كيفية التعامل مع الآيسة من المحيض

بسم الله الموفِّق للصواب

وهو المستعان

أيتها العزيزة، سألتِ عن مرحلةٍ لا بدَّ لكلِّ امرأةٍ إن طالتْ بها حياةٌ مِن أن تجوزَ على طريقها المُوحِش، وعسى الله أن يَكتُبَ سؤالَكِ هذا في أعمال برِّك بوالدتك الكريمة، سلَّمها المولى - عزَّ وجلَّ.

يقول د. سبيرو فاخوري - أخصائي الجراحة النسائية والتوليد والعقم، ومؤلف "موسوعة المرأة الطبية" -: "إن المرأة مدعوَّة اليوم لرفض تسمية "سن اليأس" الخاطئة والجائرة لهذه المرحلة التي يتداولها ليس العامة فقط، وإنما كذلك المثقفون، وللغرابة الأطباء أيضًا، وتتأتى أدلة الخطأ في التسمية الشرقية، خصوصًا لهذه المرحلة من أنها ليست الترجمة الدقيقة للمصطلح العلمي، ومن كونها لا تعبِّر بشكل صحيح عن سماتها البارزة، فالمصطلح العلمي هو Ménopause))، وهي كلمة مركبة من Méno)) التي تعني الحيض، وكلمة Pause))؛ أي بالتحديد: "توقف الحيض".

وقد اختار د. سبيرو مصطلح "سن العطاء"، بديلًا من مصطلح "سن اليأس"، ثم عرَّفه بقوله: "مصطلح "سن العطاء" يُطلَق على الفترة التي تشهد بَدْء تباطؤ المبيض في أداء وظيفته حتى تختفي بصورة كاملة، وبعدها تبدأ مرحلة جديدة في حياة المرأة هي مرحلة التغييرات".

والذي أراه أنه سنُّ "اليأس من المَحِيض" لا الحياة؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾ [الطلاق: 4]، وهو المرادفُ الشرعيُّ للمصطلح العلمي Menopause الذي يعني: "توقف الحَيْض"! وليس في الشرع الحنيف يأسٌ مِنَ الحياة، وليس في اليأسِ من المَحِيض يأسٌ من الحياة، أو يأسٌ مِنَ الزواج!

ويبدأ ارتفاع الحيض وانقطاعه عند النساء في أعمار مختلفة، وليس بالضرورة أن تصيرَ المرأةُ مِنَ الآيسات مِنَ المَحِيض إذا بلغتْ خمسين عامًا، فمِنَ النِّساء مَن ينقطع عنها الحيضُ في سن الأربعين، ومنهن مَن ينقطع حيضها في سنِّ الثلاثين، ومنهن مَن ينقطع حيضها في سن الستين! وفي الإمكان مُلاحظة ذلك عند انقطاع الحيض عن عادتها لمرات لغير سبب، أو التباعد بين الحيضتين وعدم انتظام دَوْرة الحيض، كما يمكن التنبؤ بذلك باعتبار السن التي ينقطع فيها دم الحيض عند الأم أو الأخت الكبرى.

الأعراض التي تُشير إلى اقتراب مرحلة انقطاع الحيض:

1- اضطراب الدورة الشهرية.

2- التبدُّلات في الثدي.

3- التغييرات الهرمونية.

4- التغييرات الجسدية، وتشمل:

أ- الهبات الساخنة.

ب- شدة الخفقان.

ت- زيادة الإفرازات المخاطية من المهبل.

ث- زيادة في الوزن.

الأعراض التي تظهر بعد انقطاع الحيض نهائيًّا:

1- جفاف المهبل.

2- ضمور المسالك التناسلية.

3- آلام المفاصل.

4- سلس البول.

5- التغيرات النفسية والعصبية.

6- التعب والإنهاك العام.

7- الحزن والاكتئاب.

8- الأرق الليلي.

وكلُّ عرضٍ مِن هذه الأعراض يحتاج إلى شرحٍ لا تتسع له هذه الاستشارةُ، فإن شئتِ التوسع فاقرئيها في "موسوعة المرأة الطبية" للدكتور سبيرو فاخوري.

العلاج:

اليأس من المحيض ليس مرضًا، ولكنه مرحلة طبيعية تمر بها أية امرأة إذا شاخ مبيضها، وتوقَّف عن إفراز الهرمونات الأنثوية، خصوصًا هرمون الإستروجين، وفي الإمكان تعويض نقص هذا الهرمون بالإستروجين النباتي Plant Estrogen، الموجود بوفرة في فول الصويا ومنتجاتها؛ كالتوفو، وحليب الصويا، كما يعد بزر الكتان والفاصوليا من أهم مصادر الإستروجين النباتي، وتباع هذه البدائل في الصيدليات على هيئة كبسولات عشبية، فاسألي الصيدلاني عنها.

كيفية التعامل مع الأمهات في مرحلة اليأس من المحيض:

أولًا: التثقيف المعرفي بشأن هذه المرحلة، والآثار النفسية، والفسيولوجية، والعصَبيَّة، والاجتماعية المترتبة عليها؛ لأجل تفهُّم الحالة النفسية التي تمرُّ بها والدتكِ، والتقلبات المزاجية التي تعترضها.

ثانيًا: تثقيف والدتكِ بشأن هذه المرحلة بلغةٍ بسيطة، ومفردات منتقاة، وعبارات مشبعة بالحب، والحنان، والرحمة، في وقت من أوقات هدوئها واسترخائها، وفي مكان ملائم للحديث والنقاش.

ثالثًا: التثقيف الغذائي بشأن ما تحتاج إليه من أغذية نافعةٍ في هذه المرحلة؛ مثل:

1- الأطعمة الغنية بالكالسيوم؛ كالحليب ومشتقاته.

2- والأطعمة الغنية بالماغنيسيوم؛ كالبقول، والمكسرات، والشوكولاتة السوداء.

3- والأطعمة الغنية بفيتامين B؛ كأنواع السمك، والفواكه، والخضار.

4- والمشروبات العُشبية ذات المنافع الطبية؛ كالبابونج الذي يُساعد على الاسترخاء النفسي وإطفاء التوتر العصبي، والزنجبيل الذي يقطع الغثيان والقيء.

وكذلك التثقيف الغذائي بشأن الأغذية التي ينبغي الاعتدال في أكلها؛ كاللحوم الحمراء، والبيض، والأطعمة المقليَّة، والأطعمة التي تلذع اللسان؛ كالفلفل، والمشروبات المحتوية على الكافيين؛ كالشاي والقهوة.

رابعًا: تجنب مضايقتها، أو تعمُّد استفزاز أعصابها بالتصرفات والمسالك الخاطئة، فهذا وإن كان جزءًا من التعامل مع طبيعة المرحلة، يبقى وجهًا من أوجه البر والإحسان إلى الوالدين.

خامسًا: مساعدة والدتكِ في الأعمال المنزلية، بخاصة تلك الأعمال التي يمكن أن تفجر غضبها؛ كالطبخ، وغسل الثياب والآنية.

سادسًا: الخروج إلى النُّزَه، والأَخْذ بيدها، والمشي معها ومحادثتها لمدة لا تقل عن نصف ساعة يوميًّا.

سابعًا: امتداح هيئتها، ووَصْف حسنها وجمالها متى لبستْ ثوبًا جديدًا، أو تحلَّتْ بحليها، أو تزينتْ بزينتِها، أو نظرت وجهها في المرآة؛ حيث تشعر النساء في هذه الفترة بفقدان الثقة بالنفس، ونقْصِ درجات الجمال، وفي إمكانك إهداء والدتكِ العزيزة قطعة تجميلية تحتاج إليها؛ كالكحل أو أحمر الشفاه؛ لكسب ودِّها.

ثامنًا: اذهبي معها إلى السوق لشراء ثيابٍ خفيفة منسوجة من القطن لتَتَبَرَّد بها؛ حيث تشعر النساء في هذه المرحلة بهبات ساخنة من نقص هرمون الإستروجين، فيسير العرقُ على الجبين والرقبة على شدة البرد؛ مِنْ أجل ذلك لا بد مِنْ تفهم إحساسها الدائم بالحر!

تاسعًا: التعامل مع التقلُّبات المزاجية بضبط النفس، والصبر، والهدوء، وتَرْك الجدال، أو محاولة الإقناع والشرح؛ حتى يعتدل مزاجها، وتسكن نفسها.

عاشرًا: التدلك بدهن الخزامى، أو دهن البابونج، أو حرقها حتى يمتلئ الرأس بروائحها الطيبة المرخية للأعصاب، والمولدة للسكينة والهدوء النفسي.

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين