أحكام السرية المصرفية "عرض رسالة ماجستير"

ملخص الرسالة

أحكام السرية المصرفية

(دراسة مقارنة)

المقدمة:

الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدى ورحمة للعالمين، وشِرعة وصراطًا للناس أجمعين، وصلَّى الله وسلَّم على الهادي الأمين، إمام العالمين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإنَّ الشريعة الإسلامية قد جاءت لتحقيق مصالح العباد ورعاية حقوقهم، ومن الحقوق التي كفلتها الشريعة حقُّ الحرية الشخصية؛ إذ هي من لوازم التكريم الذي أقره الله لبني آدم في قوله: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، ومن مظاهر الحرية الشخصية حق الإنسان في السريَّة والحياة الخاصَّة، والحق أن السرية أمر تقره الشريعة الإسلاميَّة؛ فقد جاءت عدة أدلة تؤكد هذا الحق وتدل على احترامه، وتؤكد أن كتمان السِّرِّ هو من جملة الأخلاق الحسنة.

وإذا كان الحق في السرية والحياة الخاصَّة من مظاهر الحرية الشخصية، فإن احترام الأموال والملكيات الخاصة مظهرٌ آخرُ من مظاهر هذه الحرية؛ إذ لا يُمنع أحد من التصرف في ملكه وَفْقَ الحدود والضَّوابط الشرعية، ولأجل ذلك كان من حق الإنسان أن يُخفيَ مقدار ما يَملك من مال عن أعين النَّاس، ويبقى ذلك سرًّا من أسراره الخاصة، ولا جَرَم عليه في ذلك؛ إذ له الحق في السرية، وله الحق في التصرف في ماله، بشرط التقيُّد بضوابط الشريعة في ذلك.

من هنا تأتي السرية المصرفيَّة كأحد الحقوق المقررة لكل فرد، ويقصد بها التزام المصرف الذي هو مخزن أموال الناس، والوسيلة الأهم لحفظ أموال النَّاس، وتقديم الخدمات الماليَّة والتجارية لهم، فالسرية المصرفية هي التزام هذا المصرف بالمحافظة على سرية حسابات العملاء وتعاملاتهم، وإبقائها في طَيِّ الكتمان، وموضوع البحث يتعلق بأحكام هذه السرية.

أهمية الموضوع:

وأهمية دراسة هذا الموضوع تأتي من أهميَّة مبدأ الالتزام بالسرِّية المصرفية، وإبرازها كقاعدة أساسيَّة من قواعد التعامُل المصرفي؛ إذ لهذه القاعدة مكانة مُهمة في التعامُل المصرفي، تتمثل في تحقيق المصالح الخاصة للأفراد المتعاملين مع المصارف، وتحقيق المصالح العامة للمصرف، الذي يُتقنُ فنَّ الالتزام بهذه القاعدة؛ إذ في تَمسكها بها رفعة لمكانته وسمعته، ومن ثَمَّ يصبح مقصدًا لأموال الناس، كما أن في التقيُّد بهذه القاعدة مصلحة عامة عُليا للمجتمع والوطن بأَسره؛ إذ يصبح محطًّا لرؤوس الأموال الوطنية والعالمية، الأمر الذي يعود على المجتمع بالفائدة المتلازمة مع ازدياد الثَّروة المالية.

أسباب اختيار الموضوع:

أما عن الأسباب التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع، فهي:

1- حاجةُ أغلب النَّاس على اختلافهم للتعامُل المصرفي، فالمصرف اليومَ يُعَدُّ من الحاجات التي لا غنى للناس عنها؛ لذا وجب أن يتناولَ كُل ما يتعلق بأعمال المصارف على وجه الشَّرح والتفصيل، والسريةُ المصرفية أساسٌ يقوم عليه التعامُل المصرفي، فهو من المواضيع الجديرة بالبحث.

2- تعدُّد الخِدْمات المصرفيَّة، وتنوع أشكالها، وذلك بطريقة مُتزايدة مُستمرة؛ إذ لا يقتصر عمل المصرف على حفظ أموال العُملاء فحسب، بل إنَّه يتجاوز ذلك بمراحل، الأمر الذي يقتضي معرفة المصرف بخصوصيَّات العميل وأموره الشخصيَّة؛ لذلك وجب أن يضمن العميل حقَّه في معرفة أسراره وأموره الشخصية، وهذا ما يُمكن دراسته في هذا الموضوع.

3- عُنيت دول كثيرة بوضع نظام خاصٍّ للسرية المصرفيَّة، أو موادَّ نظاميَّة خاصَّة بهذا الشأن على الأقل، ووجود نظام خاص بهذا الأمر، أو نصوص نظاميَّة تتناول السرية المصرفية من زواياها المختلفة، من وجهة نظر شرعيَّة إسلاميَّة - أمرٌ مهم، ويسهل على من يقضي في المنازعات المتعلقة بالسريَّة المصرفية تصوُّر الأمر والحكم فيه بدقة.

الدراسات السابقة:

إنَّ الدراساتِ السابقةَ في موضوع السريَّة المصرفية تُجمع على تفصيل أحكام السريَّة المصرفية في ضوء أنظمة الدُّول المختلفة؛ إذ كل باحث يَدرُس أحكام السرية المصرفية، بناءً على أنظمة بلاده أو دولة مُحددة، مقارنًا ذلك بأنظمة دول أخرى، فمن الدراسات السابقة التي سلكت هذا المسلك:

1- السرية المصرفية: دارسة في القانون المقارن، للدكتور/ نعيم مغبغب، وبحثه يتعلق بـ "السرية المصرفية في القانون اللبناني: مقارنة بدول أوربية أخرى".

2- "سر المهنة المصرفية في التشريع الأردني"،  لعبدالقادر العطير.

3- "السرية المصرفية في القانون المصري والقانون المقارن"، للدكتور/ حسين النوري.

4- "سر المهنة المصرفية في القانون الكويتي"، للدكتور/ يعقوب يوسف صرخوه.

ولم أجد بحثًا واحدًا درس الموضوع في ضوء الشَّريعة الإسلامية، أو في ضوء الأنظمة السعودية، غير أنِّي وجدت بحثًا قدمه الباحث/ شريف بن أول إدريس، بَحَثَ موضوعَ: "كتمانُ السر وإفشاؤه في الفقه الإسلامي" بشكل عام، ولم يتطرق إلى الأنظمة السُّعودية المتعلقة بالسرية المصرفية، كما هو واضح من عنوان البحث.

منهج البحث:

ويتضمن أمرين:

الأول: منهج الكتابة في الموضوع ذاته، ويكون على ضوء النِّقاط الآتية:

1- الاستقراء التام لمصادر المسألة ومراجعها المتقدمة والمتأخرة.

2- الاعتماد عند الكتابة على المصادر الأصليَّة في كل مسألة بحسبها.

3- قُمت بذكر التعريفات ذات الصِّلة بالموضوع من ناحية لُغوية واصطلاحية.

4- يكون مقدار البحث لأيِّ مسألة حَسَبَ ما يُناسب مقام ذكرها في البحث، فإنْ كانت مسألة أساسيَّة في البحث، فصلت الخلاف فيها مع ذكر الأدلة والمناقشة والترجيح، وإن كانت مسألة عارضة، لم أتوسع في بحثها.

5- العناية بضرب الأمثلة، والحرص على إضافة أمثلة مُعاصرة غير الأمثلة المشهورة وتوجيه ذلك.

6- كتابة معلومات البحث بأسلوبي الخاص، بمعنى: أنْ أنقل عن المصادر بالمعنى لا بالنَّصِّ، ما لم يكن المقام يتطلب ذكر الكلام بنصه، فأذكره على ما هو عليه.

7- الاعتراف بالسبق لأهله في تقرير فكرة، أو نصب دليل، أو مُناقشة، أو ضرب مثال، أو ترجيح رأي... إلخ، وذلك بذكره في صلب البحث، أو الإحالة على مصدره في الهامش، وإن لم يكن قد أخذته بلفظه.

8- مقارنة الأنظمة السعودية المتعلقة بالموضوع بأحكام الشريعة الإسلامية، وإبداء وجهات النَّظر حيال هذا الأمر.

الثاني: منهج التعليق والتهميش ويكون على ضوء النقاط الآتية:

1- بيان أرقام الآيات وعزوها لسورها.

2- تخريج الأحاديث الواردة في البحث، فإنْ كان الحديثُ في الصحيحين أو أحدهما، اكتفيت بتخريجه منهما للحُكم بصِحَّته، وإن لم يكُن في أيٍّ منهما خرجته من المصادر الأخرى المعتمدة، مع ذكر ما قاله أهل الحديث فيه.

