَرْضِ قَالَتَا
أَحَيٌّ فَيُرْجَى أَمْ قَتِيلٌ نُحَاذِرُه

 

لا يدخل عليَّ والله، فمن بالباب سواه، قال الأخطل، قال: يا عدي هو الذي يقول:

وَلَسْتُ بِصَائِمٍ رَمَضَانَ طَوْعًا
وَلَسْتُ بِآكِلٍ لَحْمَ الْأَضَاحِي
وَلَسْتُ بِزَاجِرٍ عَنْسًا بِكُورٍ
إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ لِلنَّجَاحِ
وَلَسْتُ بِزَائِرٍ بَيْتًا عَتِيقًا
بِمَكَّةَ أَبْتَغِي فِيهِ صَلاَحِي
وَلَكِنِّي سَأَشْرَبُهَا شَمُولاً
وَأَسْجُدُ عِنْدَ مُنْبَلَجِ الصَّبَاحِ

 

والله لا يدخل عليَّ وهو كافر أبدًا، فمن بالباب سوى من ذكرت؟ قال: الأحوص، قال: أليس الذي يقول:

اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ سَيِّدِهَا
يَفِرُّ عَنِّي بِهَا وَأَتْبَعُهُ

 

فما هو دون مَن ذكرت، فمن هنا أيضًا؟ قال: جميلُ بن معمر، قال: أليس هو الذي يقول:

أَلاَ لَيْتَنَا نَحْيَا جَمِيعًا وَإِنْ أَمُتْ
يُوَافِقُ فِي الْمَوْتَى ضَرِيحِي ضَرِيحَهَا

 

فلو كان عدوُّ الله تمنى لقاءَها في الدُّنيا ليعمل بعد ذلك صالحًا لكان أصلح، والله لا يدخل علي أبدًا، فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال: جرير: قال: أما هو الذي يقول:

طَرَقَتْكِ صَائِدَةُ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ ذَا
وَقْتَ الزِّيَارَةِ فَارْجِعِي بِسَلاَمِ

 

فإن كان ولا بد فهو الذي يدخل، فلما مَثُلَ بين يديه، قال: يا جرير، اتَّقِ الله، ولا تقل إلا حقًّا، فأنشده قصيدته الرائية المشهورة التي منها:

إِنَّا لَنَرْجُو إِذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا
مِنَ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُو مِنَ الْمَطَرِ
نَالَ الْخِلاَفَةَ إِذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا
كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
هَذِي الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَيْتَ حَاجَتَهَا
فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ
الْخَيْرُ مَا دُمْتَ حَيًّا لاَ يُفَارِقُنَا
بُورِكْتَ يَا عُمَرَ الْخَيْرَاتِ مِنْ عُمَرِ

 

فقال: يا جرير، ما أرى لك فيما ها هنا حقًّا، قال: بلى يا أمير المؤمنين، إنِّي ابن سبيل ومنقطع، فقال له: ويْحك يا جرير، قد ولينا هذا الأمر ولا نَملك إلا ثلاثمائة درهم، فمائة أخذها عبدالله، ومائة أخذتها أم عبدالله، يا غلام، أعطه المائة الباقية، قال: فأخذها جرير، وقال: والله لهي أحبُّ مالٍ اكتسبته، ثم خرج، فقال الشعراءُ: ما وراءَك؟ فقال: ما يسوءكم، خرجت من عند خليفة يُعطي الفقراء ويَمنع الشعراء، وإنِّي عليه لراضٍ، وأنشد:

رَأَيْتُ رُقَى الشَّيْطَانِ لاَ تَسْتَفِزُّهُ
وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الْجِنِّ رَاقيًا [3]

 

اتَّفق في بعض الأحيان أنَّ المهدي استدعى الشُّعراء إلى مجلسه، وكان فيهم أبو العتاهية وبشار بن بُرد الأعمى، فسمع صوتَ أبي العتاهية، فقال بَشَّار لجليسه: أثَمَّ ها هنا أبو العتاهية؟ قال: نعم، فانطلق يذكر قصيدته التي أولها:

أَلاَ مَا لِسَيِّدَتِي مَا لَهَا
أَدَلَّتْ فَأَحْمِلَ إِدْلاَلَهَا

 

فقال بشار لجليسه: ما رأيت أجسر من هذا، حتى انتهى أبو العتاهية إلى قوله:

