• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | استشارات نفسية   استشارات دعوية   استشارات اجتماعية   استشارات علمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حجاب أمي وأختي
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    يهجم علي ملل خانق دون سبب
    د. خالد بن محمد الشهري
  •  
    حيرة بين فتاتين
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    تأثير الغش في مستقبلي الدراسي
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    مر على زواجي ثلاثة أشهر وما زلت بكرا
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حيرة بين فتاتين
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    زوجتي تفلتت من قوامتي
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    أمي وإخوتي تركوني وحيدة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    وقعت في محرم قبل الزواج: هل عقد الزواج صحيح؟
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    قسوة القلب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    زواج بالإكراه
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    ممارسة السحر من غير قصد
    أ. منى مصطفى
شبكة الألوكة / الاستشارات / استشارات اجتماعية / استشارات تربوية / تطوير الذات وتنظيم الوقت
علامة باركود

كيف أتميز عن غيري؟

أ. عائشة الحكمي


تاريخ الإضافة: 15/1/2012 ميلادي - 20/2/1433 هجري

الزيارات: 47811

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

السَّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه أول مرة أكتبُ طلبَ اسشارةٍ من مختصٍّ، وأرجو أن أجدَ نفسي، وأشعر بذاتي من خلالِ توصياتكم وتحليلكم لشخصي.

 

مضى من عمري الكثيرُ ولم أعرف ما الذي أجيدُه وأتقنه، لا أعرف ماذا أحبُّ، وماذا أريد فعلاً، باستثناء شيء واحد فقط، أعرف ولكن لا أعرف ما يعني، أنا أحبُّ كلَّ وجهٍ جميل من البشرِ والطبيعة، حتى إني أتخذُها خلفيةً لجهازي، أحبُّ أن أنظرَ كثيرًا إلى اللوحِ الفنية المرسومة، وأسأل نفسي: ماذا تعبِّرُ؟ وأحاول أن أستنبطَ منها المعاني رغم أني لا أجيدُ الرَّسمَ، لكني أتذوقُه وأشعرُ بالمتعة، وكذلك أحبُّ السَّفرَ ولم أسافر خارج بلدي، وأكتفي بالسفرِ عبر (الإنترنت)؛ لأني لا أستطيعُ غير ذلك، مع هذا أريدُ أن أتميزَ عن غيري بعملٍ أقومُ به، وأربح منه، وأشعر بالأمان والسَّندِ، ولكن لا أعرفُ ما الذي أجيده.

حاولت كثيرًا، وفكرت كثيرًا، ولكني لم أجد شيئًا أجيده في داخلي، لقد دخلتُ مرحلةَ النضجِ وأنا لم أفعل شيئًا لنفسي، وحتى في مراحلِ طفولتي لم تكن تميزني عن باقي البناتِ اللاتي في سني ميزة، أرجو أن أجد نفسي من خلالِ مشورتكم.

 

الجواب:

بسم الله المُلْهِم للصَّواب

وهو المُستعان

  

أيّتها العزيزة، أوجزتِ كثيرًا، فلو كنتِ تنفَّستِ وأطلتِ في شرح الأشياء التي تميلين إليها، كنتُ تمكنتُ من فهمكِ أكثر، ومن إفادتكِ على نحوٍ أفضل، وعلى كلٍّ مرحبًا بكِ وأهلاً.

 

تتلخَّصُ الأشياء التي تميلين إليها في ثلاث نقاط:

1- التَّفضيل الجمالي لصُورِ البَشَر والطَّبيعة.

2- التذوُّق الفنِّي.

3- عشق السَّفرِ، وإنْ لم تتسنَّ لكِ فرصةُ السَّفر.

وكلُّها نواحٍ يُستشَفُّ منها ملامح جميلة لروحٍ جميلة، شفيفة، رقيقة، مُحبِّة للجَمال.

والذي نفسه بغير جَمالٍ لا يرى في الوجودِ شيئًا جميلاً.

