• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

عقدة الآخر

عقدة الآخر
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/3/2012 ميلادي - 4/5/1433 هجري

الزيارات: 9572

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

«الحوار مع الآخر»، «التعايش بيننا وبين الآخر»، «الحوار بين الشرق الإسلامي والغرب».. عناوين براقة تطالعُنا بها كل يوم الصحف والمجلات والدراسات على اختلاف انتماءاتها واتجاهاتها، في محاولة لمد جسور التواصل بيننا وبين الآخر خلافا لوهم نظرية صدام الحضارات، لكن هل بعد كل هذا الجهد والبحث والتحليل والنقاش توصلنا لشيء إيجابي وملموس لردم هذه الفجوة بيننا وبين الآخر، وهل أتت كل هذه الحوارات والدعوات والمؤتمرات أكلها في فهم الآخر وفهم الآخر لنا، أم أن الآخر مازال على موقفه ولم يراوح نظرته الحذرة تجاهنا، ومتى نستوعب فهم طبيعة الآخر قبل أن نلقي بأنفسنا في أحضان من يتحفظ ويحتاط منا أصلا.

 

التعايش مع الآخر:

بداية لابد أن نقرر أنه من قديم الأزل والناس منقسمون إلى مؤمن وكافر وبر وفاجر، ولم يمنع هذا من عيشهم على هذه الأرض، بل وتعاونهم في شئونهم اليومية وقضاياهم الحياتية، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات:13].

 

يقول د. محمد عمارة: لقد تفرد الإسلام بالاعتراف بكل ألوان الآخر الديني .. الحضاري.. والثقافي.. فالمؤمنون به لا يفرقون بين أحد من أنبياء الله ورسله.. وقرآنه الكريم مصدق لما بين يديه من كتاب، مع الاستيعاب لما سبق والتصحيح لما حُرف.. ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة:48].

 

فهو لا يقف عند مجرد الاعتراف بالآخر، وإنما يعتبر الاختلاف والتنوع والتعددية السنة الإلهية الأزلية الأبدية، التي بدونها لن يكون هناك تنافس وتسابق على طريق الخيرات.

 

ولقد وضعت هذه العقيدة الإسلامية في الممارسة والتطبيق في علاقات الإسلام والمسلمين بالآخرين، حتى الذين لا يعترفون بالإسلام! - منذ اللحظات الأولى لاتصال الإسلام وأمته ودولته بهؤلاء الآخرين.. وعلى مر التاريخ الإسلامي الطويل..

 

ففي أول لقاء بين الدولة الإسلامية «دولة النبوة» وبين يهود المدينة المنورة .. أدخل الإسلام هؤلاء اليهود ضمن رعية الدولةـ ونص دستورها على أن «يهود والمؤمنين أمة.. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم.. وأن بينهم الأسوة والنصر والبر المحض».

 

وفى أول لقاء بين السياسة الخارجية الإسلامية وبين نصارى مصر سنة 7هـ - 628م، عندما حمل حاطب بن أبى بلتعة (35 ق. هـ – 86 هـ- 650م) رسالة رسول الله صلى الله علية وسلم إلى (المقوقس) عظيم القبط في مصر ـ تم الإعلان عن هذه العقيدة الإسلامية فجاء في حوار (حاطب) مع (المقوقس) قول الأول للثاني: «إن لك دينًا لن تدعه إلا لما هو خير منه: الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، ونحن لا ننهاك عن دين المسيح، وإنما نأمرك به»!!

 

وعندما جاء نصارى نجران من اليمن إلى مدينة رسول الله صلى الله علية وسلم في عام الوفود سنة 10هـ سنة 631م.. أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونص في الوثيقة الدستورية التي كتبها لهم على «حماية» الدولة الإسلامية. وليس مجرد «السماح» بعقائد الآخرين ومقدساتهم.. فجاء في عهد الرسول لنصارى نجران -ولكل من يدين بالنصرانية عبر الزمان والمكان-: «... وأن أحمى جانبهم وأذبّ عنهم، وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم، ومواضع الرهبان، ومواطن السياح، حيث كانوا.. وأن أحرس ملتهم ودينهم، أين كانوا.. بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام من ملتي».

 

ولقد ظلت هذه العقيدة الإسلامية قائمة ومرعية طوال تاريخ الإسلام في علاقاته بالآخرين.. الاعتراف حتى بمن لا يعترفون به.. بل والحماية لحريتهم في الاعتقاد، ولمقدساتهم التي يقدسون.. ولقد كانت مدينة القدس الشريف نموذجًا إسلاميًا لهذا الاعتقاد وهذه العلاقات.. فعندما فتحها المسلمون سنة 15هـ سنة 636م كان الرومان قد احتكروها لأكثر من عشرة قرون -سواء في عهد وثنيتهم أو في عهد نصرانيتهم- فجاءت السلطة الإسلامية لتشيع قداسة القدس بين كل أصحاب المقدسات.. ففتحت أبوابها أمام اليهود، الذين كانوا مطرودين منها، ومحرومين من سكناها.. وفتحت أبواب مقدساتها النصرانية أمام المذاهب النصرانية المتحاربة.. حتى كانت السلطة الإسلامية هي الضمان لمصلحة جميع أنواع وألوان الآخر الديني.. وخرجت القدس -تحث هذه السلطة الإسلامية- من «الاحتكار» الذي مارسه الرومان.. والذي عاد ومارسه الصليبيون.. والذي تمارسه الصهيونية الآن!! فهل يعي الآخرون هذه الحقيقة من حقائق دين الإسلام.. وسياسات الدولة الإسلامية؟!. [الإسلام والآخر الديني، د.محمد عمارة، جريدة المصريون].

 

بل إن تاريخ الحضارة الإسلامية قدم أعلى وأغلى نموذج في التعايش مع الآخرين بشهادة الغرب أنفسهم، فيقول المؤرخ (توماس أرنولد): «لم نسمع عن أي محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي».

 

ويقول (ول ديورانت): «ويبدو بوجه عام أن المسلم كان أرقى من المسيحي في خلقه التجاري، وفي وفائه بوعده، وإخلاصه للمعاهدات التي كان يعقدها مع غيره، ولقد أجمعت الآراء على أن صلاح الدين كان من أنبل من اشترك في الحروب الصليبية، والمسلمون شرفاء فيما يختص بعادة الكذب، فهم يبيحون الكذب إذا كان فيه نجاة من موت أو حسم لخصومة أو إدخال السرور على زوجة أو خدعة في الحرب لأعداء الدين، والآداب الإسلامية تجمع بين التكلف والبشاشة، وحديث المسلم مليء بالتحية والمبالغة في التأدب».

 

وأما (لوثرب ستودارد) فيقول في كتابه «حاضر العالم الإسلامي»: «ما كان العرب قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستلاب والتدمير، بل كانوا على الضد من ذلك، أمة موهوبة عظيمة الأخلاق والسجايا، تواقة إلى ارتشاف العلم محسنة في اعتبار نعم التهذيب.. وقد سادت الممالك الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى من تاريخه (650-1000م) أحسن سير، فكانت أكثر أصقاع العالم حضارة ورقيا وتقدما وعمرانا، وما انفك الشرق الإسلامي خلال هذه القرون الثلاثة يرسل على الغرب النصراني نورا».

 

وكما ذكر ابن خلدون في «المقدمة» أنه من الغريب الواقع أن حملة العلم في الإسلام كان أكثرهم من العجم، فكان الإمامان البخاري ومسلم، وصاحب صناعة النحو سيبويه، وابن فارس والزجاج كلهم عجم في أنسابهم، لكنهم ربوا في اللسان العربي، فاكتسبوه بالمربى، ومخالطة العرب، وصيروه قوانين وفنا لمن بعدهم، وكانت روابط المصاهرة ووشائج التداخل العائلي قائمة بين المسلمين من مختلف الأعراق والقوميات، واحتفظ كل شعب من تلك الشعوب الإسلامية بعاداته وتقاليده التي لا تتنافى مع قيم الإسلام ومبادئه.

 

ومن الأدلة على ذلك ما ذكره (فيليب مانس) في كتابه «القسطنطينية مدينة رغبات العالم»: من أن الإمبراطورية العثمانية آنذاك اشتملت في ذروة مجدها على 72 قومية. ويشير أيضا أحد الكتاب المعاصرين إلى أن الأمة الإسلامية تتألف الآن من 190 إثنية قومية تتحدث بمئات اللغات واللهجات الخاصة.

 

وفي ذلك يقول (أبو الحسن الندوي) في بحثه القيم بعنوان «الإسلام وأثره في الحضارة وفضله على الإنسانية» ما نصه: لذلك كان الدين الإسلامي حقا مشاعا وثروة مشتركة لجميع الأمم والشعوب، والعناصر والأجناس، والأسر والبيوتات، والبلاد والأوطان، ليس فيه احتكار مثل احتكار بني لادي من اليهود، أو البراهمة من الهنود، لا يتميز فيه شعب عن شعب، ولا نسل عن نسل، وليس الاعتماد فيه على العرق والدم، بل الاعتماد فيه على الحرص والشوق، وحسن التلقي، وزيادة التقدير، والتفوق في الجهاد والاجتهاد، وقد دان العرب في جميع عصورهم لكل من برز في العلوم الدينية وتفوق فيها وأقروا لهم بالإمامة والزعامة فيها، وخلعوا عليهم من النعوت والألقاب ما لم يخلعوها على كثير ممن برع في هذه العلوم من العرب، فلقبوا الإمام محمد بن إسماعيل البخاري بأمير المؤمنين في الحديث، وقالوا عن كتابه إنه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، ولقبوا الإمام أبا المعالي عبد الملك الجويني النيسابوري بإمام الحرمين، ولقبوا الإمام أبا حامد الغزالي الطوسي بحجة الإسلام.

 

تاريخ الآخر الأسود:

لا ننسى احتلال بلاد المسلمين ونهب ثرواتها. وأكثر من ذلك ممارسة سياسة إبادة حقيقية، بحق الشعوب المسلمة. ويعد الاحتلال الفرنسي للجزائر نموذجا صارخا في هذا السياق، وكذلك الاحتلال الايطالي لليبيا، وهناك أغاني ايطالية تاريخية تمجد قتل المسلمين، وتصفهم بـ «الأمة الملعونة». فضلا عن ديكور كنيسة بعظام المسلمين في بولندا. وكانت ثالثة الأثافي، تنصيب أنظمة تضمن مصالح الغرب، بعد أن ربطت بقاءها باستمرار التقسيم الذي أقره وزيرا خارجية كل من بريطانيا وفرنسا «سايكس بيكو» سنة 1922. وقبل ذلك تدخلت فرنسا في سنة 1920م، في لبنان بزعم حماية النصارى، وفي نفس السنة تم إيجاد دولة جديدة، هي الأردن، وقسموا الشام إلى أربع مقاطعات (مستقلة) سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين، التي وضعت تحت الاحتلال البريطاني، وكان ذلك مقدمة لتسليمها للصهاينة.

 

هذا غيض من فيض، لكن لو رجعنا بالتاريخ قليلا فلا ننسى بشاعة محاكم التفتيش وما تكشفه عن حقد غربي دفين وعريق ضد الإسلام وأهله خاصة.

 

يقول الأستاذ عبد الرحمن شيخ حمادي: لم توفر وحشية «محاكم التفتيش» طفلاً أو شيخاً أو امرأة.. والهدف هو إبادة المسلمين. والمطلوب من المسلمين العمل على إعادة كتابة تاريخ صحيح لمحاكم التفتيش يكشف بقية فصولها الوحشية للعالم.

 

تمثل محاكم التفتيش أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه المسلمين، وحيث امتدت وحشيتها المفرطة لتطال المسيحيين أيضاً فيما بعد، ولذلك كان من الطبيعي ألا يتوقف المؤرخون والمستشرقون الغربيون عندها إلا نادراً في محاولة منهم لتجاوز وقائعها السوداء، بل نجدهم في حالات أخرى كثيرة يحاولون وضع التبريرات لها بادعاء أنها كانت أخطاء غير مقصودة ارتكبها القساوسة في محاولتهم للحفاظ على المسيحية بعد خروج المسلمين من الأندلس، فنجد مثلاً المستشرق البريطاني (وول سميث) يعلن أن الكنيسة ليست مسئولة مباشرة عن الجرائم التي ارتكبت عبر محاكم التفتيش، ولكن كان على رجال الدين المسيحي في إسبانيا أن يخوضوا معركة ضد الوجود الإسلامي بعد خروج العرب من إسبانيا، فاضطروا إلى محاكم التفتيش التي تمادى القائمون عليها في تصرفاتهم فيما بعد.

 

على أي حال، فإن السواد الذي غطى تاريخ محاكم التفتيش لم تستطع السنوات أن تزيله من ذاكرة التاريخ العالمي، وحتى الكنيسة عينها لم تعد قادرة على تجاهل مسؤوليتها المباشرة عن الفظائع التي ارتكبت بحق المسلمين من خلال تلك المحاكم، ولهذا نجد أنه مثلاً في أواسط العام 2002م قدمت مجموعة مكونة من 30 مؤرخاً من مختلف أنحاء العالم مشروع قرار إلى البابا بولس الثاني حول إمكان اعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن محاكم التفتيش وجرائمها بحق المسلمين، وجاء مشروع المؤرخين الغربيين آنذاك من بين التحضيرات النصرانية لاستقبال الألفية الثالثة للميلاد، وكان الفاتيكان قد نظم مجموعات عمل من أجل دراسة إمكان اعتذار البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش في إسبانيا، وفي صلاة الأحد 12/3/2000م اعترف البابا (يوحنا بولس الثالث) بأن الكنيسة قد ارتكبت عبر محاكم التفتيش ذنوباً وأخطاء بحق الآخرين خلال الألفي سنة الماضية، وبأن أتباعها ارتكبوا أخطاء أخرى باسم الدفاع عن الإيمان، وطلب أمام الملأ الصفح والغفران من الله.

 

الرئيس البرتغالي (جورج سمبابو) بدوره اعتذر عن جرائم أجداده بحق العرب في أثناء محاكم التفتيش، إلا أن اعتذاره جاء في خطبة ألقاها في حفل افتتاح ندوة التراث العربي (مايو 1997م)، ومن ثم فإنه بدا وكأنه «اعتذار سري» لم يسمع به أحد، باستثناء صحيفة «الشرق الأوسط» التي تصادف أن كان أحد كتابها مشاركاً في تلك الندوة.

 

كانت غرناطة مدينة جميلة في جنوب إسبانيا عاصمة بني (زيري) من ملوك الطوائف، وعاصمة بني الأحمر، وقد استطاع الأسبان أن يوقعوا الفتنة بين خلفاء علي بن الحسن، ولما تم لهم ذلك حاصروا غرناطة، وأرسل (فرديناند) ملك إسبانيا رسله إلى قادة غرناطة المسلمة بالاستسلام فرفضوا، فنزل جيش إسباني مكوَّن من 25 ألف جندي واتجهوا صوب المزارع والحدائق وخرّبوها عن آخرها حتى لا يجد المسلمون ما يأكلونه أو يقتاتون عليه، ثم جهزت ملكة إسبانيا جيشاً آخر من 500 ألف مقاتل لقتال المسلمين في القلاع والحصون الباقية، وبعد قتال طويل اجتمع العلماء والفقهاء في قصر الحمراء واتفقوا على الاستسلام واختاروا الوزير أبا القاسم عبد الملك لمفاوضة ملك إسبانيا (فرديناند).

 

تم إبرام معاهدة تنص على أن يسلم حكام غرناطة المدينة للأسبان لقاء ضمان خروج الحكام بأموالهم إلى إفريقيا، كما تضمنت المعاهدة ثمانية وستين بنداً منها تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم، وأن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون فيها، وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم، وألا يدخل الكاثوليك دار مسلم، وألا يغصبوا أحداً، وألا يولى على المسلمين إلا مسلم، وأن يُطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره، وألا يُرغم من أسلم من الكاثوليك على العودة إلى دينه، وألا يعاقب أحد على الجرائم التي وقعت ضد الكاثوليكية في زمن الحرب، وألا يدخل الجنود الأسبان إلى المساجد، ولا يلزم المسلم بوضع علامة مميزة، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم من أمور دينه.. وقد وقع على المعاهدة الملك الإسباني والبابا في روما، وكان التوقيعان كافيان لكي تكون المعاهدة ضمانة للمسلمين في إسبانيا، وبناء على هذه المعاهدة خرج أبو عبد الله بن أبي الحسن ملك غرناطة صباح يوم 2/1/1492م، من قصر الحمراء وهو يبكي كالنساء حاملاً مفاتيح مدينته وملكه الزائل، فأعطاها الملكة (إيزابيلا) وزوجها (فرديناند).

 

الذي حدث أنه فور دخول الأسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين، إذ كان أول عمل قام به (الكاردينال مندوسيه) عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة «الحمد» الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسباني يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين في غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكاً، وذلك تنفيذاً لرغبة السيد المسيح الذي ظهر له وأمره بذلك كما ادَّعى، فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع في غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعاً عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مائتين من رجال الدين المسلمين حرقاً في الساحة الرئيسة بتهمة مقاومة المسيحية.

 

وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم في الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال (سيسزوس) لتنصير بقية المسلمين في أسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكاماً بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء في ساحة من ساحات مدينة غرناطة، أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى العام 1577م، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة، ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفي يوم 12/10/1501م، صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية في السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جداً من الأسر الغنية المسلمة، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية وأحرقوا بعضها، عندها أعلن الكاردينال (خيمينيث) أن المعاهدة التي تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة، وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين في غرناطة دون الأخذ برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذي يساقون إليه، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين: إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا من دون أن يحمل معه أي شيء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علناً في ساحات غرناطة باعتباره رافضاً للمسيحية.

 

كان من الطبيعي أن يختار عدد كبير من أهالي غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيراً على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الأسبانية والجنود الأسبان، فهاجموا وقتلوا معظمهم، وعندما سمع الآخرون في غرناطة بذلك آثروا البقاء بعد أن أدركوا أن خروجهم من إسبانيا يعني قتلهم، وبالتالي سيقوا في قوافل للتعميد، ومن كان يكتشفه الأسبان أنه قد تهرب من التعميد كانت تتم مصادرة أمواله وإعدامه علناً، وقد فرَّ عدد كبير من المسلمين الذين رفضوا التعميد إلى الجبال المحيطة في غرناطة محتمين في مغاراتها وشعابها الوعرة، وأقاموا فيها لفترات وأنشئوا قرى عربية مسلمة، لكن الملك الإسباني بنفسه كان يشرف على الحملات العسكرية الكبيرة التي كان يوجهها إلى الجبال، حيث كانت تلك القرى تُهدم ويُساق أهلها إلى الحرق أو التمثيل بهم وهم أحياء في الساحات العامة في غرناطة.

 

وعلى المنوال نفسه، سارت حملات كاثوليكية في بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم «المسيحيون الجدد» تمييزاً لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضاً باسم «الموريسكوس»، أي المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق «الموريسكوس»، فعلى سبيل المثال صدر في العام 1507 أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، وفي المرة الثانية بالإعدام، وفي العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي، وفي سنة 1510م طُبِّقت على «الموريسكيين» ضرائب اسمها «الفارضة»، وفي سنة 1511 جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية.

 

في حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التي مهمتها التأكد من «كثلكة» المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال «الكثلكة» لم تؤت نفعاً، فقد تكثلك المسلمون ظاهراً، ولكنهم فعلياً يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سراً، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم في منطقة «بلنسية» أدخلوا عدداً من الكاثوليك الأسبان في الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية.

 

لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسباني والبابا، في أحد التقارير التي رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمي غرناطة للكاردينال، ورد أن «الموريسكوس» لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإن لم يتم إيجاد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيي غرناطة وبلنسية ومدن أخرى في الإسلام بشكل جماعي.

 

وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع «الموريسكوس» في إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية في التاريخ الكنسي الغربي، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه.

 

ومحاكم التفتيش في الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست أساليب في التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ، وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة العربية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربي، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية، ووضعت عقوبات صارمة جداً بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجاً على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش.

 

كان المتهم الذي يمثل أمام المحكمة يخضع لاختبار أولي، وهو أن يشرب كؤوساً من الخمر يحددها المحاكمون له، ثم يُعرض عليه لحم الخنزير ويطلب منه أن يأكله، وبذلك يتم التأكد من المتهم أنه غير متمسك بالدين الإسلامي وأوامره، ولكن هذا الامتحان لا يكون عادة إلا خطوة أولى يسيرة جداً إزاء ما ينتظر المتهم من رحلة طويلة جداً من التعذيب، إذ يعاد بعد تناوله الخمر وأكل لحم الخنزير إلى الزنزانة في سجن سري ودون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، وهو مكان من أسوأ الأمكنة، مظلم، ترتع فيه الأفاعي والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفي هذا المكان على المتهم أن يبقى أشهراً طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أي ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضاً للمحاكمة، وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهي، وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب.

 

وعادة كان يسأل المحقق في المرة الأولى إن كان يعرف لماذا ألقي القبض عليه وألقي في السجن، وما التهم التي يمكن أن توجه إليه، ثم يطلب منه أن يعود إلى نفسه وأن يتأمل واقعه، وأن يعترف بجميع الخطايا التي يمليها عليه ضميره، ويسأله عن أسرته وأصدقائه ومعارفه وجميع الأماكن التي عاش فيها أو كان يتردد عليها، وخلال إجابة المتهم لا يُقاطع، يُترك ليتحدث كما يشاء ويسجل عليه الكاتب كل ما يقول، ويُطلب منه أن يؤدي بعض الصلوات المسيحية ليعرف المحققون إن كان بالفعل أصبح مسيحياً أو مازال مسلماً، ودرجة إيمانه بالمسيحية.

 

وبعد هذه المقابلات البطيئة الروتينية، يقرأ أخيراً المدَّعي العام على المتهم قائمة الاتهامات الموجهة إليه، وهي اتهامات تم وضعها بناء على ما استنتجته هيئة المحكمة من استنطاق المتهم، ولا تستند إلى أدلة من نوع ما، ولا يهم دفاع المتهم عن نفسه، إذ إن قانون المحكمة الأساسي أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التي يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهرباً من التعذيب الذي سينتظره، أضاف المدعي العام إليه تهماً أخرى، وفي النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب لأنه إنما يعترف تهرباً من قول الحقيقة، أي أن التعذيب لابد منه، سواء اعترف المتهم أم لم يعترف.

 

ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتي عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكي بالحديد المحمي ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع...

 

وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل، وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يوماً واحداً ثم يُعرض عليه ما قاله في أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضي أن الله التي لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفي هذا الاتهام أو يؤكده، وفي كلا يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر في سلسلة لا تنتهي من التعذيب.

 

أخيراً، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل في ثلاثة أنواع:

(البراءة): وهو حكم نادراً ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئاً، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذي تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التي ألصقت به عينها.

 

(الجلد): وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ به الجلد، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن نفذ وكُتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له.

 

(الإعدام): وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش، ويتم الإعدام حرقاً وسط ساحة المدينة.

 

وفي بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكاماً بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أي محاكمات، وفي بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباساً معيناً طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار في الشارع أو خرج من بيته، وفي هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مائتي جلدة، وجلد شيخ في التسعين من عمره ثلاث مائة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة فيتم نبش قبورهم.

 

كل هذه المحاكم والأساليب لم تنجح في إجبار المسلمين على ترك دينهم كما تريد الكنيسة التي أدركت مدى عمق الإيمان بالعقيدة الإسلامية في نفوس «الموريسكيين»، فقررت إخراجهم من إسبانيا، فأصدر مجلس الدولة بالإجماع في 30/1/1608م قراراً بطرد جميع «الموريسكيين» من إسبانيا، ولم يحل شهر أكتوبر العام 1609م حتى عمَّت موانئ المملكة وبلنسية من لقنت جنوباً إلى بني عروس شمالاً حركة كبيرة، فرحل بين 9/1606م إلى 1/1610م نحو 120.000 مسلم من موانئ لقنت، ودانية، والجابية، ورصافة، وبلنسية، وبني عروس، وغيرها.

 

وفي 5/1611م صدر قرار إجرامي للقضاء على المتخلفين من المسلمين في بلنسية، يقضي بإعطاء جائزة ستين ليرة لكل من يأتي بمسلم حي، وله الحق في استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتي برأس مسلم قتل، وقد بلغ عدد من طُرِد من إسبانيا في الحقبة بين سنتي 1609-1614م نحو 327.000 شخص، مات منهم 65.000 غرقوا بالبحر، أو قتلوا في الطرقات، أو ضحية المرض، والجوع، والفاقة، وقد استطاع 32.000 شخص من المطرودين العودة إلى ديارهم في الأندلس، بينما بقي بعضهم متستراً في بلاده بعد الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامي بشكل سري ومحدود في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر.

 

وهكذا حكمت محاكم التفتيش في غرناطة سنة 1726م على ما لا يقل عن 1800 شخص (360) عائلة بتهمة اتباع الدين الإسلامي، ونقل كاتب إسباني أخبار محاكمة وقعت في غرناطة سنة 1727م، وفي 9/5/1728م، احتفلت غرناطة بـ «أوتودافي» ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 64 غرناطياً بتهمة الانتماء للإسلام، وفي 10/10/1728، حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء إلى الإسلام، وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل «الموريسكيين» حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد.

 

وفي سنة 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سري في مدينة «قرطاجنة» مقاطعة «مرسية»، فتم إلقاء القبض على أكثر من مائة «مورسكي» حوكموا وأعدم معظمهم علناً.[ محاكم التفتيش..أسوأ الحقب دموية بحق المسلمين، عبد الرحمن شيخ حمادي، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 455].

 

حقيقة الآخر:

يقول الشيخ (عايض الدوسري): قبل سنوات قليلة اجتاحت العالم العربي والإسلامي حمى كلمة «الآخر»، وأصبح من النادر أن تجد مثقفًا أو صحفيًا أو نصف مثقف أو نحو ذلك لا يذكر كلمة «الآخر». بعض هؤلاء –وليسوا بالقليل- يذكرون كلمة «الآخر» بخشوع وإخبات، ويستطردون في ذكر محاسنه وحقوقه وإيجابياته وما له علينا وماذا يجب علينا تجاهه، وكيف نُحسن صورتنا أمامه، وننظفها من العار والشنار الذي لحقها من قِبَلِنا، حتى أصبحت صورتنا غير نظيفة أمام «الآخر».

 

وحيثُ إنَّ للآخر قصة يُستحسن أن نعرفها، وكيف نشأ مصطلح «الآخر»؟ ومن المقصود به؟ وما الذي نشأ قبله؟ وفي أي شيءٍ استخدم؟ هذه الأسئلة مهمة حتى لا تُستخدم الألفاظ في غير معانيها، أو تُقتطع من سياقاتها التاريخية، فتفقد قيمتها أو معانيها أو حتى دلالاتها الخطرة.

 

مصطلح «الآخر» مصطلح وُلِدَ في الغرب، وكان وجوده هناك مسبوقًا بوجود مصطلح «الأنا»، لأن الغرب يرى أنه هو «الأنا» وهو مركز الكون والحضارات، وبقية العالم تُسَمَّى «الآخر»، فنشأ ذلك المصطلح كدلالة على الاستعلاء الغربي تجاه الآخرين، وأصبح العالم يُرى من قِبَلِ زاوية «الأنا» الغربية كالآخر!

 

و «الأنا» الغربية هي نقطة البداية وزاوية الرؤية التي تُقيَّم من خلالها جميع الأشياء، وهذه الرؤية تأتي انطلاقًا من تمركز الفكر الغربي على الذات، الذي نشأ عنه اعتقاد الغربيين «بمركزيَّة الغرب»، ومن ثم أنتج استعلاءً على الآخرين، وكانت المدوَّنات الأدبية والفلسفيَّة الغربية سجلاً حافلاً وموثقًا سُجِّلَ فيه بكل دقة ملامح الاستعلاء الغربي على «الآخر»، الذي يتمثل في الحقيقة والواقع في الشرقي أو بعبارة أدق غير الغربي. ومن هذه النظرة الفلسفية أصبحت العلاقات قائمة على عدم المساواة، بل على غيرية تامة إلى درجة العداوة.

 

ويرى كثيرٌ من المراقبين أنَّ هذه الرؤية ليست حديثةً، بل لها جذورها الضاربة في القِدَم. فأرسطو –مثلاً- يرى أن «الآخر» هو الغريب، أما أكثر الفلاسفة المتأخرين فيرون أن «الآخر» هو الشخص غير الطبيعي، أو العدو، أو الشيطان، أو البربري، أو المتوحش، أو الخطر المميت، أو الشر، أو الإرهابي، أو الأجنبي محل الريبة!

 

ومن فلسفة الغرب لمصطلحيّ «الأنا - الآخر» انطلقت الحملات الاستعمارية تحت مسميات مختلفة، فتارة: حملات صليبية، وتارة: حملات ضد البرابرة، والعامل المشترك هو: أن «الآخر» ليست له قيمة مساوية للغربي، فهو بربري أو متوحش بلا قانون أو إيمان، ولذا فإن الحق في أخذ ما في يديه وما تحت رجليه وسرقة ماله وحقوقه حقٌ مشروع.

 

وقد بيٍّن (فرنسوا شاتليه) في كتاب «أيديولوجيا الغزو» أن الغرب قد نظر للشعوب -التي قصد بلادها الأصلية لاستعمارها- بوصفهم وحوش وبرابرة، فقد عرف الغرب –على حد قوله- أنواعاً من المتوحشين وخاض معهم تجربة؛ كمتوحشي أمريكا وكندا، أي السكان الأصليين الهنود.

 

وحينما عَرَّفَت الموسوعة الغربية L ENCYCLOPEDIE (المتوحش) -في مقال خاصٍ بالتعريف بالمتوحشين- فقالت: إنه من الشعوب البربرية التي تعيش بلا قانون ولا شرطة ولا دين. ثم تُعطي مثالاً على ذلك بأمريكا التي ما تزال مأهولة بأمم الهنود الحمر المتوحشة –على حد وصفها- بدون ملك ولا قانون ولا إيمان!

 

لقد كان هذا كافيًا لأن تقوم الجيوش الغربية بغزو أمريكا الشمالية وإبادة الهنود الحمر إبادة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، مع أنَّ بعض الباحثين يؤكدون على أنَّ شعوب الهنود الحمر في أغلبيتهم من الشعوب المسالمة والطيبة، وأنه من الثابت بلا شك أنها شعوب لها لغتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها.

 

ولذلك، تجد أن الأعداد الهائلة للهنود الحمر قد اختفت، بسبب الإبادات الجماعية أو بسبب نشر الأمراض بينهم بطريقة مدروسة ومتعمدة وموثقة تاريخيًا. ومع أنه لم يتبق إلا القليل منهم في أمريكا، وطنهم الأصلي، فإنهم اليوم يُعانون الغربة والتهميش والاحتقار، وأنهم هم الغرباء في أمريكا.

 

أما التصوير الغربي وبالأخص الأمريكي للهنود الحمر، كما تبينه عدد من الدراسات، فإنه تصوير قائم على ثنائية التجريم أو الاحتقار، فالمنتجات الثقافية الغربية-الأمريكية؛ كالأفلام والقصص والرسوم المتحركة، تُكرس في المراحل العمرية الأولى صورة الهندي الغبي والمغفل والأحمق، لكن في المراحل العمرية اللاحقة يتحول الهندي الأحمر إلى مجرم حقير مُدنس للأعراض وقاطع للطريقة وسالخ لفروة الرؤوس، وحش بلا رحمة ولا قلب ولا يعترف بقانون.

 

يقول الكاتب الغربي (ريزارد كابوتشينسكي) في مقالٍ بعنوان «التلاقي بالغريب» 2006م: «لم يكن الإنسان الأبيض، الأوروبي، يغادر قارّته إلا بهدفٍ واحد: هو الاحتلال. كان يخرج من دياره ليصبح سيّداً على أراضٍ أخرى وللحصول على عبيد أو المتاجرة أو التبشير. غالباً ما كانت تتحوّل رحلاته إلى حمّامات من الدماء، كما جرى لدى اجتياح كريستوف كولومبوس للأميركيّتيْن، تبعها حملة المستعمرين البيض الآتين من القارّة العجوز، ثمّ اجتياح إفريقيا وأستراليا، إلخ».

 

وبناءً على نظرة الغرب لنفسه «كأنا» ونظرته لغيره «كآخر»؛ تشكلت سياسته تجاههم بوصفهم: إما برابرة يجوز احتلال أرضهم وإهدار جميع حقوقهم الإنسانية، لأنهم –كما يقولون- لا يحق لهم ملك الأرض لأنهم بلا قانون ولا إيمان، وإما مجرد عبيد خلقهم الله لخدمة الرجل الأبيض.

 

يقول (فرنسوا شاتليه): «ما نعرفه من أفريقيا، ممالك الغرب التي تنظم بنفسها توريد العبيد، لا يُسمح بتصنيف الأفارقة في عداد المتوحشين، ويُقال عن الأفريقي: إنه خُلق ليخدم».

 

ولعل هذه النظرة الدونية هي التي دفعت المجتمع الأبيض في أمريكا «الأنا» إلى النظر إلى إخوانهم السود «الآخر» كعبيد لا قيمة لهم، أو لعل قيمتهم تقترب من قيمة الحيوانات التي تُستخدم في الزراعة ونحوها!

 

يقول (مالكم إكس) مخاطباً الأمريكان السود: «من أنتم سوى عبيد سابقين، أنتم لم تأتوا على "المايفلاور"، أنتم أُتي بكم على سفينة عبيد مقيدين بالسلاسل مثل الخيول والبقر».


طبعًا "المايفلاور" MAYFLOWER هي السفينة التي نقلت المهاجرين والحجاج الإنجليز الأوائل من «بلايموث» في إنجلترا إلى شمال فيرجينيا في أمريكا في عام 1620م.

 

ولم تكن العنصرية -والتي شكلت موقف الغرب تجاه «الآخر»- مقتصرة على التجار الجشعين، أو رجال السياسة البرجماتيين، بل كانت –أيضاً- تحظى بدعم فلسفي وتبرير عقلي من أعمدة الفكر الغربيين، والتي وضعت الأسس الأخلاقية لهذه القضية، وقدمت الدعم المنطقي المبرر لموقف «الأنا» من «الآخر».

 

يقول (منتسكو) في كتابه الشهير «روح القوانين» مُبينًا حجة من يرى استعباد السود: «إذا كان علي أن أدافع عن حقنا في اتخاذ الزنوج ذوي البشرة السوداء عبيداً، فإنني أقول: إن شعوب أوروبا وقد أفنت سكان أمريكا الأصليين لم يكن أمامها إلا أن تستعبد شعوب إفريقيا، لكي تستخدمها في استصلاح أرجاء أمريكا الشاسعة، وما شعوب إفريقيا إلا جماعات سوداء البشرة من أخمص القدم إلى قمة الرأس، ذات أنوف فطساء إلى درجة يكاد من المستحيل أن ترثي لها، وحاشا لله ذي الحكمة البالغة أن يكون قد أودع روحاً أو على الأخص روحاً طيبة في جسد حالك السواد).

 

ويؤكد (بندكت أندرسون) أنَّ الأساس الأخلاقي-الليبرالي الذي قدمه الليبرالي الكولومبي (بيدرو فيرمين دو فارجاس) في مطلع القرن التاسع عشر من أجل تبرير استبعاد وإبادة الهنود هو في قوله: «إن كسل الهنود، وغباوتهم، ولا مبالاتهم تجاه الجهود الإنسانية الاعتيادية تدفع المرء إلى الاعتقاد أنهم ينحدرون من عرق منحط».

 

ويقول الفيلسوف (رينان) هذا الاعتقاد فيقول: «جنس واحد يلد السادة والأبطال هو الجنس الأوروبي، فإذا نزلت بهذا الجنس النبيل إلى مستوى الحظائر التي يعمل بها الصينيون والزنوج فإنه يثور، إن الحياة التي يتمرد عليها عمالنا يسعد بها صيني أو فلاح من جنس آخر».

 

وبالإضافة إلى المبررات التجارية والسياسية والفلسفية العقلانية، تم إضافة المبرر الديني لتكريس موقف الغرب «الأنا» المجحف من «الآخر»، فبحسب البحوث والدراسات العلمية فإنَّ الغرب –وخصوصاً الأمريكي الأبيض- يرى أن الله كرّمه وفضله على خلقه، وأن الله كما منح العبرانيين «اليهود» أرض كنعان والقدس، وطرد منها أهلها الأصليين «الفلسطينيين»، فقد منح أمريكا للأوروبيين المهاجرين إليها، وطرد منها سكانها الأصليين، الهنود.

 

يقول (جون آدمز) في كتاب «أيديولوجيا الغزو»: «إن استعمار أمريكا، بداية تحقيق مشروع العناية الإلهية الذي يعني تدفق النور».

 

ويقول (فرنسوا شاتليه): «إن تكوين التعابير التي تعني: أمريكا، أمريكي، أمرك. يُشكل الدلائل على هذا التصميم الإلهي. إن أمريكا هي في نفس الوقت كنعان الجديدة، القدس الجديدة، وفيما يخص الأمريكيين، فهم تحت الحماية الإلهية، إن شعباً مختاراً، فقط، هو الذي يستطيع الإقامة في هذا البلد الموهوب بكرم، لقد عاملهم الله مثل العبريين».

 

ومن هذه الرؤية الغربية الضيقة والمتعالية تجاه «الآخر» أصبحت الحضارة الغربية هي المحور والمرتكز للحضارات البشرية، بل لا يوجد حضارة إنسانية غير الحضارة الأوروبية الغربية، وما عداها فقطيع من الشعوب المتوحشة والبربرية أو العبيد.

 

ثم إن «الأنا الغربية» ظهرت في أوروبا بقوة، وانتشرت كالنار في الهشيم، وتبناها ودافع عنها كثير من العلماء والفلاسفة، وهي نظرة –كما سبق- قائمة على «مركزية الحضارة الأوربية»  بحيث تستبعد كل ما سواها، فلا حضارة إلا حضارة الغرب.

 

وترى الدراسات والبحوث أنه لأجل أن يُبرر الغربي تفوقه، فقد ذهب العديد من المؤرخين الغربيين إلى ادعاء تأثير جنس بشري مخصوص له خصائص معينة في صناعة التاريخ، إذ لم يتردد البعض في الزعم بأن الجنس الأوروبي هو أفضل الأجناس على الإطلاق، وأنَّ باقي الأجناس الأخرى أقل قدرة في صناعة التاريخ.

 

يقول الفرنسي (جوبينو) في رسالة له حول عدم تساوي الأجناس: «إن الآريين وحدهم هم بناء الحضارة والمحافظون عليها».

 

وكان (جوبينو) لا يعترف بحضارة سوى الحضارة البيضاء، ويؤكد ذلك فيقول: «أن التفاوت العنصري كاف لتفسير مصائر الشعوب».

 

وذهب كل من (جوزيف آرثر) و(هوستن) إلى أن كل الحضارات الأساسية هي من عمل الآريين.

 

وهذه «الأنا» هي التي دَفَعتْ (بلومباخ) إلى تأسيس نظريته الشهيرة التي زعم فيها أن هناك توافقًا بين العبقرية وبين طبيعة العقل الأوربي.

 

ويقول (إفيريت) -أستاذٌ في جامعة هارفارد-: «العرق الأنجلوساكسوني متفوق على نحو لم يسبق له مثيل، ولا يدانيه أحد»!

 

وهذه «الأنا» الغربية –نفسها- هي التي دَفَعت علماء وفلاسفة الغرب إلى تغليف تفوقهم العنصري المزعوم بغلاف البحث العلمي، فالنازيون الألمان يرون أن تفوقهم يُفسر بناءً على عرقهم، وأنهم أفضل العروق وهم السادة، أما الآخرين فهم العبيد!

 

وحينما سيطرت فكرة «الأنا» على عقل النازية، جعل (هتلر) يقول بتفوق الألمان بالطبيعة على جميع أجناس البشر، وتقوم فلسفته العنصرية أو «الأنا الألمانية» على فكرة تفوق الجنس «الآري الجرماني» على باقي الأجناس التي أنجبتها الطبيعة، حيث يرى أن الشعب «الآري» فوق الجميع لذلك يجب الحفاظ على نقاوتها.

 

ولذا فقد منع (هتلر) زواج الألمان من الأجناس الأخرى؛ حتى لا يختلط دمهم النقي بدماء غيرهم الفاسدة.

 

وذهب النازيون إلى أن العروق ليست مختلفة فقط بل متفاوتة، أفضلها وأرقاها وأنقاها العرق الآري، الفرع «النورديكي»، وأدناها وأحطها الأفارقة السود.

 

ويبيّن «ريزارد كابوتشينسكي» أن هذه النظرة العنصرية «الآخر» هي التي دفعت النظام الأبيض الكريه -على حد تعبيره- في جنوب إفريقيا إلى تأسيس علاقاته بالآخرين على مبدأ التمييز العنصري (apartheid)، ثم يُفسر هذا التصرف -القائم عدم قدرة على التفاهم مع الآخرين والتطبّع بطباعهم، والرغبة في ببناء الأسوار الضخمة وحفر الخنادق العميقة، للانعزال عن الآخرين- «بأنه فشل للكائن البشري في علاقاته».

 

ثم تتابعت –بعد ذلك- النظريات الغربية لتكريس «الأنا» والبحث عن مسوغات علمية لاستعباد «الآخر» وتبرير شن حروب إبادة وإقصاء في حقه؛ لأن «الآخر» ليس إلا عبدًا لا قيمة له، وتذهب الدراسات إلى أنَّ هذه الأيديولوجية الغربية تُفُسر دواعي الحوادث العنيفة والدموية في التاريخ الغربي، فإبادة الهنود الحمر، والحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والحروب الأخرى تطبيقٌ عملي لمفهوم الغرب للآخر، ذلك «الآخر» الذي لا ذنبَ له إلا أنه صُنِفَ غربيًا «الآخر»، مما يعني أنه مجرد عبد أو بربري في نظر الغرب.

 

يقول (فرنسوا شاتليه): «كان على النظام –أي الغربي- إنكار إنسانية العبد، إنه لا يَعْرِفُ، بوصفه حيواناً أو آلة أو كافراً، كيف يشارك في دائرة السوق التي هو مع ذلك دولابها الحاسم، يفترض اقتصاد النخاسة عدم تماثل صارم: "إنسان=أبيض=حر"، "دون الإنسان=غير أبيض= عبد».

