أريد تخصصًا بعيدًا عن البرمجة

بِسْمِ اللهِ الهادي للحقِّ

وهو المُستعان

أيُّها الطَّالب المُجِدّ:

إنَّ مَذْهَبي في الدِّراسات العُليا: أنْ يواصِلَ طالبُ العِلْم تعليمَه ما أَمْكنه الدِّراسَة في التَّخصُّص نفسِه، أو ما كان قريبًا منه، ما دام مشغوفًا بالعِلْم الذي اختارَهُ في مَرْحلة البكالوريوس، وَلكَ أنْ تعلمَ الفرْقَ بين دِراسَة الماجستير والبكالوريوس في الجَامِعة؛ فدِراسة البكالوريوس دِراسة عامَّة ومُطوَّلة، بينما الدِّراسة في مَرْحلة الماجستير أكثرُ دِقَّة وتُخصُّصًا، واختصارًا على أهمِّ الموادِّ الدِّراسيَّة التي تدعمُ التَّخصُّص نفسه، وأقل زمنًا، فلا تجعلْ من مادَّةٍ واحدة كالبَرْمجة أنْ تُعطِّل سيرَ مُستَقبلكَ الأكاديميّ، وحُلمكَ التِّقني.

وقد لاحظتُ أنَّ نفسَكَ تُنازِعكَ إلى تخصُّصكَ "أَنْظمة المَعْلُومات الحَاسوبيَّةComputer Information Systems (CIS)"، مع مَيْلٍ إلى دِراسَة "الإدَارةManagement "، والعِلْمُ الذي يُوفِّق بينَ هَذا وَذاك هو: "نُظم المَعْلومات الإداريَّة Management Information Systems (MIS)"، حيثُ تجمعُ الدِّراسةُ فيه بينَ موادِّ قِسْم الحَاسِب وموادِّ قِسْم الإِدَارة، ما يتيحُ لكَ العملَ بعدَ التَّخرُّج والعَوْدة إلى الوطَن - بعَوْن الله وتَوْفيقه - في مجالاتٍ مُتنوِّعة، تشمل: الحَاسِب والمُحاسَبة، ونُظُم المَعْلومات وَالإدَارة.

وهذا التَّخصُّص المُهِمُّ تضمُّه بعضُ الجَامِعات إلى "كُلِّية الحَاسِب وتقْنِيَة المَعْلُومات"، وبعضها الآخَر تضمُّه إلى "كُلِّيَّة الإِدَارة"، بيد أنَّهُ - وإنْ ضُمَّ إلى كُلِّيَّة الإِدَارة - يظلُّ فرعًا من فروعِ عِلْم الحَاسِب الآلي، مثله في ذلك مِثْل نُظم المَعْلومات الحُاسوبيَّة، ولستُ أدري أين مَوْقع هذا القِسْم في جامعتِكَ؟ والسُّؤال الذي يطرحُ نَفْسه الآن: هل ستدرسُ علْمَ "البَرْمجة" في هذا التَّخصُّص؟

والجَواب: أنَّني بعد اطِّلاعٍ سَريع، لم أجدْ لِلُغةِ البَرْمَجة أيَّ مكان في تخصُّص "نُظم المَعْلومات الإداريَّة"، بخاصَّة لو درستَه في كُلِّيَّة الإِدَارة، فكما قلتُ لكَ آنِفًا: إنَّ هذا التَّخصُّص تتَنازعه كُليَّتان: الإدَارة وتقْنية المَعْلومات، ومتى ضُمَّ إلى كُلِّيَّة الإِدَارة غلبَ عليه الطَّابعُ الإداريّ، ومتى ضُمَّ إلى كُلِّيَّة تَقْنية المَعْلومات غلبَ عليه الطَّابعُ التِّقنيّ، وأنتَ أقرب منِّي لمعرفة ذلك، والتَّحقُّق مِن صِحَّة هذه البَيانات، فابحثْ - هُديتَ - واسألْ عن هذا التَّخصُّص المَاتِع الذي سيفتحُ لكَ بوَّاباتٍ واسِعة أثناءَ البَحْث عن وظيفةٍ مُستقبلاً، إِضَافة إلى شهادتكَ المُميَّزة في أَنْظمة المَعْلُومات الحَاسوبيَّة، وبِحَسب ما فهمتُ، فإنَّ تخصصُّك مُرتبِطٌ في الأَصْل بثَلاثة عُلوم:

1 - عِلْم الرِّياضيَّات.

2 - عِلْم الحَاسِب الآلي.

3 - نُظُم المَعْلومات الإداريَّة.

فإذا أكملتَ دراساتكَ العُليا في نُظم المَعْلومات الإداريَّة، لَم تخرجْ بذلكَ عن دَائِرة تقْنية المَعْلومات التي وجدتَ نفسكَ بين فُروعِها - عدا البَرْمجة - من بعدِ رِحْلة أَلِيمة؛ بحثًا عن تخصُّصٍ يوافقُ هواكَ، ويُناسب مُيولكَ واهْتِماماتك.

يبقى الشقُّ الثَّاني من السُّؤال: "هل تترك المدينة التي تدرس فيها الآن؟!".

والجواب: أنَّ هذا القَرار يعتمدُ على مَدى تَوافر القِسْم في الجَامِعة التي تدرسُ فيها، فابحثْ عنه في كُلِّيَّة الإِدَارة، إنْ لم تجدْهُ في كُلِّيَّة الحَاسِب وتَقْنية المَعْلومات، فإنْ لَم تفتحِ الجامعةُ هذا القِسْم لدِراسَة الماجستير، فلا تربطْ نفسَكَ بزُملائكَ؛ فإنَّ لكلِّ واحدٍ منهم طريقًا يسيرُ فيه، وهذا مُستقبلكَ وحدَكَ، ولن يُفيدَكَ زملاؤكَ بشَيءٍ، إنْ أنتَ درستَ إلى جانبهم تخصُّصًا لا تميلُ إليه.

وضعُكَ اليَوْم أفضلُ مِن الأَمْس بكثير؛ فحينَ درسْتَ البكالوريوس كنتَ أصغرَ سنًّا، ولا تَعْرف شيئًا عن أَنْظمة الدَّوْلة ولا الجَامِعة، ولم تكنْ تعْرِف أحدًا من زُملاء الدِّراسة، ومع ذلكَ تيسَّر الأمرُ برغم كلِّ الصِّعاب التي مررتَ بها في بدايةِ الطَّريق، ثم تجاوزتَها بنِعْمةِ الله وتوفيقِه، فلا تقْلَق بشأنِ انْتقالكَ إلى مدينةٍ أُخرى أو خُروجكَ إلى ولايةٍ ثانية؛ ما دُمتَ ستدرسُ العلْمَ الذي تنتهي إليه رغبتُكَ، وما دامتْ عينُ اللهِ تراكَ وترْعَاكَ، نعم، قدْ يشتدُّ عليكَ تكلُّف الانتقالِ في أوَّلِ الأَمْر، ثُمَّ يسهُل عليكَ بعدَ ذلك بِعْون المَوْلى - عزَّ وجلَّ - فلا تنسَ تجديدَ النِّيَّة في طلَبِ العِلْم؛ فسيهَبُكَ اللهُ مِن فَضْله بقَدْر ما يطَّلِع عليه من نيِّتكَ، ثمَّ فرِّغ نفسكَ للتَّفتيش عن التَّخصُّص الذي تُشرِق فيه نفسُكَ، ويُشاكِل مَسْلككَ، واطلُب الخِيرَة من اللهِ - عزَّ وجلَّ - فما خابَ مَن اسْتَخار، ولست بحاجةٍ إلى إيصائكَ بمُتابعتنا بقراراتكَ ونَتائج بحثكَ، فامضِ في طريقكَ مُسدَّدًا مُوفَّقًا.

واللهُ - سُبحانه وتعالى - أعلمُ بالصَّواب، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.