واستشعارُ الجَمالِ، واستحسان الصُّوَر الحَسنة - فطرةٌ لدى الإنسان؛ قال أبو حيَّان التَّوحيدي في "الهوامل والشَّوامل": "إنَّ من شأن النَّفس إذا رأتْ صورةً حسنةً مُتناسِبة الأعضاء في الهيئاتِ والمقادير، والألوان، وسائر الأحوال، مقبولة عندها، مُوافِقة لما أعطتْها الطَّبيعة - اشتاقتْ إلى الاتِّحاد بها، فنزعتْها من المادَّة، واستثبتها في ذاتِها، وصارتْ إيَّاها كما تفعلُ في المعقولات".

وقد أشار القرآنُ الكريم إلى هذا الإدراك الفِطري للجَمالِ في قول الحق - تبارك وتعالى - عن جَمالِ الأنعام في سُروحِها وإراحتها: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ [النحل : 6].

والجَمالُ عند الغزالي ينقسمُ إلى قسميْن؛ ففي كتابه "إحياء علوم الدِّين" يقول: "الجَمالُ ينقسم إلى: جَمالِ الصُّورةِ الظاهرة المُدرَكة بعين الرَّأس، وإلى جَمالِ الصُّورة الباطنة المُدرَكة بعينِ القلب ونور البصيرة، والأوَّلُ يدركه الصِّبيانُ والبهائم، والثاني يختصُّ بدركِه أربابُ القلوب، ولا يشاركهم فيه مَن لا يعلمُ إلا ظاهرًا من الحياةِ الدُّنيا، وكلُّ جَمالٍ فهو محبوبٌ عند مُدرِك الجمال، فإنْ كان مُدركًا بالقلبِ، فهو محبوبُ القلب".

أمَّا ميادينُ الجَمال، فلا حدودَ لها؛ لأنَّها تشملُ الحياةَ بأسرها، فكلُّ ما يقعُ على الحواسِّ يدخل في دائرةِ الجَمال؛ بما في ذلك: الإنسان، والطَّبيعة، والآداب الإنسانيَّة، والفنُون الجميلة، والأخلاق الحميدة، وتخطيط المُدن، والهندسة المِعماريَّة، وهندسة الدِّيكُور، وفن التَّجميل، وأصول طهي الطعام، وغيرها.

ففي أيِّ هذه الميادين تجدين ذاتَكِ؟ وفي أيها تُحلِّق روحُكِ وتتوهَّج؟ وعند أيِّ زاويةٍ يتَّقدُ مصباحُكِ وفي أيها ينطفئ؟ وعلى أيِّ أرضٍ تتمضخ غيمتكِ المُثقلة بالمطر، وعلى أيها تتفرَّق؟

كل هذه الأسئلة يجبُ أن تجيبي عليها بينكِ وبين نفسكِ، لتستكشفي ذاتكِ ومكامن إبداعاتكِ؛ إذ مجردُ الاستمتاعِ بالجَمال، واستعذاب الأمنيات - لا يكفيانِ لتنميةِ المواهب، أو التكسُّب من خلالِها، بل لا بدَّ من تسخيرِ القوى النَّفسية والفِكرية والمادية؛ لتفعيلِها وتوظيفها؛ حتى تبلغي القمَّةَ التي تتطلَّعين إلى بلوغِها.

أنتِ صاحبةُ المنجمِ، وأنتِ من يحقُّ له أن ينقِّبَ عن الذَّهب المختبئ بين صخورِه، فنقبي عن مواهبِكِ ومهاراتكِ وميولكِ بنفسكِ؛ فهي مركوزة في دواخلِكِ، مُتجذِّرة في أعماقكِ، ولا يغيبها عن مرايا تصوُّرِكِ إلا واحدةٌ من ثلاثةِ عوامل ذكرها الرَّافعيُّ في مقالتِه (النَّجاح وكتاب سر النَّجاح)؛ من كتابه "وحي القلم - ج3"، وهي:

 1- العَجْز.

2- وضعف الهِمَّة.

3- واضطراب الرَّأي.

