تائهة بين مستقبلي الدراسي والديني

ابنتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

يُسعدنا أن نُرَحِّبَ بك في شبكة الألوكة، سائلينَ المَوْلَى القديرَ أن يُسَدِّدنا في تقديم ما ينفعك وينفع جميع المستشيرين.

كما أُحَيِّي ما لمسته فيك مِن رغبةٍ وحرصٍ على التمسُّك بحبل الله تعالى، وخشية مِن الابتعاد عنه عز وجل، وهو ما أتمنى منك الحفاظ عليه وتعزيزه في نفسك، على نحوٍ يُثير في نفسك الدافعية للاجتهاد والعطاء، وليس التوجُّس والانسحاب الذي يُؤَدِّي إلى الاكتئابِ والهواجِس السلبية، فالتوازنُ يا بنيتي أساس ديننا الحنيف، وتذكَّري أننا خُلِقْنا كبشر لنعبد الله تعالى، ثم لنعمر الأرض التي استخلفنا فيها عز وجل.

وإني أتفق معك يا عزيزتي بأن مشكلتك هي مشكلة نفسية وكذلك فكرية، وليستْ دراسية، فنظرتك للواقع مِن حولك، وكذلك لذاتك، وخشيتك من الرجوع عن سبيل الهداية - يبدو أنها قد احتلَّت جُلَّ تفكيرك بهواجسَ ومخاوفَ سلبيةٍ، فأبعدتْك عن التركيز في دراستك التي يبدو واضحًا أنك قادرة على التفوق فيها، بدليل تميُّزك بالتفوق في مراحلَ دراسيةٍ سابقةٍ.

ولذلك فإن مشكلتك يكمن حلُّها بإذن الله تعالى في تغيير أسلوب تفكيرك أولاً للواقع الذي تعيشين به، والذي يمثل لك واقعًا جديدًا الآن بعدما تركت المعاصي، وثانيًا لنظرتك لذاتك من خلال رفع ثقتك ويقينك بأنَّ الله تعالى الذي أحبك بهدايتك إليه لن يعيدك للضلال مرة أخرى، وبأنه عز وجل قد منَّ عليك بصفات وقدرات عليك تسْخيرها في سبيله.

أما عن الواقع والوسط حولك الذي وصفتِه بأنه دنيوي وغير ملتزمٍ، فأرى أنك إن نظرتِ مثلاً لزميلاتك غير الملتزمات على أنهنَّ بنات يَحْتَجْنَ لنُصحك وخبراتك وتجاربك، وقدمتِها بحكمةٍ في اختيار العبارات والمفردات والوقت المناسبين، وأحسنتِ الصبر والاجتهاد في ذلك، فستجدين أن ما تعانين منه اليوم من إحباط وشعور بالفشل قد تحوَّل إلى دافعيةٍ وسعادةٍ بالعطاء والسعي بالإصلاح.

وكذلك الأمر في نظرتك للدراسة، فالعلم يا عزيزتي فريضةٌ على كل مسلمٍ، وإن نَيْلك للمراتب العلمية سيجعلك نموذجًا يستقطب الفتيات، لا سيما إن تفوقتِ وحرصتِ على فَهْم ما تتعلمين والعمل به، واحتسبتِ كل ذلك لله تعالى، فإذا ما تأمَّلْتِ في كلِّ ذلك ستجدين أن للتقرُّب إلى الله تعالى وعبادته أوجهًا كثيرةً، وأن علينا أن نأتي بكلِّ ما نتمكَّن منه ويُتاح لنا.

وأخيرًا أختم بالدعاء إلى الله تعالى أن يُصْلِحَ شأنك كله، ويُرْشدك لما فيه الخير في الدارين، وينفع بك

وسنكون سُعداء بسماع أخبارك الطيبة مجددًا