هل أذهبُ إلى القاضي وأشكو حالي؟

بسم الله الهادي للصواب

 وهو المستعان

عن عائشة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا عائشة، كنتُ لكِ كأبي زَرْعٍ لأمِّ زرعٍ، إلاَّ أنَّ أبا زرعٍ طلَّق، وأنا لا أُطَلِّق))؛ "صحيح الجامع"؛ الألباني.

أيتها العزيزة، أُرَتِّب - بدايةً - الأحداثَ كما فَهِمتُها:

أولاً: طلَّقكِ زوجُكِ ثلاثًا بفمٍ واحد، أو مجلس واحدٍ (طلاق بدعي)، وحين تَرافَعتُما إلى القاضي، احْتَسبها طلاقًا بائنًا (وهو قول الجمهور)، وأُصْدِرت وثيقة الطلاق بذلك: (صك الطلاق).

ثانيًا: راجَعكِ زوجُك في العدة، وزعم أنه مريضٌ نفسي، فألْغَى القاضي حُكمَ البينونة مُحتسبًا الطلقات الثلاث طلقةً واحدة، فعُدَّ الطلاق رجعيًّا، فرَجَعتِ إلى بيت الزوجيَّة، وهذا التراجُع في الحكم يُفهَم منه ما يلي:

- أنَّ زوجَك قد قدَّم "التماسَ إعادة النظر"، أو نَقْض الحكم في الحكم النهائي للمحكمة، ولعلَّ حالة من الحالات السِّبع المنصوص عليها في المادة 192 من نظام المرافعات الشرعيَّة السعودي، قد انطبَقَت على زوجك.

- اعتبار التلفُّظ بكلمة "طالق" ثلاثًا طلقةً واحدة، هو اختيار شيخ الإسلام وابن القيِّم - رَحِمهما الله رحمةً واسعة - وهو القول الذي يُفتي به سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة، وقد صرَّح بذلك في حوار أجرتْه معه جريدة الرياض، فسُئِل - حَفِظه الله -: هل التلفُّظ بكلمة "طالق" ثلاثًا يُعَدُّ طلقةً واحدة، أو ثلاث طلقات؟

فأجاب: (طلاق الثلاث بكلمةٍ واحدة وما في معناه، مثل: "طالق بالعشرة"، و"طالق عدد الشجر"، هذه المسألة فيها خلاف قوي قديم بين أهل العلم؛ فبعضهم يرى أنه يقعُ به طلقة واحدة، كما هو الحال في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر - رضي الله عنه - وسنتين من خلافة عمر - رضي الله عنه - وبعضهم يرى أنه يقع به ثلاث طلقات، تَبينُ به الزوجة من زوجها بينونةً كبرى؛ كما قضى به عمر - رضي الله عنه - بعد سنتين من خلافته، ووافَقه على ذلك بعض الصحابة - رضي الله عن الجميع - والذي أُفتي به في هذه المسألة، ويُفتي به سلفنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: هو القول بأنه يقع به طلقة واحدة، وهو قول جَمْع من المُحقِّقين من أهل العلم؛ منهم: شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتلميذه ابن القيِّم - رحمة الله عليهما - للدليل السابق المذكور).

المصدر: http://www.alriyadh.com/2010/02/05/article495926.html

ثالثًا: طلَّقك زوجك طلقةً ثانية، (باعتبار الثلاث - بفمٍ واحدٍ أو مجلس واحد - طلقةً أُولَى).

رابعًا: مرَّ شهران، إضافةً إلى ما مضى من أيام عند كتابة الجواب ومراجعته في الألوكة، والله يقول: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].

فإن انْتَهَت أشهر العدة، ثم رَغِبتما في الرجوع، فلا بدَّ من عقد جديدٍ، ولكن يبدو أنَّ خيار التسريح هو الأفضل لكليكما، والله تعالى يقول: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾ [النساء: 130].

والنصيحة هنا أن تُراجعي المحكمة الشرعيَّة ومعك بطاقتك الشخصيَّة وعَقْد زواجكِ، وتوجَّهي بنفسك إلى القاضي الذي استلَم قضيَّتك منذ بدايتها؛ لإلمامه بجميع تفاصيل المشكلة، وستتحرَّى المحكمة ما إذا كان زوجُك قد سجَّل واقعة الطلاق في إحدى مكاتب الأحوال المدنيَّة أم لا، ووقتئذٍ ستجدين نفسَك أمام احتمالين: إمَّا أن يكون زوجك قد استخرَج صكًّا بطلاقك، فيَسهل عليك الأمر لاستلامه، أو أنه قد تهاوَن في المسألة، ولَم يُسَجِّل واقعةَ الطلاق، وعندئذ ستكونين في مهمَّة تَتطلَّب منك ومن أهلك الصبرَ الجميل؛ لإثبات واقعة الطلاق، واستلام الصكِّ، ومثل هذه المسائل قد تطول أحيانًا؛ بسبب تعنُّت بعض الأزواج، فتضرَّعي إلى الله تعالى وابْتَهلي، وأكْثِري من الدعاء.

رَبَّاهُ إِنْ ضَاقَتْ فَسِيحَاتُ الْمَدَى وَتَعَطَّلَتْ لُغَتِي عَنِ الإِعْرَابِ فَالْحَالُ تَعْلَمُهُ وَتَعْلَمُ حَاجَتِي وَبِبَعْضِ جُودِكَ تَنْتَهِي أَوْصَابِي

أمَّا الخُلع، فلا تَلْجئي إليه إلاَّ حلاًّ أخيرًا إذا ضاقَت عليك المذاهب، وتقطَّعت بكِ السُّبل؛ لإثبات طلاقك، فاصْبِري ولا تتسرَّعي في عَرْضه على زوجكِ، ما دام أنه مُتَمَهِّر في التطليق، وعسى الله أن يُعَجِّل بالفرج والعوض، والله أعلم بالصواب.