اختيار موضوع للبحث في مجال الغابات ومنتجاتها

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

يُسعِدُنا بدايةً أنْ نُرحِّب بانضِمامك لـ(شبكة الألوكة)، ونشكُرك على ذلك، سائلين المولى القدير أنْ يُسدِّدنا في تقديم ما ينفَعُك وينفَعُ جميع السائلين.

كما أودُّ أنْ أُحيِّي ما لمستُه فيك من طُموحٍ ودافعيَّة ليست تجاه دِراستك وتخصُّصك فحسْب، بل في تفعيلها في خِدمة بلدك والأمَّة، وهي سماتٌ إيجابيَّة، أرجو منك تعزيزها، وعدَم التفريط بها، مهما واجهتِ من تحدِّيات.

أختي العزيزة، تعدُّ مرحلة اختيار الباحث من أهمِّ المراحل التي يمرُّ بها طالب الدِّراسات العُليا، ويُواجه فيها كثيرًا من التجاذُبات المتمثِّلة بين طُموحه ومُيوله الشخصيَّة، وبين ما يُواجِهه من عَوامل تَعوقُ توجُّهاته ودافعيَّته، ومنها آراء الأساتذة المختصِّين، خاصَّة أنَّ كثيرًا من المشرِفين للأسف - ولا سيَّما في جامعاتنا العربيَّة - يجعَلُون (توفُّر المصادر) ذات الصلة بالموضوع، وحاجة سوق (العمل) له، في قمَّة العوامل التي تُحدِّد موضوع البحث، بل يكتَفِي كثيرٌ منهم بها كمُحدّدات. بينما يجدُ الباحثون ترحيبًا في بحث الموضوعات الجديدة، ويَنالون على ذلك الدَّعم والتقدير والرُّتَبَ العالية في الجامعات غير العربيَّة.

ورغم احتِرامي لرأي كلا الطرفين فإنِّي شخصيًّا أُؤيِّد الرأي الثاني وأنصَحُك به، ولا سيَّما إن اتَّسمتِ بالواقعية المتمثِّلة باتِّباع المنهجيَّة العلميَّة، وتحصلك على الأداة - أو الأدوات - الموثوقة التي تعتمدينها في بحثِك؛ لتثبتي فرضيَّاتك بالأساليب العلميَّة المُعتَمَدة، وليس بطرح رأيك الشَّخصي في الموضوع؛ فيتم بذلك عرض رُؤيتك في جزأين مهمَّيْن من البحث، وهما: فرضيَّاتك في البحث، وتفسير النتائج التي تَمَّ إثباتها إحصائيًّا وبأيِّ أسلوبٍ علمي آخَر، بعد استِعراضك في متن البحث لجميع الآراء التي تختلفُ مع فُروض بحثك، وتلك التي تدعَمُها، وبذلك تتحصَّلين على بحثٍ رصينٍ قائم على أسس علميَّة، ويحظَى بثقة نتائجه - بإذن الله تعالى.

بالإضافة إلى النَّأي بنفسك عن اجترار الموضوعات نفسها، والتي لم يُهدف منها إلا نيل درجة الماجستير أو الدكتوراه.

ولذلك؛ تجدين الكثيرَ من طلبة الدِّراسات يبحثُون في موضوعات الأطروحات السابقة، ليأتي بعد ذلك بعُنوان مشابه أو قريب منها، مستسهلاً بذلك وضع الخطة الأولى للبحث، ومختصِرًا لكثيرٍ من الوقت، لكنَّه بذلك يختصرُ هدفه أيضًا!

أمَّا أنت يا عزيزتي، وقد أسعدتِني برُقيِّ رُؤيتك، فإنِّي أنصحك ومَن ينهجُ نهجَك بالاطِّلاع على التقارير الصادرة عن الجهات المختصَّة بالموضوع، قبلَ البحث في الدِّراسات السابقة ذات العلاقة، ففي كلِّ حقلٍ علمي، تُوجَد مُؤسَّسات ومراكز محليَّة وعالميَّة تُعنَى بشأنه، وتقدم حَقائق وتستعرضُ مشكلات هذا المجتمع أو ذاك فيه، مُستَندة إلى دِراسات وإحصاءات حولَه، وتوصيات لتجاوزها أو الحد منها، ومن الملاحظ أنَّ هناك فجوةً وعدم تنسيق غالبًا بين نتائج تَقارير تلك المؤسسات، وبين الأبحاث الجامعيَّة التي تعتمد المحددات التي تَمَّ ذكرها في اختيار الموضوعات.

ففي الحقل الذي تبحثين فيه يمكنك - على سبيل المثال لا الحصر - الاطِّلاع على التقارير الصادرة عن المكتب الإقليمي الإفريقي أو الآسيوي لمنظمة الأغذيَّة والزراعة التابعة للأمم المتَّحدة؛ فهذه المؤسَّسة تُصدر سنويًّا - وربما دوريًّا - تقاريرَ تُسجِّل فيها المشكلات التي تُواجِه تلك الدول في هذا الحقل، ويمكن لك أنْ تختاري أكثرَ تلك المشكلات (خُطورةً) أو أهميَّة كمشكلةٍ لبحثك، تصوغين بعدها عنوان أطروحتك.

ولأنِّي أرجو استثمار طُموحك في تقديم ما ينفعُ بلدك والأمَّة، فإنِّي أنصحك بأنْ يُركِّز بحثك على محور تقديم البدائل والحلول العمليَّة والواقعيَّة، ولا يكتفي بتسليط الضوء على الآثار السلبيَّة للمشكلة فقط؛ فعلى سبيل المثال يُعَدُّ قلع الغطاء الحرجي مُسبِّبًا لمشكلاتٍ عديدة أصبحت في دائرة معرفة حتى غير المختصِّين، وكذلك أهم أسبابها المتمثِّلة في الحاجة إلى توسيع العمران والمدن ومد الطرق والجسور، وكذلك الحاجة إلى الأخشاب، وغير ذلك.

وما أرجوه في بحثك أنْ يدرس (البدائل والحلول)، ويُقدِّمها بأسلوبٍ علمي ومنهجي للقضاء على هذه الظاهرة أو غيرها؛ وعليه فإنَّك قد تحتاجين حِينَها للتَّواصُل مع المختصِّين في مجال العمران والتعرُّف على رُؤيتهم، وقد يقودُك ذلك أيضًا إلى الاطِّلاع على نَتائج بعض دِراساتهم ذات الصِّلة؛ للتوصُّل إلى إيجاد بدائل تقنع المتسبِّبين في تلك الظاهرة.

وإذ تعدُّ الإرشادات السابقة دليلاً لاختيار عنوان بحثٍ ومشكلة بحثيَّة غير متَّسمينِ بالتكرار، بل بالندرة والحاجة المجتمعيَّة والإنسانيَّة إلى بحثها؛ فإنِّي أُرحِّب بأيِّ استفسارٍ يقعُ في إطار (منهجية البحث) كما هو حال سؤالك هذا.

سائلةً المولى القدير أنْ يُسدِّدك، وينفع بك وبكلِّ ما يفتح عليك.