الأفكار السلبية والوساوس تطاردني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فمشكلتك - يا أخي الفاضل - مؤلمة جدًّا، والذي يبدو لي أنه ليس بك مرضُ وسواسٍ قهري، وإنما مشكلتك تكمن في الآتي:

1- تأثُّرٌ شديد بصدمة ضعف التحصيل العلمي.

2- ومن ثَمَّ عدم القبول في الجامعات.

3- والفراغ القاتل المسبب لكثرة التفكير السلبي.

4- وعدم وجود عمل مناسبٍ.

5- وتحطيمك لنفسك ولقدراتك بالشعور بأنك صغير، وغير قادر على الصعود للمعالي.

6- وربما كثرة الأفكار المادية عالية المستوى جدًّا التي حاليًّا لا تُناسِب قدراتك المالية والعقلية، وتصطدم بعوائق كثيرة تورث الإحباط النفسي.

7- وكل ما سبق أورثك عجزًا وكسلًا، وخوفًا وقلقًا على مستقبلك، وهمومًا أثرت في استقرارك النفسي، وجعلتك مضطربًا حتى في نومك.

8- لا أدري هل أنت الذي كتبتَ رسالتك أو كتبها غيرك، لكن أقول إن كنت كتبتَها بنفسك، فيبدو من أسلوبك الراقي في رسالتك أنك شابٌّ لا ينقصك الذكاء أبدًا، بل إن ذكاءك واضح جدًّا، ولكن ربما أن الإهمال والتفريط جعل معدلك في الثانوية ضعيفًا.

9- خوفك الشديد من تَبِعاتِ الخدمة العسكرية الإجبارية على دينك ومستقبلك؛ نظرًا لعدم تقدير حكومة بلدكم لأهل السنة، بل إهمالها لهم ومضايقتهم.

إذًا بعد هذا التشخيص التحليلي لمشكلتك، جاء دور الجواب: ما الحل لهذه المشكلة المعضلة؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: اعلم - وفقك الله - أن الأرزاق بيد الرازق سبحانه، والبشر ليس لهم إلا بذل الأسباب؛ فابذل ما تستطيعه، وتوكل على الله سبحانه، مستحضرًا قدرته عز وجل على كل شيء؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

ثانيًا: أيقِن بالركن السادس من أركان الإيمان؛ وهو الإيمان بالقَدَرِ؛ وتذكر قوله سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ﴾ [القمر: 49، 50].

ثالثًا: لا تحتقر نفسك أبدًا، واسْعَ في طلب رزقك، ولكن انتبه لا تبدأ بمشاريع كبيرة لا تُطيق تكاليفها، وقد يترتب عليها خسائر وديون، ثم إحباط.

رابعًا: يبدو أنك مثل الذين في عمرك عادة يفكرون في الربح السريع الكبير، وهذه قد تكون أحيانًا أحلامًا تصطدم بعوائق كثيرة، والمثل الشعبي يقول: (أكل العنب حبة حبة).

خامسًا: مما يشحذ همتك أن تتذكر أن كبار رجال الأعمال بدؤوا من الصفر، وصبروا سنين وكافحوا حتى فتح الله عليهم الأرزاق، فأحدهم كان يحمل أغراض المشترين مقابل دريهمات قليلة، والآن يملك الملايين.

سادسًا: أنصحك ألَّا تجلس عاطلًا؛ فالفراغ مفسدة للشابِّ، وتَلَفٌ لدينه ولدنياه؛ ولذا اقْبَل أي عمل ولو كان بسيطًا، ودخله قليلًا؛ فالبركة ليست بالكثرة، وإنما بالإخلاص والصبر.

سابعًا: هذه الأفكار السلبية التي تعاني منها هي من نتائج الفراغ؛ فلا بد من شغْلِ فراغك بما ينفعك في دينك ودنياك؛ لأن البقاء هكذا عاطلًا يُورِثك الكسل والإحباط، والشعور بالعجز.

ثامنًا: اعتنِ - وفقك الله - عناية خاصة بتقوية إيمانك؛ بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها بالمساجد، والإكثار من تلاوة القرآن، ومن عموم الذكر، وأذكار الصباح والمساء؛ ففيها مجتمعةً تقويةُ الإيمان والصبر، وشرح الصدر، والتحصين ضد الوساوس الشيطانية.

تاسعًا: احذر من ضياع أوقاتك مع قنوات ومواقع السوء التي تُثير غرائزك للمحرمات؛ فلن تجنيَ منها إلا العلقم المرَّ، وضياع الدين والدنيا.

عاشرًا: تخوفك من تبعات الخدمة العسكرية في بلدك الذي يعادي أهل السنة، إن كان حقيقة؛ فإنقاذ الدين مطلب عزيز.

حادي عشر: قد تجد تثبيطًا من داخل نفسك أو من أقرانك أو حتى من بعض أقاربك، فلا تلتفت له أبدًا، ولا تهتم بكلامهم مطلقًا.

ثاني عشر: أكْثِرْ من الدعاء بصدق ويقين؛ فالأرزاق بيد الله، وليست بيد البشر؛ قال سبحانه: ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 37]، وقال عز وجل: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

ثالث عشر: أكْثِرْ من الاسترجاع بصدقٍ؛ أي: قول: ((إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها))؛ ففيه علاج وسكينة للنفس.

رابع عشر: أكْثِرْ من الاستغفار؛ فقد جعله الله سببًا عظيمًا للرزق وتفريج الكرب؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].

خامس عشر: احرص على بِرِّ والديك، وصلة رَحِمِك، فهما من أسباب تيسير العسير، وتفريج الكرب والبركة في الرزق والعمر.

حفظك الله، ورزقك من حيث لا تحتسب، وفرج الله كربتك.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.