أَتَتْهُ الْخِلاَفَةُ مُنْقَادَةً
إِلَيْهِ تُجَرِّرُ أَذْيَالَهَا
فَلَمْ تَكُ تَصْلُحُ إِلاَّ لَهُ
وَلَمْ يَكُ يَصْلُحُ إِلاَّ لَهَا
وَلَوْ رَامَهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ
لَزُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا
وَلَوْ لَمْ تُطِعْهُ بَنَاتُ الْقُلُوبِ
لَمَا قَبِلَ اللَّهُ أَعْمَالَهَا

 

فقال بشار لجليسه: انظر أطار الخليفة عن فراشه أم لا؟ قال: فوالله ما خرج أحد من الشعراء يومئذ بجائزة غيره[4].

 

قال سلم الخاسر يَمدح الربيع لما أخذ البيعة للمهدي:

يَا ابْنَ الَّذِي جَبَرَ الْإِسْلاَمَ يَوْمَ وَهَى
وَاسْتَنْقَذَ النَّاسَ مِنْ عَمْيَاءَ صَيْخُودِ
قَالَتْ قُرَيْشٌ غَدَاةَ انْهَاضَ مُلْكُهُمُ
يَا ابْنَ الرَّبِيعِ وَأَعْطَوْا بِالْمَقَالِيدِ
فَقَامَ بِالْأَمْرِ مِئْنَاسٌ بِوَحْدَتِهِ
مَاضِي الْعَزِيمَةِ ضَرَّابُ الْقَمَاحِيدِ
إِنَّ الْأُمُورَ إِذَا ضَاقَتْ مَسَالِكُهَا
حَلَّتْ يَدُ الْفَضْلِ مِنْهَا كُلَّ مَعْقُودِ
إِنَّ الرَّبِيعَ وَإِنَّ الْفَضْلَ قَدْ بَنَيَا
رُوَاقَ مَجْدٍ عَلَى الْعَبَّاسِ مَمْدُودِ

 

فوهب له الفضل خمسة آلاف دينار.

 

ولما عقد الرشيد البيعة لابنه محمد الأمين أنشد سلم:

قَدْ بَايَعَ الثَّقَلاَنِ فِي مَهْدِ الْهُدَى
لِمُحَمَّدِ بْنِ زُبَيْدَةَ ابْنَةِ جَعْفَرِ
وَلَّيْتَهُ عَهْدَ الْأَنَامِ وَأَمْرَهُمْ
فَدَمَغْتَ بِالْمَعْرُوفِ رَأْسَ الْمُنْكَرِ

 

فأعطته زبيدة مائة ألف درهم.

 

ولما قال سلم في المهدي قصيدته التي يقول فيها:

لَهُ شِيمَةٌ عِنْدَ بَذْلِ الْعَطَا
ءِ لاَ يَعْرِفُ النَّاسُ مِقْدَارَهَا
وَمَهْدِيُّ أُمَّتِنَا وَالَّذِي
حَمَاهَا وَأَدْرَكَ أَوْتَارَهَا

 

فأمر له المهدي بخمسين ألف درهم.

 

وقال منصور بن أبي مزاحم: شهدت المهدي، وقد أمر لمروان بن أبي حفصة بأربعين ألف درهم، وفرض له على أهل بيته وجلسائه ثلاثين ألف درهم، وأمر الرشيد بعد ذلك لما ولي الخلافة لسلم الخاسر، وقد مدحه، بسبعين ألف درهم، قال له: يا أمير المؤمنين، إن أكثر ما أعطى المهدي مروان سبعون ألف درهم، فزدني وفضلني عليه، ففعل ذلك وأعطاه تتمة ثمانين ألف درهم، فقال سلم:

أَلاَ قُلْ لِمَرْوَانٍ أَتَتْكَ رِسَالَةٌ
لَهَا نَبَأٌ لاَ يَنْثَنِي عَنْ لِقَائِكَا
حَبَانِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِنَفْحَةٍ
مُشَهَّرَةٍ قَدْ طَأْطَأَتْ مِنْ حِبَائِكَا
ثَمَانِينَ أَلْفًا حُزْتُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ
وَلَمْ يَكُ قِسْمًا مِنْ أُولِي وَأُولاَئِكَا

 

فأجابه مروان فقال:

