شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد

كل الأقسام | استشارات نفسية استشارات دعوية استشارات اجتماعية استشارات علمية

الحفظ

أ. محمد شوقي

استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/7/2008 ميلادي - 15/7/1429 هجري

الزيارات: 18787

السؤال:

كيف أُنَمِّي موهبة الحفظ عندي؛ بحيثُ أكون متقنًا للحفظ جدًّا؟

الجواب:

مرحبا بك أخي الكريم، وأهلًا وسهلًا بك في موقع الألوكة.

لا شَكَّ أنَّ الحفظَ أوَّل طريقٍ لتحصيل العلم وجَمْعِه؛ فقديمًا قالوا: مَن حَفِظَ المتون حازَ الفنون، وهو مِن نِعَم الله التي يتفاوت الناسُ فيها قوة وضعفًا.

وإليك أخي الكريم بعض الخطوات التي تساعدك على تنمية مَلَكَة الحفظ:

أولاً: الإخلاص:

الإخلاص! وما أدراك ما الإخلاص؟! فهو أساس النجاح والظفر بالمطلوب في الدنيا والآخرة, فهو بمنزلة الأساس للبنيان, وبمنزلة الرُّوح للجسد؛ فكما أنه لا يَستقرُّ البناء ولا يُتمكَّن من الانتفاع منه إلا بتقوية أساسِه وتعاهُدِه من أن يعتريه خللٌ، فكذلك العمل بدون الإخلاص، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

فإنَّكَ إذا ما أخلصتَ العمل لله تعالى؛ أعانَكَ الله على عملكَ، وَيَسَّرَه لكَ، وزادكَ من فَضله.

ثانيًا: الدعاء:

قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].

فتضرَّع أخي إلى الله تعالى آناءَ الليل وآناءَ النهار أن يرزقكَ قوة الحفظ، فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول - إذا صَلَّى الصُّبح حين يُسلِّم -: ((اللهم إني أسألكَ علمًا نافعًا، ورزقا طيبًا، وعملاً متقبَّلاً))؛ رواه ابن أبي شيبة.

فالدعاء سلاح لا يخطئ، فإنَّكَ إذا أنْزَلْتَ حاجتَكَ بالله - سبحانه وتعالى - استجابَ دعاءك وفَتَح لك، فها هو الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: يدعو الله - سبحانه وتعالى - وهو يشرب ماء زمزم، أن يَصلَ إلى مرتبة الذهبي في الحِفْظ، فانظر إلى ما وصل إليه من قوةٍ في الحفظ، ورسوخٍ في العلم!

ثالثًا: ترك المعاصي:

مِن أهم الأسباب المُعينَة على الحِفْظ اجتنابُ المعاصي، وعمل الإنسان بما عَلِم؛ فالمعصية صدأ للقلوب؛ تُدخِل إليها الظلمةَ والوحشة، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، وقال ابن مسعود: "إنِّي لأحسب الرَّجل ينسى العلم كما يعلمه؛ للخطيئة يعملها"، ويرشدنا إلى ذلك الشافعي قائلاً:

شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المَعَاصِي
وَأَخْبَرَنِي بِأَنَّ العِلْمَ نُورٌ وَنُورُ اللهِ لاَ يُؤْتَى لِعَاصِي

رابعًا: القدر المحفوظ:

وأقصد به أن تَأخُذ ما يُناسب مقدرتَك على الحفظ، ولو كان قليلاً؛ فقليلٌ دائم خير مِن كثير متقطع، فلا ترهقْ نفْسَك في حفظ كمٍّ كبير؛ فهذا مضيع للوقت والجهد ومشتِّت للذهن؛ بل جزِّئ ما تريد حفظَه، فإذا انتهيتَ من جزء وأتقنتَه، انتقل إلى ما بعده؛ فهذا أرجى لقوة الحفظ وأحرى.

خامسًا: تقويم الجزء الذي يُراد حفظه أولاً:

كي يتقن الإنسان الحفظَ، عليه أن يُصَحِّحَ القَدر الذي يريد أن يَحفظه، فالإنسان إذا حَفِظَ شيئًا على وجه الخطأ فإنَّه سيعتاد عليه، ويكون صعبًا عليه بعد ذلك أن يصوِّبه.

ولأن يحفظ المرء قدرًا يسيرًا من القرآن بصورة صحيحة خيرٌ له مِن أن يحفظ القرآن كلَّه على وجه الخطأ، فلا بُدَّ منَ التَّصحيح أوَّلاً قبل الحفظ؛ ليؤسِّس الحافظُ حفظَه على هدى وبصيرة.

سادسًا: الوقت المختار للحفظ:

اعلم أخي أنَّ هناك أوقاتًا مُستَحَبة للحفظ؛ حيث يَسهُل فيها الحفظ عن أي وقت آخر، قال الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى -: "واعلم أنَّ للحفظ ساعاتٍ ينبغي لمَن أرادَ الحفظ أن يُراعيَها،فأجَودُ الأوقات: وقت السحر، ثم وقت انتصاف النهار، ثم الغدوات دون العشيات، وحفظُ الليلِ أصلحُ مِن حفظ النهار".

وقال المنذر لابنه النعمان: يابني، أحبُّ لك النظرَ في الأدب بالليل؛ فإن القلب بالنهار طائر، وبالليل ساكن، فكلَّما أوعيت فيه شيئًا عقلته... وإنما اختاروا المُطَالَعة بالليل لِخُلُوِّ القلب، فإن خلوه يسرع إليه الحفظ". (انظر: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع").

قال أحمد بن الفرات: إذا هَمَمْتَ أن تحفظَ شيئًا فَنَمْ، وقُم عند السَّحَر فأسرج وانظُر فيه، فإنكَ لا تنساه بعدُ إن شاء الله.

سابعًا: كتابة المحفوظ:

من الوسائل المعينة على الحفظ الكتابةُ، فكان أنس - رضي الله عنه - يقول لبنيه: "قَيِّدوا العلم بالكتاب"، وقال بعضهم:

العِلْمُ صَيْدٌ وَالكِتَابَةُ قَيْدُهُ قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالحِبَالِ الوَاثِقَةْ

فما بلغكَ من علمٍ فَقَيِّدْه وَكَرِّرِ النَّظر فيه؛ بل كرِّر كتابته عشرات المَرَّات حتى تحفظَه، وقد كان من العلماء مَن يُكَرِّر كتابة الكتب حتى يحفظها، فهذا ابن الخاضبة البغدادي الدقاق - رحمه الله - يكتب "صحيح مسلم" في سنةٍ سبعَ مرات حتَّى يَحفظه، وذُكِر عن ابن مرزوق الهروي أنه كتب "سنن الترمذي" ستَّ مرات.

ثامنًا: التَّكرار:

الغالب أنَّ مَن حفظَ سريعًا بدون تَكرار، فإنه ينسى سريعًا - كما قال الشيخ ابن جبرين، وحكى الحسنُ عن أبي بكر النيسابوري أنَّ فقيهًا أعاد الدرس في بيته مرارًا كثيرة، فقالتْ عجوز في بيته: والله قد حفظتُه أنا، فقال: أَعِيديه، فأعادتْه، فلما كان بعد أيام قال: يا عجوزُ أَعيدي ذلك الدرسَ، فقالت: ما أحفظه. فقال: أنا أكرر الحفظ؛ لئلاَّ يصيبني ما أصابك.

لذا فلابُد من كثرة التكرار؛ ليثبتَ الحفظُ في ذهنك، وذلك على فترات متقطعة، فمثلاً: تحفظها في الصباح، ثُمَّ تكرّرها في وقت الظهيرة، ثُمَّ تكرّرها في المساء، ثم تكررها في الليل، وهكذا حتى يرسخ لديكَ رسوخًا بيِّنًا، ومع تقدُّم سنِّك لا يضعف حفظُكَ ولا إتقانكَ لها، بينما الأمور التي قرأتها فقط، أو حفظتها حفظًا ضعيفًا؛ فإنه إذا تَقَدَّم بكَ العمر فستنساها.

فإذا أردتَ حفظَ حديث واحد مثلاً، أو أربعة أسطر من كتاب، أو خمسة أبيات؛ فاجلسْ وكرِّرْها كثيرًا حتَّى ترسخ ويتقوَّم بها لسانكَ، ثم احفظها عن ظهر قلب من غير نظر إليها، ثم اتركها فترة، ثم عُد إليها واقرأها وأكْثِر من التّكرار؛ لأن التكرار الأول لا بد بعده من فترة تثبيت للحفظ، وهو عبارة عن امتحان للنفس، ثم تعود إلى هذا التكرار مرة أخرى ولو كانت محفوظة لديكَ.

تاسعًا: المراجعة الدائمة:

اجعل لنفْسكَ وقتًا كافيًا لتراجع فيه محفوظاتِك، فاجعل لك مراجعة أسبوعية، ومراجعة شهرية.

أما المراجعة الأسبوعية: فاجعل كلَّ أسبوع يومين للمراجعة، لا تحفظ فيهما.

أما المراجعة الشهرية: فاجعل في كل شهر ثلاثة أيام تعتزل الناس فيها، وتراجع فيها كل محفوظاتك التي حفظتَها خلال الشهر.

وذِكْرُنا لليومين والثلاثة هنا ليس من باب التحديد الذي لا ينخرم؛ بل هو من باب التنظيم والترتيب، فيمكن أن تنقص هذه المدة أو تزيد بحسب الحاجة إليها.

وعن عبداللَّه بن عمرَ أَنَّ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ؛ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ))؛ رواه مسلم.

شبَّه القرآنَ بالإبل المقيَّدة بالعُقُل، فما دام تعهُّده موجودًا فحفْظُه موجود، كما أن الإبل ما دامتْ مشدودةً بالعقال فهي محفوظة، وخصَّ الإبل؛ لأنها أشد الحيوان الأهلي نفورًا، والمراد بالحصر حصر مخصوص بالنسبة لأمر مخصوص، وهو دوام حفظه بالدرس كحافظ البعير بالعقل.

عاشرًا: أكل ما يعين على قُوَّة الحفظ:

هناك بعض الأطعمة التي تُنَشِّط الذاكرة؛ مثل: أكل الزبيب، وشم الطيب، شرب ماء زمزم، حبة البركة، عسل النحل.

حادي عشر: استخدام أكثر من وسيلة للحفظ:

فالحفظ يكون بالنظر، ويكون باللسان، ويكون بالكتابة، وكلما أكثر الحافظ من وسائل الحفظ كلما زاد إتقانه.

وبعد؛ فهذه بعض الوسائل التي بها تستطيع أن تنميَ حفظكَ وتكون قويًّا فيه؛ داعينَ الله لكَ بالعلم النافع والعمل الصالح.

ولمزيد اطِّلاع ومعرفة يمكن الرُّجوع إلى:

- كتاب "مفاتيح تدبر القرآن" د.خالد بن عبدالكريم اللاحم.

- كتاب "مفاتيح تدبر السنة" د.خالد بن عبدالكريم اللاحم.

- محاضرات الشيخ/ محمود بن محمد المختار الشنقيطي، وخاصة محاضرة: "لماذا الشناقطة يحفظون؟"، ففيها العجب العجاب.

وشكرًا لك على تواصلك معنا في موقع الألوكة.

مرحباً بالضيف

الألوكة تقترب منك أكثر! سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*
*
حفظ كلمة المرور نسيت كلمة المرور؟

تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.

شارك معنا

في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة

سجل بريدك

كُتَّاب الألوكة