• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / الثقافة الإعلامية
علامة باركود

القنوات الدينية الإسلامية.. واقعها ومستقبلها

القنوات الدينية الإسلامية.. واقعها ومستقبلها
د. حسن علي محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/3/2013 ميلادي - 7/5/1434 هجري

الزيارات: 37634

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القنوات الدينية الإسلامية.. واقعها ومستقبلها


مقدمة:

إن واقع الفضائيات العربية العامة والمتخصصة بالغ الخطورة؛ لأنه يرزح - إلى حد بعيد - تحت تأثير الانبهار بتلك الثقافة (المتعولمة) ذات الطابع التغريبي التي تبثها وسائل الإعلام الفضائي للجمهور العربي؛ سواء في داخل الوطن العربي، أو في خارجه، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في توسيع نطاق بث الإعلام الفضائي الأجنبي، وإتاحة الفرصة له للوصول إلى المشاهدين العرب واستقطاب اهتمامهم، ثم اتجاه غالبية القنوات الفضائية العربية نحو تقليد القنوات الأجنبية؛ سواء في أشكالها وقوالبها، أو في مضامينها وأساليب العرض فيها، ولم تسلَم من هذا كثير من القنوات الدينية.

 

ملاحظات أولية على الفضائيات الاسلامية:

1- أن غالبية الخطاب الديني لهذه القنوات - على اختلاف أديانها - بأنماطه وتقسيماته الوعظية والفكرية، يعاني من الجمود في مقولاته ولغته، ومصطلاحاته وتأويلاته.

 

ولا شك في أن غالبية الخطاب الديني في هذه الفضائيات بحاجة إلى دراسات تحليلية نقدية شاملة، تمكننا من ضبطه وإصلاح بنيته، ومنطقه وإشكالياته وقضاياه، وذلك لتحرير الفكر الديني من تلك التأويلات البشرية التي قد تَحظى بالقداسة، بينما هي كما يقال يؤخذ منها ويرد.

 

2- أن بعض هذه الفضائيات اتخذت من الدين ستارًا للصراعات السياسية في إطار تعدُّد وتناقضات مواقع القوى، فأدى ذلك إلى مزيد من التشدد والعنف والغلو، بل وعنف الخطاب، وقد برز هذا في الفتاوى المتشددة لبعض الدعاة المصريين الجدد، أو في الفتاوى المتهافته للبعض الآخر الذي يحاول إرضاء العامة والدهماء، ولا تخلو بعض الدروس الدينية المذاعة من الرؤى المنغلقة.

 

3- أن قائمة أولويات الخطاب الديني لبعض هذه الفضائيات الدينية الدولية - وعظًا وإرشادًا، وفتاوى وفقهًا - لا تعكس واقع الحال في كثير من الدول الإسلامية، وبخاصة في عالمنا العربي.

 

4- ثمة انقسامات مذهبية في العالم الإسلامي، كانت لها تجليات واضحة في الفضائيات الدينية؛ (انظر قنوات الكوثر وأهل البيت وغيرهما)، ستجد انعكاسات في برامجها ومقولاتها على الساحة العراقية الآن إلى الحد الذي أدى إلى اقتتال العراقي السني والشيعي! وقد ساعدت هذه النعرة المذهبية في تلاشي دعوات التقريب بين المذاهب، وتحولت كثير من هذه القنوات إلى منابرَ للتنابز والفرقة.

 

5- يلاحظ افتقار الدعاة الجدد إلى العديد من السمات الهامة؛ مثل:

• الوعي التام بكل الأُطر المرجعية (القرآن والسنة)، وعمل الصحابة واجتهادات التابعين.

 

• القراءة الجيدة لحركة التاريخ الإسلامي وإدراك السنن التاريخية.

 

• الإلمام الكافي بالتراكمات العلمية والخبرات المادية والمعنوية التي توصل إليها العالم.

 

• التدريب على التقنيات الحديثة التي تمكنه من متابعة ما يدور حوله من أحداث واستكشافات علمية ومعطيات عصرية.

 

• إدراكهم بأن الإسلام في أساسه دعوة بكل معاني هذه الكلمة؛ لأن الإسلام دين يقوم على المنطق، ويستند إلى البرهان في مخاطبة الجماهير المسلمة وغير المسلمة.

 

• إدراكهم بأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، وكذلك الدعوة الواعظة الموجهة المرشدة، وأن الدين في أصوله وكلياته لا يتغير، ولكن الذي يتغير هو الفتوى وأسلوب التعليم، وطريقة الدعوة إلى الإسلام.

 

وهناك مجموعة من الصفات التي يجب أن يتحلى بها الدعاة الجدد لتجديد شكل ومضمون الخطاب الديني، وهي:

• الوعي التام بكل الأطر المرجعية: (القرآن والسنة، وعمل الصحابة، واجتهادات التابعين).

 

• القراءة الجيدة لحركة التاريخ الإسلامي وإدراك السنن التاريخية.

 

• الإلمام الكافي بالتراكمات المعرفية والعلمية والخبرات المادية والمعنوية التي توصل لها العالم.

 

• التدريب على التقنيات الحديثة التي تمكنهم من متابعة ما يدور حولهم من أحداث واستكشافات علمية ومعطيات عصرية.

 

• فهم طبيعة الحوار مع الآخر وطبيعة العلاقات الدولية والاقتصاديات والعالمية.

 

ملامح التوجه الفكري للدعاة الجدد نحو قضايا الإصلاح الاجتماعي فيما يلي:

يقدم الخطاب الديني الجديد مفهوم التجديد كنزعة نحو إعمال العقل والمراجعة، يجب أن تتم في إطار الحرية الفكرية وحرية التعبير، إلا أنه لا يناقش التجديد في سياقه الفكري والاجتماعي والسياسي الشامل؛ إذ يفصل بين الحاجة للتجديد الديني والضرورة الاجتماعية للإصلاح السياسي.

 

يطرح الخطاب الديني الجديد مفهومي "الإصلاح" و"النهضة" بتبسيط مفرط، فضلاً عن عدم وضوح مقاصد وأهداف النهضة لدى الدعاة الجدد، واعتمادهم على الرؤية التنموية التقليدية القائمة على أساس قياس التقدم بمعايير النمو الاقتصادي، دون الاهتمام بإحداث تغير حقيقي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وهذا لا يتفق مع كثير من الثوابت الدينية التي تميز الرؤية الإسلامية.

 

يميل الدعاة الجدد إلى تقديم خطاب حداثي تغريبي، يمكن أن يؤدي إلى إحداث قطيعة معرفية كبرى مع التراث الإسلامي والمنهاج الإسلامي الشامل في الحياة؛ إذ يقف بالدين عند حدود الشعائر والطقوس، ويخليه من أهدافه الكفاحية المتعلقة بتحرير الأمة واستقلال مقدراتها ونهضتها الشاملة، وبهذا يقدم الخطاب الديني فهمًا جزئيًّا للإسلام.

 

مما سبق يلاحظ على الدراسات السابقة غلبة النقد على التحليل، وعدم رضا الباحثين عن تجربة الفضائيات الدينية، ربما لحداثة التجربة ولهفة الكثير من أصحاب هذه القنوات على فعل شيء في مواجهة طوفان الهجوم على الاسلام في الفضاء العالمي.

 

وقد طرح بعضهم الكثير من الآراء الجيدة، ولكن المشكلة في أن الباحثين في وادٍ وصُنَّاع القرار أصحاب القنوات الدينية في واد آخر، ونحن نرى أن فكرة وجود قناة دينية إسلامية تعد في حد ذاتها فكرة جيدة؛ ذلك لأن الإعلام الآن يتجه نحو التخصص، وبالتالي يجب تشجيع المنابر الإعلامية التي تهدف إلى ترسيخ المفاهيم الإسلامية في ظل العولمة وحروب الثقافات الوافدة، بل ونعتبرها خطوة صحيحة نحو تدعيم ارتباط المسلمين بالهوية الإسلامية في مواجهة سيل التيارات الجارفة التي تحاول اقتلاع كل ما يمت للإسلام بصلة، وتعمل على إلصاق مختلف الاتهامات بالإسلام، واصفة إيَّاه بالجمود والعنف والإرهاب، وعدم التماشي مع التطور الحضاري.

 

العوامل المؤثرة في نشأة الفضائيات الإسلامية الناطقة باللغة العربية:

ثمة عوامل عديدة طرحت نفسها على الساحة الإعلامية في مجال الإذاعة والتليفزيون، مع ظهور الأقمار الصناعية، وبداية عصر السموات المفتوحة، نذكر منها ما يلي:

ظهور التخصص كإحدى سمات المجتمع الحديث، ثم بدأ الاتجاه العالمي نحو الإعلام المتخصص في الدول المتقدمة، فقد ظهرت منذ فترات طويلة قنوات متخصصة في الرياضة ولاقت نجاحًا، تلاها ظهور قنوات متخصصة داخل التخصص بمعنى وجود قنوات متخصصة في لعبة واحدة من الألعاب الرياضية، فهناك قنوات لكرة القدم فقط، وثانية للتنس، وثالثة للمصارعة...، وهكذا.

 

وفرة القنوات القمرية ورخص تكاليفها كنتيجة للتطور التقني، وبالتالي أصبح ممكنًا أن تكون هناك قنوات متخصصة تجذب أهل الاختصاص، حتى غدت هناك قنوات مرتبطة بنشاط معين أو هواية معينة، أو لتسويق سلعة واحدة فقط؛ مثل: قنوات العقارات، أو السيارات، وما إلى ذلك.

 

زيادة الاستثمارات العربية في الإعلام الفضائي على أيدي بعض رجال الأعمال العرب، الذين يستثمرون أموالهم في مجال الإعلام عامة والإعلام المتخصص على وجه التحديد - وسوف نشير إلى مالكي أهم القنوات الدينية، وتأثير الملكية على سياسات القناة - وزيادة عدد الممولين الذين يستثمرون شطرًا من أموالهم في صناعة الإعلام الفضائي بصفة عامة، كما هو حال الوليد بن طلال مع القنوات الغنائية الفنية (روتانا)، ثم اتجاهه نحو إنشاء قنوات دينية بعد ذلك؛ حيث رأى أن يطهر شطرًا من ماله في الاستثمار في فضائيات دينية، فأنشأ قناة "الرسالة".

 

وكذلك الحال مع بعض أثرياء الخليج الذين هالَهم ما يرونه من عري وتهتُّك في الفضائيات الغنائية، فأرادوا أن يجاهدوا بأموالهم، فأنشؤوا قنوات دينية لإحداث حالة من التوازن، فمثلاً أنشأت الشركة الإعلامية العربية قناة اقرأ، وأنشأ الشيخ مشاري بن راشد العفاسي قناة العفاسي، وهكذا.

 

4- تحرر الإعلام الفضائي من سيطرة الحكومات واحتكارها لوسائل الإعلام، فلا شك في أن كثيرًا من الحكومات العربية ترى في الإعلام أداة من أدوات السيطرة وغسيل المخ، بل ترى فيه حصنًا من الحصون التي تحتمي بها من النقد، ودرعًا من دروع التبرير لقراراتها الصحيحة والخاطئة.

 

ومع ظهور الأقمار الصناعية وانفلات الأمور من أيدي السلطات القُطْرية المحلية والإقليمية، وصعوبة التشويش على أي إعلام مخالف أو معادٍ، بدأت قبضة الحكومات تضعف على الإعلام إنتاجًا وبثًّا وتصديرًا، ومن هنا بدأت طبقة من رجال الأعمال والمال، يسعون إلى الاحتماء بوسائل الإعلام لحماية مصالحهم، ومن هنا كانت فكرة أن يكون لرجالِ الأعمال قنواتٌ تدافع عنهم وفي نفس الوقت تمثِّل مشروعًا استثماريًّا يُدِرُّ عليه الملايين.

 

سمات القنوات التليفزيونية الدينية الإسلامية بصفة عامة:

اتَّسمت الفضائيات الدينية الإسلامية بكثير من السمات السلبية والإيجابية نتيجة حداثة عهدها؛ إذ لم يمر على أقدمها أكثر من عشر سنوات.

 

ومن قراءة سريعة لواقع الفضائيات الإسلامية، تتجلى لنا بعض السمات السلبية على النحو التالي:

وجود اختلال في الأولويات وفقه الواقع نتيجة خلط السياسي بالديني، واستخدام الدين في الصراعات الدولية والإقليمية والمحلية، ومحاولة تحقيق مكاسب على حساب دغدغة حواس الجماهير؛ (كما يتضح في القنوات الشيعية العراقية حول الصراع الدائر الآن بين السنة والشيعة).

 

كما يبدو هذا أيضًا في بعض القنوات الإسلامية السنية التي غلب الحماس على أصحابها، فاندفعوا إلى إنشاء القناة قبل الاتفاق على أهداف أو إستراتيجيات محددة وقائمة بأولويات القضايا التي يجب أن تحتلَّ فضاء هذه القنوات ونشغل الناس بها.

 

ضيقت هامش العمل لديها، وحدت من استخدامها لكثير من فنون العمل التلفزيوني؛ مما يمكن أن (يجذب) المشاهدين بمختلف شرائحهم، كما هو حال الفضائيات الأخرى.

 

أنها نجحت في امتحان وإثبات مبدأ "التعرض الاختياري" Selective Exposure، كأحد أهم الفروض التي تفسر عملية اكتساب المعلومات Information Acquirement، ومن ثَمَّ التفاعل معها وَفق هذه الفرضية، فإن الفرد يختار أن يعرض نفسه لمصدر معلومات (معين)، ويتفاعل معه، ويتأثر بما فيه من معلومات، ويكتسبها على أساس من احتياجه، هذه النتيجة تؤكد الحاجة لتوسيع هامش الاختيار أمام المشاهد العربي، بتشجيع قيام قنوات جادة، تسهم في الارتقاء بالوعي والثقافة، كما أنها كذلك تدحض الزعم بربط تنامي السلوك المحافظ، والصحوة الدينية في أوساط المجتمعات العربية بنفوذ مجموعات غامضة، تمارس ضغوطًا على الناس، لإقناعهم بأفكارها، والتعرض الاختياري قرار شخصي بحت، يتم بمعزل عن أي نفوذ لطرف خارجي.

 

قدرتها على تقديم مضمون جاد، واستقطاب جمهور يهتم به في ظل أنماط متعددة لسلوك إعلامي استهلاكي، يعتمد على الإثارة بمختلف أشكالها.

 

أن تجربة القنوات الإسلامية لا تخلو من قصور مهني، فحداثة التجربة، ونقص الكوادر المدربة، من أهم الأسباب وغياب الرؤية أحيانًا.

 

استخدام العامية في تلك القنوات ما زال موجودًا، وإن كان بنسبة أقل من غيرها من القنوات.

 

لم تستطع بعض القنوات الإسلامية أن تتخلص من الطابع المحلي للبلد الذي تبث منه، خصوصًا الاهتمام بالأحداث والفعاليات القُطْرية على حساب قضايا الأمة والأحداث العالمية.

 

تسود هيمنة الطابع الشخصي لمالكيها، أو القائمين عليها، فتؤثر على السمة العامة لبرامجها، وعلى مستواها المهني.

 

التقليدية في الخطاب والإنتاج، وهي تعكس ضعفًا في الإعداد والإخراج معًا؛ حيث يتصور المُعِد أن مهمته تنتهي بجلب ضيوف البرنامج، ويتصور المخرج أن مهمته تنتهي بجلوس الضيف على الكرسي في الأستديو وتصويب الكاميرات نحوه، وهي سمة سائدة في البرامج الدينية الفضائية والأرضية، وحسبك أن تشاهد بعض برامج قنوات المجد والناس والعفاسي.

 

أن بعضها يخاطب نفسه؛ بمعنى أنه غير معني بخطاب الآخر، فيما عدا قناة الهدي الناطقة بالإنجليزية، وبقية القنوات تعاني من إهمال خطاب غير المسلمين في برامجها، وإلا ما معنى أن تكون فضائية، وما الفرق بينها وبين القنوات الأرضية؟

 

ضعف وسطحية المحتوى المقدم، وبخاصة برامج الفتاوى التي أصبحت بحاجة ماسة إلى أن نتوقف أمامها، وسوف نفرد لها فصلاً خاصًّا من هذه الدراسة.

 

تلجأ كثير من هذه القنوات لإعادة بث الأعمال القديمة أو إعادة بث الجديد منها، أو إنتاج برامج سطحية أقرب إلى فنون الإذاعة منها إلى التليفزيون.

 

بعض إيجابيات الفضائيات الإسلامية:

لا يَظُننَّ ظانٌّ بعد هذا العرض السابق أن هذه القنوات مليئة بالنقائص والعيوب، إنما ثمة مزايا وجوانب مضيئة؛ منها:

تعريف غير المسلمين بالإسلام، وتقوم بهذه المهمة بعض القنوات الإسلامية الناطقة بالإنجليزية؛ مثل: قناة الهدي، وبعض القنوات الباكستانية والماليزية، وهي تعرض فكرنا الإسلامي بلغة سلسة قريبة من الخطاب الإعلامي الغربي، وهي خطوة على طريق التعريف بالإسلام، تسير في الطريق الصحيح، وبخاصة أنها موجهة إلى المسلمين من غير العرب، وإلى غير المسلمين أيضًا.

 

المساعدة في تمكين الإنسان المسلم في شتى أرجاء المعمورة من معرفة دينه وتثبيته في مواجهة ما يبث من أباطيلَ، كما تستطيع بعض هذه القنوات أن تكون جسرًا للحوار والتسامح بين المذاهب الإسلامية، ومع الأديان الأخرى؛ لأنها حاملة لمساحات من القيم الإنسانية المشتركة، ويمكن لقناة الرسالة أن تلعب هذا الدور بكفاءة، من خلال قراءةٍ لأهدافها المنشورة على النت.

 

أن بعض هذه القنوات مثَّلت منابر إسلامية متنوعة الثقافات؛ مثل: قنوات اقرأ، والحقيقة، والناس، وهي تلعب دورًا مهمًّا في تثقيف المرأة المسلمة التي ربما لأسباب اجتماعية أو اقتصادية، لا ترتاد المنتديات الإسلامية والمساجد.

 

أنها أظهرت جانبًا مهمًّا من حيوية وثراء الفكر الإسلامي، من خلال التنوع في الأطروحات والاختلاف في المواقف، كما لعبت هذه القنوات دورًا مهمًّا في ظهور علماء مجتهدين يحاولون اللحاق بثقافة العصر، فأصبحوا نجومًا لدى المشاهدين المسلمين الآن.

 

أدت هذه القنوات إلى ظهور نجوم من الوعاظ والفقهاء، جنَح بعضهم نحو التشدد لمُراضاة الغلاة، وبعضهم يجنح نحو التيسير والرفق، فتعدَّدت المنابر والرؤى وهي ظاهرة صحية.

 

الاقتراب من سياسة إعلامية عاقلة تضع في الاعتبار أن الاختلاف من سنن الكون، مع محاولات جادة نحو إنتاج برامجي ديني وسطي، يتجاوب مع الوسطية الإسلامية كما تفعل قناة اقرأ.

 

مستقبل الفضائيات الإسلامية والفرص الدعوية المتاحة:

لو قيَّمنا تجربة القنوات الإسلامية الفضائية الموجود حاليًّا، فإنها بمقياس العدم - حيث لم تكن لدينا أي قنوات متخصصة في هذا المجال - تعتبر تجربة ناجحة إلى حد كبير، فهي متمسكة بالطابع الإعلامي الديني كما يجب أن يكون في سبيل نشر الإسلام، والدعوة له في الداخل والخارج، وترسيخ القيم والعادات التي جاء الإسلام بها، وقد استعانت بالوعاظ من جميع أنحاء الوطن العربي؛ لتقريب اللهجات العربية، ومخاطبة الجمهور من المحيط للخليج.

 

ولعل من أهم الأساليب التي يمكن اتباعها لمواجهة هذا التحدي الكبير في تطوير البرامج الدينية - وهو أسلوب متبع بشكل واسع في الغرب - هو "العرض التجريبي"، وذلك بأن تعرض عينات من البرامج الجديدة على عينة عشوائية، تمثِّل جميع فئات المشاهدين، وأخْذ انطباعاتهم حول البرامج بعد مشاهدتها.

 

أسلوب آخر تتبعه القنوات الدينية المسيحية هو تدريب الشخصيات الدينية والواعظين، (والقياس مع الفارق طبعًا) على حُسن التعامل مع الكاميرا، والتحدث إلى جمهور التلفزيون.

 

وحتى تؤدي الفضائية الإسلامية رسالتها المأمولة، لا بد لها من الاعتماد على النقاط التالية:

أولاً: إن الإعلام وفي جميع نظرياته المعاصرة يسعى إلى تحقيق الوظائف التالية.

1- الأخبار.

2- الترفيه.

3- التثقيف.

4- التنمية.

 

وإن أي طغيان لمادة على أخرى يؤدي إلى خللٍ في الرسالة ينعكس سلبًا عليها، أردنا ذلك أم لم نُرِد، ورغم تداخل الوظائف الأربع مع بعضها إلى درجة يصعُب معها الفرز أحيانًا، إلا أن ما يمكن ملاحظته هنا هو قدرتنا على اختيار البرامج التي تحتوي الأركان أعلاه، فالمادة الإخبارية مثلاً تحتوي على هذه العناصر جميعًا، فالخبر عادة ما يحمل صفة الإثارة والتشويق، ويزود المشاهد بمعلومات جديدة، ويسهم في تثقيفه سياسيًّا وفنيًّا، وفقًا لطبيعة الخبر ونوعيته، كما يسهم الخبر في ترفيه المشاهدين من خلال الصور المثيرة التي ينقلها، وبالأخص إذا كان النقل مباشرًا ومعززًا بالصوت، وهي بالتالي تحظى بأكبر عدد من المشاهدين، من بين البرامج الأخرى وفي مختلف الفئات العمرية، ومن خلال ما تقدم فإن المواد التي تقدمها الفضائية الإسلامية يجب أن تخضع لهذا التوصيف.

 

ثانيًا: أن يكون الجمهور الذي تستهدفه الفضائية محددًا، فإما أن يكون مسلمًا في بلدان أجنبية، أو جمهورًا غير مسلم يعيش داخل المناطق الإسلامية وخارجها، ويبقى الجمهور المحلي المسلم يَنهل من فضائياته العربية والإسلامية كما يريد، وبالتالي ينبغي تحديد نوع الخطاب الموجه إلى هذا الجمهور.

 

ثالثًا: تأخذ الفضائيات الموجهه للغرب بنظر الاعتبار آليات العقل الغربي وطريقة التفكير، وأسلوب التقديم ومعالجة الموضوعات وماهياتها.

 

رابعًا: أن تضطلع هذه القنوات بدور توضيح وتقديم صورة الإسلام الحقيقي؛ كونه دينًا عالميًّا متسامحًا، يدعو إلى السلام والحق والعيش الآمن، وإعطاء الحقوق إلى أهلها، وعدم الاعتداء ورفْض الهيمنة على الآخر، واحترام المقدسات، ونبذ كل صور الإرهاب.

 

وكما جاء في البيان الختامي للمؤتمر الدولي السادس الذي نظَّمه مركز الدراسات العربي - الأوروبي المنعقد خلال الفترة من 3 إلى 5/2/1998 في المنامة حول (الإعلام العربي - الأوروبي، حوار من أجل المستقبل)، بالتعاون مع هيئة الإذاعة والتلفزيون في دولة البحرين؛ حيث ركزت توصيات هذا المؤتمر الواردة في الفقرتين (ج) و (ز) على ما يلي:

الفقرة (ج): يطالب المؤتمرون الإعلام الغربي - وتحديدًا الأوروبي - بالتمييز ما بين الإسلام كرسالة سماوية تدعو إلى المحبة والتسامح والعدل، والممارسات ذات الغطاء الديني التي يتخفى وراءها البعض لتحقيق مآرب سياسية وسلطوية.

 

الفقرة (ز): يوصي المؤتمرون وسائل الإعلام العربية والأوروبية بإيلاء اهتمام أكبر لمخاطر الإرهاب والتطرف، والعمل على كشف أبعادها وأهدافها، وفضْح الجهات التي تقف وراءها؛ وذلك لتفويت الفرصة على مرتكبيها وتَعْريتهم، وإبعاد الأبرياء عن الوقوع في براثنهم، مع ضرورة أن يتوخى الإعلام الغربي (في هذا الإطار) الموضوعية وعدم الخلط بين الإرهابي الذي يستبيح باسم الدين الحُرمات والأملاك والأعراض، وغيره من الذين يضحون بأنفسهم لتحرير أرضهم من الاحتلال.

 

خامسًا: تعزيز رُوح التسامح بين المسلمين، والتقريب بين المذاهب الإسلامية، واعتماد الحرية الفكرية، والاجتهاد العلمي، وإبراز الجوانب المضيئة في الفكر الإسلامي الحنيف، دون التركيز على محاور الخلاف والتشتت، وترك الأمر للمختصين من علماء الدين في مناقشة الأمور الخاصة، كما دعا إلى ذلك فضيلة الدكتور أحمد الوائلي في المقابلة التي أجرتها معه محطة الـAAN الفضائية.

 

سادسًا: اعتماد التنويع في بث البرامج والتجديد في إنتاجها، وتأسيس وحدة إنتاج للدراما والمنوعات، ورصد الجوائز الجيدة التي تغري بمتابعة القناة؛ مثل: زيارة بيت الله الحرام، أو زيارة الأماكن الإسلامية المقدسة، أو إهداء مكتبات دينية متكاملة، أو تحمُّل نفقات الدراسة في الجامعات والمعاهد العليا.

 

سابعًا: إبراز الشخصيات الإسلامية المؤثرة في المجتمع الدولي، وتسليط الضوء على منجزاتها العلمية والاجتماعية، وخاصة تلك التي تلعب دورًا هامًّا في البلدان غير الإسلامية، وتبوَّأت مكانة متميزة فيها.

 

ثامنًا: التركيز على الجانب السياحي للبلدان الإسلامية، ودعوة الأوروبيين والأجانب لزيارة المواقع الإسلامية الكثيرة في بلاد المسلمين، والانفتاح المعقول على الغرب، ومن ثَمَّ خلق نوعٍ من التأثيرات المباشرة من خلال المعايشة الميدانية.

 

وعند الحديث عن مستقبل الفضائيات الدينية؛ سواء الإسلامية، أو المسيحية، هناك عدد من الحقائق التي لا بد أن نركز عليها ونوضِّحها هذه الحقائق تتمثل فيما يلي:

أولاً: التعايش مبدأ إسلامي:

إن الإسلام جاء يؤسس لمجتمع التنوع والتعدد، والعيش الكريم بين الجميع، ضمن الأمة الواحدة وبين الأمم والشعوب، وما ذلك إلا لأن الاختلاف والتنوُّع سنة إلهية كونية على الجميع قَبولها والتعامل معها، وقد تبين ذلك في أكثر من نص قرآني؛ منها قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118].

 

وعلماء اللغة يقولون في قوله تعالى: ﴿ ولا يزالون ﴾، بصيغة المضارع الذي يستغرق الزمان في الحاضر والمستقبل، وكأن الآية الكريمة جاءت ببلاغ إلهي يفيد أن الاختلاف - (أي: التعدد والتنوع حسب المصطلحات المعاصرة) - أمر له صفة الديمومة والاستمرارية، وهو غير الخلاف، فالخلاف تناقض يتبعه نزاع، وقد يتولَّ عنه اقتتال وعداء، لكن الاختلاف تنوُّع وهو ظاهرة صحية وحقيقة دامغة، لن يكون في كون الله غيرها.

 

لقد جرت محاولات عديدة عبر التاريخ تَطمَح إلى سيادة النمط الواحد لإقامة مجتمع اللون الواحد، ولكنها باءت بالفشل، وأولها لا آخرها سقوط منظومة الاتحاد السوفييتي والحلف الشيوعي الذي خاصم الدين والقومية والتنوع، وطرحت الأُممية وتكرر المحاولة مع الصِّهيوأمريكية التي تطرح العولمة في محاولة لتنميط العالم كله ثقافيًّا وحضاريًّا، وسياسيًّا واقتصاديًّا، وتربويًّا واجتماعيًّا، حسب النمط الأمريكي تحت شعار "نهاية التاريخ"، كما عنون المفكر الياباني الأصل الأمريكي داعية العولمة "فرانسيس فوكوياما".

 

ثانيًا: التعارف تمهيدًا للتعايش:

تأسيسًا على هذه الحقيقة الكونية في التنوع والاختلاف، كان البلاغ الإلهي في الآية الكريمة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

 

ففي هذه الآية فيصل واضح، فالناس في الدنيا شعوب وقبائل، تتنوع أحوالهم من حيث الانتماء المجتمعي لأُمم، لكل منها شخصيتها وخصائصها، وفي الآخرة الأساس هو التقوى ولا اعتبار لانتماءات، وعلى ذلك يقوم مبدأ الجزاء الأخروي.

 

فالتعايش يقوم على أساس رُكن التعارف، والتعارف تمهيد للتعايش؛ سواء على صعيد صياغة وحدة وطنية في كل أمة، أو لصياغة علاقات دولية قائمة على أساس من العدل، والعدل أساس في الرد على منطق دعاة العولمة / الأمريكية القائلين "بصدام الحضارات ونهاية التاريخ"، و"نهاية الجغرافيا"، وما إلى ذلك من مقولات لم تورث للشعوب إلا التنازع والصراعات.

 

إن التعارف الذي يؤسس للتعايش يقوم على أساس الآية: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

 

إن النجاح والفشل بيد الله، لكن الأخذ بالأسباب في إمداد هذه القنوات بجيل من الإعلاميين الإسلاميين أصحاب القدرة على المحاورة، وفَهم الإسلام بصورته الصحيحة، يعد أمرًا ضروريًّا على رأس أسباب النجاح، وإني لأعجب من وجود آلاف المتفوقين النابغين في الدراسات الإسلامية في مختلف الكليات، كيف لا يصرفون إلى مثل هذه الغايات، وهم لديهم من الإمكانيات ما يجاوزون فيه بمراحل المتأهلين في كليات الإعلام وغيرها، الذين نبتوا على التربية العلمانية الانحلالية.

 

إن جيلاً واحدًا من النابغين في الدراسات الإسلامية إذا شكلوا أدوات لتنفيذ البرامج الإسلامية، مكتسين بحُسن النية والإخلاص لله تعالى، وبذلوا الأسباب الصحيحة، وتوكلوا على الله، فإنهم لا محالة ناجحون مقدمون على غيرهم، ليس بالضرورة بالمعيار المادي الزائل، ولكن بالمعيار الأخروي الذي ينالون فيه ثواب الدنيا والآخرة.

 

ولا يخفى على أحد أهمية القنوات الفضائية لسعة الرقعة التي تصلها من أرجاء العالم أولاً، ولزيادة أهمية جهاز التلفاز في حياة كل فرد تقريبًا في المجتمعات العالمية عامة، وفي مجتمعاتنا الشرقية خاصة، ولأن المجال مفتوح، فإن الفضائيات التي تقدم من أنواع الترفيه الغث والسمين، لاقت رَواجًا عند فئات مختلفة من المشاهدين، ووسط هذه المعمعة لا بد من بروز رسائل الخير ووسائط الحق، فلا بد أن نحدد أولويَّاتنا.

 

وإذا كان عالمنا الإسلامي والعربي يحفل بخطوط حمراء عديدة، وعلى القنوات المختلفة أن تختار بين الوصول للجميع؛ مما يفي إرضاء الجميع مع التنازل عن بعض الأهداف، أو عبور بعض الخطوط الحمراء لتحجب رسالتها عن بعض الفئات، والحل الوسط هو الذكاء في المعالجة والمداراة بعيدًا عن المماراة، والتورية بعيدًا عن التعرية.

 

ونحن بهذا لا ننكر أن هناك بعض القنوات الإسلامية الموجودة التي تحاول أن تقدم نفس الرسالة المطلوبة، ولكن هذه القنوات عليها بعض المآخذ المهنية والفنية نذكرها في نقاط كالتالي:

النقطة الأولى: يلاحظ على سبيل المثال إغفال هذه القنوات لعناصر الإبهار والتشويق التليفزيونية، والاكتفاء بالبرامج الحوارية والمواجهات، فهي قنوات إذاعية أكثر منها تليفزيونية، بمعنى أنها تعتمد على حاسة السمع وحدها، دون الحاجة لحاسة الإبصار، ولكي تتخطى هذه السقطة يجب أن تستعين بالأفلام التسجيلية، والمواد التعليمية الأخرى، ولا مانع من استخدام الموسيقا التي تتناسب مع طبيعة المادة المعروضة.

 

أما النقطة الثانية، فهي تتعلق بجغرافية الانتشار أو الطبيعة المكانية والبشرية التي تخاطبها هذه القنوات على اختلاف ثقافاتها وعاداتها وقِيَمها، وبالتالي هذا يتطلب مهارة الوصول إلى قاعدة عريضة من الجمهور بطرح واحد، فإذا كانت اللغة تشكل حاجزًا يحد من الانتشار، فبالإمكان الاستعانة بالترجمة، أو إنتاج برامج خاصة تنطق بلغات مختلفة، كما يجب أن تتناول المادة الإعلامية جميع الاتجاهات والأفكار، من خلال المناظرات بين أصحاب الاتجاهات المختلفة والمذاهب المتباينة.

 

النقطة الثالثة هي أن أغلب هذه القنوات المتخصصة، وقعت في خطأ إغفال التنوع في المادة المذاعة، فمثلاً كنا نجد قنوات الأفلام في بداية ظهورها تركز على عرض الأفلام فقط، دون مراعاة للبرامج النقدية والتحليلية، ثم تداركت هذا الخلل، وعلى القنوات الإسلامية الاستفادة من هذه التجربة بما يتناسب مع رسالتها وجمهورها.

 

النقطة الرابعة هي أن البرامج الدينية الدعوية التي تبث عبر محطات فضائية، ليست ذات توجُّهات دينية، بل بعضها ذو توجُّه مخالف لأهداف الدعوة تمامًا، لقِيت تلك البرامج اهتمامًا من المشاهد، وحَظِيت بنصيبٍ من المشاهدة والمتابعة فاق التصورات، بل عبر البعض عن إعجابهم بها، وحبهم لها، من خلال الرسائل القصيرة، والتعبير عن ذلك من خلال المداخلات الهاتفية أثناء بث بعض البرامج، أو الكتابة عن ذلك في المجلات والصحف، واتَّسمت تلك البرامج بالمرونة والمواكبة والعصرية، وطغى عليها أسلوب الحوار العلمي، واكتسبت الكثير من التقدير والاهتمام من العامة والخاصة.

 

أما النقطة الخامسة التي يجب مراعاتها؛ لكي تخرج هذه القنوات من حيِّز الجمود والرتابة التي تُعتبر سمة الكثير من البرامج الدينية - فهي ضرورة تنويع المادة الإعلامية المقدمة؛ فالبرامج الحوارية ليست القالب الوحيد الذي يفترض أن تعتمد عليه، ولا بد من تقديم الأعمال الدرامية المعاصرة والمسابقات، وغير ذلك للخروج من حيز الجمود.

 

وأوَدُّ هنا أن أشير إلى تجربة غير مسبوقة قامت بها إحدى المؤسسات الإعلامية السعودية بإنتاج سلسلة أفلام كرتون كمادة مشوقة، تهدف إلى الدعوة للإسلام ونشْر قِيَمه السامية لدى الأجيال الناشئة، ومع الأسف لم تحظَ السلسلة بالرَّواج المتوقع، ولم تجد الاهتمام المطلوب من القنوات التي يُفترض أن تسوق لمثل هذه المواد، وتَدعم إنتاجها.

 

إننا نعيش اليوم مرحلة انفتاح إعلامي غير متكافئة، فهناك جهة تضخ أفكارها الإعلامية، وأخرى تكتفي بالاستقبال والتلقي وهي جهة الوطن العربي، فالدول الاستعمارية الكبرى طوَّرت من فكرة الغزو التقليدي والاستعمار الاستيطاني، وتحوَّلت إلى فكرة اختراق الثقافات، وتعطيل سُبل تقدُّم دول العالم الثالث، وفرضت الهيمنة عبر نشر ثقافتها بواسطة فضائياتها، والغرب اليوم يتجه إلى (تدويل الثقافة)، فإذا أرادت شركة أمريكية أن توجد مستهلكًا لسلعة اقتصادية، فإنها تلحقها بثقافتها؛ حتى يشتري المستهلك المنبهر بهذه الثقافة السلعة دون تفكيرٍ.

 

والخطر في ذلك يكمن في أن هذا اختراق للثقافة المحلية، وفصْل تراث الثقافة المحلية، والدعوة إلى التحرر من القِيَم التي عاش عليها أبناء العرب لأكثر من 15 قرنًا - قد أصبح ملموسًا وواضحًا بعد أن سارعت الشركات العربية والمحلات التجارية، ووقعت فريسة لهذا التوجه، معتمدة على الأسماء الأمريكية والأوروبية لجذب المستهلك.

 

وهذا نموذج فقط لخطر يحاصرنا، ولا بد أن يكون لوسائل الإعلام دور في بناء عوامل المناعة، من خلال قنوات إسلامية تكشف للبسطاء قبل المثقفين حقيقة توجُّهات الغرب ومُفكريه، ومُخططاتهم لمسْخ الثقافة العربية والإسلامية، وهذا لن يتحقق إلا بوعي القائمين على هذه القنوات بالمخاطر التي تحدق بنا، وتتسلل إلى عقولنا يوميًّا، كما نتطلع إلى أن تضطلع جميع الفضائيات العربية بدورها، وتضع خريطة للبرامج الدينية ضمن فقراتها على أن تبثَّ في أوقات الذروة؛ لتصل برسالتها إلى جميع أفراد الأسرة.

 

نحو ميثاق شرف إعلامي للفضائيات الدينية:

رغم وجود عدد من المعايير التي وضعها مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة في مصر؛ لإلزام أصحاب القنوات الفضائية التي تبث من خلال القمر الصناعي "نايل سات" بضرورة تحقيق الانضباط الأخلاقي والمهني للقنوات، فإن المرونة في تطبيق هذه المعايير ساهم في زيادة عدد القنوات الفضائية التي يمتلكها أصحاب الأعمال، والذين هدفهم الأول والأخير الربح، بغض النظر عن المادة الإعلامية التي تقدمها قنواتهم الإخبارية؛ مما يُنذر بكارثة خاصة عندما تتحول السموات الإعلامية إلى فوضى.

 

فقد ظهرت في الآونة الأخيرة عدد من الفضائيات التي ترتكز على الجانب الترفيهي، وتسعى من خلاله إلى إنهاك الشباب البسطاء بأغاني الفيديو كليب التي تحرض على الرذيلة والفحشاء، وتعتمد على الإثارة الجنسية.

 

وعلى الوجه الآخر ظهرت القنوات الدينية التي تروج إلى ضرورة التمسك بالدين، ويعزز الفكر الديني المتطرف الذي ربما يروِّج عن حُسن نية لأفكار ذات أهداف سياسية تحت ستار الدين، فتزعزع الاستقرار في الدول الإسلامية.

 

وهو الأمر الذي يدعونا للتساؤل عن الهدف الأساسي وراء انتشار مثل هذه القنوات؟ وأين ميثاق الشرف الإعلامي الذي يجب أن تلتزم به هذه القنوات؟ ومن المنوط به مراقبة مضمون ما تذيعه، وكيف يمكن مواجهة هذه الفوضى الإعلامية؟

 

إن القوانين التي تحكم نشاط القنوات الفضائية الخاصة التي يمتلكها رجال الأعمال، هي القوانين العادية التي تقتضي عدم بث ما يتنافي مع الآداب العامة، فضلاً عن عدم المساس بالوطن أو النظام، ومراعاة قدسية الأديان، ولكن المرونة في تطبيق هذه القوانين تجعل أي رجل ثري يمتلك رأس المال، يقوم بإنشاء قناة فضائية، وعلينا أن نواجه هذه الحقيقة؛ لأننا في عصر الأقمار الصناعية؛ ولذلك لا نستطيع وضع قيود ملزمة لأصحاب القنوات، أو حتي نعترض على ما تعرضه القنوات الفضائية، ولا نقوى أيضًا على إيقافها، خاصة أن معظم هذه القنوات نجحت في استمالة عدد كبير من الجمهور، وخاصة الشباب؛ لأن اعتمادها في كثير من الأحيان؛ إما على أغاني الفيديو كليب، أو إثارة المشاعر الدينية.

