تنتابني حالات غريبة.. فلماذا أصبحت هكذا؟!

بسم الله المُلهِم للصَّواب، وهو المُستعان.

أيَّتها العزيزة:

كساكِ الله من خَزائن الصِّحَّة والعافية ثيابَ الملوك وأكاليلها النفيسة، وأكرمكِ في الدُّنيا والآخرة بما أكرمتِني به من تشريفي بالجواب عليكِ، ورفع منازلكِ في علِّيِّين بالمنزلة الرفيعة التي رفعتِني بها، ممَّا يعلم الله - جلَّ شأنُه - أنها فوق ما أنا أهلٌ لها؛ فلقد قلتُ مرارًا: إنَّني لستُ طبيبة!

أيَّتها العزيزة:

إنَّ الرابط وثيق جدًّا بين صحَّة النفس وصحَّة الجسد، فما إنْ يعتلَّ عضوٌ من أعضاء الجسد حتى تتَداعَى له النفس تصدُّعًا وتمزُّقًا واضطرابًا، وما إنْ تعتلَّ النفس وتشتكي حتى يتداعى لاعتلالها الجسد بالحمَّى والسهر، وهذا التفاعُل المستمرُّ بين العوامل الجسديَّة والنفسيَّة يظهَرُ تأثيره بوضوحٍ لدى المصابين ببعض اضطرابات الغُدَدِ الصمِّ؛ كالمصابين بفرط إفراز الغدَّة النخاميَّة أو قُصورها، وفرط نشاط الغدَّة الدرقيَّة أو قُصورها، وفرط إفراز الغدَّة الكظريَّة أو قُصورها، ويختلفُ هذا التأثير بما تُسبِّبه تلك الحالات الغُدِّيَّة والتغيُّرات الهرمونيَّة من تغيُّرات جسديَّة أليمة على بعض الشخصيَّات دُون بعضٍ، وعلى حياتهم الانفعاليَّة ومَدى صَلابة أبنيتهم النفسيَّة.

ولأنَّ كثيرًا من الأعراض التي ذكرتِها - كالتنميل، ورجفة اليدين، وغَزارة الطمث، وفقر الدم الحاد، والتَّعب، ونقص مستويات الطاقة، وضعف القدرة على التركيز، والشعور بالحزن - مرتبطة بشكلٍ كبيرٍ باضطرابات قصور الغدة الدرقية Hypothyroidism التي تُعانين منها، كما فهمت من اسم الدواء الذي تُداوِمين على استعماله، فقد ارتأيتُ بدايةً أنْ تُراجِعي طبيبتكِ لفحص وظائف الغدَّة الدرقيَّة وفحْص الدم؛ فلعلَّكِ اليوم بحاجةٍ إلى زيادةٍ في جرعة الثيروكسين التي كان قد قرَّرَها الطبيب لكِ في أوَّل الأمر، وتعتمدُ هذه الزيادة على عُمركِ ووزنكِ حسبما يُقرِّره الطبيب بنفسه، مع ضرورة التقيُّد بالتوصيات الطبيَّة التالية التي يُنبِّه إليها أطباءُ الغدد الصمِّ عادةً لمن هم في مثل حالتكِ:

1- رصد وظائف الغدَّة الدرقية سنويًّا، والانتظام على فحص الدم من وقتٍ إلى آخَر لضبط جرعة الثيروكسين.

2- تناوُل الدواء يوميًّا قبل طعام الإفطار على معدة فارغة.

3- عدم تناول الأدوية والأطعمة التي تتَفاعَل مع الثيروكسين وتمنع امتصاصه في الجسم.

أرى أيضًا ضرورةَ إطْلاع أستاذكِ بوضعكِ الصحي، ومناقشة الأمر معه إن كان في الإمكان تعديل الخطة الدراسيَّة بما يتناسب وحالتكِ الصحيَّة.

بالنسبة لوضْع نومكِ، فلعلَّها تكون شكلاً من أشكال الطقوس القهريَّة التي تظهَرُ عادةً لدى المصابين بالوسواس القهري، إنما لا يعني ذلك بأنَّكِ مصابة بالوسواس القهري مرضًا؛ بل لعلَّه عرضٌ لمرض، ولكني لا أجزم بذلك؛ لصُعوبة التشخيص من استشارةٍ واحدة.

من التفسيرات الأخرى لهذا الوَضْعِ أنها طريقة لا شُعوريَّة يستخدمها الجسد للدفاع والحماية؛ فالذراعان هما السلاحان الطبيعيَّان لدى كلِّ إنسان؛ ومن ثَمَّ سهَّل النوم على هذا الوضع الدفاعي الخاطئ حمايةُ الجسد لتلك الأسلحة! ولعلَّ المخاوف وانفعالات الذُّعر التي تعتريكِ تُؤيِّد هذا التفسير الطريف، والمطلوب منكِ الآن بَذْلُ الجهد واستحضار النيَّة لتعديل هذا الوضع لعلَّتين:

إحداهما: أنَّ السُّنَّة الاضطجاعُ على الشقِّ الأيمن؛ كما ورد في الحديث الصحيح: ((إذا أتَيْتَ مَضجَعَك فتوضَّأ وضوءك للصَّلاة، ثم اضطَجِعْ على شِقِّكَ الأيمن، ثم قُلْ: اللهمَّ أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظَهرِي إليك؛ رغبةً ورهبةً إليك، لا مَلجَأ ولا مَنجَا منك إلا إليك، اللهم آمَنتُ بكتابك الذي أنزَلتَ، وبنبيِّك الذي أرسَلتَ، فإنْ متَّ من ليلتك فأنت على الفِطرة، واجعلهُنَّ آخِرَ ما تتكلَّمُ بِهِ))؛ رواه البخاري.

والثانية: أنَّ هذا الوضع الضاغط يُعَرقِلُ عملَ الدورة الدموية في الجسم.

أمَّا زَواجك أيتها العزيزة فإنْ لم يكن الرجل الصالح، فلا تنتَظِري الابن الصالح، وإنْ كان في أولئك الرجال الذين طرقوا البابَ ثم مضوا خيرٌ لكِ في دِينكِ ومَعاشكِ وعاقبة أمركِ، ما صرَفَهُم الله عنكِ وصرَفَكِ عنهم؛ ما دُمت عاملةً بالاستخارة، فكُوني بخيرٍ واطمئنِّي، وعسى الله أنْ يَرزُقكِ رجلاً صالحًا يحبُّكِ ويُرضيكِ، ويكون لكِ فيه متعةٌ وقرَّة عين، آمين.

والله تعالى أعلم بالصواب، وهو العليم الخبير.