أَسَلْمَ بْنَ عَمْرٍو قَدْ تَعَاطَيْتَ غَايَةً
تُقَصِّرُ عَنْهَا بَعْدَ طُولِ عَنَائِكَا
فَأُقْسِمُ لَوْلاَ ابْنُ الرَّبِيعِ وَرِفْدُهُ
لَمَا ابْتَلَّتِ الدَّلْوُ الَّتِي فِي رِشَائِكَا
فَمَا نِلْتَ مُذْ صُوِّرْتَ إِلاَّ عَطِيَّةً
تَقُومُ بِهَا مَصْرُورَةً فِي رِدَائِكَا

 

وحدث في أيام الرشيد أمرٌ، فاحتاج فيه إلى الرأي فأشكل، وكان الفضل بن يحيى غائبًا، فورد في ذلك الوقت فأخبره بالقصة، فأشار بالرأي في وقته وأنفذه الأمر على مشورته.

 

فدخل عليه سلم الخاسر فأنشده:

بَدِيهَتُهُ وَفِكْرَتُهُ سَوَاءٌ
إِذَا مَا نَابَهُ الْخَطْبُ الْكَبِيرُ
وَأَحْزَمُ مَا يَكُونُ الدَّهْرَ رَأْيًا
إِذَا عَيَّ الْمُشَاوِرُ وَالْمُشِيرُ

 

فأمر له بعشرة آلاف درهم.

 

ولما أنشد سلم الخاسر الرشيد قصيدته فيه:

حَضَرَ الرَّحِيلُ وَشُدَّتِ الْأَحْدَاجُ، أمر له بمائة ألف[5].

 

ربيعة بن ثابت بن لجاء الأسدي أبو شبانة، من أهل الرقة كان شاعرًا ضريرًا يلقب بالغاوي، أشخصه المهدي إليه فمدحه بعدة قصائد، وأثابه عليها ثوابًا كثيرًا، وهو الذي يقول في العباس بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس قصيدته التي لم يُسْبَق إليها حُسنًا، منها:

لَوْ قِيلَ لِلْعَبَّاسِ يَا ابْنَ مُحَمَّدٍ
قُلْ لاَ وَأَنْتَ مُخَلَّدٌ مَا قَالَهَا
مَا إِنْ أَعُدُّ مِنَ الْمَكَارِمِ خَصْلَةً
إِلاَّ وَجَدْتُكَ عَمَّهَا أَوْ خَالَهَا
وَإِذَا الْمُلُوكُ تَسَايَرُوا فِي بَلْدَةٍ
كَانُوا كَوَاكِبَهَا وَكُنْتَ هِلاَلَهَا
إِنَّ الْمَكَارِمَ لَمْ تَزَلْ مَعْقُولَةً
حَتَّى حَلَلْتَ بَرَاحَتَيْكَ عِقَالَهَا

 

ولما مدحه بهذه القصيدة بعث إليه بدينارين، فقال:

مَدَحْتُكَ مِدْحَةَ السَّيْفِ الْمُحَلَّى
لِتَجْرِيَ فِي الْكِرَامِ كَمَا جَرَيْتُ
فَهَبْهَا مِدْحَةً ذَهَبَتْ ضَيَاعًا
كَذَبْتُ عَلَيْكَ فِيهَا وَافْتَرَيْتُ
فَأَنْتَ الْمَرْءُ لَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ
كَأَنِّي إِذْ مَدَحْتُكَ قَدْ رَثَيْتُ

 

فلما وقف عليها العباس، غضب وتوجه إلى الرشيد وكان عظيمًا، فقال: إنَّ ربيعة الرقي قد هجاني، فأحضره الرشيد وهَمَّ بقَتْله، فقال: يا أمير المؤمنين، مُره بإحضار القصيدة فأحضرها، فلما رآها استحسنها، وقال: والله ما قال أحدٌ في الخلفاء مثلَها، فكم أثابك؟ قال: دينارين، فغضب الرشيد على العباس، وقال: يا غلام، أعطِ ربيعةَ ثلاثين ألف درهم وخلعة، واحمله على بغلة، وقال له: لا تذكره في شعرك لا تعريضًا ولا تصريحًا، وكان الرَّشيد قد هَمَّ بأن يزوج العباسَ ابنته، ففتر عنه بعد ذلك[6].

