معاناتي مع الخوف

أختي الفاضلة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

يُشرِّفني أن أردَّ على استشارتك في شبكتنا "الألوكة"، وجزاكِ الله خيرًا على ثقتك, أمَّا بعد:

فقد وصلَني من رسالتك أنَّك تخافين على نفسك، وتهتمِّين بها، وهذا جيِّد جيدًا, ومما لفت انتباهي فيك حرصك على العلاج، وهذا رائع، فاستمرِّي في ذلك.

بما أنك ذكرتِ أنَّك تستطيعين الكلام وقت خوفك؛ فأنت قادرةٌ على التخلُّص من هذا الخوف؛ فأريد منك أن تفكري معي في الأسباب التي تجعلك تتوتَّرين وتخافين، وتحاولي التخلُّص منها في أسرع وقتٍ ممكن، وسوف أُساعدك ببعض النِّقاط؛ لِمُواجهة الخوف والوساوس:

• الهروب من الوساوس عن طريق استحضار ما يضادُّها من فكرة، وألاَّ تخافي منها - كما ذكرت - وأن تَعلمي أنَّها ليست حقيقيَّة، وليست نابعةً منك؛ وإنما هي أفكار يلقيها الشيطان ليستغلَّ ضعف الإنسان، فعليك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

• قومي بتحويل التفكير في الوساوس التي تراودك إلى التفكير في شيءٍ آخر؛ مثل أن تقومي بتمارين يوميَّة في المَنْزل، وذلك من خلال أن تتخيَّلي أنَّك أمام مجموعة كبيرة من الناس، وقد طُلب منك إلقاء محاضرة، عيشي هذا الخيال بكلِّ قوة، وبالفعل قومي بارتجالِ موضوعٍ معيَّن، وقومي بتسجيل ما تتحدَّثين به، وبعد ذلك قومي بالاستماع لما قمت بتسجيله، وفي اليوم الثاني تطرَّقي لموضوعٍ آخر، وهكذا.

هذه طريقة مهمَّة ومفيدة جدًّا، وبعدها ابدئي في الكلام بالتَّدريج مع تجاهل الوساوس، ومُواجهة ما تخافين منه بأن تُعرِّضي نفسك لمصدر خوفك، دون أن تستجيبِي استجابةَ الهرب أو الابتعاد من الموقف.

• لا تجلسي منفردةً لفترات طويلة؛ لأنَّ هذا من شأنه أن يجعل الأفكار والوساوس تتردَّد على ذهنك أكثر.

• أنتِ - والحمد لله - تذهبين إلى العمل كما ذكرت، وأرى أن هذه فرصة طيبة جدًّا لأنْ تتفاعلي اجتماعيًّا، ويجب أن تغيِّري نفسك بأن تُخاطبي نفسك داخليًّا، وتقولي: ما الذي يجعلني أخاف؟ هذا مجرَّد قلق، أنا - إن شاء الله - لن أستجيب له أبدًا، وسوف أقتحم هذا الوضع الذي يجعلني أُحْجِم عن التَّفاعل مع الآخرين، أو الخروج من المنزل, أريدك دائمًا أن تتخيَّلي أنك لا تَقِلِّين عن الآخرين في شيء، أنت بشَر، وهم بشر، مهما كانت مناصبهم ومواقعهم، وهذه نقطة لا تجعلك تعملين حسابًا أكثر من اللازم لرأي الآخَرين، وهذا أمر مهم جدًّا في العلاج؛ (عدم الاهتمام بآراء الآخرين أكثر من المطلوب)، فلْتُعطي لنفسك الأولوية في الرأي.

إن الذي أرجوه منك أن تتجاهلي هذا السُّلوك المُنتج عن بعض الحساسية (تعليقات الآخرين) التجاهلَ التامَّ، والتجاهلُ يستطيع الإنسان أن يُدركه ويصل إليه؛ وذلك بأن يُناقش نفسه عن سلوكه؛ مثلاً يجب أن تقولي لنفسك: ما رأيي أنا فيما حدَث؟ وهل صحيح أو خاطئ؟ وحاولي تفسير ما يحدث اجتماعيًّا بصورة أكثر طبيعيَّة وبعيدة عن الحساسية.

• من الطُّرق المفيدة لك: التعبير عن النفس، التعبير عمَّا بداخلك من عواطف ومن أفكار - خاصَّة الأفكارَ التي يكون فيها عدم الرِّضا عن الآخرين، أو عمَّا يدور حولك - عبِّري عن ذاتك في حدود الذَّوق، ولا تتركي الأفكار السلبية تتراكم وتحتقن في داخل نفسك؛ لأنَّ - كما ذكرت لك - شخصيتك تحمل سمات التوتُّر.

إذًا؛ فالتَّفريغ النفسي الذي يتأتَّى عن التعبير عن الذات هو أمر جيدٌ وضروري.

• الأمر الآخر، وهو أن تنظري لنفسك نظرةً أكثر إيجابية، حياتك بالطبع فيها إيجابيات كثيرة، والإيجابيات يتجاهلها الإنسان حين تشغله السلبيَّات، ويبدأ في تضخيم السلبيات وتعظيمها، فأرجو أن تحقري السلبيات وألاَّ تُعطيها اهتمامًا، وحاولي أن تبني على ما لديك من إيجابيات، وتعرَّفي على نقاط الضعف لدَيك، وحاولي معالجتَها والتخلُّص منها تدريجيًّا.

• لا بد من تحديد أهدافك في هذه الحياة بوضوحٍ تام.

• أيضًا كثرة القراءة والمطالعة، وبالأخصِّ في سير رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم صحابته، وهكذا؛ فإنَّ كثرة القراءة في سير هؤلاء سيثير في نفسك الحماس للتخلُّص مما أنت فيه.

• من وسائل العلاج الطيِّبة أيضًا: ممارسة الرياضة - أي نوع متاح من الرياضة - خاصة رياضة المشي والجري بصورة يوميَّة، لمدَّة لا تقلُّ عن أربعين دقيقة؛ فقد وُجِد أنَّها تمتصُّ طاقات الخوف والتوتُّر.

• هنالك أيضًا ما يُعرف بتمارين الاسترخاء، وهي متعدِّدة، وكلها مفيدة إن شاء الله، ومن أفضلها تمارين التنفُّس البسيط المتدرج، وللقيام بهذه التمارين عليك أن تستلقي في مكانٍ هادئ جدًّا، والتفكُّر في أمر طيب، وبعد ذلك أغمضي عينيك، وافتحي فمك قليلاً، ثم خذي نفَسًا عميقًا وبطيئًا، واجعلي البطن ترتفع قليلاً، وبعد ذلك أمسكي على الهواء قليلاً، ثم أخرجيه بنفس القوة والبطء، ويكون إخراج الهواء - الزفير - عن طريق الفم، وكرِّري هذا التمرين أربعًا إلى خمس مرات؛ بمعدل مرتين في اليوم.

وهنالك عدَّة كتيبات وأشرطة موجودة في المكتبات توضِّح كيفية إجراء هذه التمارين.

وأخيرًا: إذا استمرَّ الأمر فلا بد من البحث عن طبيبٍ نفسي آخَر تطمئنِّين إليه، وطلب العلاج الدَّوائي الصحيح.

عليك بالثقة بالله، وإنَّ الله هو الشافي وحده سبحانه، وأسأله - عزَّ وجلَّ - أن يكتب لك المثوبة والأجر، وأذكِّرك باللجوء إليه سبحانه بالدعاء؛ فهو خير مُعِين.