اللون في شعر الغزل في العصر الأموي

ملخص الرسالة

اللون في شعر الغزل في العصر الأموي

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين، أما بعد.

لقد أدى اللون دورًا مهمًا في الحضارة البشرية ومن ضمنها حضارتنا العربية منذ الأزل وبقي دوره فاعلًا ومؤثرًا في حضارتنا، لأن اللون عنصر ماثل في الحياة البشرية منذ أن خلقها الله جلّتْ قدرته. ولهذا فقد كان له دورٌ مهمٌ وفاعلٌ في الشعر العربي بشكل عام وفي شعر الغزل الأموي بشكل خاص.

إن اللون في شعر الغزل في العصر الأموي موضوع اقترحه عليَّ الاستاذ الدكتور أيهم عباس القيسي، وقد وجدته موضوعًا جديرًا بالدراسة وذلك لأنه من الموضوعات التي لم تدرس في مجال الدراسات العليا فكان هذا دافعًا لدراستي لهذا الموضوع.

وهناك دراسات سبقت هذه الدراسة واستفدت منها هي دلالة الألوان في الشعر العباسي في القرن الثالث الهجري واللون في شعر ذي الرمة واللون في الشعر الأندلسي حتى نهاية عصر الطوائف، أما البحوث التي سبقت هذه الدراسة فهي الألوان وإحساس الشاعر الجاهلي بها، وشاعرية الألوان عند امريء القيس والأداء باللون في شعر زهير بن أبي سلمى والأداء باللون في شعر سحيم عبد بني الحسحاس وألفاظ الألوان ودلالتها على الذوق العربي وجماليات اللون في القصيدة العربية الحديثة والألوان في شعر ابن المعتز وغيرها من البحوث، وهناك دراسات عامة مثل اللون واللغة، والرسم واللون والألوان تأثيرها على النفس، علاقتها بالفن وأصول الرسم والتلوين وغيرها. وعندما سنحت لي الفرصة لدراسة اللون في شعر الغزل في العصر الأموي، اعتمدت فيها على المنهج التحليلي الذي يرتكز على الاستقراء والتحليل، واتجهت بالدراسة نحو العمق أي نحو التركيز الشديد في الظاهرة اللونية.

أما أهم الصعوبات التي واجهتني في دراسة تلك الظاهرة فهي في استخراج رموز الألوان في شعر الغزل باستقراء دواوين شعراء الغزل في العصر الأموي ومتابعة نصوصه وتحليلها لمعرفة الألوان التي وظفها الشعراء في غزلهم وهي على نوعين صريح وضمني واقتضى ذلك دقة وتركيزًا في متابعة النصوص الخاصة بالغزل الصريح والعذري والتقليدي مما شكل أبرز الصعوبات التي واجهت البحث في تناول تلك الظاهرة.. وقد قسمت الدراسة إلى تمهيد وثلاثة فصول ثم الخاتمة وبعدها قائمة المصادر.

تناولت في التمهيد تعريف اللون لغةً واصطلاحًا بصورة موجزة، لأن هنالك دراسات سبقت هذهِ الدراسة كما قلنا آنفًا، لذا لم أوضح مفهوم اللون بشكل مسهب، لأن ذلك يعدُّ تكرارًا لما جاء في تلك الدراسات.

وبعد ذلك تناول التمهيد الإحساس باللون في شعر الغزل قبل الاسلام وبعده، وشمل الإحساس باللون في لوحة الطلل والظعن ووصف محاسن المرأة ولوحة اللقاء والفراق موضحين دور اللون في كلِّ لوحة وإحساس الشاعر العربي بها قبل الاسلام وبعده.

وفي الفصل الأول: تناولت الدراسة (اللون في قصيدة الغزل في العصر الأموي). وقد قسمته إلى ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأول (اللون والطلل). وفي المبحث الثاني درستُ (اللون في لوحات الظعن في قصيدة الغزل الأموي) وقسّمت هذا المبحث إلى:

أ- (الألوان الصريحة في لوحة الظعن).

ب- (الألوان الضمنية في لوحة الظعن).

جـ- (الألوان التي تجمع بين الصريحة والضمنية).

أما المبحث الثالث فتناولتُ فيه (اللون في وصف محاسن المرأة في قصيدة الغزل) وشملت اللون في وصف المحاسن المادية كالوجه والعين والشعر والثغر والخد والكف والبنان، واللون في وصف لوحات اللقاء والفراق متمثلًا في الليل، الغراب، الحمام، الشيب، الوشاة، العذال.

أما الفصل الثاني فتناولتُ فيه: (اللون في المقدمات الغزلية التقليدية، واللون في الزينة) وقد قسّمت هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث، تناولت في المبحث الأول (اللون في مقدمات قصائد المدح الغزلية)، أما المبحث الثاني فتناولت فيه (اللون في مقدمات قصائد الهجاء الغزلية واللون في المقدمات الغزلية في قصيدة الفخر). أما المبحث الثالث فتناولت فيه اللون في الزينة ويشمل اللون والزينة في قصيدة الغزل واللون والزينة في المقدمات الغزلية.

وفي الفصل الثالث تناولت (الدراسة الفنية) وتضمن ثلاثة مباحث تناول المبحث الأول: الإيقاع (الموسيقى الخارجية) الوزن والقافية و(الموسيقى الداخلية) (التصريع والترصيع والجناس)، أما المبحث الثاني فدرست فيه الصورة الفنية اللونية مثل (التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز والتضاد اللوني واللون الرمزي)، أما المبحث الثالث فتناول ملامح الأداء القصصي كالحوار والأسلوب فضلًا عن دراسة أسلوب الجملة (التركيب) مثل (الاستفهام والأمر والنهي والنداء... الخ).

أما خاتمة الدراسة فقد احتوت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة وفيما يتعلق بمصادر البحث فهي متنوعة بين قديمة وحديثة، لغوية وأدبية وطبيعية ونفسية وقد بذلت جهدًا في تتبع اللون فيها.

وأخيرًا فان هذه الرسالة جهد متواضع بذلت فيه من الجهد والعناية غاية ما أستطيع وأرجو من الله التوفيق.

فإن أصبت فهذا من فضل الله وحسبي أني بذلت ما أستطيع والكمال لله وحده..

الخاتمة:

تناولت هذه الدراسة ظاهرة اللون في شعر الغزل في العصر الأموي، وقد وقفتُ على جملة من النتائج من خلال استقراء النصوص الشعرية في هذه الحقبة الزمنية التي شهدت تطورًا في نظرة الانسان العربي للمرأة، وتصويرها بالألوان. إذْ أوضحت الدراسة في التمهيد استخدام الشاعر العربي قبل الاسلام وفي صدر الاسلام للون في شعر الغزل في المقدمات الطللية ورحلة الظعن وفي لوحات التغزل بجمال المرأة الحسي، ثم انتقلت الدراسة إلى اللون في شعر الغزل في العصر الأموي وتوصلت الى جملة من الحقائق:

1- إنّ الألوان الضمنية أكثر استخدامًا من الألوان الصريحة في شعر الغزل الأموي بصورة عامة.

2- وأنّ أكثر الشعراء استخدامًا للون بنوعيه الصريح والضمني هم شعراء الغزل الصريح، لأنّ غزلهم حسي يهتم بتصوير مفاتن المرأة الجسدية، بينما نجد في الغالب شعراء الغزل العذري يهتمون بتصوير الجوانب المعنوية في التعبير عن أحاسيسهم أولًا ونظرتهم الى المرأة وإحساسهم بها ثانيًا وهذا يعني اهتمامهم برموز اللون الضمنية أكثر من الصريحة.

3- إن أكثر الألوان التي شغف بها الشعراء في لوحات وصف محاسن المرأة هما اللونان الأبيض والأصفر حينما يعبرون عن الرؤية والجمال معبرين عن الرؤية الكلية لجمال المرأة ويأتي بعدهما اللون الأسود في الشعر والشفاه واللثات، والأحمر في الأيدي والأنامل، والحوة واللعس في الشفاه والبياض مفردًا في الأسنان والسواد والبياض في العيون، والواضح لدينا أن شاعر الغزل هو الذي وسع مفهوم البياض في الدلالة اللونية للغة الغزل.

4- أن اللون في شعر الغزل له مدلولات متعددة، فدلالة اللون الأسود مثلًا في وصف مفاتن المرأة تختلف عن دلالته في وصف اللقاء بها. ففي وصف مفاتنها يمثل جمال عينيها وشعرها، أما في لقائهما فيمثل التخفي والتستر في سواد الليل عن أعين الوشاة فهو الذي يحقق اللقاء والمتعة بين المحبين ويمثل الأسود في لوحة الفراق الحزن والألم كما هو معهود في دلالته، وقد كان للون الواحد ضمن القصيدة الواحدة عدة دلالات. أما الأبيض مثلًا فيمثل جمال وإشراق وجه المرأة، وفي الفراق يرمز إلى الشيب والكبر الذي تنفر النساء منه.

5- قلة ورود بعض الألوان في شعر الغزل في العصر الأموي مثل اللون الأزرق ولون البنفسج، فمثلًا الأزرق الذي أخرجوه عن معانيه المعروفة لديهم والتي ترمز الى الحسد والحقد والكراهية، فقد ورد عند بعضهم رمزًا للجمال والسحر، ففي هذا المعنى استخدمه عمر بن أبي ربيعة، أمّا لون البنفسج فقد ورد عند مجنون ليلى ولم تجده عند غيره في شعر الغزل الأموي، فقد وظفه تعبيرًا عن التدرج اللوني للخجل.

6- أما المقدمات الغزلية فقد جاء استخدام اللون في المدح والهجاء أكثر من غيرهما من الأغراض الشعرية الأخرى، فضلًا عن اللون في تلك المقدمات قد يأتي رمزًا للممدوح أو المهجو، وربما استخدمه الشاعر في وصف جمال المرأة ولكن يرمز به الى الممدوح.

7- أما اللون في الدراسة الفنية، فقد ورد في أغلب البحور الشعرية ولعل أكثر البحور التي ورد فيها اللون هي البحر الطويل وربما يرجع ذلك إلى كثرة نظم شعر الغزل فيه، أما أكثر القوافي الواردة في شعر الغزل والتي ورد اللون فيها فهي الراء... وقد قام اللون بدور فاعل في صياغة الصورة الفنية في شعر الغزل الأموي مثل التشبيه والاستعارة والكناية والتضاد اللوني وغيرها من الأساليب الفنية. وكذلك كان للون دور فاعل ومتميز في تركيب الجملة ويتضح ذلك في استخدام الجمل الانشائية والخبرية للغة الشعرية، وكما أدى اللون دوره في السرد القصصي حيث له مدلولات متعددة حسب ملامح القصة وكان الحوار في مقدمة تلك الملامح.

8- وأخيرًا استطاع شعراء الغزل أن يوظفوا اللون للتعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم ووجدهم تجاه المرأة.