أريدها شريكة لحياتي ولكنها كثيرة الشك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أهلًا بك في شبكة الألوكة سيدي الكريم.

سيدي الفاضل، إنني لن أحكمَ على علاقتكما، أو أُسيء الظنَّ بكما كما طلبتَ مني، وبما أنَّ رغبتك واضحةٌ وصريحةٌ، وهي الزواجُ، فما رأيك أن نُناقشَ الكيفيةَ والطريقةَ والأسسَ التي تختارُ بها شريكة حياتك، وتُقيِّم بها خياراتك إن كانتْ صائبةً أم خاطئةً؟

الزواجُ - يا سيدي الكريم - مَشروعُ حياة، وعمرٌ كاملٌ تُشاركه مع شخصٍ واحدٍ، تنجبان معًا أطفالًا ليكملوا هذه الحياة مِن بعدكم وفق الأفكار التي زرعتماها فيهم!

وطبعًا الزواجُ لا يعني: التشابُه، لكنه يعني: الكمالَ؛ لذا نحن لا نبحث عمَّن يُشبهنا، بل عمَّن يُكمل نقصنا، ونكمل نقصه؛ لنُكَوِّن معًا شخصًا واحدًا مثاليًّا.

والسؤال المهم: كيف نختار هذا الشخص؟

الطريقةُ التي أجدها مناسبةً للكثيرين، والتي علَّمتني إياها الأستاذة أريج الطباع هي:

أن تكتبَ قائمةً بجميع الصفات التي تُريدها في زوجتك، مِن جميع النواحي: الفكرية، والعقلية، والجسدية، والنفسية، والاجتماعية، والدينية، ولا تترك أي صفة مهما صغرتْ أو قلَّتْ أهميتها لديك.

ثم بعد أن تنتهيَ مِن الصفات، ارسم جدولًا، وقَسِّمْه لثلاث خانات:

ثم ابدأ في تقسيم الصفات على خانات الجدول، وفقًا لأهميتها عندك.

مهم جدًّا تعني: أنها صفات لن تتنازلَ عنها، وغيابُها يعني: رفضك.

مهم تعني: أنها صفات وجودُها مهمٌّ، وغيابها قد يُؤَثِّر في قرارك.

مُسْتَحْسَن تعني: أنها صفات تُفَضِّل وجودها، لكن غيابها لن يُؤَثِّر على قرارك.

لكن هناك نقطة مهمة جدًّا قبل أن تبدأ في هذا الأمر، وهي أن تكتبَ هذه الصفات بمعزلٍ تامٍّ وكامل عن صفات هذه الفتاة؛ لأنها ستُؤثِّر في قرارك ورؤيتك للأمور، وقد تكتب أمرًا أعجبك فيها، لكنه لا يعجبك في الحياة الحقيقية، وإنما أحببته؛ لأنه مرتبط بها!

سيدي الفاضل، واضحٌ مِن كلامك أن العاطفة تغلب المنطق لديك، وهذا ليس عيبًا أبدًا، ولكنه في موقفك الحالي مع هذه الفتاة سيجعل قرارك مبنيًّا على أساس ضعيفٍ وهو الحب والعاطفة فقط! وأمرٌ كالزواج لا بد أن يُبْنَى على العقل والعاطفة معًا، فهُما كلٌّ لا يتجَزَّأ!

والشيخُ الأديب علي الطنطاوي - رحمه الله - قال: "لا، لا يصحُّ أن يبنى الزواج على الحبِّ وحده، إلا إن صَحَّ أن تُبنى العمارة الشاهقة على أساس من الملح في مجرى الماء، إنما يُبنى الزواج على التوافُق في الدين والتفكير والسلوك، وحتى الوضع الاجتماعي والحالة المالية، وبعد هذا كله تأتي العاطفة، فينظر إليها وتنظر إليه".

والسببُ - يا سيدي الفاضل - أنَّ الحبَّ ليس مُستقرًّا، بل هو كبقية المشاعر يُشبه تخطيط القلب، بين صعود وهبوطٍ، في أوقات صعوده، تكون الحياةُ ورديَّةً جميلة ترمي بظلالها الوردية على مَن نُحِبُّ، فيُمسي ملاكًا ساحرًا، كلُّ ما فيه جمال وروعة، وحين يهبط تختفي الظلال، وتظهر الألوان الحقيقية، ويعود الملاكُ إنسانًا تملَؤُه النقائصُ والعيوبُ!

إن كانت النقائص أكبر مِن الحسنات، فسيصعب عليك تحمُّلها مع الوقت، وإن تحملتها في السنوات الأولى سيصبح التحمُّل أصعب مع تقدُّم السنوات، وهنا تصبح أمام خيارين: إما الانفصال الحقيقي، أو الانفصال العاطفي، وحياة باردة لا مشاعر فيها ولا حب!

سيدي الكريم، تعمَّدت أن أتحدثَ عن الزواج بشكل عامٍّ؛ لأنَّ نيتك وهدفك من هذه العلاقة هي الزواج، ولكن اسمحْ لي أن أتطرق لمشكلةٍ ذكرتها، وتمسُّ الزواج بشكل مباشر، وهي الغيرة والشك.

الغيرةُ هي شعورٌ ذو طرفين، طرف متوازن لطيف يُضفي على الحب شعلة تُوقده وتلهبه فيصبح أقوى، وهي الغيرةُ المحمودة المتوازنة المعقولة.

وطرف أعمى يَقُوده الطفلُ المختبئ في عقلنا الباطن، والذي يحكمه حُبُّ التملك والسيطرة على كل شيءٍ وحده بدون أن يُشاركه فيه أحدٌ آخر، حتى لو كان هذا الشخص أختًا أو أمًّا وأحيانًا ابنة!

الطرف الأول يحلو التعايش معه، والطرف الثاني يستحيل التعايش معه، إلا بقلقٍ دائم وشجار مستمرٍّ!

والشكُّ ناتجٌ عن الطرف الثاني من الغيرة، الذي قد لا يملك صاحبها ثقة كافية بنفسه، فتجعله يتخيل أن شريكه سيتركه لأهون سببٍ بحثًا عن آخر، وهذا أمرٌ قاتلٌ للحياة الزوجية التي سيحصل فيها على مر السنين الكثير من المواقف المحرجة، أو السيئة التي تستجلب الشك للطرفين على حد سواء، فإن كان كلُّ واحدٍ على ثقة كبيرةٍ بنفسه وبشريكه وحبه له، فإن الشك سيتضاءل وينمحي بمجرد أن يتضحَ الأمر، وقد لا يتضح بعض الأحيان، لكن الثقة الكبيرة تمحو الشك.

وإن لم تكن الثقة موجودة، فإن الشك سيكبر، ويتضخم، ويُغطي كل شيء آخر!

لذلك قلتُ لك مِن قَبْلُ: إن الحبَّ مهم وأساسي، ولكن هناك الكثير مِن الأمور أكبر وأهم منه، وعلينا ألا نغفلها!

أرجو أن أكونَ قد وفيت بالإجابة عليك، وأسأل الله أن يُلهمك الرشاد، ويُسَدِّد خطاك، ويرزقك السعادة والاطمئنان في الدارَيْنِ.

وشكرًا لثقتك في شبكة الألوكة