كابوس متكرر

بِسْمِ اللهِ الهادي للحق

وهو المُستعان

قال الحجَّاجُ بن يُوسف لخريم النَّاعم: ما النِّعْمة؟ قال: الأمْن؛ فإنِّي رأيتُ الخَائِف لا ينتفعُ بعَيْش؛ "العقْد الفَريد"، ابن عبدربِّه.

أيُّها الأخ الفاضِل:

ما نحنُ بِتَأْويلِ الأَحْلامِ بِعالِمِين، ولكنَّنا في الأَلُوكة نجتهدُ لتَفْسير الحَالاتِ النَّفسيَّة المُرْتبِطة بمُحْتوى هذه الأَحْلام؛ لارتِباطِ الأَحْلامِ بعِلْم النَّفْس على نَحْوٍ وَثِيق، وقد كان فرويد أوَّل من ربطَ الأَحْلامَ بعِلْم النَّفْس في كتابه الشَّهير "تَفْسير الأَحْلامِ"، ثُمَّ تابعَه العالِمان: كارل يُونغ وألفْرد أدلَر.

لدينا هُنا اصْطلاحان ينبغي التَّفْريق بينهُما في مُشكلتِكَ، وهما:

أ - الكابُوس A nightmare.

ب - والفزَع الَّليليّ Night Terror.

والفَرْق بينهُما يشرحُه الدُّكتور أحْمَد عكاشة في كِتابه "الطِّب النَّفْسيّ المُعاصِر" حيثُ يقُول:

أوَّلاً - الكابُوس:

الكابُوس هو: خِبْرة حُلْم مُحمَّل بالقَلَق والخَوْف، ويليه اسْتِرْجاعٌ تَفْصيليٌّ شَدِيد لِمُحْتوى الحُلْم، وتَجْربة الحُلْم هذه تَجْربة حيَّة جدًّا، وتتضمَّن عادةً مَوْضُوعاتٍ تَخصُّ تَهْديداتِ البَقاء أو مَوْضُوعات مُشابِهة لها، وأثناءَ النَّوْبة النَّمُوذجيَّة، توجدُ دَرَجة من النَّشاط العَصَبيّ اللاَّإراديّ، ولكن لا تُوجد أصواتٌ تُذْكَر أو حَركة جِسْميَّة، وعندَ الاسْتِيقاظ يُصبحُ الفَرْد مُنتبِهًا ومُهتديًا بِسُرعة، ويستطيعُ التَّواصُل مع الآخَرين، فيُعطي عادةً تقريرًا تفصيليًّا لخِبْرة الحُلْم؛ وذلك إمَّا في الفَتْرة التَّالية للاستيقاظ مُباشَرةً، أو في الصَّبَاح التَّالِي.

ثانيًا - الفزع الليلي:

فزعاتُ النَّوْم أو الفزعاتُ الَّليليَّة هي: التَّعْبير الأكثرُ توصيفًا في السِّلْسلة التَّشْخيصيَّة المُتَّصِلة، الَّتي تتضمَّن التّجْوال أثناءَ النَّوْم، وهي نَوْبات ليليَّة من الفزَع الشَّدِيد والهلَع، تُصاحِبها أَصْوات عَالِية وحَرَكة زَائِدة، ومُسْتوياتٌ عَالِية من النَّشاط العَصَبيّ اللاَّإراديّ، ويقومُ الفَرْد من نَوْمه جالِسًا أو واقفًا عادةً أثناءَ الثُّلث الأوَّل من النَّوْم الَّليليّ، ويصرُخ صَرْخةَ رُعْب، وأحيانًا يُسرِع هُو أو هِي إلى البابِ، كما لو كانتْ هُناك مُحاولَة هُرُوب، وإنْ كانَ نادرًا جدًّا ما يترُك الفَرْدُ الغُرْفة.

بالنِّسبة لِحُلْمكَ المُزْعِج (الكابُوس)، فهو - كما يظهرُ - مُرْتِبطٌ بالمَوْقف الذي مررْتَ به سابِقًا، فهو صُورةٌ رمزيَّة للواقِع الذي عِشْتَه، ولا يَزيد عن كونِه "حَدِيث نَفْس" كما يُسميِّه المُعبِّرون، والمَرْء إذا حدَّث نفسَه بشَيْء، فربَّما ظهَر حديثُه في بعضِ أحْلامه على نحوٍ رمزيّ، أو كما يَصطلحُ علماءُ النَّفس على تسميتِه بـ"حُلْم القَلَق"؛ حيث يكونُ سببُ هذه الكَوابِيس: الضُّغوط الانفعاليَّة، والاضْطِرابات النَّفسيَّة.

