الطفل الغيور

السَّلام عليكم ورَحْمة الله وبرَكاته،

لا شكَّ أنَّه من أصعبِ الهموم تلك التي تَتعلَّق بفلذاتِ أكبادِنا، فمِن جِهة محبَّتنا لهم أكْبر من أيِّ محبَّة ممَّا يجعلنا نرغَب أن يكونوا الأفْضلَ، ونخاف عليهم، ومِن جهةٍ أخرى نشعُر بالمسؤولية؛ إذْ هم نِتاج تربيتنا وأسلوبنا بالتعامل معهم، فنخَشَى أن نكونَ سببًا - ولو غيرَ مباشر – في سلوكياتهم، أو حتَّى بعُقدهم بالمستقبل ممَّا يُشعِرنا بالقَلَق والهمِّ أكثر.

لكن لا تَقلقي أُخيَّتي، فإنَّ الله لا يُكلِّفنا ما لا يَسعنا التعامُلُ معه، فقط علينا أن نفهمَ الأمور بشكلٍ جيِّد، وبعدَها ستكون الأمور أسهلَ - بإذن الله.

مشكلة ابنِك ليستْ في الغَيْرة فقط، بل بشخصيتِه كَكُل، حيث مِنَ الواضِح أنه يَجِد صعوباتٍ في التواصل، قد يكون لظروفِ نشأته دَورٌ في ذلك، وربَّما لو بحثتِ بالعائلة ستجدين مَن له هذه الشخصية، فيكون للوراثةِ والجِينات دورٌ أيضًا لا نستطيع أن نغفلَه، ما يهمُّك الآن هو كيْف تتعاملين مع هذه الشخصية؟

وَلَدُك شخصٌ ذَكي مستقيم، عاطِفي، يصعُب عليه أن يَدخُل أحدٌ بدائرته أو يُخرِّب عليه عالَمَه، يحبُّ أن يفهمَ ما حولَه، ويكون منطقيًّا بالنسبة له، ويهتمُّ بالتفاصيل الدقيقة للأشياء، وأتوقَّع أنه يحبُّ الإتقانَ بما يقوم به.

هذه النوعية مِنَ الشخصيات تحتاج تدريبًا؛ لتستطيعَ أن تدخل الناس في عالَمها، خاصَّة أولئك الأشخاص الذين لم يُعْتَدَ عليهم، فالمرونة تُكتسَب بالتدريب، لكنَّها تحتاج الكثيرَ من الصَّبْر والحِكمة، ولا تتوقَّعي نتائجَ فورية، أو أن تنقلِبَ شخصيته، فقط يحتاج أن يَتعلَّمَ كيف يتعامَل مع مَن حوله، ويتكيَّف معهم، دون أن يَضرُّوا بعالَمه.

بدايةً: عليك الاتِّفاق مع والدِه قَدْر استطاعتك على أسلوبِ تربية واحِد؛ حتى لا يتذبذب بينكُما، واحْرِصي أنت ووالدُه على الأقلِّ ألاَّ تحبطوه بالمقارنات، أو بالعُقوبات غير المحْسوبة.

ضَعِي خُطَّة للتعامُل معه؛ لتكونَ الأمور واضحةً بالنِّسبة له بما يُوافِق شخصيتَه، احْرِصي على بناءِ عَلاقة عاطفيَّة وثيقة بيْنك وبيْنه، ثم أوْصِلي له أنَّك تعتمدين عليه، وأنَّ أختَه صغيرة، وتحتاجين مساعدتَه في رعايتها.

لا تَستهيني بقُدراته على الاستيعاب، اشْرَحي له طبيعةَ الأطفال الذين عمرُهم سَنة ونصف، اقرئي معه بكِتاب به صُور، أو تَصفَّحي معه الشَّبَكة لتشرحِي له أنَّ الأطفالَ بهذا العمْر قد يُخرِّبون الأشياء، ودَعِيه يبحَثُ معك كيف يتعامل مع أختِه؟

أيضًا أشْعريه أنَّك تَفهمينه وتشعرين به، فعَدَم فَهْمه يُوتِّره كثيرًا وقد يَدفَعه للمزيدِ مِن العُدوانية.

ضَعِي له جدولَ سلوكيات واضحًا، عَلِّقيه بغُرفته، يضمَن الحوافز والعقوبات على أهمِّ السُّلوكيات التي يَحْتاجها، وركِّزي كل شَهْر على سلوكيات محدَّدة لا تجعليها كثيرةً فيصعُب عليه الالْتزام بها، وأهم نُقطة أن تركِّزي على الوفاء بها مهما حصَل وتنفيذها دون انفعال، خاصَّة مع العُقوبات، واختارِي العقوباتِ التي تناسب شخصيتَه، وتَشعرين أنَّها تؤثِّر به.

العَزْل وأن يُحرَم من اللعب لعَشْر دقائق - مثلاً - يُفكِّر فيها في غلطِه عقوبةٌ جيِّدة، وتُجدي مع شخصيةٍ كابنك، لكن ناقشِيه بعدَها: لماذا تَصرَّف بهذه الطريقة؟ وكيْف يجب أن يتصرَّفَ في المرَّات المقبلة ليصحِّح خطأه؟ مَثِّلي معه الموقفَ ثانية، وتقمَّصي أنت دَوْرَ أخته، وعَلِّميه كيف يتصرَّف معها بحِكمة دون أن تُضايقَه فيعتديَ عليها.

أعطيه وقتًا خاصًّا تتفرَّغين به له، تُحدِّثينه عن مشاعرِه حولَ الناس، والأشياء التي تُضايقه، سيُساعدك ذلك على فَهْمه وفَهْم طريقة التعامُل معه.

اهتمِّي أن تشغليَه بهواياتٍ خارجَ المنزل، كأن تُسجِّليه بنادٍ أو مدرَسة تُنمِّي مواهبه، وتهتمُّ بذكائه، وتساعدك لدَمْجِه مع الأطفال الذين في مثل عُمُره، أيضًا ذلك سيبقِي لك الوقتُ الكافي للتفرُّغ لأخته أيضًا.

أيضًا أنتِ تحتاجين أن تَزيدي ثقافتَك حولَ ما يُساعِدُك على تربيتِه، ستجدين كُتبًا حولَ الذكاء العاطِفي للأطفال، وحولَ التربية وخصائصِ المراحِل العُمريَّة ستُساعدك كثيرًا، ولو استطعتِ أن تُشرِكي زوجَك معك بقراءتِها فسيكون أفضلَ بكثير.

ولا تُغفِلي أثرَ الدعاء، فمهما حَرَصنا على بذْلِ الأسباب، فإنَّنا نحتاجُ اللجوءَ لمسبِّب الأسباب، ولمَن بيده أن يقول للشيءِ: كن فيكون.

أعانَك الله، وجعَل أولادَك مِن الصالحين، وأقَرَّ عينك بهم.