 

أمَّا التميُّز، فلا يتأتَّى إلا بتوافرِ عوامل عديدة في الشَّخصيَّة المُميّزة وتضافرها معًا، ومن أبرزِ هذه العوامل: 

أولاً: الذَّكاء العام:

يتمتَّع مُعظمُ المُميزين بدرجاتٍ عاليةٍ من الذَّكاء، وإن كان قد يتفوقُ العاديُّون بالاجتهادِ والاتِّقاد الرُّوحي، إلا أنَّ الذًّكاءَ الفطري عاملٌ رئيس في شقِّ دُروب التميز، والشَّواهدُ من التَّاريخ عديدة.

قال الإمام السُّيوطي في ترجمةِ الخليفة الرَّاشد أبي بكر الصِّدِّيق - رضي الله عنه وأرضاه - من كتابه "تاريخ الخُلفاء": "وهو مع ذلك من أذكى عبادِ الله وأعقلهم".

وقال الإمامُ الذَّهبيُّ في ترجمتِه لأبي حنيفة - رحمهما الله - في كتابه "تاريخ الإسلام": "وكان معدودًا في الأجوادِ الأسخياء، والأولياء الأذكياء".

وفي ترجمته للأصمعي يقول: "ومع كثرةِ طلبه واجتهاده، كان من أذكياءِ بني آدم وحُفَّاظهم"، وفي ترجمته لابن الهيثم يقول: "كان من أذكياءِ بني آدم، عديم النَّظير في عصرِه في العِلم الرياضي".

ويروي ابنُ الجوزي في "المنتظم" خبرًا عن التوزي؛ يقول فيه: "اجتمعنا بمكة، أدباء من كلِّ أفق، فتذاكرنا أمرَ العُلماء، فجعل أهلُ كلِّ بلد يرفعون علماءَهم ويصفونهم، حتى جرى ذكر الخليل فلم يبقَ أحدٌ منهم إلا قال: الخليل أذكى العرب، وهو مفتاحُ العلوم ومصرفها"؛ يعني به الخليلَ بن أحمد الفراهيدي، صاحب العروض.

ولو ذهبتُ أعدِّد المُميزين الأذكياء، لخرجتُ إلى الإفاضة، وهذا ما لا تسمحُ به حدودُ الاستشارة.

 

ثانيًا: العِلم المُستفيض، والاطِّلاع الواسع على الثَّقافاتِ والحضارات الأخرى:

قال الشَّاعرُ الألماني "راينر ماريا ريلكه": "إذا أردتَ أن تكتبَ سطرًا شِعريًّا واحدًا، يجبُ أن تكونَ قد زرتَ مُدنًا كثيرة، ورأيتَ أشياءَ كثيرة، وقطفتَ زهورًا كثيرة".

والاطِّلاع على ثقافةِ الآخر - بغضِّ النَّظر عن مُعتقده أو لغته أو لونه - من الأمورِ التي تعملُ على توسيعِ المدارك، ورفع نسب الإبداع، أمَّا التَّشرنُق على الذَّات، وسجن العقل في مَحابس المكان والثقافة المُتعوّد عليها، فلا يؤدِّيانِ إلاَّ إلى "العاديَّة"، وفي هذا المعنى يقولُ أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: "من أراد أن يكثرَ علمُه، فليجالس غير عشيرته".

قد سمعنا جميعًا عن أمير الرَّحَّالين ابن بطوطة، وصدقنا بخبر رحلاته الشَّهيرة، رغم أنَّ أكثرَنا لم يقرأ هذه الرحلات! أمَّا النَّاس في مسقطِ رأسه طنجة، فلم يُصدِّقوا ما حكاه لهم ابنُ بطوطة بنفسِه، من الأعاجيبِ والغرائب التي رآها في الأقاليمِ التي زارها كالهندِ والصِّين؛ إذ لم يتخيَّلوا أنَّ في العالم أمورًا وشؤونًا كالتي يذكرُها لهم ابن بطوطة!