وعن تَكْرار الكابُوس ستَّ مرَّاتٍ أو أكثر، فهذا جُزْءٌ من طَبِيعة الكابُوس؛ حيثُ تتكرَّر الأحلامُ المُزْعِجة بحَسب إلْحَاح الفِكْرة المُقْلِقلة في العَقْل الباطِن، ومتى انتهَت المُشكِلة التي تفكِّر فيها سيتوقَّف تكرارُ الحُلْم المُزْعِج بمَشِيئة اللهِ تَعالى.

ثَمَّة تَفْسيرات وتَحْليلات أضربتُ عنها؛ حِفظًا لِخُصوصيَّة وضعكَ، واللهُ يعينُكَ، ويحميكَ من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ، ويُزيح الهمَّ الجَاثِم عن صدْركَ، آمين.

أمَّا ذهابُكَ لفَتْح البابِ وأنتَ نَائِمٌ، فتُسمَّى هذه الحالة: التَّجْوال أثناءَ النَّوْم Somnambulism، وهي من اضْطراباتِ النَّوْم الثَّانويَّة الَّتي تَشِيعُ بين الأطفالِ والمُراهقين، ولكنَّها قد تحدُث في أيِّ عُمر، وفي هذه الحَالِة تكون مُترافِقة ولا بُدَّ مع عُصَاب القَلَق، والضَّغْط النَّفْسيّ العَالِي، بالإضَافة إلى الاسْتِعدَاد الوِراثيّ.

وقد جَاء في "مَوْسُوعة الطِّب النَّفْسي" للدُّكتور عبدالمُنْعم الحفنيّ ما نَصُّه: "كان المَظْنون أنَّ التَّجوُّلَ أثناءَ النَّوْم بَدِيلٌ للأحْلام، أو أنَّه تَحْقيقٌ لها أو إِفْراغٌ لِمُحْتوى الحُلْم، وأنَّه لذلك لا يَحْدُث إلاَّ في فَتراتِ النَّوْم المُرمش؛ لأنَّه النَّوم الذي تَجري فيه الأحْلام، ولكنْ ثبتَ أنَّه يحدُث في الثُّلْث الأوَّل من الَّليْل، وفي أيِّ من فَترات النَّوْم غير المُرمش، وخاصَّة في المَرْحلتيْن الثَّالِثة والرَّابِعة، حيثُ تقِلُّ القُدْرة على الاسْتِدعاء والتَّذكُّر، ومِن ثَمَّ تَقِل الأحْلام".

ويرتبطُ التّجْوال الَّليليُّ بالفزَع الَّليليِّ على نحوٍ كبَير، يقولُ د. أَحْمد عكاشة: "عِندما تستمِرُّ الحَالتان - أي التِّجوال الَّليليّ والفزَع الَّليليّ - في الحُدوث - يريد منذُ الطُّفولة حتى الكِبَر - أو تُلاحَظان لأوَّلِ مرَّة في الرُّشْد، فإنَّ كليهما يَميلُ إلى أنْ يكونَ مصحوبًا بدرَجةٍ عالية مِن المرضيَّة النَّفْسيَّة، ولذا اعتُبِرتْ الحَالتان أخيرًا جُزء من مُتَّصَل تَشْخيصيٍّ وَاحِد؛ وذلك استنادًا إلى التَّشابُهات السَّريريَّة والمَرضِيَّة بين التجوال الَّليليّ والذُّعْر الَّليليّ".

ولا يَلْزمه أيُّ تدخُّلٍ عِلاجيّ، فيما عدا تَوْفِير بيئةٍ آمِنة ومُطَمْئِنة، وهو الأمْر الذي تَفْتقده حتَّى الآن فيما يَظْهر لي من كَلامِك.

أمَّا عن انْزعاجِكَ من الأصْواتِ الحادَّة، والأضَواء فقد يكونُ سببُها حساسيَّة عَالية في شَخْصيِّتكَ؛ فالشَّخْص الحسَّاس يمتلكُ حواسَّ مُرْهفة جدَّا، فيَنْزعجُ من الأَصْوات العَالِية، والأضْواء البَاهِرة، ولعلَّ حالةَ التَّوتُّر والاستِنْفار التي تعيشُها قد ساهمتْ بشكلٍ أو بآخَر في رفع درجةِ حساسيَّة حواسّكَ، هذا هو التَّفْسير الأقْرَب خاصَّة أنَّ الضَّوْء الأحْمَر من الألْوان التي تَزيد من حدَّة التَّوتُّر، لكنِّي أنصحُكَ بفَحْص عينيكَ عند طَبِيب عُيون؛ فربَّما أصبحتْ لديكَ حساسيَّة من الضَّوْء Photophobia؛ لأسبابٍ عُضويًّة؛ كالتِهاب المُلتحمة، ونَحْوها من أًمْراض العُيون، أو بسبَب الصُّداع النِّصْفيّ.