 

المؤمل بن أميل المحاري الكوفي الضرير المتوفى سنة 190هـ تقريبًا، كان شاعرًا مجيدًا، مدح المهديَّ مرة فأجازه ألف دينار، وقد كان مدح المهدي وهو ولي عهد، فأمر له بعشرين ألف درهم، فبلغ المنصور ذلك، فكتب إليه يلومه، وقال: إنَّما كان ينبغي أن تعطيَه أربعة آلاف درهم بعد أن يقيم ببابك سنة.

 

وأجلس قائدًا من قواده على جسر النَّهروان يتصفح وجوهَ الناس حتى مرَّ به المؤمل بن أميل، فأخذه ودخل به على المنصور فسلم، فقال: من أنت؟ قال: المؤمل بن أميل، قال: أتيت إلى غلام رغب خدعته؟ قال: نعم أصلح الله أمير المؤمنين، أتيت غلامًا كريمًا فخدعته فانخدع، فكأن ذلك أعجب المنصور، فقال: أنشدني ما قلت فيه، فأنشده القصيدة التي منها:

هُوَ الْمَهْدِيُّ إِلاَّ أَنَّ فِيهِ
مُشَابَهَةٌ مِنَ الْقَمَرِ الْمُنِيرِ
تَشَابَهَ ذَا وَذَا فَهُمَا إِذَا مَا
أَنَارَا مُشْكِلاَنِ عَلَى الْبَصِيرِ
فَهَذَا فِي الظَّلاَمِ سِرَاجُ لَيْلٍ
وَهَذَا فِي النَّهَارِ ضِيَاءُ نُورِ
وَلَكِنْ فَضَّلَ الرَّحْمَنُ هَذَا
عَلَى ذَا بِالْمَنَابِرِ وَالسَّرِيرِ
وَبِالْمُلْكِ الْعَزِيزِ فَذَا أَمِيرٌ
وَمَا ذَا بِالْأَمِيرِ وَلاَ الْوَزِيرِ
وَبَعْضُ الشَّهْرِ يَنْقُصُ ذَا وَهَذَا
مُنِيرٌ عِنْدَ نُقْصَانِ الشُّهُورِ

 

فقال: والله أحسنت ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم، فأين المال؟ فقال: هو ذا، فقال: يا ربيع، امضِ معه فأعطه أربعة آلاف درهم وخذِ الباقي، ففعل فلما تولى المهديُّ رفع المؤمل رقعة ذكر فيها واقعته، فضحك، وقال: رُدُّوا إليه عشرين ألف درهم فردت.

 

روى هشام بن سليمان المخزومي عن أبيه قال: أذن مُعاوية للناس يومًا فدخلوا عليه، فاحتفل المجلس وهو على سريره، فأجال بصره فيهم، فقال: أنشدوني لقدماء العرب ثلاثة أبيات جامعة من أجمع ما قالتها العرب، ثم قال: يا أبا خبيب، فقال: مهيم، قال: أنشد ذلك، فقال: نعم يا أمير المؤمنين بثلاثمائة ألف، كل بيت بمائة ألف، قال: نعم: إن ساوت، قال: أنت بالخيار وأنت وافٍ كافٍ، فأنشده للأفوه الأزدي:

بَلَوْتُ النَّاسَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ
فَلَمْ أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالِ

 

فقال معاوية: صدق.

وَلَمْ أَرَ فِي الْخُطُوبِ أَشَدَّ وَقْعًا
وَكَيْدًا مِنْ مُعَادَاةِ الرِّجَالِ

 

فقال معاوية: صدق.

وَذُقْتُ مَرَارَةَ الْأَشْيَاءِ طُرًّا
فَمَا شَيْءٌ أَمَرُّ مِنَ السُّؤَالِ

 

ثم قال معاوية: هيه يا أبا خبيب، قال: إلى ها هنا انتهى، فدعا معاوية بثلاثين عبدًا على عنق كل واحد منهم بدرة وهي عشرة آلاف درهم، فمروا بين يدي ابن الزُّبير حتى انتهوا إلى داره.

