تأخر زواجي بسبب لوني بشرتي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا الصادق الأمين؛ أما بعدُ:

فمرحبًا بأختي المباركة، أسأل الله لكِ راحةَ القلب، وطمأنينة النفس، والرزق الوفير من رب العالمين، لا أحزن الله لكِ قلبًا، ولا أوحشكِ سبحانه وتعالى الكريم الودود.

لا تحزني ولا تكتئبي، فنحن مسلمون؛ أي: إننا مُسلِّمون لقَدَرِ الله العزيز الخبير، وقبل أن نُولَدَ، كتب لنا رزقنا وأقدارنا، ولو أحصَيْتِ اليسير من نِعَمِ الله عليكِ، لوجدتِهِ سبحانه منحكِ الكثير، وما منعك إلا القليل، ومِن كرمه أن هذا المنع فيه رحمةٌ بنا، سواء اكتشفنا ذلك هنا في دنيانا أم لم نكتشفه!

تأخَّر زواجكِ، ثم تزوجتِ مريضًا، ولم يَطُلْ زواجكما، ورزقكِ الله بنتًا منه ... أصبحتِ تبحثين عن الزواج، فلم يُقَدِّرِ الله لكِ ذلك، حتى وصلتِ لهذه السن، وهذه الحالة من الحزن والعزلة.

الحديث عن الماضي لن يغير من الواقع شيئًا، فلنركز في الواقع حتى نضعَ خطة نسير بها ما تبقى لنا من عمرنا بلا ألَمٍ، أو على الأقل بقليل من الألم.

لا حرجَ أبدًا في أن تبحثي عن زوج، ولكن طريقة البحث التي اتَّخذتِها كانت خاطئة، فالمواقع ما هي إلا مَرْتَعُ تفريغِ المشاعر عند الرجال، أو لَهْوٌ ينعش به عواطفه ليعيش حياة أفضلَ مع زوجته، وقلَّ منهم جدًّا من يتزوج عبر مواقع التواصل، فقد أضعتِ خمس سنوات من عمركِ دون الوصول لفائدة، وليت الأمر انتهى على ضياع هذا العمر، وإنما أسوأ ما في الأمر هي الحالة التي أنت عليها الآن، فالمشاعر كالثوب تَبْلَى بكثرة استخدامها، استقبلتِ هذا وذاك، وهم يتلهَّون وأنتِ صادقة، وفي كل مرة تعيشين خَيبةً تستنزف روحكِ وطاقتكِ ... الحمد لله أنكِ تنبَّهتِ لذلك، وأرجو أن تكوني أقلعتِ كذلك عن التعرف على أي رجل عبر المواقع، وعلينا الآن مواجهة الحقائق والمعطيات المتاحة لنصل لنتيجة تُعيننا على حياة هادئة آمنة.

أولًا: ابحثي عن زوج في محيط العائلة يكون أسمرَ أيضًا؛ كي لا تعاني من العنصرية التي تتجرع آلامها القلوب، ونحن - المسلمين - جعلنا الله كأسنان المشط، ولكن للأسف لا حيلةَ، فهذه أمراض اجتماعية أصلها العُرف والقَبَلِيَّةُ، نسأل الله أن يعافيَنا.

ثانيًا: نفترض أنكِ بحثتِ ولم تجدي، علينا هنا أن نفوِّضَ الأمر لله، فالزواج رزقٌ كالمال والولد والصحة وغيره، بعضنا رُزق وبعضنا حُرِم، وما دام لا حيلةَ لنا، فعلينا الرضا بقضاء الله عز وجل، ووضع برنامج للحياة يُسعدنا، فإن توفَّر الزواج، فالحمد لله، وإلا فعند الله العِوَضُ، لا تذهب نفسكِ حَسَرَاتٍ على الرزق الذي لم يُقدَّر لكِ.

ثالثًا: عليكِ أن تَملئي فراغ حياتكِ بما ينفعكِ وينفع ابنتكِ، وتُسخِّري بعض طاقتكِ للنهوض بابنتكِ، فهي ثروتكِ الحقيقية، أحسني تأديبها، علِّميها الدين، وحفِّظيها القرآن، واملئي قلبها ووِجدانها بحب الله ورسوله؛ حتى تكوني قد أدَّيْتِ أمام الله، ثم أحسنتِ استغلالها بوصفها نعمةً حَبَاكِ الله بها لملْءِ فراغ قلبكِ الذي يسبب لكِ هذا الحزن والاكتئاب.

رابعًا: انتقي صحبة صالحة من الأهل أو الزميلات أو الجيران، أو غير ذلك من محيطكِ، بشرط أن تكون ظروفهم مشابهة لظروفكِ؛ حتى يكون فراغكما وانشغالكما متشابهًا، وكوِّني حياة اجتماعية طيبة تتعاوني فيها معهنَّ على البر والتقوى، وتنظِّمي برامجَ ترفيهية أسبوعية أو شهرية أو سنوية بحسب ظروفكنَّ، تسافرنَ داخل المملكة أو خارجها، وتُحصِّلنَ ما ينقصكنَّ من العلم والقرآن والأعمال الخيرية والأنشطة الاجتماعية المختلفة.

خامسًا: استكملي الدكتوراه؛ فتخصُّصكِ متجدِّد، فكل يوم فيه اكتشاف وتقنية جديدة.

خلاصة الأمر: جِدِّي في البحث بالشكل الصحيح عن طريق الأهل والمعارف، لا عن طريق أعتاب الرجال، فإن يسَّر الله ذلك، فالحمد لله، وإلا فاعلمي أن ذلك إما مؤجل لوقت يعلمه الله، أو أنه ليس من رزقكِ في هذه الفانية.

والأمر يسير والله يا أختي، فالدنيا فيها مُتَعٌ كثيرة ونوافذ عديدة نافعة، نستعيض بها عما حُرِمنا منه بلا حيلة منا، وصدِّقيني كم من متعة ذهبت عليها النفس حسرات كالولد أو الزواج، وعندما سلَّمنا لله ورضينا، أغدَقها الله علينا بلا طلبٍ ولا نزفٍ من دمع أو مشاعر، ولكِ في السيدة سارة قدوةٌ؛ إذ كانت عجوزًا عقيمًا، فقدتِ الأمل وسلَّمت، فجاءتها البشرى، وكذا سيدنا زكريا عليه السلام، فارْضَي وسلِّمي، وسوف يُفيض الله عليك رضًا برضًا، أسعدكِ الله، ويسَّر أمركِ، وملأ قلبكِ بحبِّهِ، وآنَس وَحْشَتكِ، أكثري من الدعاء والتضرع لله؛ فهو وحده القادر على إسعاد القلوب.