وقد كان من بين معاصريه عالمُ الاجتماع الشَّهير ابن خلدون - رحمه الله - فوقع في نفسِ ابن خلدون ما وقع في نفوسِ النَّاس أجمعين، إلا أنَّه سلك مسلكَ الخواص، وسأل أحدَ مشايخه عن تكذيبِ تلك "الأراجيف" والأساطير التي يحكيها لهم ابنُ بطوطة، فحذَّره شيخُه من عدمِ التَّصديق، وأنه إن يفعل ذلك يكن "كابن الوزير النَّاشئ في السِّجن، وذلك أنَّ وزيرًا اعتقله سلطانُه، ومكث في السِّجنِ سنين ربَّى فيها ابنه في ذلك السِّجن، فلما أدرك وعقل، سأل عن اللَّحمِ الذي كان يتغذَّى به، فقال أبوه: "هذا لحم الغنم"، فقال: "وما الغنم؟"، فيصفها له أبوه بشياتِها ونُعوتها، فيقول: "يا أبتِ، تراها مثل الفأر؟"، فينكر عليه، ويقول: "أين الغنم من الفأر؟!"، وكذا في لحمِ الإبل والبقرة؛ إذ لم يعاين في مَحْبسِه من الحيواناتِ إلا الفأر! فيحسبها كلَّها أبناء جنسِ الفأر!"، والقصة بطولها ذكرها ابنُ خلدون في "المُقدِّمة".

 

ثالثًا: تحديد الهدف:

من يرغب في الوصول إلى مدينة أو بلدةٍ ما، لزمه معرفةُ الطُّرق التي تؤدِّي إليها، فلا يصحُّ أن تسافري إلى الرِّياضِ مثلاً، ثم تلزمين الطريقَ المُؤدِّي إلى تبوك، أليس كذلك؟ وكذلك الأمر مع رغبتكِ في التميُّز، فلا بد من معرفةِ خريطة الطَّريق التي ترغبين في السير عليها قاصدة وجهتكِ، وتُحدِّدي أهدافكِ هدفًا تلو هدف؛ فالتميزُ لا يأتي مع الحياةِ العشوائية، ولا مع الأهدافِ غير الواضحة.

لا بد من معرفةِ نقاط القوَّةِ ونقاط الضَّعف، ثم بعد ذلك يمكنكِ صياغة الأهدافِ بِناءً على هذه المُعطيات، شريطةَ أن تُصاغَ الأهدافُ ضمن حدودِ القُدرات الحقيقية، لا ضمن الأمنياتِ العِذاب، ثم لا يهمُّ بعد ذلك أن ينتهي الهدفُ إلى الغايةِ، بل المهم أن تتحقَّقَ من ورائه غاية.

حين اخترع "ألكسندر غراهام بل" الهاتف، كان هدفه الرئيس من هذا الاختراعِ نقل الصَّوْت كهربائيًّا إلى الصُمِّ؛ حيث كان يعملُ معلِّمًا للصُمِّ، وقد تفانى لتحقيقِ هذا الهدف، لا لإسماع طُلابه وحسب، بل لإسماعِ صوته لأحبِّ امرأتين إلى قلبه: أمِّه وزوجته، اللتيْن كانتا صماوين كذلك، ومع ذلك لم يتحققْ هذا الهدفُ النَّبيل؛ إذ لم يسمعه أحدٌ من طلابِه الصُّم، كما لم تسمعه أمه ولا زوجته، بينما استفادت البشريةُ جمعاء من اختراعِ "غراهام بل"، حتى استغنوا به عن زيارةِ الأرحام والأصدقاء!

 

رابعًا: جودة الأدوات والآلات:

تلعب جودةُ الأدوات ونوعيتها دورًا رئيسًا في عمليَّةِ الإبداع والتميز، فالرسَّامُ الذي يدهشنا بلوحاتِه الفنية البديعة، لم يدهشنا إلا بعد أن جنَّدَ لفنِّه ضُروبًا شتَّى من أدواتِ الرَّسم المُختلفة في أنواعِها وأحجامها وأغراضها، وبمواصفاتٍ نخبويَّة فاخرة من الطِّرازِ الأوَّل جودةً ونوعيَّة.

والأمر نفسه ينطبقُ على أدواتِ المُصور، والمُخرِج، والطَّبيب، وخبيرة التَّجميل، والطَّاهية ونحوهم من المُبدعين.  