 

ولما أنشد أبو تمام أبا دلف العجلي قصيدته البائية المشهورة التي أولها:

عَلَى مِثْلِهَا مِنْ أَرْبُعٍ وَمَلاَعِبِ
أُذِيلَتْ مَصُونَاتُ الدُّمُوعِ السَّوَاكِبِ

 

استحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم، وقال: والله، إنَّها لدونَ شِعرك، ثم قال له: والله، ما مثل هذا القول في الحسن إلا ما رثيت به محمد بن حميد الطوسي، فقال أبو تمام: وأي ذلك أراد الأمير؟ قال: قصيدتك الرائية التي أولها:

كَذَا فَلْيَجِلَّ الْخَطْبُ وَلْيَفْدَحِ الْأَمْرُ
فَلَيْسَ لِعَيْنٍ لَمْ يَفِضْ مَاؤُهَا عُذْرُ

 

وددت والله أنَّها لك فيَّ، فقال: بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدم قبله، فقال: إنه لم يَمت من رُثِي بمثل هذا الشعر.

 

مدح الشاعر بكر بن النطاع أبا دلف العجلي، فقال:

يَا طَالِبًا لِلْكِيمِيَاءِ وَعِلْمِهِ
مَدْحُ ابْنِ عِيسَى الْكِيمِيَاءَ الْأَعْظَمُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ دِرْهَمٌ
وَمَدَحْتُهُ لَأَتَاكَ ذَاكَ الدِّرْهَمُ

 

فيقال: إنه أعطاه عشرة آلاف درهم؛ مكافأة له على هذين البيتين.

 

كان أبو دلف من الكرماء الشجعان، ولي دمشق في خلافة المعتصم، وقد أكثر الشعراء في مدحه، ومدحه بعض الشعراء فقال:

أَبَا دُلَفٍ إِنَّ الْمَكَارِمَ لَمْ تَزَلْ
مُغَلَّفَةً تَشْكُو إِلَى اللَّهِ حَلَّهَا
فَبَشَّرَهَا رَبِّي بِمِيلاَدِ قَاسِمٍ
فَأَرْسَلَ جِبْرِيلاً إِلَيْهَا فَحَلَّهَا

 

فأمر له بمال، فقال الخازن: لم يكن هذا القدر ببيت المال، فأمر له بضعفه، فقال: هذا غير ممكن، فأمر له بضعفه، فلما حمل إليه المال، قال أبو دلف:

أَتَعْجَبُ إِنْ رَأَيْتَ عَلَيَّ دَيْنًا
وَإِنْ ذَهَبَ الطَّرِيفُ مَعَ التِّلاَدِ
وَمَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةُ مَالٍ
وَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْجَوَادِ [7]

 

وقال آخر:

إِنْ سَارَ سَارَ الْمَجْدُ أَوْ حَلَّ وَقَفْ
انْظُرْ بِعَيْنَيْكَ إِلَى أَسْنَى الشَّرَفْ
هَلْ نَالَهُ بِقُدْرَةٍ أَوْ بِكَلَفْ
خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ سِوَى أَبِي دُلَفْ

 

فأعطاه خمسين ألف درهم[8].

 

وفيه يقول العكوك بن علي بن جبلة:

إِنَّمَا الدُّنْيَا أَبُو دُلَفٍ
بَيْنَ بَادِيهِ وَمُحْتَضَرِهْ
فَإِذَا وَلَّى أَبُو دُلَفٍ
وَلَّتِ الدُّنْيَا عَلَى أَثَرِهْ
كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ عَرَبٍ
بَيْنَ بَادِيهِ إِلَى حَضَرِهْ
مُسْتَعِيرٌ مِنْكَ مَكْرُمَةً
يَكْتَسِيهَا يَوْمَ مُفْتَخَرِهْ

 

فأعطاه أبو دلف مائة ألف درهم[9].

 

قيل: إن خالد بن عبدالله القسري كان جالسًا في مظلة، إذ نظر إلى أعرابي يخب على بعيره مقبلاً نحوه، فقال لحاجبه: إذا قدم لا تحجبه، فلما قدم أدخله، فسلم فقال:

أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَلَّ مَا بِيَدِي
فَمَا أُطِيقُ الْعِيَالَ إِذْ كَثُرُوا
أَنَاخَ دَهْرٌ رَمَى بِكَلْكَلِهِ
فَأَرْسَلُونِي إِلَيْكَ وَانْتَظَرُوا

 

فقال خالد: إذا أرسلوك إلي وانتظروا، والله لتعودن إليهم بما يَسُرُّهم، فأمر له بجائزة عظيمة وكسوة شريفة[10].

