هل أتزوجه؟

وعليْكم السَّلام ورحْمة الله وبركاته،

أختي الفاضِلة، في الحقيقة، الأمر سيبدو محيِّرًا في حالة إذا ما تقدَّم لك هذا الطَّبيب بالفعل, في حين قد يكون الأمر بالنِّسبة له الآنَ مجرَّد تلطُّف واهتمام زائد بزوَّاره؛ ليلقى قبولاً أكبرَ عند النَّاس، وتسمو مكانتُه عندهم كطبيب, أو لِيستشعِروا الاهتمام النفسي فتتحسَّن أحوالهم الصحّيَّة, لكن لا مانِع من التَّفكير قبل أن يتقدَّم للخِطبة؛ حتَّى تكوني على بيِّنة من أمرِك في مثل هذه المواقف.

على كلّ حالٍ، سأُحاول الإجابةَ عن تساؤُلاتِك، وتوْضيح بعضِ النِّقاط - إن شاء الله.

تذكَّري - أخيَّتي - أنَّ الفارق العمري لا يكون خطيرًا أو نذيرَ قلقٍ إلاَّ إذا زاد عن حدِّه, فعشْر سنواتٍ من الفرْق مثلاً لا تُعَدُّ مانعًا، ولا تشكِّل أيَّ عارضٍ أمام الزَّواج؛ ذلك لأنَّ المرأة - عادة - تَشيب قبل الرَّجُل بعدَّة سنوات, فالحمْل أكثر من مرَّة, وإرضاع الأطفال والسَّهر عليهم, وغيرها من العوامل النفسيَّة والفسيولوجيَّة - تؤثِّر عليها بشكلٍ كبير, حتَّى إنَّها تبدو أكبرَ من زوجِها في أحيانٍ كثيرة إن كان الفارِق العمري بيْنهما صغيرًا, كما أنَّ المرأة تقلُّ أو تقف قدرتُها على الإنجاب في عمر محدَّد, في حين يبْقى الرَّجُل - وإن قلَّ ذلك - قادرًا على الإنْجاب لمدَّة أكثر منها بكثير.

كما أنَّ النَّاس - بوجْهٍ عامّ - يَختلفون في احتياجاتِهم وقدرتهم على العطاء العاطفي والجسدي اختلافًا كبيرًا, فقد نرى بعض الأزْواج من الشَّباب لا يَمنح زوجتَه من العاطفة شيئًا، في حين نرى مَن تجاوَز مرحلة الشَّباب يدلِّل زوجتَه ويمنحها الدَّعم العاطفيَّ، بما يجعل حياتَها معه أكثر سعادة وراحة, كذلك الاحتِياج الجسدي يَختلف من شخصٍ لآخَر؛ فبعض الرِّجال لا يشعُر بحاجتِه للنِّساء أو للزَّواج مع بداية الأرْبعين, في حين يظلُّ غيرُه إلى ما بعد الستِّين وكأنَّه في ريعان شَبابه, وأسباب الاختِلاف كثيرة، منها الوراثيَّة، ومنها المُمارسات غير الصّحّيَّة، ومنها النفسيَّة, المهم أنَّه يصعب الحكم على كلِّ شخصٍ بعينه.

في الحقيقة، توجد الكثير من الزِّيجات النَّاجحة مع مثل هذا الفارق العمري, وأنا شخصيًّا أعلم بعض النَّماذج، والتي يظهر فيها الزَّوجان وكأنَّهما بنفس العمر، في حين أنَّ الزَّوج يكبر زوجته بأكثر من عشر سنوات، ولا يبدو على الزَّوجة إلاَّ السَّعادة والشعور بالرِّضا.

ولا أُخفي عليْك أنَّه من أهم ما يُميِّز الرَّجُل في هذا العمر: الحكْمة وحسن التقدير، والبعْد عن الطَّيش والتهوُّر وسُرعة الحكم على الأمور, كما أنَّه يكون أكثر واقعيَّة ولا يُطالب شريكتَه بما لا تطيق, في حين قلَّ مَن يُحسن هذا من الشَّباب دون الثلاثين.

ولذلك تقل المشكلات كثيرًا في حالة نضج الزَّوج ووعْيه وبلوغه سنَّ الأربعين؛ والله - تعالى - يقول: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15].

يقول الإمام الطَّبري في تفسير هذه الآية:

"وقوله: ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ ذلك حين تكاملتْ حجَّة الله عليه، وسيَّر عنْه جهالة شبابِه، وعرف الواجب لله من الحقِّ في برِّ والديْه".

ويقول "سيّد قطب" - رحمه الله - في "الظِّلال":

"وبلوغ الأشُدّ يتراوح بين الثَّلاثين والأرْبعين, والأرْبعون في غاية النُّضْج والرُّشد، وفيها تكتمِل جَميع القوى والطَّاقات، ويتهيَّأ الإنسان للتدبُّر والتفكُّر في اكتِمال وهدوء.

وفي هذه السّنّ تتَّجه الفِطْرة المستقيمة السَّليمة إلى ما وراء الحياة وما بعد الحياة, وتتدبَّر المصير والمآل".

وأنصحُك بوجْهٍ عامّ أن تنظُري لهذا الزَّواج من عدَّة جوانب:

الجانب الأوَّل: حاجتك النفسيَّة والجسديَّة.

الجانب الثاني: فرصة الحصول على زوْج بمواصفات طيِّبة دينيًّا وخُلقيًّا.

الجانب الثَّالث: مظهر الرَّجل، وهل يبدو أكبر أم أصغر أم على نفْس عمره؟ فالمظْهر دليلُنا للجوْهر.

الجانب الرابع: تأمُّل المجتمع مِن حولك، وأظنُّ أنَّك ستجدين البعضَ من النساء على نفس الحال, فتأمَّلي وضعَهنَّ وحالهنَّ مع أزواجهنَّ؛ فالناس في البيئة الواحدة يتشابهون كثيرًا في الغالب.

الجانب الخامس: ميْلك العاطفيّ نحوَه, وقد ورد في الحديث: ((لَم يُر للمتحابَّين مثلُ النِّكاح))؛ رواه البيهقي، وصحَّحه الشَّيخ الألباني.

فزواجُك بمن تشعُرين بميل عاطفي نحوَه من أفضل العلاجات لهذه المحبَّة، وقد لا تستشعِرين ذلك معَ مَن هو أصغر منْه؛ فالأرواح جنود مجنَّدة.

الجانب الأخير: دِين الرَّجُل وخلقه يأتيان في المقام الأوَّل, ولا مانع من النَّظر في بقيَّة الصفات بعد ذلك, لكن يبقى الالتِزام بالدين في المقدّمة؛ إذ لا فائدة في شباب وقوَّة مع قلَّة دين وسوء خُلق.

لا أنصحُك بالتعمُّق في التَّفكير الآن؛ إذ قد يزيد من ميْلِك نحوه، في حين أنَّك لا تعرفين حقيقة مشاعرِه نحوك بشكل صحيح, ولا داعيَ لفتح المجال للحوارات بيْنكما مادامت الحاجة قد انتهت؛ فإنَّ ذلك يفتح أبواب الشَّرّ, وقد حذَّرنا الشَّرع من ذلك, وإن كان يُريد الزَّواج بالفعل فسيتقدَّم لك, ولا تنسَي حينها الاستِخارة والدُّعاء والتوكُّل على الله أن يهديك سبيل الرَّشاد، ويوفِّقك لما فيه الخير لك في دنياك وأُخراك, ونشكر لك تواصُلَك معنا.