زوجي مريض بالشك ، ويتهمني كثيرا فهل أطلب الطلاق؟

الأخت الكريمة, حياكِ الله.

أمضيتِ أيامًا - يُفترض فيها أن تكونَ أجملَ أيام العمر - في تعبٍ وهمٍّ وضيق يعلمه الله, وقضيتِ (شهر العَسَل) في ذلك العذاب النفسي القاسي, وتحمَّلتِ تلك الإهانات المتتالية، مِن رجلٍ أحببتِه بصدقٍ، وقبلتِ أن تُشاركيه الحياة، وتتحملي معه صعابها، وتشاركيه أفراحها وأتراحها, لكن طفح الكيلُ بالهجمات المتكرِّرة، والاتهامات المتتابعة، والتي لا حيلة لكِ فيها، ولا طاقة بكِ لدفعها؛ فأقول لكِ:

• إن كان الوضع كما ذكرتِ - دون زيادةٍ أو تهويل - فزوجُكِ مريضٌ بالشك، وهو بحاجة إلى زيارة طبيب نفسي مختص على وجه السرعة!

• قد تهربين بحياتكِ، وتفرين بسعادتكِ بتركه, وقد يتيسَّر لكِ الطلاق، وطلبُه مشروعٌ لمن تُقاسي عذابًا نفسيًّا أو جسديًّا, أو تُبتَلى بزوج مريض لم تكن لها سابق دراية بمرضه, لكن ألا يستحقُّ الزوج مدَّ يدِ العون له، وهو في حالة من العذاب والألم، والتشتُّت، والحزن المستمر؟

إنَّ شكَّه لا ينحصر فيكِ وحدكِ، بل تخطَّاكِ إلى أهلكِ، وربما بعض أهله، أو غيرهم من مَعارفه, وأتوقع أنه يُعاني منه قبل زواجكما بوقتٍ يعلمه الله, فأهله ينصرونكِ من دونه, ويقفون في صفِّكِ دائمًا، وهذا لا يحدث في الغالب إلا أن يكونَ لديهم عِلْمٌ مُسبَق بحالته واضطرابه نفسيًّا.

الطبيبُ النفسيُّ لا بدَّ من زيارته؛ لأن حالته ليستْ مجرد شكٍّ نابع من غَيرةٍ مفرطة، أو محبة مبالغ فيها, بل يبدو أنها مرضٌ لا عَلاقة له بكِ، وقد يكون لديه المزيد من الأعراض التي لم تتضحْ في سؤالكِ؛ "كهلاوس سمعية، أو بصرية، أو رهاب اجتماعي، أو وساوس قهرية في مجالات أخرى، أو إهمال حاله ونظافته ومظهره، أو طول فترات النوم، أو غيرها", وكل ذلك يُعدُّ مُؤَشرًا قويًّا على إصابته بعلَّة أخطرَ وأقوى من الشك أو الوسواس, وسيتضح الأمرُ بزيارته للطبيب المختَصِّ، فإن قرَّر ضرورة علاجه عن طريق العقاقير بجانب العلاج السلوكي؛ فلا مفرَّ مِن اتباع إرشاداته والعمل بها, وحذارِ أن تأخذوا وصفةً طبية عن طريق الإنترنت، أو من غير أهل الاختصاص؛ فالطبُّ النفسي لا يختلف عن فروع الطب الأخرى؛ مِن حيث خطورةُ الأمراض، وضرورة تحرِّي الدِّقَّة في وصف العقاقير الخاصَّة بكل علَّة, رغم شهرة بعضِها بأسماء تجارية وسهولة الاطِّلاع عليها!

أختي الفاضلة, أنتِ بلا شكٍّ في ابتلاءٍ؛ ففي الحياة مع زوجٍ كهذا نوعٌ مِن الألم، لكن في الصبر على حاله والسعي لإصلاحه عظيمُ الأجر، وبالغُ المثوبة، وأكثر مَن يستحق التصبر على أذاه الزوجُ!

لعلكِ تلحظين مما سبق أني أَمِيل كثيرًا لاقتراحكِ باشتراط عرْضِه على طبيبٍ، بدلًا مِن التسرُّع في طلب الطلاق؛ كنوعٍ من المساعدة، والمحاولة في العمل على شفائه، وتخليصه من ذلك العذاب الذي يُكابده، ويحمِّلكِ نصيبًا لا يُستهان به!

فإن لم تجدي في نفسكِ القدرةَ على ذلك, أو لم تتحمَّلي الصبر على أذاه, أو ضاقتْ بكِ نفسُكِ فصدَّتكِ عن طاعته، والقدرة على التبعُّل له، ومعاشرته بالمعروف؛ فلتستخيري الله قبل الإقدام على طلَب الطلاق، ولتُفَكِّري في مَصيركِ وحالكِ بعد هذه الخطوة التي يختلف تطبيقها عمليًّا عن التحدث حولها نظريًّا كل الاختلاف.

وفي جميع الأحوال أنتِ في حاجة للتريُّث، وإعادة التفكير، وأخْذ مَشُورة أهل الرأي مِن أهلكِ وأقاربكِ ومعارفكِ، ومَن تعرفين مِن أصحاب الحكمة، ومَن لهم اطِّلاع على حالِكما، ولو لم يكن اطلاعًا شاملًا.

أُذكِّركِ أخيرًا بالدعاء له ومحاولة رقيته بالأذكار والرقية الشرعية، بجانب العلاجِ الطبِّي؛ ففي القرآن شفاءٌ وعلاجٌ ورحمةٌ لكلِّ مؤمن، ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]؛ فدَاوِمِي على رقيته، وحصِّنيه بالأذكار والأدعية, وأَسمِعيه سورة البقرة, وليقرأْها بنفسه, واللهَ أسألُ أن يكتبَ له الشفاء، ولكِ الخلاص والراحة، وأن يُضاعف لكِ أجر الصبر.

والله الموفِّق, وهو الهادي إلى سواء السبيل