أريد فسخ عقد الزواج بسبب النسب

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن نلقاه.

وبعدُ، فأشكر تواصلك معنا للاستشارة، وهذا يدُلُّ على تفكيرك السليم.

عزيزتي، عندما نتذكَّر أنَّ الله هو الذي خَلَقَنا، وهو أرحمُ بنا مِن أنفسنا، تَتَسَرَّب راحةٌ نفسيةٌ إلى قلوبنا لتذيبَ مَزيجًا مِن أفكارٍ مُتعِبةٍ تزاحَمَتْ في أذهاننا، نعم فالإيمان بالقضاءِ والقَدَر وبأنَّ كلَّ شيءٍ في هذه الحياة مكتوبٌ للإنسان، وهو في الشهر الرابع في بطْنِ أمِّه يريحنا، فسبحان مَن بِيَدِه ملكوت كلِّ شيءٍ، وهو على كلِّ شيء قدير.

وفي الحقيقة أسأل نفسي وأريدكِ أن تسألي نفسك: ما صفات الزوج الذي تُريدينه إذا كان مَن تقدَّم لك محترمًا، خلوقًا، متعلمًا؟

وبعد أن تُجيبك نفسُك، اسأليها مرة أخرى: هل من الممكن أن يتقدَّمَ لي شابٌّ في مِثْل هذه المواصفات، وخاصة أنك في مجتمعٍ يرفُض المطَلَّقة، ولو كان قبل الدُّخول عليها؛ حيث لا تخفى عليك الاستفهامات التي ستدور حولك، ويحتاج أهلُكِ وأنت إلى الإجابة عنها، وأبسطها: لماذا طلبتم فَسْخ العقد؟.

فهل تتوقعين إجابة "ابنتُنا لا تحبُّه" كافية؟

إذًا فلماذا لم يحدثْ ذلك قبل العقد؟!

لا يعني ذلك أن تجعلي لحديثِ الناس اهتمامًا، ولكنه أمرٌ مُقلقٌ، إن لم يكن لكِ، فهو لأهلكِ وأقاربك، ومحاولة الوقاية منه أسلوبٌ يُريح النفس، ويرفع قدْرها، بشرط ألا نجعلَه مُقَدَّمًا على أمر الله وشرْعِه أو مَصالحنا.

اسألي نفسك: لماذا وافقتِ مِن البداية؟ لا للَّوْم، ولكن أقنعتِ نفسَك حينها بماذا؟ بأخلاقِه؟ أم لإرضاء أهلك؟ أم ماذا؟

إنَّ مَن يُقَدِّم رضا الله ويُحاول أن يطبقَ شرعَه يسعد في دنياه قبل آخرته؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاءكم مَن تَرْضَوْن دينَه وخُلُقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد))؛ رواه الترمذيُّ.

وأنت بفِعْلك هذا تخافين أمرَ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، إنَّ مَن يُرْضِي الله ويُحاول أن يُطَبِّقَ شرعه يُرضيه الله عز وجل.

أختي الصُّغْرَى، يُعجبني فيك إرضاء والديك، ويُعجبني فيك بحثك عن الحل والاستشارة، ولكن عزيزتي ما رأيك في أن يحكمَ عليك شخصٌ ما دون أن يُقابلك؟ أو يقابلك مرة واحدة فقط؟ ماذا ستقولين عنه؟

إنه متعجل!

فكيف تحكمين على مَشاعرك ونفورك منه عند مقابلتك له للمرة الأولى؟ هل تؤمنين بالحبِّ مِن أول لقاء ونظرة؟ إنه مِن الشيء الطبيعي أن تنفري منه في البداية، وقد يكون ذلك بسبب أفكار سيئةٍ في ذهنك نسجتِها حوله.

الحبُّ يا عزيزتي يُروى ويُسقى، وإنْ لم يكنْ في الأصل موجودًا فهو يُغرس ويُزْرَع، فلا تنْساقي وراء الحب مِن أول نظرة وغيرها، بل حاولي أنتِ مع نفسك في تغييرها نحو الأفضل، كُوني مُبادِرةً مُبْدِعَةً في الرضا بالنصيب وإسعاد النفس، نعم تقلَّبي بين الرضا والسعي نحو إسعاد النفس، فأنتِ مُتعلِّمة وناضجةٌ، فهل يليق بك رفْضُ رجلٍ يحبك وفيه مِن الخير كما ذكرتِ بسبب النَّسَب أو الخوف مِن البُعد عن الأهل؟

غاليتي، إنَّ هناك أولوياتٍ لا بُد من النظر حولها عند الزواج، ما ينفعك إن كنت قريبة من أهلك ولكن مع رجلٍ لا يحترمك، أو لا يخاف الله فيك؟ وما ينفعك إن كنتِ مع ذي نسبٍ وهو يخونك سرًّا أو علانيةً؟

وما يميز هذا الشاب عزيزتي ما ذكرت عنه من مواصفات، وقليل من الشباب من هم في مثل هذه المواصفات، وإن هناك من الفتيات مَن يتمنين الزواج.

ابدَئِي حياتك مع نفسِك مِن جديدٍ، فلا تقولي: لا أُحبه، بل قولي: هو زوجي، وأنا مَن اخترتُه، وسأُحاول أن أغرسَ فيه ما أريد، فقد يكون عدم تقبُّلك له لأنه تكونتْ لديك فكرة أنك لستِ أنتِ مَن اختاره، وسقيتِ هذه الفكرة بالكلام مع الذات والآخرين حتى أصبحتْ صورةً ترين هذا الرجل مِن خلالها؛ مثل: فستان لم يعجبك وإنما اشتريتِه إرضاء لأمك مثلًا، رغم أنه جميل، فكوني أكثرَ ثقة بنفسك، وتحديها في تقبُّل هذا الرجل، فالآن أنتِ زوجته، قولي لنفسك: إنني أحبه، لأنه يحبني، لأنه محترم، لأنه يسعى لأجلي... وهكذا، واحمدي الله على هذه النِّعمة، وعليك دائمًا بطاعة الله في السِّرِّ والعَلَن، فبها تحلو الحياة ولو كنتِ سجينةً، والاستغفار يجلي الهم، والدعاء يُنَمِّي التوكُّل على الله القادر على كل شيء.

وفَّقك الله لما يُحِبُّ ويرضى.