 

حكى صاحب "العقد الفريد" قال: دخل أبو دارة على عدي بن حاتم، فقال: إنِّي مدحتك، قال: أمسك حتى آتيك بمال؛ فإنِّي أكره أن أعطيك ثمن ما تقول، هذه ألف شاة وألف درهم وثلاثة أعبُد وثلاث إماء، وفرسي هذا حبس في سبيل الله، فامدحني على حسب ما أجزْتُك[11].

 

حينما التقى أبو الطيب المتنبي بالأمير سيف الدولة ابن حمدان لأول مرة، ورغب الأمير في أن يمدحه أبو الطيب، فاشترط عليه المتنبي أن لا ينشده وهو واقف، وأن لا يقبل الأرض بين يديه، فقبل سيف الدولة شَرْطه، وكان ذلك مما تميز به أبو الطيب عن الشعراء الذين يمدحون سيف الدولة، ونال عنده حُظْوة وتقدمًا لم ينلهما غيره؛ مما أغرى الشعراء بحسده وعمل المكايد له.

 

وصحب المتنبي سيف الدولة ثماني سنين، مدحه خلالها بثمانٍ وثلاثين قصيدة، وإحدى وثلاثين قطعة، ثم مدحه بقصيدتين وعزاه عن أخته، وكان سيف الدولة يغدق على أبي الطيب ويستحثه على الإسراع في مدحه، ويغتم إذا تأخَّر المتنبي عن إنشاده.

 

وقد كان في المتنبي علوُّ همة وترفُّع وكبرياء، وشديد العنف في انتقاصه لشراء وقته، حتى غمز أبا فراس مع ما له من قرابة ومكانة لدى سيف الدولة.

 

ولما أنشد المتنبي سيف الدولة قصيدته التي أولها:

وَاحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بِحَالِي وَجِسْمِي عِنْدَهُ سَقَمُ

 

ثارت عليه حاشية الأمير وكادوا يفتكون به، ولم يكدْ يفلت منهم.

 

وقال أبو فراس لسيف الدَّولة مرة: إن هذا المتشدق كثير الإدلال عليك، وأنت تعطيه كلَّ سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث قصائد، ويمكن أن تغدق مائتي دينار على عشرين شاعرًا يأتونك بما هو خير من شعره.

 

ولقد أثرت دسائس الحاسدين في التفريق بين سيف الدولة وأبي الطيب، ثم رحل المتنبي إلى مصر، ثم فارق كافورًا بعد أنْ وجد وَعْدَه سرابًا، وعاد إلى العراق.

 

لقد كان سيف الدولة يعرف للمتنبي فضلَه وأدبَه، وما يَمتاز به شعره من قدر يتقاصر دونه الشعراء المنافسون له، فحينما حصل لأبي الطيب ما حصل بعد إنشاده القصيدة الميميَّة المشار إليها آنفًا، وأوشك على الهلاك، ظل متخفيًا تسعة عشر يومًا، وراسل الأمير، فأنكر أن يكون أراده بسوء، ثم بعث إليه الشاعر الأبيات التي مطلعها:

أَلاَ مَا لِسَيْفِ الدَّوْلَةِ الْيَوْمَ عَاتِبًا
فَدَاهُ الْوَرَى أَمْضَى السُّيُوفِ مَضَارِبًا

 

ودخل على الأمير، فخلع عليه، ورحب به، وسأله عن حاله، فقال: رأيت الموت عندك أحب من الحياة عند غيرك، فقال الأمير: بل يطيل الله بقاءَك، ثم ركب الشاعر وأتبعه الأمير بالهدايا، فقال القصيدة:

أَجَابَ دَمْعِي وَمَا الدَّاعِي سِوَى طَلَلٍ
دَعَا فَلَبَّاهُ قَبْلَ الرَّكْبِ وَالْإِبِلِ

 

وكان الملوك والوزراء والكبراء يتمنَّون أن يَمدحهم أبو الطيب، ويسعون لذلك بكل وسيلة، ولكنَّ أبا الطيب شديد المراس، عزيز النفس، فهو كما يقول - مخاطبًا ابن العميد عندما طلب منه أن يقصد عَضُدَ الدولة ويشيد به -: يأتي مَلقِي من هؤلاء الملوك، أقصد الواحدَ بعد الواحد، وأُملِّكُهم شيئًا يبقى ببقاء النيِّرَيْن، ويُعطونني عَرَضًا فانيًا.

 

وعندما ذهب أبو الطيِّب لملاقاة الوزير ابن العميد الأديب الفاضل، وقف بظاهر البلد وأرسل أحدَ غِلمانه إليْه، فقال الغلام: مولاي خارج البلد، فثار من مضجعِه، ثمَّ أمر حاجبه باستِقْباله، فركب واسترْكب مَن لقيه في الطريق، فتلقَّوا الشَّاعر، وقضَوا حقَّه، وأدخلوه البلد، فدخل على أبي الفضْل ابن العميد، فقام له وطُرح له كرسي عليه وسادة ديباج، وقال أبو الفضل: كنت مشتاقًا إليْك يا أبا الطيّب.

 

مدحه وأعطاه الجوائز.

 

ثمَّ ذهب أبو الطيب إلى عضد الدولة ابن بويه، فلما كان على أربعة فراسخ من شيراز، استقبله ممثل عن عضد الدولة، ولمَّا دخل البلد أنزل دارًا مفروشة، ثم مدح عضد الدولة بمدائح، فأجزل له الهبات والجوائز والخلع، حتَّى قدِّرت صِلاته له بأكثر من مائتي ألف درهم.

 

لم يجتمع عند باب أحد من الملوك بعد الخلفاء من فطاحل العلماء، وكبار الشعراء والأدباء ما اجتمع عند باب سيف الدولة، وكان يقربهم ويجزل صلاتهم.

 

قصد أبو الطيب بلاد فارس ومدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي، فأجزل جائزته، ولما رجع من عنده قاصدًا الكوفة، عرض له فاتك بن أبي الجهل الأسدي في عدَّة من أصحابه، وكان مع المتنبي جماعة من أصحابه فقاتلوهم، ولمَّا شعر أبو الطيب بالغلبة لعدوِّه، أراد الفرار، فقال له غلامه: مفلح لا ينجد.

 

روى ياقوت في "معجم الأدباء" أن المتنبي لما مدح محمد بن زريق الطرسوسي بقصيدته:

هَذِي بَرَزْتِ لَنَا فَهِجْتِ رَسِيسَا
ثُمَّ انْثَنَيْتِ وَمَا شَفَيْتِ نَسِيسَا

 

وصلَه عليها بعشرة دراهم، فقيل له: إنَّ شعره حسن، فقال: ما أدري أحسن هو أم قبيح، ولكن أزيدُه لقولك هذا عشرةَ دراهم، فكانت صلته عليها عشرين درهمًا.

 

وروى الثعالبي أن عليَّ بن منصور الحاجب أعطى أبا الطيب دينارًا حينما مدحه بقصيدته:

بِأَبِي الشُّمُوسُ الجَانِحَاتُ غَوَارِبَا
اللاَّبِسَاتُ مِنَ الحَرِيرِ جَلابِبَا

 

فسُمِّيت القصيدة الديناريَّة.

 

قال أبو بكر الحسن بن علي المعروف بابن العلاف الضَّرير الشَّاعر: بتّ ليلةً في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه، فأتانا خادم ليلاً فقال: أمير المؤمنين يقول: أرقت الليلة بعد انصرافكم، فقلت:

وَلَمَّا انْتَبَهْنَا لِلخَيَالِ الَّذِي سَرَى
إِذَا الدَّارُ قَفْرٌ وَالمَزَارُ بَعِيدُ

 

وقد أرتج عليَّ تمامه فمَن أجازه بما يوافق غرضي أمرتُ له بجائزة، قال: فأُرْتِج على الجماعة، وكلّهم شاعر فاضل، فابتدرتُ وقلت:

فَقُلْتُ لِعَيْنِي عَاوِدِي النَّوْمَ وَاهْجَعِي
لَعَلَّ خَيَالاً طَارِقًا سَيَعُودُ

 

فرجع الخادم ثم عاد، فقال: وأمير المؤمنين يقول: قد أحسنت، وقد أمر لك بجائزة.

 

أرسل الحسن بن طغج إلى المتنبي رسولاً وركوبةً يركبها، فامتنع الشَّاعر عن الذهاب، فأقسم الرَّسول أن لا يبرحه، فدخل أبو الطيّب فكتَب قصيدةً وعاد ومدادها لم يجف ثمَّ ركب مع الرَّسول، فدخلا على ابن طغج فأنشده إيَّاها، وهي:

أَيَا لائِمِي إِنْ كُنْتَ وَقْتَ اللَّوَائِمِ
عَلِمْتَ بِمَا بِي بَيْنَ تِلْكَ المَعَالِمِ

 

وقد منحه الممدوح على هذه القصيدة ألف دينار جائزة له، وهذه أوَّل قصيدة يعطى عليْها جائزة كبيرة.

 

وقد ألحَّ ابن طغج على أبِي الطيِّب أن يمدح أبا القاسم طاهر بن الحسين بن طاهر العلوي، وكان يمتنِع من ذلك، ثمَّ سأله أن يمدحه بقصيدة كان المتنبي يريد أن يَمدح بها ابن طغج، فرضِي أبو الطيّب، ولمَّا ذهب الشَّاعر إلى أبي القاسم ومعه حاشية، وجَده في فريق من أشراف قومه يَجلس على سريره وقد نزل لأبي الطيّب عن سريره ولقيه بعيدًا، وأقبل عليه يحدِّثُه ويؤنسه ويُجلسه على سريره ثم يجلس هو بين يديْه، وقد كان هذا بدعًا في المديح حقًّا، فلم يسمع أحدٌ قبل أبي الطيب أنَّ شاعرًا جلس الممدوح بين يديْه، وهذا مطلع القصيدة التي مدحه بها:

أَعِيدُوا صَبَاحِي فَهْوَ عِنْدَ الكَوَاعِبِ
وَرُدُّوا رُقَادِي فَهْوَ لَحْظُ الحَبَائِبِ

 

وفي كتاب "ثمرات الأوْراق في المحاضرات"، قيل: إنَّ أبا القاسم الزعفراني مدح الصَّاحب بن عباد بقصيدة نونية، وانتهى إلى قوله منها:

وَحَاشِيَةُ الدَّارِ يَمْشُونَ فِي
صُنُوفٍ مِنَ الخَزِّ إِلاَّ أَنَا

 

فقال الصَّاحب: قرأتُ في أخبار معن بن زائدة الشيباني أنَّ رجلاً قال له: احملني أيّها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية، ثمَّ قال: لو علمتُ أنَّ الله - سبحانه وتعالى - خلق مركوبًا غير هذا لحملتُك عليه، وقد أمرْنا لك من الخزّ بجبَّة وقميص وعمامة ودرَّاعة وسراويل ومنديل ومطرف وكساء وجورب وكيس، ولو علمنا لباسًا من الخزّ لأعطيْناكه[12].



[1] خِرْق بكسر الخاء: هو السخي الكريم.

[2] القصبي: ثوب ناعم من كتان.

[3] "ثمرات الأوراق" المطبوع على هامش "المستطرف"، ج1، ص 71 - 74.

[4] "البداية والنهاية"، ج1، ص266.

[5] الأغاني، ج1 ، ص186 -190.

[6] "نكت الهميان"، ص 151 - 152.

[7] "ثمرات الأوراق"، ج1، ص111 - 112 بهامش "المستطرف".

[8] "ثمرات الأوراق"، ج1، ص112.

[9] "ثمرات الأوراق"، ج1، ص112 - 113.

[10] "ثمرات الأوراق"، ج1، ص132.

[11] "ثمرات الأوراق"، ج1، ص112.

[12] "ثمرات الأوراق" في المحاضرات، المطبوع على هامش "المستطرف"، ج1 ، ص70.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • حفل توزيع جوائز مسابقة الألوكة الكبرى للإبداع الروائي وجوائز العروة الوثقى(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • الهند: الدكتورة هيفاء شاكري تنال جائزة رئيس الجمهورية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أخبار التراث والمخطوطات (61)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • جوائز وفضائل وثمرات الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • جوائز رمضان بين الحلال والحرام (WORD)(كتاب - ملفات خاصة)
  • أربع جوائز عظيمة لمن يتدارس القرآن(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • توزيع جوائز مسابقة "الأهل والأصحاب" بزيمبابوي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • جزر القمر: كلية الإمام الشافعي تسلم جوائز مسابقة الآل والأصحاب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: جوائز للطلاب المسلمين المتفوقين بالمدارس الحكومية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الهند: حفل توزيع جوائز مسابقة حفظ وتجويد القرآن الكريم في دلهي(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب