أكاد أنتحر بسبب أمي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيبدو أن لمشكلتكِ أحد الأسباب الآتية:

1- مشاكل قديمة لم تُحسني التصرف حيالها؛ سبَّبت كراهية أمكِ لكِ.

2- مواقف من والدكِ رحمه الله معكِ؛ سواءً تأييدًا لكِ وتفضيلًا لكِ، أو وقوفًا ضدكِ سبَّبت كراهية أمكِ لكِ.

3- تأثر أمكِ من تصرفات والدكِ رحمه الله، وشدته مع أمكِ انعكست سلبًا على أضعف بناتها شخصية؛ كنوع غير مباشر من الانتقام.

4- وهناك احتمال آخر، وإن كان ضعيفًا إلا أنه يبقى احتمالًا فقط قابلًا للصحة والخطأ؛ وهو وجود مسٍّ أو سحر في والدتكِ، يُسلِّطها على بعض البنات، ومن علاماته: الهيجان غير الطبيعي إلى درجة الصراخ، والضرب على أمور تافهة، بل أحيانًا الغضب الشديد والسب، حتى في حالة الإحسان إليها، وقد سبق أن راسلتني فتاة مشكلتها تشبه مشكلتكِ، فلما ذكرتُ لها هذا الاحتمال، قالت: صدقتَ؛ أمي ممسوسة، وتُعالج عند الرُّقاة.

ولكن يبقى السؤال المُهم: ما العلاج لمشكلتكِ؟ فأقول مستعينًا بالله سبحانه: الحل إن شاء الله في الآتي:

أولًا: قدِّري نفسية أمكِ؛ فالواضح من رسالتكِ أنها مضطربة كثيرًا، ونفسيتها لا تتحمل أدنى خلاف؛ ولذا فحاولي قدر الاستطاعة تجنُّبَ كل ما قد يُثير غضبها.

ثانيًا: تذكري أنها مهما فعلتْ ومهما تجنَّتْ؛ فهي أُمٌّ لها حق البر والإحسان؛ لقوله سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، وقوله سبحانه: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15]، فأمر الله عز وجل ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما، ولو كانا مشركَيْنِ، ويأمران ابنهما بالشرك، فكيف بالمؤمنين؟

ثالثًا: تذكري أنكِ على أجر عظيم فيما يُصيبكِ من والدتكِ، وفي صبركِ على أذاها.

رابعًا: حاسبي نفسكِ وأكثري من الاستغفار؛ فقد تكونين ظلمتِ أحدًا، أو أذنبتِ ذنوبًا كانت سببًا في تسلطها عليكِ؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

خامسًا: نظرًا لأنه من المُحتمل وجود سببٍ خارجي لتسلط والدتكِ من حسد أو سحر أو مسٍّ أو مرض نفسي؛ فالتمسوا لها العلاج النفسي والرقية الشرعية بأنفسكما، وإن لزم الأمر، فبرُقْيَة عند راقٍ ثقة لكِ ولأمكِ؛ لأن الاحتمال يشملكما معًا أو إحداكما.

سادسًا: قد تستغربون وقد يستغرب من يقرأ هذا الكلام تطرُّقي للاحتمالات الخارجية، وقد يعتبرها البعض وسوسة أو تهويلًا، ولكن أثناء كتابتي لهذه الحلول قطعها عليَّ اتصالٌ من رجلٍ يشتكي من تعمده عقوق والديه بشكلٍ فظيع جدًّا، وتعمده ظلم الناس باليد واللسان... وعدم توفيقه في الحياة الزوجية، فسألته قائلًا: أجبني بصراحة: هل تظن أن فيك مسًّا؟ فأجاب: نعم، فيَّ مس، وغيره عدة حالات كثيرة أفادوا بوجود المس فيهم أو السحر أو الحسد؛ ولِما سبق؛ فإن الدعاء والرقية مهمان جدًّا لمعالجة أمكِ ومعالجتكِ.

سابعًا: من العلاجات العظيمة الإكثار من الاسترجاع؛ وهو قول: ((إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها))؛ قال سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

ثامنًا: لا تنسَوا الصدقة وأثرها العظيم ولو بالقليل.

تاسعًا: أعود للدعاء لأهميته القصوى، ولأن البعض يتقالُّونه، بينما هو سبب قوي جدًّا، وله أثر عظيم في تفريج الكرب؛ فأكْثِروا منه بصدقٍ ويقين، والتمسوا أوقات الإجابة؛ مثل: ثلث الليل الأخير، وآخر الصلاة قبل السلام، والسجود، وبين الأذان والإقامة؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

حفظكم الله، وفرَّج كربتكم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.