 

كما أن إقبال الجماهير على مثل هذه القنوات، جاء نتيجة عدم وجود بديل ملائم يُشبع احتياجات الجماهير، خاصة الشباب منهم، والدليل أن هؤلاء الشباب عندما التفُّوا حول مباريات كأس الأمم الإفريقية، تناسوا هذا القنوات؛ سواء التي تذيع الأغاني أو الدينية التي تروِّج لأفكار متطرفة، وهذا يدعونا للتفكير مرة أخرى في دراسة احتياجات الشباب؛ من أجل بناء شباب المستقبل، وليس تدميره من خلال بث مواد إعلامية مخربة للعقول.

 

والحديث عن ميثاق شرف إعلامي تلتزم به هذه القنوات، يُعد في اعتقاد الباحث نوعًا من الخيال؛ لأن هذه القنوات لا تتبع الدولة، وكل ما تهدف إليه هو الانتشار وجذب المشاهدين، وتحقيق الربح؛ ولذلك تلجأ إلى هذه الأساليب المستفزة.

 

ويعتقد الباحث أن إيقاف فوضى البث الفضائي لا يتم إلا من خلال صدور تشريعات دولية؛ بحيث يكون هناك ترشيد لهذه القنوات التي تذيع العري والتطرف.

 

المراجع والهوامش:

• حسن علي محمد؛ البرامج الأجنبية المستوردة الموجهة للأطفال في التليفزيون المصري؛ (دكتوراه غير منشورة)، جامعة عين شمس 1992.

 

• أنس الشيخ علي؛ جريدة الشرق الأوسط 05/12/2003 نقلاً عن:

http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=613

- Robert Abelman, Religious Television

: Uses &Gratifications, Journal of Broadcasting, VOL.31, No.3, Summer 1987, PP: 293-307....


• محمد أحمد هاشم إمام الشريف؛ البرامج الدينية في القنوات الفضائية العربية، دراسة تحليلية، ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، قسم الصحافة والإعلام، 2006م.

 

• علاء الشامي؛ دور الخطاب الديني في وسائل الاتصال في تشكيل اتجاهات الشباب المصري نحو القضايا السياسية، رسالة دكتوراه غير منشورة، (جامعة القاهرة: كلية الإعلام، قسم الإذاعة والتليفزيون، 2006).

 

• صالح السيد عراقي؛ أساليب تطوير الخطاب الديني في القنوات الفضائية العربية: دراسة على عينة من الخبراء والقائمين بالاتصال في تلك القنوات، بحث مقدم في المؤتمر العلمي الثاني لكلية الإعلام، جامعة القاهرة، مايو 2006 تحت عنوان: الإعلام وتحديث المجتمعات العربية.

 

• حنان محمد عبدالمجيد؛ التوجهات الفكرية للدعاة الجدد نحو قضايا "الإصلاح الاجتماعي"، دراسة تحليلية لمضمون الخطاب الديني الجديد في الخطاب الإعلامي؛ لعمرو خالد، بحث مقدم في الملتقى الأول للباحثين الشباب تحت عنوان: الإعلام وقضايا الإصلاح في مصر، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، 27 - 4 - 2006م.

 

• حسن علي محمد؛ نظريات الاتصال المعاصرة - عربية وغربية، القاهرة: دار الهدف، 2005، ص 31.

 

• حسن علي محمد؛ القنوات الدينية، إسلامية ومسيحية، القاهرة: دار البشائر، 2007، ص 34.

 

• تليفزيون بريدج "الجسور" أول قناة إسلامية ناطقة بالإنجليزية، تبث إرسالها بالولايات المتحدة.

 

• حسن علي محمد؛ الإعلام الديني المعاصر (إسلامي / مسيحي / يهودي)، القاهرة، دار البيان، 2007، ص 56 وانظر كذلك:

Abdul Qader Tash, Islamic Satellite Channels and their Impact on Arab Societies: Iqraa Channel - acase study, on:

http://www.tbsjournal.com/Archives/Fall04/tash.html


• حسن علي محمد، المرجع السابق، 78.

http://www.alresalah.com

/Also www.alresalah.net

 

• حسن علي محمد؛ الفضائيات الدينية، مرجع سابق، ص 23.

 

• مجلة فوربس.

 

• جريدة الأخبار.

 

• حسن علي محمد؛ الفضائيات الدينية، مرجع سابق، ص، 34.

 

• حسن علي محمد؛ الإعلام الديني، مرجع سابق، ص، 89.

 

• حسن علي محمد؛ الفضائيات الدينية، مرجع سابق، ص، 79.

 

• محمد سيد محمد؛ الغزو الثقافي والمجتمع العربي المعاصر، القاهرة.

 

من بحوث مؤتمر "مستقبل الإعلام في مصر" القاهرة، 29 ديسمبر 2012 م





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قراءة في واقع القنوات الإسلامية
  • القنوات الإسلامية لا بواكي لها
  • توصيات ومقترحات بشأن القنوات الإسلامية

مختارات من الشبكة

  • قنوات وقنوات.. وقنوات(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • عوامل تمايز القنوات الفضائية الكبرى(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ملخص بحث: واقع غزو القنوات الفضائية للطفل(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • ملخص بحث: واقع القنوات الفضائية العربية ألخاصة ببرامج الأطفال وسبل الارتقاء بأدائها(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • بعد إغلاق "الحكمة".. حالة من القلق تسود الفضائيات الدينية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • التعرض لبرامج الإفتاء في القنوات الفضائية العربية وإشباعاتها: دراسة ميدانية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • إذاعة مدرسية عن القنوات الفضائية والفضائيات(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أيتها القنوات وحاملي الأقلام، رفقا بالشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طاجيكستان: القنوات الحكومية تبث دروسا عن الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ندوات القنوات الفضائية والإذاعات .. وكرامة العلم(مقالة - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب