فقه المُعامَلات الماليَّة والبحث عن السَّلام الدَّاخلي

الحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:

مرحبًا بك أخي الكريم, وأهلًا وسهلًا بك في موقع الألوكة..

جزاكَ اللهُ خيرًا على حرصكَ الواضح في تَحَرِّي الحلال وتَجَنُّب الحرام، ونسأل اللهَ أن يعينكَ على مقصدكَ، وأن يوفقكَ لِمَا يُحِبُّ ويَرضى.

ولْتَعلَمْ أنَّ تَعَلُّمَ الأحكام الشَّرعيَّة قبل التَّلَبُّس بها واجب منَ الواجبات المُؤَكّدة، فقد نَصَّ العلماء على ذلك؛ بل نَقَل الإجماعَ فيه الإمامُ القَرَافِي - رحمَه الله - فقال: "حَكَى الغَزَالِي الإِجْمَاع فِي "إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ"، وَالشَّافِعِي فِي "رِسَالَتِهِ" حَكَاهُ أَيْضًا فِي أَنَّ المُكَلَّفَ لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ فِي البَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الإِجَارَة، ومَنْ قَارَضَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في القِرَاضِ، ومَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى في تِلْكَ الصَّلاةِ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَة، وَجَمِيع الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ، فَمَنْ تَعَلَّمَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى مَا عَلِمَ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ، وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَةً وَعَصَاهُ مَعْصِيَةً"؛ انتهى.

وروى الترمذي عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده قال: قال عمر بن الخطاب: "لا يَبع في سوقنا إلاَّ مَن تَفَقَّه في الدِّين".

وفي هذا دلالةٌ واضحة على أهميَّة ما تريد، وتأييد قوي لما ذكرنا لكَ، وبيان لحرص الإسلام على تَعَلُّم الأحكام قبل التَّلَبُّس بها.

ولا سبيل لكَ إلى معرفة الأحكام المُتَّصلة بالمعامَلات إلاَّ إذا اطَّلَعتَ على كلام السابقينَ منَ العلماء، ثمَّ تتبعه إن شاء الله بكلام المُعَاصرينَ منهم.

فأحكام المُعَامَلات منَ الأحكام التي يطرأ عليها التَّطَوُّر والتَّغَيُّر، وذلكَ لما يحدثه النَّاس من معاملات جديدة لم تكن موجودةً بعينها عند أهل القرون السَّابقة، بخلاف أحكام التَّعَبُّدات، كالصَّلاة والصيام وغيرهما، فإنَّ أحكامها ثابتة لا يطرأ عليها التَّغيير، ولا يعتريها تطوير.

ولا يكاد يخلو كتاب من كُتُب الفقه من الكلام عن المعاملات بوجهٍ أو بآخَر، وإن اختلفتْ صورة العَرض أو ترتيب المسائل، ومن أهم هذه الكُتُب، الكُتُب المُعتَمَدة منَ المَذَاهب الأربعة، ومنها على سبيل المثال:

- حاشية ابن عابدين "ردّ المحتار على الدُّر المختار" (حنفي).

- "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (مالكي).

- "مغني المحتاج" للخطيب الشِّربيني (شافعي).

- "الروض المُربع شرح زاد المستقنع" (حنبلي).

هذه أمثلةٌ لبعض كُتُب المذاهب المُدوَّنة المتبوعة، وقد لَخَّصَت علم المُتَقَدِّمين والمُتَوَسِّطين في المَذَاهب الأربعة، فلْتَبْحَثْ في كلِّ كتاب منها عن كتاب البيوع والإجارة والهبَة والعَطيَّة والصرف وغير ذلك من أبواب المُعَامَلات، وسَتَجِدُ فيها كثيرًا ممَّا تريد.

• الأستاذ الدكتور/ الصديق الضرير، وله بحوث ومشاركات في هذا الباب لا تُحصَى كثرة.

• الأستاذ الدكتور/ علي السَّالوس، ومن أهم كتبه في هذا الباب:

1- "فقه البيوع والاستيثاق".

2- وكتاب "أثر التَّضَخُّم والكساد في ضوء حديث ابن عمر" وغيرهما كثير.

• الأستاذ الدكتور نزيه حماد، وله بحوث كثيرة أيضًا.

• الأستاذ الدكتور عثمان شبير، وله:

1- "المُعَامَلات الماليَّة المُعاصرة" وغيره.

• الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القرة داغي، وله:

1- "المُعَامَلات الماليَّة المُعاصرة" وغيره.

- فتاوى اللجنة الدَّائمة بالمملكة العربية السعوديَّة.

- فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله.

- فتاوى الشيخ محمد بن صالح العُثيمين - رحمه الله.

- قرارات المجمع الفقهي التابع لمُنَظمة المُؤتمر الإسلامي ومقرّه مدينة جدة، وأصل هذه القرارات مجموعة البحوث المُقَدَّمَة في كل مسألة، وقد طبعت هذه البحوث في مجلة المجمع الفقهي.

- قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومقرّه مكة.

ومنَ الكُتُب التي جَمعت بين القديم والمعاصر منَ المعاملات، شرح فضيلة العلامة ابن العُثيمين - رحمه الله - لـ"زاد المستقنع" "الشَّرح الممتع لزاد المستقنع"، وقد شرح كُتُب المُعَامَلات منه في ثلاثة مجلدات تقريبًا.

وينبغي عليكَ إن أردتَ الوصول إلى غاية تدرك بها ما تطلب، أن تُدَاوِمَ على هذه الدِّراسة مع سُؤال العلماء إذا أشكلَ عليكَ شيءٌ أو أبهم عليكَ أمرٌ، فقد قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

ونوصيكَ بالتَّحَلِّي بالإخلاص والصِّدق وحُسن الخُلُق وصُحبَة الصَّالحينَ ومُلاَزَمَة الأخيار، وانتِقاء عالم ربَّاني يكونُ لكَ مُوَجِّهًا ومُرشدًا وقائدًا إلى الخير.

ولمعرفة بعض هذه الضوابط والشروط راجع:

• فتوى "الطريق إلى طلب العلم وخدمة العقيدة".

• استشارة "علمي دعوي لكن غريب".

وشكرًا لك على تواصلك معنا في موقع الألوكة.