تخصص الماجستير

النصيحة الصحيحة لا يمكن تقديمها إلا في ضوء معلومات ومعطيات كاملة، وأكثر المعلومات اللازمة لاتخاذ قرار الدراسة لا يملكها إلا صاحبها، فدعينا نفحص تلك المعلومات قبل الحصول على الجواب.

عندما يختار الشبان والشابات دراستهم الجامعية فإنهم يتسرعون غالباً ويبنون قرارهم على هوى عابر أو ظن لا يرتقي إلى درجة اليقين. مثلاً قد يقول أحدهم: فرص العمل لهذا الاختصاص ممتازة، فقد سمعت من صديقي أحمد أن ابن عمه تخرج فيه ثم حصل على وظيفة بعشرة آلاف ريال. كما ترين فإن هذا الاستنتاج ناقص لأنه مبني على قاعدة إحصائية ضيقة جداً، لذلك أقول إنه قرار مبني على الظن لا على اليقين. أيضاً قد تقول إحداهنّ: سأدرس التربية لأنني أحب الأطفال. هذا الاختيار مبني على هوى لا على علم ومنطق، لأن محبة الصغار لا تعني بالضرورة محبة علم التربية نفسه.

التقيت كثيراً في الماضي بشبان يقفون على عتبة الجامعة، ودارت بيني وبينهم حوارات طويلة استنتجت منها أن أكثر الشباب لا يفكرون تفكيراً كافياً قبل اختيار الفرع الدراسي في الجامعة، وهم يمكن أن ينفقوا من الوقت والاهتمام أضعاف ما ينفقونه للوصول إلى هذا القرار عندما يذهبون لشراء هاتف محمول، فيبحثون في خصائصه ومزاياه ويقارنونه بسواه من الهواتف المعروضة في السوق، مع أن العمر الافتراضي للهاتف المحمول عدة سنوات، أما الاختصاص الجامعي فهو القرار الذي يغيّر حياة الإنسان غالباً إلى الأبد.

ليس في هذا الإطلاق مبالغة، لأن الدراسة تحدد نوع العمل، والعمل هو أطول ارتباط في حياة الناس بعد الزواج. ما أكثرَ ما التقيت بموظفين يكرهون وظائفهم، محاسبين يمقتون المحاسبة أو مدرّسين لا يحبون التدريس، ولكنهم أشبه بمن دخل في القفص فلا سبيل إلى مغادرته!

لذلك أنصح الشبان والشوابّ جميعاً بأن ينفقوا وقتاً كافياً بالتفكير والبحث قبل اختيار التخصص الجامعي، حتى لو أدى هذا إلى تأخير البدء بالدراسة الجامعية، وحتى لو ضيعوا على أنفسهم فصلاً أو اثنين، فضياع عدة شهور من عمر الإنسان أهون من عمر طويل من الشقاء.

فكّروا بخمسة أمور قبل اختيار الكلية أو الاختصاص:

(1) هل أنسجم مع هذا النوع من الدراسة؟ هل هي الدراسة التي أحبها؟ أو بالعكس: هل أكرهها لدرجة أني لا أستطيع الاستمرار فيها؟

(2) هل تناسب قدراتي؟ هل أستطيع النجاح فيها؟

(3) هل تتوفر هذه الدراسة في جامعة قريبة؟ أو هل تتحملها ظروفي وقدرتي المالية؟

(4) ما هي فرص خرّيجي هذه الدراسة في سوق العمل؟

(5) ما هي الأقسام والدراسات المتاحة في الجامعات؟

السؤالان الأول والثاني حجّةٌ على ما بعدهما، لأنك لو كنت تحبين الأدب والشعر وتكرهين الرياضيات فلن تجدي نفسك في دراسة الهندسة مثلاً، فهي تعتمد على كثير من المواد الرياضية التي تخالف مزاجك وهواك، وإذا كنت محدودة القدرة على الاستظهار والحفظ فليس الأدب مناسباً لك لأنه يطالبك بحفظ كثير من النصوص، وإذا كنت تخافين من الدماء وتروعك الجروح فلن تنجحي في دراسة الطب لأنه لا يناسب قدراتك.

الأجوبة على السؤالين التاليين لها أهميتها أيضاً، فلو كنت تحبين دراسة الهندسة الوراثية لكنها لا تتوفر في أي جامعة قريبة أو أن تكاليف دراستها أعلى مما تستطيعين توفيره فقد حُسم الأمر. وإذا كانت دراستك بهدف العمل فلا بد أن تعرفي الفرص المتاحة في المنطقة التي تعيشين فيها، فما فائدة دراسة الزراعة في بلد قاحل لا زراعة فيه، أو الهندسة إذا كان المهندسون العاطلون عن العمل -في بلد فقير قليل المشاريع- أربعةَ أضعاف المهندسين العاملين؟

النقاط الأربعة السابقة مهمة جداً ويجب التفكير فيها مليّاً قبل اختيار الدراسة الجامعية، على أن نأخذ النقطة الخامسة في اعتبارنا قبل كل شيء، فنحن غالباً ما نَحْصر أنفسنا في خيارات قليلة ونحاكمها في ضوء المعايير الأخرى، فلو أني سألت شاباً في الثانوية العامة عن الاختصاصات الجامعية المتاحة التي يمكن له أن يفكر فيها فسوف يعدّ عشرةً منها أو بضعةَ عشر، مع أن في الجامعات عشرات وعشرات من الأقسام والتخصصات الدراسية.

فليسعَ كل شاب مقبل على الجامعة أولاً إلى التعرف على عالم الدراسة الواسع، ربما من خلال فتح صفحات ومواقع الجامعات على الشبكة العنكبوتية، ثم يتعرف على فرص العمل والتوظيف، ثم يبحث إمكانية دراسة هذا الفرع أو ذاك من حيث توفره وتحمل نفقاته، ثم ينظر في نفسه ليعرف ميوله وقدراته، وسوف ينجح في اختيار الطريق المناسب بإذن الله.

لا بد أنك لاحظت -أخيراً- أنني لم أقدم لك جواباً، ولكني قدمت الأدوات التي تستطيعين بها الوصول إلى الجواب الجيد، فاستعمليها بشكل صحيح تصلي -بإذن الله- إلى القرار الصحيح. وفقك الله.