غيرتي الشديدة أبعدت زوجي عني

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فمِن المُفتَرَض أن يكونَ حسن الظن والثقة أساسًا في العلاقة الزوجية، وأن يُقَدَّم على سوء الظن الذي يُسبِّب انعدام الثقة، ولا يعني ذلك: إغفال الغيرة التي خلقها اللهُ في البشر، وإنما المطلوبُ هو: ألا تتعدى الحد الطبيعي الذي قد يُؤثر سلبًا على العلاقة.

الغيرة تعدُّ شيئًا طبيعيًّا، وأمرًا عاديًّا إذا كانتْ مجرد مشاعر ولم تتجاوز ذلك إلى شكوك مستمرة ومراقبة ومحاسبة وتتبع وتجسُّس، وغير ذلك مما يُرهق الطرفين، كما أنَّ الغيرة الزائدة تأتي دائمًا بمفعولٍ عكسي، فبدلًا مِن أن تقربَ فإنها تُنفِّر، وبدلًا من أن تصلح فإنها تفسد، والدليلُ هو ما رأيته بنفسك من غياب زوجك عن البيت، ووضع رمز سري بعد أن كان واثقًا مطمئنًّا، فهل هذا هو الذي تطمحين إليه؟!

أعلم أنه من حقك أن تتكلمي وتعاتبي وتناصحي، لكن كان ينبغي عليك أن تسلكي طريقًا غير الطريق الذي سلكتِه، وذلك حفظًا للمودة وهدوء العلاقة، وكان يكفيك في ذلك النُّصح والتوجيه والتنبيه فقط لا غير، وأن يكونَ ذلك مرةً واحدةً، إلا إذا استدعى الأمر الزيادة.

القلوب يملكها مَن خَلَقَها سبحانه، أما نحن البشر فلا أحد يملك قلب أحد، وإن أردنا تحقيق شيء مِن ذلك فإن ذلك إنما يكونُ بحُسن الخلُق والصبر على الأذى؛ حيث إنَّ العجلة لا تأتي بثمرة، وكذلك سوء التعامل؛ قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].

أصلحي الأمور حفاظًا على ما تبقَّى من حسن العلاقة، وتفاديًا لسوء العاقبة، والْزَمي الهدوء، وتجاهلي الأمر، ليس إهمالاً وإنما اتِّكالًا على مَن بِيَدِه الأمر جل جلاله، ويكفيك في ذلك الدعاء بأن يحفظَ الله زوجك من الفتن.

اسلكي سبيل الاحتواء الذي مِن شأنه - بعد توفيق ربي - أن يعيدَ الأمور إلى مجاريها، فزوجُك وكل زوج على العموم يحتاج حين تتقاذفه الفِتَنُ إلى مَن يُعينه على اجتناب دروب الضلالة، وليس هناك أجمل ولا أفضل من زوج ودودٍ تُغدق على زوجها المحبةَ والحنان، وتصبر على ما تُلاقي احتسابًا وشفقةً وحبًّا ورغبة في الإصلاح.

قد يشق ذلك على بعض النساء؛ حيث يحتاج ذلك منهنَّ إلى مُجاهَدة، ولذلك فإنَّ الدعاء هو أعظم سبيل يُعينُ على ذلك، كما أنَّ الأمر يحتاج أيضًا إلى تأمُّلٍ وتفكُّر، فمثلًا النساء حين يشعرن باقتحام نساء لحياة أزواجهن لسببٍ أو لآخر، فإنهن قد يرين أن ذلك كافٍ لانصراف الزوج وافتتانه بهنَّ، وأن ذلك إعلان لنهاية العلاقة الزوجية لوجود المنافس، والواقعُ إنما يكون غير ذلك، وقد يكون العكس تمامًا.

وأنا حين أتحدَّث عن ذلك، فإنما أقصد به الرجل الذي يضطر لمخالطة النساء، أمَّا الرجلُ الفاسق الذي يقضي وقته في ملاحقة الفتيات وإقامة العلاقات معهنَّ متذرعًا بأعذار واهية، فإن الأمر معه يختلف تمامًا؛ حيث إنَّ الأمر سيكون بلاءً على الزوجة، ويحتاج منها إلى جهد مضاعف.

وفي كلا الحالين يجب على المرأة ألا تُرهق قلبها وعقلها بأمور هي خارجة عن إرادتها ما دامتْ ترى من نفسها حرصًا على أداء الواجب، وسعيًا مُعتدلًا في الإصلاح؛ حيث لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها، فلْتَصْبِر ولْتُحسن ولتتجاهل، تفعل كل ذلك مُفَوِّضة الأمر إلى الله سبحانه قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].

أسأل الله أن يُصلِحَ لكما الحال