والخُلاصة: أنَّ كُلَّ هذه الأحْلام المُزْعِجة والاضطراباتِ النَّوميَّة سببُها التَّوتُّر الشَّدِيد، وعُصَاب القلَق والخَوْف بسبَبِ ظُروفكَ الخاصَّة التي ألجأتكَ إلى الهِجْرة كما وقعَ في وهْمِي، وعِلاجُ هذه المُشْكلات يبدأُ بعِلاج القلَق والتَّخْفيف من التَّوتُّر، وأنا أقدِّر تمامًا صُعوبة عِلاج القَلَق في ظلِّ بقَاء مَصْدر القَلَق، فإذا كان المَصْدرُ المُثِير للقلَق باقيًا حتَّى يومكَ هذا فلا يفترْ لسانُكَ عن قَوْل: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ"، فَفي سُورة آلِ عِمْران يقولُ ربُّ العزَّة - جلَّ جلاله -: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 173 - 175].

وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، قالَهَا إِبْراهيمُ - عليه السَّلام - حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّار، وقالَها مُحَمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينَ قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ رواه البُخاريّ.

وأيضًا عليكَ بدُعاء يُونُس النَّبِيِّ - عليه الصَّلاة والسَّلام -: "لا إلهَ إِلا أَنْتَ سُبْحانكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمين"، ففي "السِّلْسلة الصَّحِيحة":((ألا أُخْبِركم بشيءٍ إذا نزل بِرَجلٍ منكم كربٌ، أو بلاءٌ من بلايا الدُّنيا، دعا به يفرِّج عنه؟)), فقيل له: بلى، فقال: ((دعاء ذي النُّون: لا إله إلاَّ أنت، سبحانك إنِّي كنت من الظَّالِمين))، ولقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143 - 144].

وثَمَّة أَدْعية مبُاركة أوردَها ابنُ قيِّم الجوزيَّة - رحمه الله ورَضِي عنه - في "الوابل الصَّيِّب" تُقال عند لِقَاء العَدوِّ، ومَن يَخافُ سُلطانًا وغيرَه، منها:

- ما ورد في سُنن أبي داود والنِّسائيّ عن أبي مُوسَى الأشعريّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا خاف قومًا قال: ((اللَّهمَّ إنَّا نَجْعلك في نُحورهم، ونعوذ بك من شرورهم))، صحَّحه الألباني.

- وروى أحمدُ والترمذيُّ عن النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه كان يقولُ عند لِقاء العَدُو: ((اللهُمَّ أَنْتَ عَضُدي وأَنتَ ناصِري، وبِكَ أُقاتِل))، صحَّحه الألباني.

فَوِّض إِلَى اللهِ فِيمَا أَنْتَ خَائِفُهُ وَتِقْ بِمُعتَضِدٍ بِاللهِ يَغتَفِرُ وَلا تَرُعْكَ خُطُوبٌ إِنْ عَدَا زَمَنٌ فَاللهُ يَدْفَعُ وَالمَنْصُورُ يَنتَصِرُ وَاصْبِرْ فَإِنَّكَ مِنْ قَوْمٍ أُولِي جَلَدٍ إِذَا أَصَابَتْهُمُ مَكْرُوهَةٌ صَبَرُوا

ولِمَزيد فائِدةٍ أنصحُكَ بِمُطالَعة كِتاب "الأمن النَّفْسيّ"، تأليف: د. مُحمَّد مُوسَى الشَّريف، تجدُه هُنا على الرَّابِط التَّالي: http://waqfeya.net/book.php?bid=6339

ولا تنسَ شُرْبَ مُضادَّاتِ القَلَق الطَّبيعيَّة؛ كالبابُونَج، والشَّاي الأخْضَر، ومُزاولَة الرِّياضة لمُدَّة لا تقِل عن نِصْف الساعة يوميًّا، خاصَّة تَمارين رَفْع الأَثْقال والسِّباحة، بالإضافة إلى تَمارِين التَّنفُّس لمُدَّة 7: 8 دَقائِق، مع الاسْتِحمَام الدَّافِئ، والتَّفْكير الإيجابيّ قُبيل النَّوْم.

وكنتُ قد ذكرتُ بعضًا من آدابِ النَّوْم في اسْتشارة (أَحْلام وكَوابيس مُزْعِجة) بما أرجو أنْ يكونَ فيها غُنْيةٌ إنْ أردتَ الوُقوفَ على مَعْرفتها، فأغنَى ذلك عن التَّكرار.

واللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أعلمُ بالصَّواب، وهُو العَلِيمُ الخَبِيرُ.