3- أعزو نصوص العلماء وآراءهم لكتبهم مُباشرة، ولا ألجأ للعزو بالواسطة إلاَّ عند تعذُّر الرجوع إلى الأصل، وفي هذه الحالة أذكر أقدم الكُتب التي تُعَدُّ واسطةً في توثيق النص أو الرأي.

4- توثيق نسبة الأقوال إلى المذاهب من الكُتُب المعتمدة في كل مذهب.

5- توثيق المعاني اللُّغوية من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالمادة والجزء والصفحة.

6- توثيق المعاني الاصطلاحيَّة الواردة في البحث في كتب المصطلحات المختصة بها، أو من كتب أهل الفن الذي يتبعه هذا المصطلح.

7- الترجمة للأعلام الواردة في البحث، مُبيِّنًا اسم العلم ونسبه، وتاريخ مولده ووفاته وشهرته، وأهم مُؤلفاته مع مصادر الترجمة.

8- تكون الإحالة إلى المصدر في حالة النَّقل منه بالنَّص، بذكر اسمه والجزء والصَّفحة، وفي حالة النَّقل بالمعنى أذكر ذلك مسبوقًا بكلمة (انظر...).

خطة البحث:

اشتملت خطة البحث على تمهيد، وثلاثة فصول بين مقدمة وخاتمة، وذلك على النحو التالي.

المقدمة، وقد اشتملت على:

أهمية الموضوع، أسباب اختيار الموضوع، الدراسات السابقة، منهج البحث، خطة البحث.

التمهيد: السرية المصرفيَّة: تعريفها، ومكانتها، ولمحة عن تاريخها، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: التعريف اللُّغوي والاصطلاحي للسريَّة المصرفية.

المبحث الثاني: مكانة السرية المصرفية، وأهميتها في العمل المصرفي.

المبحث الثالث: لمحة تاريخية عن السرية المصرفية.

الفصل الأول: الأساس الشرعي والنِّظامي للالتزام بالسرِّ المصرفي، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الأساس الشرعي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: النُّصوص الشرعية.

المطلب الثاني: العقد.

المبحث الثاني: الأساس النظامي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: النص النِّظامي.

المطلب الثاني: العقد.

المبحث الثالث: نظريَّة النظام العام كأساس للالتزام بالسِّرِّ المصرفي.

الفصل الثاني: أسباب إباحة إفشاء السر المصرفي، وفيه تسعة مباحث:

المبحث الأول: رضا العميل نفسه.

المبحث الثاني: الاستعلام المصرفي النظامي عن حالة العميل.

المبحث الثالث: أداء الشَّهادة.

المبحث الرابع: تقديم الدفاتر والأوراق المصرفيَّة للاطلاع عليها.

المبحث الخامس: حجز ما للمدين لدى الغير.

المبحث السادس: السلطات الضريبيَّة وحقُّها بالاطلاع.

المبحث السابع: المحافظة على المصالح المشروعة للمصرف.

المبحث الثامن: الإبلاغ عن الجرائم المالية والاقتصاديَّة.

المبحث التاسع: رقابة البنك المركزي (مُؤسسة النَّقد العربي السعودي).

الفصل الثالث: جريمة إفشاء السِّرِّ المصرفي وعقوبتها، وفيه مبحثان:

المبحث الأول: أركان جريمة إفشاء السِّرِّ المصرفي، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أركان جريمة إفشاء السر المصرفي في الفقه.

المطلب الثاني: أركان جريمة إفشاء السر المصرفي في الأنظمة السُّعودية.

المبحث الثاني: العقوبة على جريمة إفشاء السر:

المطلب الأول: العقوبة الجزائيَّة.

المطلب الثاني: الضمان (المسؤولية المدنية).

المطلب الثالث: الجزاء التأديبي.

الخاتمة:

الفهارس: وتشتمل على فهرس الآيات والأحاديث والأعلام، ثم قائمة المصادر والمراجع.

وأخيرًا: فليس من زَلَّة الفكر أمان، ولا يرتفع عن الملحوظات عملُ الإنسان، ولست بمُدَّعٍ التمامَ والكمالَ، وإنَّما هو جهد المقل وعمل المتعلم، فرحم الله مَن وقف في هذا البحث على خطأ فأصلحه، عاذرًا لا عاذلاً.

وإن كان مِن شُكر، فهو أوَّلاً لله الذي نعمه لا تنقضي، وفضائله لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ثم أقدم شكرًا خاصًّا لفضيلة الدكتور/ رضا متولي وهدان، الذي أكرمني بإشرافه على هذا البحث.

ولست أملك إلاَّ الشكر والدعاء؛ لأقدمه لكل من أعانني في هذا الموضوع بعلمه أو عمله أو نصحه، وعلى الله وحده أتوكل.

وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّ الهدى والرحمة محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخاتمة:

وبعد هذا التَّجوال في أحكام السريَّة المصرفيَّة أصل إلى نهاية المطاف وخاتمة المقال، حاملاً معي أبرز نتائج البحث وأهم التوصيات.

أولاً: النتائج:

تتلخص أبزر نتائج هذه الدِّراسة فيما يلي:

1- إنَّ تعريف السر الاصطلاحي - أي: السر المهني - هو: وصف لأمر عَلِمَه شخص بسبب مهنته، ووجب عليه عدمُ إفشائه إلاَّ لشخص له صفة مُعينة.

2- أما التَّعريف المختارُ للسرية المصرفية موضوع البحث، فهو: "التزام كل شخص يزاول الأعمال المصرفية بصفة أساسيَّة بعدم إفشاء أيِّ أمرٍ واجب الكتمان، وَصَل إلى علمه بمناسبة مُمارسته لمهنته؛ إلاَّ لشخص له صفة معينة.

3- إن مكانة السرية المصرفية وأهميتها في التعامُل المصرفي تأتي من كونها تُراعي الحياة الخاصة للفرد، وهو حقٌّ تكفُله الشريعة وتَحميه؛ ولما في ذلك الأمر من تحقيقٍ لمصالح المصارف والمصلحة العامَّة للمجتمع.

4- إن إفشاء الأسرار عمومًا هو أمر مُحرَّم في الشريعة الإسلامية، قد جاء في تحريمه نصوص من الكتاب والسنة، أغلبها بصورة غير مُباشرة؛ ولكنَّ العلماء مُتَّفقون على تحريم إفشاء الأسرار المصرفية؛ إذ هي نوع من هذه الأسرار.

5- الالتزام بالمحافظة على السِّرِّ المصرفي هو أمر واجب، يستند على العقد المبرم بين المصرف وعميله، فالرابطة العقدية تؤسس وجوب الالتزام بالسريَّة المصرفية، الذي يقع على عاتق المصرف.

6- إنَّ الالتزام بالسرية المصرفية قاعدةٌ لها أسسها النِّظامية في المملكة، والأنظمة السُّعودية التي تسند هذه القاعدة بشكل عام هي: نظام العمل والعمال، نظام الشركات، نظام مراقبة البنوك، إضافة إلى بعض التعاميم الصادرة بهذا الشأن.

7- إنَّ الاستناد على الأنظمة السُّعودية في وجوب المحافظة على السريَّة المصرفية يأتي بطرق غير مُباشرة؛ إذ لا يوجد في المملكة نظامٌ خاص يتعلق بالسريَّة المصرفية، ولا حتى مواد نظاميَّة خاصَّة بهذا المبدأ، تحدد مفهومه وتوضح معالمه، وتضع استثناءاته، وتعاقب على مخالفته.

8- إن السرية المصرفية تستند على نظريَّة النِّظام العام كأحد الأسس لهذا المبدأ، ويُعَدُّ داخلاً تحت إطار النِّظام، يُقصد به تَحقيق مصلحة عامة تتعلق بنظام المجتمع، وتعلو على مصلحة الفرد، سواء أكانت هذه المصلحة العامَّة اجتماعيَّة أم سياسية أم اقتصادية.

9- الاعتراف بوجود السرية المصرفية ليس هدفًا في ذاته، وإنَّما هو وسيلة لتحقيق غاية مُعينة؛ فإنَّ من المنطقي أن تزول السريَّة المصرفية إذا اختلفت الغاية منها، أو تعارض التمسك بها مع مصلحة أعلى وأولى بالرعاية من المصلحة التي تقرر لحمايتها.

10- من أجل ذلك جاءت عِدَّة أسباب تُبيح إفشاء المصرفي، وهي تعد استثناءات تُرَدُّ على القاعدة العامة، تتمثل هذه الاستثناءات فيما يلي:

1- رضا العميل نفسه.

2- الاستعلام المعرفي.

3- أداء الشَّهادة.

4- تقديم الأوراق المعرفية للاطلاع عليها.

5- حجز ما للمدين لدى الغير.

6- السلطات الضريبيَّة وحقها بالاطلاع.

7- المحافظة على المصالح المشروعة للصرف.

8- الإبلاغ عن الجرائم المالية والاقتصادية.

9- رقابة البنك المركزي (مؤسسة النَّقد العربي السعودي).

10- إن تعمُّد إفشاء الأسرار المصرفية عملٌ يعدُّ جريمةً، يستحق صاحبها العقوبة التعزيريَّة، متى ما توفرت الأركان الشرعيَّة والنِّظامية للجريمة.

11- أركان جريمة إفشاء السر المصرفي في الفقه وفي النِّظام تتمثل فيما يلي:

1- الركن الشرعي: ويَعني وجود نصٍّ شرعي أو نظامي يحظر الجريمة ويعاقب عليها.

2- الركن المادي: وهو إتيان العمل المكون للجريمة، وهو هنا القيام بإفشاء السر المصرفي.

3- الركن الأدبي: ويعني اشتراط أن يكون مرتكب الجريمة مكلفًا، ويصلح أن يتحمل المسؤوليَّة الجنائية.

12- إن جريمة إفشاء السر المصرفية قد حدَّد لها النظامُ عقوبةً في الجملة، تتمثل هذه العقوبة في ثلاثة أمور:

أ- العقوبة الجزائية: وهي - في النظام السُّعودي - السجن مُدَّة لا تزيد على سنتين، وغرامة مالية لا تزيد على عشرين ألف ريال، أو بإحدى هاتين العُقُوبتين.

ب- الضمان (المسؤولية المدنية): وقد قرر النظام أحقيَّة المتضرر من إفشاء السر المصرفي في التعويض من موقع الضَّرر.

جـ- الجزاء التأديبي: وهو - في النِّظام السعودي - العزل من الوظيفة، وفسخ عقد العمل.

هذه هي أبرز نتائج البحث، وقد سلكت في ذلك مسلكَ الاختصار والإجمال.

ثانيًا: التوصيات:

من خلال دراسة أحكام السرية المصرفية، والاطِّلاع على تفصيلاتها، رأيت أنَّ أهم ما أوصي به هو:

1- إيجاد مشروع نظامي مُتكامل يُعنى بتنظيم السريَّة المصرفية وأحكامها في المملكة العربية السعودية، وينبغي أن يحتويَ هذا المشروع على تحديد مفهوم السرية المصرفية بوضوح، ومَن الملتزمون بها، وما الأمور الداخلة في فلك السرية المصرفية، وما الاستثناءات الواردة على هذه السرية، وتحديد العقوبات المترتبة على إفشاء السرية المصرفية.

وليس المقام مناسبًا لذكر المصالح المتحققة من جرَّاء إقرار مشروع نظامي يتعلق بهذا الشأن، وقد ذكرت أهمية ذلك في تمهيد البحث.

2- دارسة أحكام السِّريَّة المصرفية من قبل الشَّرعيِّين المهتمين بالشؤون المصرفية والاقتصاد الإسلامي؛ لما لهذا الموضوع من أهمية، لا سيَّما أنَّ المطَّلع على الدراسات الشرعية المتعلقة بالمصارف والاقتصاد الإسلامي - يَجد كمًّا هائلاً، وربَّما تَكرارًا لبعض المواضيع، وهذا الموضوع من المواضيع المهمة التي تحتاج إلى معالجة شرعية من قبل المختصين.

3- إبراز مسألة السرية المصرفية ودورها في تحقيق المصالح العامَّة، من قِبل المختصين في الشؤون المصرفية والقانونيَّة على حدٍّ سواء في المملكة العربية السُّعودية، وذلك من خلال الدِّراسات المتعلقة بالموضوع، أو المقالات التي تنشر في الصُّحف والمجلات المختصة بهذا الشأن، وذلك بُغية تثقيف المجتمع بهذا الأمر، وتوعية الفرد بهذه القاعدة المقررة شرعًا ونظامًا وعرفًا مصرفيًّا، ومع ذلك فإنَّ هذا الحق هو من ضمن الحقوق الغائبة عن الأذهان والتعامُل المصرفي معًا في الجملة.

هذه النِّقاط هي أهم ما أقدمه من وصايا للمَعنيِّين بها، سائلاً المولى - عز وجل - أن يحقق بهذه الدِّراسة المصلحة والمنفعة، والله من وراء القصد، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فهرس الموضوعات