 

خامسًا: معرفة حقل الاختصاص:

على من يرغبُ في التميز في مجالٍ ما أن يسبرَ غور تخصُّصه، ويعرف صغائره وكبائره، وقديمه وحديثه، وأوله وما انتهى إليه العلم الحديث فيه، وليس بالضَّرورةِ أن يحصلَ على شهادةٍ أكاديمية في هذا التخصُّص؛ فكم من أناسٍ أبدعوا في حقولٍ علميَّةٍ شائكة، رغم أنهم لم يحصلوا على شهاداتٍ علمية؛ إمَّا لسوءِ اختيارهم للتخصُّص أثناء الدراسة، أو لإرغامهم على دخولِ مجالٍ لم يرغبوا في دخوله، وإن كنتُ لا أجادلُ في أهميةِ الشَّهادة في التكسُّبِ أو التوظيف المهني، إلا أنَّ أهميَّتها تقلُّ عند خطِّ التميز؛ إذ ليس كلُّ مُميَّزٍ هو بالضَّرورة مُوظَّفًا أو مُتكسِّبًا.

 

سادسًا: ترك التقليد:

بين التقليدِ والإبداع مُنافرةٌ شديدة، ولا يمكن أن يتميَّزَ مَن يعتمدُ على تقليد الآخرين ومحاكاتهم في نجاحاتِه، مهما نجح في النَّسخ واللَّصق والاستنساخ دون ذكر المصادرِ، ونسبة الفضل لأهلِ الفضل.

أجل، مهما نجح المُقلِّدُ، فلن يكون له مكانٌ في الذَّاكرة، ولن يتقدَّم أبعد من الخطوةِ التي نجح في تقليدها، وما أكثر المُقلِّدين في الدُّنيا، لعلَّهم يمثِّلون ما نسبته 90% من مجموعِ البشريَّة، والبقية الباقية هم المُبدعون.

نعم، نستفيد من طريقةِ الآخرين ونتعلَّمُ من نجاحاتهم بدون تقليدٍ أعمى؛ فالتقليدُ طريقة الأطفال، أمَّا البالغون فيُعمِلون عقولَهم لإبداع شيءٍ جديد ما دام أنَّه تحت مظلةِ الكتاب والسنَّة، ولعلَّ هذا العامل يرتبط كثيرًا بملكةِ الذَّكاء؛ فالشَّخصُ الذكي والكبير يأنفُ كثيرًا من المُحاكاة والتَّقليد.

 

لِأَنَّكَ بَحْرٌ وَإِنَّ الْبِحَارَ
لَتَأْنَفُ مِنْ حَالِ هَذِي الْبِرَكْ

 

قال المنفلوطي في مُقدِّمةِ كتابه "النظرات-ج1": "يسألني كثيرٌ من النَّاس - كما يسألون غيري من الكُتَّاب -: كيف أكتبُ رسائلي؟ كأنَّما يريدون أن يعرفوا الطُّرقَ التي أسلكُها إليها فيسلكوها معي، وخيرٌ لهم ألا يفعلوا؛ فإنِّي لا أحبُّ لهم ولا لأحدٍ من الشَّادين في الأدبِ أن يكونوا مُقيَّدين في الكتابةِ بطريقتي أو طريقة أحدٍ من الكُتَّاب غيري، وليعلموا - إن كانوا يعتقدون لي شيئًا من الفضلِ في هذا الأمر - أنِّي ما استطعتُ أن أكتبَ لهم تلك الرسائلَ بهذا الأسلوب الذي يزعمون أنَّهم يعرفون لي الفضلَ فيه، إلا لأنِّي استطعتُ أن أنفلتَ من قيود التمثُّل والاحتذاء، وما نفعني في ذلك شيءٌ ما نفعني ضعفُ ذاكرتي والْتواؤها عليَّ، وعجزها عن أن تمسكَ إلا قليلاً من المقروءاتِ التي كانت تمرُّ بي، فقد كنتُ أقرأ من منثورِ القول ومنظومِه ما شاء الله أن أقرأ، ثم لا ألبثُ أن أنساه، فلا يبقى منه في ذاكرتي إلا جَمال آثارِه، وروعة حسنه، ورنَّة الطَّرب به".

 

سابعًا: الرُّوح الوثَّابة المُتطلِّعة:

يمتلكُ المميَّز رُوحًا وثَّابة، مشغوفة بمهاراتها، يتشرَّب حب ما يميزه كل خلية من خلايا جسدِه، وكل مساحة من مساحاتِ فكره، فلا يَعجِزُ ولا يفتر ولا يبرد، بل نجدُه دائمًا في حالٍ من التوهُّج والرَّكض والحماس.

 

ثامنًا: التَّجربة والتعلُّم من المحاولةِ والخطأ:

لا يبلغ التميزَ إلا مَن شقَّ طريقًا طويلاً من المُحاولاتِ المُتعثِّرة، وارتكاب الأخطاء المتتالية، ثم النُّهوض بعد ذلك من كلِّ هذه الكبوات والجراحات والخيبات، بروحٍ متفائلة مُتقدة، فالاختراعاتُ العظيمة التي نملكُها اليوم هي وليدةُ آلافِ المُحاولات الفاشلة.

يقول الخطَّاط العراقي حسن المسعود: "أمضيتُ خمسَ سنواتٍ في رسم الأشخاص وتلوينها، ولكنِّي وجدتُ نفسي أخيرًا في طريقٍ مسدود، ما عملتُه من لوحاتٍ على القماش والألوان الزيتية لا تلبِّي مشاعري الداخلية، بل بدتْ لي أنها تجربةٌ سطحية - طبعًا أتكلَّم عن نفسي وتجربتي وشخصيتي، ولا يعني أبدًا نظرة عامَّة عن الفنِّ - والخطُّ كان أقوى وأكثر إقناعًا من عدَّة اتجاهات".

 

أما الشَّاعر صلاح عبدالصَّبور، فيقول عن تجربته الشِّعرية:

 

وَلَكِنِّي تَعَذَّبْتُ لَكَيْ أَعْرِفَ مَعْنَى الْحَرْفْ
وَمَعْنَى الْحَرْفِ إِذْ يُجْمَعُ جَنْبَ الْحَرْفْ
وَلَكِنِّي تَعَذَّبْتُ لَكَيْ أَحْتَالَ لِلْمَعْنَى
لَكَيْ أَمْلِكَ فِي حَوْزَتِيَ الْمَعْنَى مَعَ الْمَبْنَى
لَكِي أُسْمِعَكُمْ صَوْتِيَ فِي مُجْتَمَعِ الْأَصْوَاتْ

 

فلا بد إذًا من الاجتهادِ والعمل الدَّؤوب، والتَّحلِّي بالصَّبر والحِلم، أمَّا جمع الأحلام، وحشد صفوفِ الآمال، فلا يصنعُ من التميزِ كسرة خُبز.

 

 

تاسعًا: إدراك قيمة الوقت:

يعرف المُميَّزُ قيمةَ الوقت، وأنَّ الزَّمن يسيرُ إلى الأمام، ولا يتراجع لحظةً واحدة إلى الوراء، فكلُّ دقيقةٍ من العمر تمضي تموتُ ولا تُبعث ثانية، ومن يعرف قيمةَ الوقت لا يجلس مكانه وينتظر أن تمطرَ عليه السماءُ ذهبًا ولؤلؤًا وياقوتًا، بل يستثمرُ كلَّ لحظةٍ من عُمره وكأنَّها آخر لحظةٍ من عُمره.

 

عاشرًا: الثِّقة بالنَّفس:

الشَّخص المُميَّز شخصٌ واثقٌ من نفسِه، مُؤمِنٌ بأحلامِه، لا يستكينُ ولا يتهاون، ومتى أراد بلوغَ القمة بلغها، والمُثبِّطون من خلفه لا ينفكُّون يحذرونه مما ينتظره في القمَّة.

 

حادي عشر: الترحيب بالنَّقد البنَّاء، وعدم الالتفات إلى النَّقد الهدَّام:

قال العالمُ النَّفسي "وليام جيمس": "إنَّ الفكرةَ الجديدة تُتهم بالسُّخف في البداية، ثم بالتَّفاهة بعد ذلك، وفي النِّهاية تصبح شيئًا معروفًا لكلِّ النَّاس".

وفي كلِّ عملٍ جديد، إمَّا أن يتلقاه النَّاسُ بإبداء الإعجاب، أو بالنَّقد البنَّاء، أو بعيون الحسَد، وعلى المُميز أن يضعَ كلَّ هذه الأمور في اعتبارِه، ويعرف من النَّاسِ الصَّادقَ في النَّصيحةِ من السَّاعي في تحطيمه، وأن يتذكَّرَ أنَّ الكمالَ عزيزٌ، وأنَّ النقص من شأن البشر، والنَّاجح فقط من يسعى لتطويرِ نفسِه بنفسه دون أن يتأثَّرَ بكلمةٍ جارحة، أو مدحة باهتة.

 

ثاني عشر: الإلهام واغتنام الفُرص:

قال الشَّاعر الفرنسي "بول فاليري": "إنَّ الإلهامَ يأتي الشَّاعر بأولِّ بيتٍ، ثم عليه أن يواصلَكتابةَ القصيدة".

وهذا ما فعله "روبرت لويس ستيفنسن" حين رسم يومًا خريطةً مائية لجزيرةٍ خيالية، في محاولةٍ منه لتسلية ربيبه البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، فكانت تلك الخريطةُ مصدرَ إلهام لأشهر كتب "ستيفنسن".

يقول "ستيفنسن": "لقد استولى شكلُ الجزيرةِ على خيالي إلى درجةٍ تفوق الوصف، وفيما كنتُ مُنصبًّا على خريطتي، بدأت الشخصياتُ تظهرُ في الغاباتِ الخيالية تتقاتل، وتسعى إلى اكتشاف الكنز، ولم أدرِ إلا والورق بين يدي أُسطِّر القصَّةَ التي اشتملت على فصول عدة".

فصول الرواية الجميلة: "جزيرة الكنز"، وبطلها جون سيلفر.

 

ثالث عشر: الشَّجاعة والجَسارة:

لا بد من المُجازفةِ والاستعداد لخوض المخاطرِ، ومواجهة الإحباط، فالأمور المُميزة تتسم عادةً بالغرابة، وكل ما هو مُستغربٌ كثيرًا ما يجد الرَّفض والاستهجان عند أصحابِ العقول المنطمرة تحت طينِ المألوف، ممن لا يرون من شؤونِ الحياة والدين أبعدَ مما تقعُ عليه عيونُهم.

أمثال هؤلاء ينظرون إلى العملِ الإبداعي وكأنه عَوْرة يجب سترها، أو بِدعة يجب طرحُها والتحذير من أهلِها!

 

رابع عشر: الصبْر والمُثابرة:

لم يكن التميُّز يومًا ما وليدَ الصُّدفة أو السُّرعة أو الإلهام، بل هو نتاجُ سنواتٍ عديدة من الصَّبْر والكفاح والعمل الدَّؤوب، وإجهاد الطَّاقة، واستفراغ الوُسع؛ لإخراج هذه الباقة البديعة المغلَّفة بشكلٍ فاتن مما نرى ونسمعُ، ونلمس ونشم ونستشعر بكلِّ حاسة من حواسنا، تلك الهدايا التي لا تملكُ أحداقُنا إلا أن تتسعَ إعجابًا بما تحملُ في بطنِها من معجزاتِ التميز والتفوق والإبداع.

 

متمنية لكِ كلَّ التَّوفيقِ والسَّداد والعَوْن أيتُها المُمَيزة.

والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصَّواب، وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • "كيف حالك" في كلام الفصحاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حلمي أن أتميز(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تختار المرأة زوجها وكيف يختارها؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تشتري كتابا محققا؟ وكيف تميز بين تحقيق وآخر إذا تعددت تحقيقات النص؟(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • كيف أعرف نمط شخصية طفلي؟ وكيف أتعامل معها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تبدأ الأمور وكيف ننجزها؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كيف تنظر إلى ذاتك وكيف تزيد ثقتك بنفسك؟(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (3) صفات السن(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • السلوك المزعج للأولاد: كيف نفهمه؟ وكيف نعالجه؟ (2) الأساليب الخاطئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • فلنتعلم كيف ندعو الله وكيف نسأله(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب