جمعية الشبان المسلمين

جمعية الشبان المسلمين

لطالما ابتُلي المسلمون في أموالهم وأنفسهم وسمعوا من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ولكن ذلك لم يكن في عصر من العصور بأشد منه في هذا العصر الذي تحالفت فيه على الإسلام وأهله جيوش من الأعداء لا يكاد يحصيها العد وأجلبت عليه بخيلها ورجلها حتى ظنت أنها سدت عليه كل السبل وأخذت منه بالخناق ولم يبق لها إلا جولة واحدة حتى تدور الدائرة ويكون الإسلام في خبر الغابرين ولكن كم كانت حسرة هذه الجيوش الخاسرة حين علمت أن تلك الحملات المتتابعة والهجمات المتوالية لم يصب المسلمين منها إلا وخزات أيقظتهم من نومهم، ونبهتهم من غفلتهم،  وأشعلت في قلوبهم نار الحمية والغيرة فهبوا كالليوث الكواسر يذودون عن بيضة الاسلام ويحمون حماه وقد امتشقوا سيف الإخلاص، وادرعوا دروع الصبر وتحصنوا بالعلم النافع والعمل الصالح ولتكونن لهم الغلبة ولدينهم العزة. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

لقد كان شر ما يطمع أولئك الأعداء الخاسرين في المسلمين، ما كان غالبا عليهم من تفرق الكلمة وتمزق الوحدة والآن وقد عرفوا من أين يؤكلون ووضعوا أيديهم على الداء الذي هد من قواهم وأضعف بأسهم وعلموا أنه هو التفرق والتحزب فيما بينهم ها هم قاموا قومة صادقة لعلاج ذلك الداء الذي أصبح شفاؤه قريب المنال بمشيئة الله تعالى ومعونته ثم بحسن الصبر وقوة العزيمة وتضافر الأساة والمطببين.

قاموا يعالجون ذلك الداء داء الفرقة بتأليف الجماعات التي تضم تحت لوائها من رجال المستقبل من هم ذخيرة الأمة وعدتها فتعقد بينهم صلة التعارف الذي هو أدعى الأمور إلى التحابب ثم التعاون على البر والتقوى: قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".

ففي جاوه قام جماعة من أهل الغيرة بمساعدة الشيخ "أحمد السركتي" بتأليف جمعية الشبان المسلمين بعدما ألفوا في نواحي قطر جاوه وغيرها جمعيات تتفق جميعها في أن الغاية منها تثقيف العقول وتهذيب الأخلاق وإثارة ما هو كامن في النفوس من غيرة وحمية.

وكذلك في مصر قام جماعة من خيرة رجالها وخلاصة أبناء الإسلام فيها خبرة وإخلاصاً وغيرة فألفوا جمعية الشبان المسلمين ولقد كان لخبرتهم وإخلاصهم وغيرتهم أحسن اثر في إظهار الجمعية بالمظهر الذي أخزى أعداء الإسلام وكبت خصومه وجعل شبان المسلمين يتهافتون على الانضواء تحت لواء الجمعية فما كادت تقطع نصف العام من عمرها الطويل ان شاء الله حتى شغلت في القطر المصري أعظم وأجل مكانة أدبية، علمية، أخلاقية وأصبحت تضم بين أعضائها خلاصة العقول الناضجة، والنفوس الطاهرة، والأيدي العاملة في الديار المصرية وعلى رأسهم رجل الهمة والغيرة الاستاذ عبد الحميد سعيد بك ولناديها الذي يشغل في أرقى نقطة من القاهرة قصرا فخما فسيح الأرجاء أوضح أثر في تهذيب الأخلاق وترقية العقول بما يلقى فيه كل ليلة تقريبا من المحاضرات الدينية العلمية الأخلاقية التي يقوم بها أكفاء الرجال في مصر مثل الأستاذ العظيم الشيخ عبد العزيز جاويش وفضيلة الاستاذ الشيخ محمد الخضر حسين وغيرهما من أبناء الإسلام البررة، وفي النادي فوق هذا مسجد يؤذن فيه لكل صلاة وتقام فيه الجماعة في غالب الصلوات، وبه أيضا مكتبة حوت من نفائس الكتب النافعة في تثقيف الشباب ما تفضل بإهدائه المخلصون في الديار المصرية. وللشيخ عبد الرحمن القصيبي - ذي المبرات الكثيرة - في هذه المكتبة أثر يذكر.

وكذلك دبت هذه الروح الحية في الهند والشام وغيرهما من كثير من البلدان الإسلامية وأسسوا هذه النوادي التي تجمع شباب المسلمين لتقيهم من شر المتربصين بهم الدوائر وتخلصهم من مخالب الذين نصبوا شباكهم لاقتناص أولئك المساكين.

تلك نهضة مباركة وحركة ستجني الأمة الإسلامية طيب ثمارها، ولكن كنا نود ويود كل مسلم أن يكون صوت هذه النهضة منبعثا من قلب جزيرة العرب الذي هو مبعث الإسلام ومهبط الوحي على خير الأنبياء ومنبع الماء العذب الذي غذى قلوب المخلصين في جاوه ومصر والهند وغيرها حتى نهضوا هذه النهضة وأخذوا على عواتقهم القيام بذلك العمل القيم الجليل.

ولكن الوقت والحمد لله لا يزال متسعاً ولا تزال الفرصة سانحة لأبناء الحجاز؛ الذين إليهم تتطلع الأعين من كل فج والذين تناديهم الأصوات من كل صوب أن قوموا وضموا صفوفكم إلى صفوف المجاهدين وضعوا أيديكم في أيدي العاملين، وخذوا نصيبكم من ذلك العبء الذي كان آباؤكم الأولون هم حملته والقائمون به وحدهم.

ولئن فاتكم أن تكونوا قدوة بالسبق إلى هذه النهضة المباركة فلن يفوتكم إن شاء الله أن تكونوا من الذين قالوا ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ﴾ [آل عمران: 193].

والله الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد.

قال عبد الله بن معاوية:

ألا تزع القلب عن جهله وعما تؤنب من أجله؟ فلا تركبن الصنيع الذي تلوم أخاك على مثله ولا يعجبنك قول امرئ يخالف ما قال في فعله ولا تتبع الطرف ما لا تنال ولكن سل الله من فضله

المصدر: "مجلة الإصلاح"، العدد الثاني - 15/ربيع الأول/1347هـ، ص21