كيف أختار تخصصي الجامعي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

ابني الكريم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

يسعدنا انضمامك إلى شبكة الألوكة، ونسأل الله تعالى أن يُسَدِّدَنا في تقديم ما ينفعك، وينفع جميع المستشيرين.

وأود أن أحيي ما لمستُه فيكَ مِن التزامٍ ديني، وقدرةٍ على استقراء واقعكَ بكل تفاصيلِه، وبشكل متَّزِنٍ وغير انفعالي، كما أُحَيِّي اجتهادكَ العلمي الذي أوصلكَ إلى نيل هذا المعدَّل المميَّز، وكلها سماتٌ إيجابية تُحْسَب لك، فأتمنى منك تعزيزها واستثمارها في جميع مراحل حياتك الاجتماعيَّة والأسريَّة والمهنيَّة، وغيرها.

ولنبدأ أولاً بموضوع اختيار التخَصُّص، والذي يعدُّ من المراحل النفسية والفكرية الصعبة التي يمرُّ بها الطالبُ بعد إنهاء الدراسية الثانوية، وربما قبل إنهائها أيضًا، ولذلك فإنِّي أنصحك بالأخْذِ بأساسيات مهمة في هذا الشأن، يكون أولها: التعرُّف على مُيولكَ الشخصية نحو أيٍّ مِن التخصُّصات التي ترغَب في دراستها، دون أن تجعل مِن حُصُولك على معدَّل عالٍ في تخصص ما يحول دون تحقيق رغبتك في دراسة تخصصٍ معين، فغالبًا ما يسعى الطلبةُ للحُصُول على مُعدل عالٍ ليكونَ (هو) المحدد لما يتخَصَّصون به فيما بعدُ، والأَوْلَى أن يجعلوا مِن تلك المعدلات العالية عاملاً يتيح لهم (هم) اختيار التخصُّص الذي يرغبون فيه، بارتياح وإرادةٍ، وليس بحكم المعدَّل!

وبعد تحديدكَ للتخصُّص الذي تجد إليه ذلك الميل، وبتلك الحياديَّة، عليكَ بالتعرُّف على متطلبات دراسته في الجامعة، ثم متطلبات العمل به مهنيًّا، لتعمدَ بعدها إلى قيامك بمراجعة عميقة لقدراتك واستعداداتك الشخصيَّة، والواقعيَّة، فتُوازِن وتُقارِن بينها وبين تلك المتطلِّبات، فإنْ وجدتَ في ذلك تطابُقًا أو تقارُبًا، فاعزمْ على الالتِحاق بذلك التخصص.

ولا يفوتني أن أذكِّركَ بصلاة الاستخارة؛ لتكلل بها تلك المساعي، وهذا الاجتهاد، بإذن الله تعالى.

أمَّا عنْ ذهابكَ إلى بلدك والسكن في دار جدك، فلا أجد أنك تملك خيارات أخرى غيره، كما أستَشف مِن سياق رسالتك، ولذلك فإنَّ ذهابكَ إلى هناك يعدُّ امتثالاً لقدرٍ يُريده الله تعالى بكَ، وخيرٍ يريده لك، وعليك أن تقوم به بنفس مطمئنة.

أمَّا عنْ وضعِك الأُسَري: فأتمنى منكَ أن تنظرَ إليه بوجهةِ نظر أخرى، تتبنَّى فيها عزمك على الظهور أمام أقاربك هناك، كنموذج إيجابيٍّ للشاب المسلم، المجتهد، والذي يعامِل الجميع بكياسةٍ وخُلُق كريم، مع حِفاظه على معتقداته السليمة؛ ليكونَ ذلك دافعًا وسببًا لهم في تبنِّي ما تؤمن به.

ولك أن تتأسَّى في ذلك بسُنَّة مُعلِّمنا ونبينا محمدٍ - عليه الصلاة والسلام - في أُسلوبِ دَعوَتِه للصالحات، وبكياسته وفطنته في ذلك - صلى الله تعالى عليه وسلم.

فإنْ عَزَمْتَ وتوكَّلتَ على الله تعالى للقيام بذلك، ثم نجحتَ فيه، فإنك ستعود بعدها إلى دار أهلك مُكَللاً بنجاحك في هدفَيْن مهمَّيْن، بدل أن تقتَصرَ رحلتُكَ على هدفٍ واحدٍ، هو إكمال الدراسة الجامعية - رغم أهميته.

كما أنَّ ذلك سيُضيف خبرةً ومهارةً مهمَّة إلى بنائك الشخصيِّ والفكريِّ، بالإضافة إلى أجر الآخرة، إن ابتَغَيْتَ الإخلاص في ذلك.

وأخيرًا:

أختم بالدُّعاء إلى الله تعالى أن يفتحَ لك أبواب العِلْم والخير، وينفع بك، وسنسعد بسماع أخبارك الطيِّبة.