• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | استشارات نفسية   استشارات دعوية   استشارات اجتماعية   استشارات علمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مر على زواجي ثلاثة أشهر وما زلت بكرا
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حيرة بين فتاتين
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    زوجتي تفلتت من قوامتي
    د. صلاح بن محمد الشيخ
  •  
    أمي وإخوتي تركوني وحيدة
    د. شيرين لبيب خورشيد
  •  
    وقعت في محرم قبل الزواج: هل عقد الزواج صحيح؟
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    قسوة القلب
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    زواج بالإكراه
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    ممارسة السحر من غير قصد
    أ. منى مصطفى
  •  
    الهوس بالأبراج
    أ. عبدالله بن عبدالعزيز الخالدي
  •  
    رجل مطلق يحبني
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    إحباط من جميع النواحي
    أ. أحمد بن عبيد الحربي
  •  
    أكل الحقوق بين الإخوة
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / الاستشارات / استشارات علمية / شريعة إسلامية
علامة باركود

فتنة الشبهات

فتنة الشبهات
الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/11/2017 ميلادي - 15/2/1439 هجري

الزيارات: 18267

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

 

♦ الملخص:

فتاة لديها الكثير مِن الشكوك المتعلقة بالدين والشريعة وتفسير القرآن والسنَّة، وتبحث عن الصواب والهداية.

 

♦ التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة دائمة الشك، كثيرة السؤال في الدين والبحث عن حقيقة الوجود، فِتْنتي في الحياة فتنة الشبهات، فكثيرًا ما يَنحرِف طريق التفكير بي إلى الشبهات، حتى إنني لم أعُدْ أثق بشيء أبدًا غير القرآن الكريم، حتى التفسير ما عدتُ أستطيع تقبُّله؛ لأنني أتساءل: لماذا يكون تفسير شخص مثلي ومثل فضيلتكم خطأ، وتفسير الآخرين صوابًا؟! لماذا نتقيَّد بعددٍ معيَّن من كتُبِ التفسير؟ وماذا لو لم يكن أصحاب هذه التفاسير على صواب؟!


فهل يُعقل مثلًا أن تسمَّى المرأة (نعجة) كما ذَكَر المفسرون في تفسير سورة (ص) في قول الله تعالى في قصة داود عليه السلام: ﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ ﴾ [ص: 23]؟!


وكيف يَختلف صحابيان على تفسير ﴿ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31]؟! أليسوا في نفس الزمان وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه؟! وكيف يُعقل أن يكون تفسيرها أنَّ ظاهر الثياب هو المقصود؟! بالطبع ظاهر الثياب سيظهَر، هل يحتاج هذا إلى ذكر تفسير؟!


للأسف لم أعد أستطيع قراءة ولا فَهم كتب الفقه والتفسير والحديث، حتى إنني أشعر أن الناس يقرؤونها ليزدادوا علمًا، وأني كلَّما قرأتُ نفرْتُ مِن الدِّين!


وهل نهى حقًّا الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث؟! ولماذا نثق في بعض الرواة دون بعضهم الآخر؟ وكيف تثبت صحة كتابَي صحيح البخاري وصحيح مسلم؟

أرجوكم ساعدوني، واعذروني على صراحتي، فالله يعلم أن نيتي هي البحث عن الهداية الصواب

الجواب:

 

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فهَوِّني عليك أيتها الابنة الكريمة، وقرِّي عينًا، فالحمدُ لله رب العالمين ليس عندنا في الإسلام ما نستحي من ذكره، ولا ما نتدسس به، بل على العكس.


ولو تأملتِ بارك الله فيك رسالتك لأدركتِ أن الشيطان يتلاعب بك ليَصرفك على الحق الناصع الذي ليس فيه خفاء ببعض ما تقرئينه مِن الأقوال الشاذة، والتي يُوقِعُك فيها قلة خبرتك العلمية، وتذكري دائمًا أن الله تعالى قد تكفَّل بحفظ الإسلام، ومن ثمَّ قيَّض الله تعالى الجهابذة ليَنفوا عن دينه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وهم الراسخون في العلم الذين يعلمون التأويل الصحيح للكتاب والسنَّة، فأرسخهم في العلم أعلمُهم به، وهؤلاء لا يَخلو منهم زمان، وإلا كانت الأمة كلها مضيِّعة مُفرِّطة فيما أمرت به، وهذا محال.


هذا، وسأذكر لكِ بعض النقاط المحدَّدة كيما تكون نبراسًا لك على الطريق:

• الأولى: أن النصوص الجلية هي الأكثر في الكتاب والسنَّة، ولا تختلف الأمة في تأويلها، ومَن خالف فيها فلخفائها عليه هو ممَّن لم تبلغه، أو لقيام مُعارض عنده أو لنسيانه، وأما مَن بلَغه النص ولم يقم عنده ما يعارضه فلا يسعه مخالفته، ولا يعذر عند الله بتركه لقول أحد كائنًا مَن كان.


وأحيانًا تكون دلالة اللفظ غير جليَّة فيشتبه حينئذ المراد به، ويقع النِّزاع بين أهل الاجتهاد، فيفهم هذا منها معنى فيُؤولها به، ويَفهم منها غيرُه معنى فيؤولها به... وهكذا.


وتأملي جيدًا سلَّمكِ الله هذا الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم "الاستقامة" (1 / 55 - 60): "ومِن المعلوم لمن تدبر الشريعة أن أحكامَ عامَّة أفعال العباد معلومة لا مظنونة، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدًّا في بعض الحوادث لبعض المجتهدين، فأمَّا غالب الأفعال مفادها وأحداثها فغالب أحكامها معلومة ولله الحمد، وأعني بكونها معلومة: أن العلم بها مُمكن، وهو حاصل لمن اجتهد واستدلَّ بالأدلة الشرعية عليها، لا أعني أن العلم بها حاصل لكل أحد، بل ولا لغالب المتفقِّهة المقلِّدين لأئمتهم، بل هؤلاء غالب ما عندهم ظنٌّ أو تقليد.


وهذا الأصلُ الذي ذكرته أصل عظيم فلا يصدُّ المؤمن العليمَ عنه صادٌّ، فإنه لكثرة التقليد والجهل والظنون في المنتسبين إلى الفقه والفتوى والقضاء استطال عليهم أولئك المُتكلِّمون حتى أخرجوا الفقه الذي نجد فيه كل العلوم من أصل العلم لما رأوه من تقليد أصحابه وظنهم.


ومما يوضح هذا الأصل أنه من المعلوم أن الظنون غالبًا إنما تكون في مسائل الاجتهاد والنزاع، فأما مسائل الإيمان والإجماع فالعلم فيها أكثر قطعًا.


وإذا كان كذلك، فمِن المعلوم أن مِن أشهر ما تنازع فيه الصحابة ومَن بعدهم مسائل الفرائض، كما تنازعوا في الجدِّ وفروعه، وفي الكلالة، وفي حجب الأم بأخوَين، بل باب الحيض الذي هو من أشكل الفقه في كتاب الطهارة، وفيه من الفروع والنزاع ما هو معلوم، ومع هذا أكثر الأحكام الشرعية المتعلِّقة بأفعال النساء في الحيض معلومة، ومَن انتصب ليُفتي الناس يفتيهم بأحكام معلومة متَّفق عليها مائة مرة حتى يُفتيهم بالظن مرة واحدة، وإن أكثر الناس لا يعلمون أحكام الحيض وما تنازَعَ الفقهاء فيه من أقلِّه وأكثره، وأكثر سنين الحيض وأقله، ومسائل المتحيِّرة، فهذا من أندر الموجود، ومتى تُوجد امرأة لا تحيض إلا يومًا! وإنما في ذلك حكايات قليلة جدًّا، مع العلم بأن عامة بنات آدم يَحضْنَ.


فإن قال قائل: مسائل الاجتهاد والخلاف في الفقه كثيرة جدًّا في هذه الأبواب، قيل له: مسائل القطع والنص والإجماع بقدر تلك أضعافًا مُضاعَفة، وإنما كثُرَتْ لكثرة أعمال العباد وكثرة أنواعها" اهـ. مختصرًا.


وقال في مجموع الفتاوى (13 / 118): "جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس ويُفتون بها هي ثابتة بالنص أو الإجماع، وإنما يقع الظن والنزاع في قليل مما يَحتاج إليه الناس، وهذا موجود في سائر العلوم، وكثير مسائل الخلاف هي في أمور قليلة الوقوع ومقدَّرة، وأما ما لا بد للناس منه من العلم مما يجب عليهم ويَحرم ويُباح فهو معلوم مقطوع به".


• الثانية: أن وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، غير أن المذموم هو بغْي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدِّي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضرَّ ذلك الاختلاف، فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدًا والغاية المطلوبة واحدة والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافًا لا يضرُّ؛ لأن الأصل الذي بنوا عليه واحد، وهو كتاب الله وسنَّة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة.


• الثالثة: نقل شيخ الإسلام ابن القيم عن أبي محمد بن حزم بيان أصل الاختلاف الشرعي وأسبابه، فقال في الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2 / 520 - 540): "قال الحميدي: قال لنا الحافظ أبو محمد علي بن أحمد: تطلعَت النفسُ بعد تيقُّنها أن الأصل المتفق عليه المرجوع إليه أصل واحد لا يَختلف، وهو ما جاء عن صاحب الشرع، إما في القرآن، وإما من فعله أو قوله الذي لا يَنطق عن الهوى فيه.


لما رأيت وشاهدت من اختلاف علماء الأمة فيما سبيله واحد وأصله غير مختلف، فبحثت عن السبب الموجِب للاختلاف، ولترك مَن ترَك كثيرًا مما صحَّ من السنن، فوضح لها بعد التفتيش والبحث أن كل واحد من العلماء بشر يَنسى كما ينسى البشر، وقد يحفظ الرجل الحديث ولا يَحضُرُه ذكره فيفتي بخلافه، وقد يعرض هذا في آي القرآن؛ ألا ترى أن عمر رضي الله عنه أمَرَ على المنبر ألا يزاد مهور النساء على عدد ذكره ميلًا إلى أن النبي لم يَزِد على ذلك العدد في مهور نسائه، حتى ذكَّرته امرأة من جانب المسجد بقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ﴾ [النساء: 20]، فترك قوله وقال: "كل أحد أعلم منك حتى النساء!" وفي رواية أخرى: "امرأة أصابت ورجل أخطأ".


وقال رضي الله عنه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يموت حتى يكون آخرَنا، حتى قرئ عليه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]"، فرجع عن ذلك، وقد كان عَلِمَ الآية، ولكنه نسيها لعِظَم الخطْب الوارد عليه.


وقد يذكر العالم الآية والسنَّة ولكن يتأوَّل فيهما تأويلًا من خصوص أو نسخ أو معنى ما، وإن كان كل ذلك يحتاج إلى دليل، ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا بالمدينة حوله مُجتمعين، وكانوا ذوي معايش يَطلبونها، وفي ضنك من القوت؛ فمِن مُحترِف في الأسواق، ومِن قائم على نخله، ويحضره في كل وقت منهم طائفة إذا وجدوا أدنى فراغ مما هم بسبيلِه.


وكان صلى الله عليه وسلم يُسأل عن المسألة ويَحكم بالحكم ويأمر بالشيء ويفعل الشيء، فيَحضره مَن حضره ويغيب عنه من غاب عنه، فلما مات ووليَ أبو بكر كان إذا جاءته القضية ليس عنده فيها نص سأل مَن بحضرته من الصحابة عنها، فإن وجد عندهم نصًّا رجع إليه، وإلا اجتهد في الحكم فيها، وكان اجتهاده واجتهاد غيره منهم رضي الله عنهم رجوعهم إلى نصٍّ عام، أو إلى أصل إباحة متقدِّمة، أو إلى نوع من هذا، يَرجع إلى أصل، ولا يجوز أن يظن أحد أن اجتهاد أحد منهم هو أن يَشرع شريعة، باجتهاد ما، أو يَخترع حكمًا لا أصل له حاشاهم من ذلك.


فلما ولي عمر رضي الله عنه فُتحت الأمصار وتفرَّقت الصحابة في الأقطار، فكانت الحكومة تنزل بالمدينة أو بغيرها من البلاد، فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها نصٌّ حُكم به، وإلا اجتهدوا في ذلك، وقد يكون في تلك القضية نص موجود عند صاحب آخر في بلد آخَر.


وقد حضر المدني ما لم يَحضر المصري، وحضر المصري ما لم يَحضر الشامي، وحضر الشامي ما لم يحضر البصريَّ، والبصري ما لم يَحضر الكوفيَّ، والكوفي ما لم يحضر البصري، والمدني ما لم يحضر الكوفي والبصري، كل هذا موجود في الآثار، وتَقتضيه الحالة التي ذكرنا مِن مَغيب بعضهم عن مجلسه في بعض الأوقات وحضور غيره، ثم مغيب الذي حضر وحضور الذي غاب، فيدري كل واحد منهم ما حضَره ويفوته ما غاب عنه، هذا أمر مُشاهَد.


وقد كان علم التيمُّم عند عمار وغيره، وغاب عن عمر وابن مسعود حتى قالا: لا يتيمَّم الجنُب ولو لم يَجد الماء شهرَين.


وكان حكم المسح على الخفَّين عند عليٍّ وحذيفة، ولم تعلمه عائشة ولا ابن عمر ولا أبو هريرة على أنهم مدنيُّون.

وكان توريث بنت الابن مع البنت عند ابن مسعود، وغاب ذلك عن أبي موسى، وكان حكم الاستئذان عند أبي موسى وأبي سعيد الخدري وأُبيٍّ، وغاب عن عمر.


وكان حكم الإذن للحائض في أن تَنفر قبل أن تَطوف عند ابن عباس وأم سليم، ولم يعلمه ابن عمر وزيد بن ثابت.

وكان حكم المتعة والحمُر الأهلية عند عليٍّ وغيره، ولم يعلمه ابن عباس، وكان حكم الصرف عند عمر وأبي سعيد وغيرهما، وغاب ذلك عن طلحة وابن عباس وابن عمر.


وكذلك حكم إجلاء أهل الذمة من بلاد العرب كان عند ابن عباس وعمر فنسيه عمر سنتَين فتركهم حتى ذكِّر بذلك فذكَرَه فأجلاهم، ومثل هذا كثير، فمضى الصحابة على هذا، ثم خلف بعدهم التابعون الآخذون عنهم، وكل طبقة من التابعين في البلاد التي ذكرنا فإنما تفقهوا بمن كان عندهم من الصحابة، وكانوا لا يتعدون فتاويهم لا تقليدًا لهم ولكن لأنهم أخذوا ورووا عنهم إلا اليسير مما بلغهم عن غير من كان في بلادهم من الصحابة رضي الله عنهم، كاتباع أهل المدينة في الأكثر فتاوى ابن عمر، واتباع أهل مكة في الأكثر فتاوى ابن عباس، واتباع أهل الكوفة في الأكثر فتاوى ابن مسعود.


ثم أتى من بعد التابعين فقهاء الأمصار؛ كأبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة، وابن جريج بمكة، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، وعثمان البتي وسوار بالبصرة، والأوزاعي بالشام، والليث بمصر، فجروا على تلك الطريقة من أخذ كل واحد منهم عن التابعين من أهل بلده، وتابعوهم عن الصحابة فيما كان عندهم وفي اجتهادهم فيما ليس عندهم وهو موجود عند غيرهم، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وكل من ذكرنا مأجور على ما أصاب فيه أجرَين، ومأجور فيما خفيَ عنه ولم يبلغه أجرًا واحدًا؛ قال تعالى: ﴿ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]، وقد يَبلغ الرجلَ ممَّن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارُض، فيَميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات، ويَميل غيره إلى النص الآخر الذي تركه بضرب آخر من الترجيحات؛ كما روى عثمان بن عفان في الجمع بين الأختين أحلتهما آية وحرمتهما آية، وكما مال ابن عمر إلى تحريم نساء أهل الكتاب جملةً بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ [البقرة: 221]، وقال: لا أعلم شركًا أعظم من قول المرأة: إن عيسى ربها، وغلَّب ذلك على الإباحة المنصوصة في الآية الأخرى، ومثل هذا كثير.


فعلى هذه الوجوه ترَك بعضُ العلماء ما تركوا من الحديث ومن الآيات، وعلى هذه الوجوه خالفهم نظراؤهم، فأخذ هؤلاء ما ترَك أولئك، وأخذ أولئك ما ترك هؤلاء، لا قصدًا إلى خلاف النصوص، ولا تركًا لطاعتها، ولكن لأحد الأعذار التي ذكرنا إما مِن نسيانٍ، وإما أنها لم تَبلغهم، وإما لتأويلٍ ما، وإما لأخذٍ بخبرٍ ضعيف لم يعلم الآخذ به ضعفَ رُواته وعَلِمه غيره فيأخذ بخبر آخر أصح منه، أو بظاهر آية، وقد يَتنبَّه بعضهم في النصوص الواردة إلى معنى، ويَلوح منه حكم بدليل ما، ويغيب عن غيره، وقد كثرت الرِّحَل إلى الآفاق، وتداخل الناس، وانتدب أقوام لجَمع حديث النبي وضمِّه وتقييده، ووصَل من البلاد البعيدة إلى مَن لم يكن عنده، وقامت الحجة على مَن بلغه شيء منه، وجمعت الأحاديث المبيِّنة لصحة أحد التأويلات المتأولة في الحديث، وعُرف الصحيح من السقيم وزيف الاجتهاد المؤدي إلى خلاف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ترك عمله، وسقط العذر عمَّن خالف ما بلغه من السُّنَن ببلوغها إليه، وقيام الحجَّة بها عليه، ولم يبقَ إلا العناد والتقليد". اهـ مختصرًا.


أما الأمثلة التي وردَت في رسالتك، فعند تأمُّلكِ في القواعد السابقة ستعلمين أنها مندرجة تحتها، فالعلماء ليسوا معصومين، وليس من شرط العالم ألا يُخطئ، وإنما العصمة والصواب المُطلَق والحجة الدامغة ففي كتاب الله تعالى وسنة رسوله وما أجمع عليه العلماء، فلا نَعتقد العصمة في قول أحد، ولا يقرُّ على الخطأ في الاجتهاد، بل يجب إنكار القول الذي يُخالف ظاهر القرآن أو السنَّة أو الإجماع، وأن يبيِّن ضعفه.


وقد قال الله تعالى في حق أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: 79]، فتأمَّلي رعاكِ الله، فهذان نبيان كريمان حكَما في قضية واحدة؛ فخصَّ الله أحدهما بالفهم؛ وأثنى على كل منهما، والعلماء رضي الله عنهم - كما تعلمين - ورثة الأنبياء، وخلفاء الرسل العاملين بالكتاب والسنة، فللمُصيب منهم أجران، وللآخر أجر، وكل منهم مطيع لله بحسب استطاعته، ولا يُكلفه الله ما عجز عن علمه، وقد خصَّ الله أحدهما بعلم أمرٍ وفهمِه، ولم يوجب ذلك ذمَّ مَن لم يَحصل له ذلك، بل إن كل من اتقى الله ما استطاع فهو مِن أولياء الله المتقين؛ وإن كان قد خفي عليه مِن الدين ما فهمه غيره.


وأخيرًا نطبِّق تلك القاعدة ببيان ضعف ما نقلتِه مِن تفسير بعض أهل العلم للنَّعجة بالمرأة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [ص: 23]، واحتجُّوا بورود بيت أو بيتين من الشعر الجاهلي.


والجواب أنَّ هذا وإن كان قد قيل فإنه لم يكن شائعًا شعرًا ولا نثرًا، ولا يجوز أن يفسَّر كتاب الله بوحشيِّ اللغات ومُستكرَه التأويلات، وغرائب الأشعار، مع التكلُّف في رد ظاهر اللغة؛ فالنَّعْجَةُ: أُنْثَى الغَنَمِ كما في عامة المعاجم اللغوية، فضلًا عن أنه مُخالِف لظاهر القرآن، والأصل إجراء القرآن على ظاهره.

وفَّقكِ الله لكل خير، وألهمَكِ رشدَك، وأعاذَكِ مِن شرِّ نفسك





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف أزيد من مخزوني الثقافي؟
  • التَّفسير العلمي للحسد والعين
  • العلم والإخلاص سلاح الدعوة إلى الله
  • دراسة العلم الشرعي
  • ما العلم الممدوح في نصوص الكتاب والسنة؟
  • أريد طلب العلم وأهلي لا يشجعونني
  • أشعر بأني فقدت إيماني بسبب شبهات الملحدين
  • شبهات حول قصص الأنبياء
  • شبهة حول حديث زيد بن عمرو بن نفيل
  • فتنت بشاب وتعلقت به!

مختارات من الشبكة

  • الوقاية من الشبهات والفتن (محاضرة)(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم)
  • خطبة في التحذير من الشبهات والفتن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شبهة دليل الأعراض (حلول الحوادث) والرد على الشبهات المتعلقة بذلك (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فتن قد لا يلتفت إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الفتن: فتنة شماعة (المسألة خلافية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعظم فتنة مقبلة فتنة المسيح الأعور الدجال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعظم فتنة في الأرض (فتنة الدجال) وأربعة عشر سببا للنجاة منه(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • الفتنة الكبرى {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عيد الفطر المبارك 1436هـ (فتن السراء وفتن الضراء)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • فتنة في مباراة أم مباراة في الفتنة؟!(مقالة - ملفات خاصة)

 


مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب