صديقتي يضربها أخوها، فيكف أساعدها؟!

بسم الله الموفق للصواب

وهو المستعان

تلك هي الجاهلية الجديدة، أن نعتبرَ المرأة عارًا يجب الحيطة منه، والحذَر مِن تصرُّفاته! "الدنيا...امرأة"؛ تركي الدخيل.

أيتها العزيزة، يُصبح الأخ متَسَلِّطًا على أخواته إذا انتهى دورُ الأب بالموت، أو بتَخَلِّيه عن مسؤولياته وهو حيٌّ - كما فعَل والد صديقتكِ، فقد اكتفى بدَور الزوج لثلاث نساء، وسلَّم مَقاليد الأبُوَّة للإخوة الذين أساؤُوا لمعنى الأبوة، ومعنى الأُخُوَّة، ومعنى الإسلام! فلو قرأ هذه الاستشارةَ شخصٌ غير مسلم، فإننا نؤكِّد له أنَّ أمثال هؤلاءِ لا يمثِّلون الإسلام؛ لأنَّ أسوةَ المسلمِ نبيُّ الله - تعالى - محمدٌ - صلى الله عليه وسلم؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، ولم يكُنِ النبيُّ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أخًا جبَّارًا شقيًّا؛ قال ابنُ حجر العسقلاني في "الإصابة": "قال ابن إسحاق عن أبي وجزة السعدي: إنَّ الشيماء لَمَّا انتهتْ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قالتْ: يا رسول الله، إني لأختكَ من الرضاعةِ، قال: ((وما علامة ذلك؟))، قالتْ: عضَّة عضضتها في ظهري وأنا مُتَورِّكتك، فعرَف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - العلامة، فبَسَط لها رداءه، ثم قال لها: ((ها هنا))، فأجلَسَها عليه، وخيَّرها فقال: ((إنْ أحببتِ فأقيمي عندي مُحَببةً مكرَّمةً، وإن أحببتِ أن أمتعكِ فارجعي إلى قوْمكِ))، فقالتْ: بل تمتعني وتردُّني إلى قومي، فمتَّعها وردَّها إلى قومها، فزعم بنو سعد بن بكر أنه أعطاها غلامًا، يقال له: مكحول وجارية، فزوَّجت إحداهما الآخر، فلم يزلْ فيهم مِن نسلِهم بقيَّة"!

هذا نبيُّنا الأخُ الشفيق، الذي يُكرم أختَه مِن الرضاعة، ويَثق بها، ويُدنيها منه، ويدعُ لها حرِّيَّة الاختيار، فأي أخٍ ينتَسب إلى الإسلام، لا يفعل فِعْل النبي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مع الشيماء - رضي الله عنها - فقد آثر الجاهليَّة على الإسلام، ونحن منه بُرَآء.

بالنِّسبة لمشكلة صديقتكِ، فثمَّة نقاطٌ إيجابيَّة ينبغي التركيز عليها:

1- أنَّ الأخ الكبير مُتزوِّج، ويَسْكُن في مدينةٍ ثانية.

2- أن الأخوات المتزوِّجات متعاوناتٌ مع شقيقتهن؛ "شراء الحاسوب مثلاً".

3- دعْمكِ لها، وائتمانها لكِ على حاجتها لِوَضْع أماناتها في بيتكِ.

وهذه النقاطُ تهوِّن المشكلةَ؛ حتى يجعلَ اللهُ لها مِن أمْرِها فَرَجًا، وتتزوَّج برجُلٍ صالحٍ يُكرمها، ويحبها، ويُبعدها عن مشاعر الخَوف والهوان والمذلَّة التي تعيشُها في بيت أهلِها، أمَّا حُقوق الإنسان فلن تنظرَ في هذه المشكلة، فنحن لَم نَزَل متأخرين جدًّا في هذا الباب! مع أنه من أخلاقِنا وآدابنا الإسلاميَّة، ولكن الحقيقة المُرَّة أنه ليس لنا مِن حُقُوق الإنسان إلا اسمها!

الشيء الذي تستطيع صديقتُكِ أن تفعلَه للتخفيف مِن ضغط المشكلة، هو البحث عن وظيفة لفتْح بابٍ جديدٍ للخُرُوج من هذا الكهف الخانق، والسَّعي للتأثير على الأخ الصغير الذي يشي بها، فلو تَمَّ ردْعُ الصغير، فلنْ يكونَ هناك قلَقٌ كبيرٌ من الأخ الكبير إلا فيما يُسَبِّبه وجودُه لها من رُعبٍ وقلَق! فلتُرَكِّز على هذه النقطة، وتطلب مِن شخصٍ يكون له تأثيرٌ عليه؛ كقريبٍ لها، أو أستاذٍ في المدرسة، أو والدكِ أنت "الجار"، أو إمام المسجد - أن يُسهمَ في حلِّ هذه المشكلة مِن خلال نُصح الصغير بعدم الإساءة إلى أخواتِه، ومتى توَقَّف الصغيرُ عن تلك التصرُّفات، خفَّ الضغطُ النفسيُّ على صديقتكِ - بإذن الله تعالى.

أمَّا أنتِ فأُفَضِّل أن تبتعدي قليلاً؛ كي لا يَتَسَبَّب قربُكِ الشديدُ مِن حِرمانِها منكِ، فأنا أخشى أن تقطعَ علاقتها بكِ إذا اكتَشَف أخوها أنَّكِ تُساعدينها، لذلك حاوِلي الحِفاظ على وُجُودكِ في حياتها بشكلٍ يُساعِد صديقتكِ، لا بالشكل الذي يجعلها تخسركِ بسبب بعض العُقُول الجاهليَّة!

ولا تنسوا الدُّعاء؛ فكلُّ كبيرٍ فوقه مَن هو أكبر منه، والله أكبر مِن الجميع، والله لا يرضى بالظُّلم، ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[النور: 63].

وذكِّري صديقتكِ بتَقوى الله؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب.