تعرضت للتحرش ومشكلات أخرى

أختي الحبيبة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلاً وسهلاً بك على صفحاتِ شبكة (الألوكة)، أسأل الله أن ييسِّر لكِ كلَّ أمرك، ويفرِّج همّك.

قرأتُ رسالتَك بكثير مِن الاهتمام، وشعرتُ بمدى ما تعانين من ألَم! أسأل الله أن يلهمَكِ الحل الأمثل، والعزيمة الصادقة؛ لتخرجي مِن معاناتك إلى واقِع حياة جديدة أجمل تختارينها، وتَصنعينها بتوفيقٍ مِن الله، ثم بتفكيركِ وإرادتكِ وعزيمتك.

أختي الغالية: كل امرئ سيَسأله الله تعالى يومَ القيامة عمَّا فعَل في حياته الدُّنيا، هل قدَّم الإحسانَ أم الإساءة؟ وسواء كانوا أهلَكِ أم غرباء، كلٌّ سيحاسبه الله تعالى على ما صنَع؛ لذلك انسَي صنيعَهم ووكِّلي أمرك لله.

اصدقي مع الله تعالى في أداءِ العبادة والإخلاص والتوكُّل عليه، وإنِ اعتراك همٌّ أو خَطب، وشعرت بالغربة، فالْجَئي إلى الله تعالى بدلَ أن تعاقبي نفسَك وتجلديها على ما لا شأنَ لك به، فليس أحدٌ كاملاً ومعصومًا مِن الخطأ سِوى حبيبنا المصطفَى - صلوات الله وسلامه عليه - كلنا خطَّاء وخير الخطَّائين التوَّابون، نُخطئ أحيانا في حقِّ الله، أو في حقِّ أنفسنا، أو في حق الغير، ولا نزال بشرًا نُصيب ونُخطئ، وننسى ونجهل، ولا نزال في كلِّ يوم نتعلَّم.

كوني مع الله حبيبتي، يكُنْ معكِ، وليس أوسع مِن رحمة الله ولا أجملَ مِن قُربه والاختلاء به في الصلاةِ والدُّعاء والعِبادة.

داومي على أذْكار الصباح والمساء ستجدين الهدوءَ والراحة، والأمن النفسي، وسيرزقك الله الخيرَ ويوفِّقك للصواب؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أصابَ أحدًا قط همٌّ ولا حزن، فقال: اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابن أمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسم هو لك سميتَ به نفسَك، أو علمتَه أحدًا من خلقك، أو أنزلتَه في كتابك، أو استأثرتَ به في عِلم الغيب عندَك، أن تجعلَ القرآن ربيع قلبي، ونورَ صَدري، وجلاء حُزني وذَهاب همِّي، إلاَّ أذهبَ الله همَّه وحُزنَه وأبدلَه مكانه فرجًا، قال: فقيل: يا رسولَ الله، ألا نتعلَّمها؟ فقال: بلى، يَنبغي لِمَن سمعها أن يتعلَّمها))؛ رواه أحمد.

اصدُقي مع الناس لتجدي الصدقَ والحبَّ، فالجزاء مِن جنس العمل، ما تُقدمينه ستحصلين عليه، أمَّا البشَر ففيهم الصالح والطالح، ولا يزال بالأمَّة خير - إنْ شاء الله.

وقد نهَى الرسولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن تمنِّي الموت، فقال:
((لا يَتمنينَّ أحدُكم الموت لضرٍّ نزَل به، فإنْ كان لا بدَّ متمنيًا فليقلْ: اللهمَّ أحينِي ما كانتِ الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاة خيرًا لي))؛ متفق عليه.

ما عانيتِه أختي الحبيبة، جعلك تكرهين الرجالَ والزواج، أعذرك في ذلك، لكن الزواج سُنة الحياة البشريَّة، ونِصف الدِّين، وسُنة الأنبياء والصالحين، لتعمر الأرْض ويتكاثَر الصالحون مِن أبناء الأمَّة، وليس فيه ضعفٌ للمرأة، بل على العَكس قوَّة لها؛ لأنَّ الله خلَق في الرجل ضعفًا لا تكمله إلا المرأة، وخلق في المرأة ضعفًا لا يُكمِّله إلا الرجل، وهي حِكمة الله في خلْق الزوجين، ولو كان الرجلُ كاملاً بدون المرأة لَمَا احتاج إلى المرأة، ولو كانتِ المرأة كاملةً بدون رجل لَمَا احتاجتْ إلى الرجل: (الرجل والمرأة مكمِّلان لبعضهما)، ويحتاج الرجلُ والمرأة على السواء إلى الحبِّ والاهتمام والحنان؛ ومَن يا ترى يهبُنا هذه المشاعر الجميلة سِوى زوج نحبُّه ويحبنا، نهتم به ويهتمُّ بنا؟! وقد زَوَّج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بناتِه الطيبات الطاهرات، فكيف يكون ضعفًا ويزوِّج بناته؟!

أخيرًا: حبيبتي الكريمة، ما حصَل لك في الصِّغر قدَر الله، وقد حصَل وانتهى ونحن أبناء اليوم والحاضر، فلا تجرجري الماضي معكِ إلى الحاضر؛ لتعيشي عذاباتِه وكأنَّها ما زالت تحصُل.

اسحَبي كل هذه العذابات مِن الذاكرة كما تسحبين القُرص الصلب مِن جهاز الكمبيوتر، ثم قرِّري اليوم بدايةً جديدة وكأنَّك وُلدتِ اليوم بنفَس جديد وهمَّة جديدة، ومشاعِر إيجابيَّة ترغب بالحبِّ والسعادة مِن جديد.

لم تُخبريننا هل أنت متعلِّمة؟ وإلى أيِّ مرحلة دراسية وصلتِ؟

على كلِّ حال التعلُّم ليس له حد:

تَعَلَّمْ فَلَيْسَ المَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ

أنصحُك بالالتِحاق في دَورات تطويريَّة في تنمية الذات البشريَّة، سجِّلي بمراكز تحفيظ القرآن الكريم، ستجدين برفقةِ كتاب الله الأنسَ والسعادة، وتتعرَّفين بإذن الله على الخيِّرات من البنات الفضليات اللواتي قدمنَ ليتعلمنَ كتاب الله ويرتقينَ درجاتٍ عند الله.

ولا بأسَ أن تذهبي لطبيبة تشرحين لها ما تُعانين، فكم يرتاح الإنسان حين يفضفض إلى شخصٍ! والطبيب موضِع ثقة وأمان - إنْ شاء الله.

أسأل الله أن يريحَ بالك، وأن يرزقك الهدوءَ والاستقرار، وأن يهبَكِ الخيرات مِن حيث لا تَحتسبين.