خطيبي طلب فسخ الخطبة فجأة

ملخص المشكلة: شاب خطب فتاة خطبة تقليدية عن طريق الأهل، ولم تتم الرؤية الشرعية، وحصل التعارف عن طريق النت، وتعلقت الفتاة بالخطيب خلال فترة الخطبة؛ حيث طلب الخاطب الانتظار لمدة سنة لظروفه المادية، وعرضه لسنة أخرى لنفس السبب، والفتاة لا تمانع، مع حدوث مشاكل بين أهل الخاطب وأم المخطوبة، وفجأة يغير الخاطب رأيه ويطلب فسخ الخطوبة، لعدم التوافق، رغم إبداء الإعجاب بالفتاة في تلك الفترة، ومع هذا كله المخطوبة متعلقة به، وأنها تقبل بكل أوامره وأوضاعه مهما كانت حسب إفادتها، حتى إنها تمنت الموت، من أثر هذه الصدمة، وتسأل: ما السبب في فسخ الخطبة بعد هذا الحب والتعلق؟ أهو بسببها أو بسبب المشاكل التي حصلت أو بسببه؟

مناقشة المشكلة:

١- الخاطب من بلد آخر، والخطبة تمت بشكل تقليدي عن طريق الأهل، وحصل التعارف عن طريق النت، ولم تتم الرؤية الشرعية، وهذا في حد ذاته لا يعطي مؤشرًا واضحًا للتوافق بين الزوجين؛ فعنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، ((أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا))؛ [سنن الترمذي، حديث صحيح].

وحديث أبي هريرة قال: ((كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب، فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا))؛ [أخرجه مسلم].

فالنظرة الشرعية لمن خطب امرأة مشروعة، ولأنها لم تحصل، فلم تكن الأمور واضحة بداية بين الخاطب والمخطوبة، وأيضًا الخاطب من بلد آخر؛ فالعادات والتقاليد تختلف، فربما اتضحت للخاطب بعض الأمور التي لا تصلح له، وعَدَلَ عن المواصلة.

٢- حصلت بعض الإشكالات بين أهل الخاطب وأمكِ، كما أوضحتِ في رسالتكِ، فربما كانت تخص موضوع زواجكما، فبداية أخبركِ بأن الأمر لا يهمه، فقط أنتِ التي تهمينه مهما حصل، لكن بعد التأمل في الإشكالات، فربما اتضح لديه كيف يبني حياة أسرية مع بداية مشاكل عائلية قد تتطور وتؤثر على استقراره وسعادته، فاستخار الله، فرأى الخيرة في فسخ الخطبة.

٣- كون أنه أبدى إعجابه بكِ بداية، وتعلقه بكِ، وأنكِ فتاة يتمناها أي شاب ولا يعيبكِ شيء، فأنتِ كذلك إن شاء الله، فعندما عزم على فسخ الخطبة، رأى المخرج من سؤالكِ وإلحاحكِ، لمعرفة السبب إبلاغَكِ بأنه ليس هناك توافق ونصيب، ونظرًا لعدم قناعتك، أخبركِ أنه اختبركِ في مواقف لم يفصح عنها، ورأى عدم مناسبتكِ له، وهذا من حقه وليس شرطًا أن يذكر كل الأسباب حتى لا يؤثر على نفسيتك، فلا لومَ عليه.

أما من ناحيتكِ أنتِ:

٤- الموضوع أخذ أكبر من حجمه، في نفسك، وعشت في همٍّ، وغمٍّ، وحزن، وزاد الشيطان ذلك، حتى أنساكِ أن الزواج قسمة ونصيب، وبقدر الله تعالى، والإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ: ((أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))؛ [حديث صحيح].

فكان الواجب عليكِ أن تكون ثقتكِ بالله تعالى أكثر من حمل هذا الهم والحزن، وأن تحمدي الله تعالى على قضائه وقدره، فالخير فيما يختاره الله تعالى، وعسى أن تكرهي شيئًا وهو خير لكِ، وعسى أن تحبي شيئًا وتتعلقي به وهو شر لكِ، فالله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، فربما صرف الله عنكِ شرًّا، ومشاكل كبيرة بفسخ هذه الخطبة، وسيعوضكِ خيرًا منها، فقط الرضا بقضائه وقدره، والتوكل عليه والدعاء والتضرع بين يديه.

٥- بالنسبة لوالدتكِ ووالديكِ عمومًا، فهما السند بعد الله، وحبهما لكِ، وخوفهما عليكِ لا يُقدَّر بثمن، ولا يمكن أن يتصوره الابن أو البنت، فنصيحتهما وتوجيههما يؤخذ بعناية فائقة، واعلمي أن برهما، والبعد عن عقوقهما من أعظم القربات وأجلِّ الحسنات، والحرص على طلب رضاهم، والدعاء منهما فيه توفيق من الله في مجرى حياة الإنسان.

٦- ننصحكِ أن تصرفي النظر عن هذا الخاطب تمامًا، وتتخلصي من كل ما يذكر به من وسائل تواصل أو رسائل أو غيرها.

٧- الزمي طاعة ربكِ، وصلاتكِ، وحافظي على وردكِ اليومي من القرآن الكريم، ولا تتركي أذكار الصباح والمساء، يطمئن قلبك، وتشعري بالسعادة، وتذهب عنكِ هذه الوساوس والهموم والأحزان.

٨- لا تفكري فيما مضى وانتهى ولم يقدر، إنما كوني إيجابية، تتطلعين لسعادة نفسكِ، وسعادة والدتكِ، وتقديم الخير للناس.

٩- تضرعي لله تعالى بالدعاء أن يرزقكِ الزوج الصالح الذي يعينكِ على أمور دينكِ ودنياكِ.

١٠- لا تخلي بنفسك، وتسترسلي في أفكار وأوهام وتصورات يدخل عليكِ الشيطان من خلالها، ويجعلكِ في دوامة اليأس والقنوط من رحمة الله، وحبذا حين ورود هذه الأفكار الفزع إلى الصلاة، وقراءة القرآن، والتواصل مع الصديقات الصالحات المعينات على طاعة الله تعالى، والتخفيف عليكِ مما يحزنكِ ويقلقكِ.

أسال الله العلي العظيم أن يصرف عنكِ كل سوء ومكروه، وأن يرزقكِ الزوج الصالح.