 

لقد تم رسم ملامح «الآخر» بوضوح في الذهنيَّة الغربية بناءً على تصورات الرجل الأبيض، فهو الذي حدد المفاهيم ومن ثم رسم العلاقات بدقة مع الآخرين، فالزاوية الوحيدة التي يُنظر للآخرين من خلالها هي زاوية الغربي، وعين الأبيض، وتقييم الأوروبي، وهذا–كما بُيِّنَ سابقاً- مبني على مفاهيم قائمة على المفهوم الغربي «للأنا» القائمة على التناقض بينها وبين «الآخر».

 

يقول الكاتب الغربي (ريزارد كابوتشينسكي): «لقد تمّ تحديد مفهوم "الآخر" بحسب وجهة نظر الإنسان الأبيض، الإنسان الأوروبي».

 

ويقول (فرنسوا شاتليه): «ثمة معيار أبيض وفيما بعد "آري" يكون منقوشاً على سطح الكرة الأرضية، يكون هذا النقش تناقضياً، تناقض بين الأبيض وغير الأبيض».

 

ويذكر (فرنسوا شاتليه) أنَّ هناك: (تقسيماً كونياً للعمل: للأبيض النظام والحرية والمثابرة، أما الأصفر فهو جسور وضعيف ولكنه عملي، في حين يكون الزنجي شره وموسيقي وكثير النسل وغير مستقر».

 

لقد لخص بعض الغربيين –قديماً وحديثاً- رؤيتهم وموقفهم من «الآخر»، حيث اعتقدوا أنَّ «الآخر» بكل اختصار هو (الجحيم) الذي لا يرغب أحد في الذهاب أو التعرف إليه أو إقامة علاقات وديَّة أو إنسانية معه.

 

وهذه التصورات المغلوطة والمتجنية تجاه الآخرين هي ما دفعت الكاتب (إدوارد ألبى) في مسرحيته «قصة حديقة الحيوان» إلى تكرار عبارة: «إن الجحيم هو الآخر» على لسان أحد شخصياتها.

 

وكذلك (جون بول سارتر) في مسرحيته «الجلسة السرية» حيث قال بكل وضوح: «إن الجحيم هو الغير».

 

لقد أرجع (ريزارد كابوتشينسكي) التصورات المغلوطة عند الرجل الغربي عن «الآخر» إلى جهل الرجل الأوروبي الأبيض بكلّ ما له علاقة بالشعوب الأخرى وثقافتها، ومنها كوّنوا فكرة خاطئة عنه، مليئة بالغطرسة والاحتقار.

 

إن خلاصة مصطلح «الآخر» -كما قيل سابقًا- أنه مصطلح غربي يدلُّ على السلبية والعدوانية، في مقابل «الأنا» الغربية الدالة على العلوّ والزهو والتغطرس.

 

هذا جزءٌ ضئيلٌ مما في التراث الغربي عن «الآخر»، ويبقى السؤال الذي قد يُطرح هو: ماذا عن الممارسات الغربية المعاصرة تجاه «الآخر»؟ وهل هناك أي تزحزحٍ في المواقف الغربية تخالف ما هو مسطورٌ في التراث التاريخي؟

 

هذه الأسئلة مُلحةٌ جدًا وتحتاج إلى إجابات علمية رصينة، لأنه يُمكن أن يُقال: إن ما قيل آنفا ليس إلا تعبيرًا عن مرحلة غربية-تاريخية مضت وتصرمت، ولم تَعد تُلقي بظلالها على الذهنيَّة الغربية في الوقت الحاضر، خصوصًا مع شهرة الغرب بمساندة قضايا حقوق الإنسان ودفاعه عن الديمقراطية والحريات.

 

كثيرٌ من المراقبين يؤكدون أنه حتى مع وجود القوانين المدنية الغربية وحقوق الإنسان في العصر الحديث، والتي يُعتقد أنها تُقيد «الغربي» من ممارسة ثُنائية «الأنا- الآخر»، فإنَّ الإنسان «الغربي» يُحاول جاهدًا أن يتفلت من أسرها كثيرًا؛ إما بعدم تطبيقها خارج حدود «بلاد القانون»، أو بالتلاعب بالقوانين داخل حدود «بلاد القانون»، أو أنَّ الإنسان «الغربي» يرى وجوب التمييز بطريقة ما بينه وبين «الآخر»، أو في نهاية المطاف يرى «الغربي» أن هذه القوانين والحقوق هي من ابتكاره، ولذا فهو صاحب المنة واليد العليا. [قصة الغرب والآخر، عايض الدوسري، جريدة المصريون].

 

ويقول د. يوسف القرضاوي: لقد تشكك كثير من مثقفي المسلمين المستنيرين وشككوا، حينا من الدهر في صحة هذه القضية: «الروح الصليبية لدى الغرب» بدعوى أن المصالح وحدها هي الدافع الأوحد -وإن تساهلنا، قلنا: المحرك الأول- الذي يؤثر على صنع القرار السياسي أو العسكري عند القوم.

 

ولم تلبث الأيام أن بينت لهؤلاء المتفائلين أنهم مخطئون، وأنا لا أتحدث عن «اللنبي» أو «غورو» بل أتحدث عن المعاصرين.

 

لماذا يقف هؤلاء مع إسرائيل إلى اليوم؟ لماذا يعلنون مصرين على أنها خلقت لتبقى؟ لماذا تتحدى أمريكا العالم كله باستخدام حق الفيتو كلما أراد مجلس الأمن أن يدين إسرائيل؟

 

لماذا تساند الحبشة ضد ارتيريا؟

لماذا تقبر القضايا الإسلامية ويعتم عليها، في حين تقام الدنيا ولا تقعد من أجل اختطاف سياسي أو طائرة أو أي حدث فردي في أي مدينة في الشرق أو الغرب، أو جزر واق الواق؟ لماذا كان دم المسلمين وحدهم أرخص دماء أهل الأرض؟

 

إنه الثالوث الجهنمي الرهيب، يتآمر على أمتنا، وتتداعى علينا قواه كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ثالوث اليهودية والصليبية والشيوعية، الذي اصطلح أهله على حساب وجودنا، وتم وفاقهم على أن يقتسموا المغانم، ويكون علينا المغارم، بل على أن يكونوا الجزارين ونحن الضحايا. [الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، يوسف القرضاوي، ص 117-118].

 

ويقول القرضاوي أيضا: أضف إلى ذلك كله ما لقيه ويلقاه العالم الإسلامي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا من هجمة شرسة على أوطانه ومقدساته وما يشن على الأمة الإسلامية من حرب لا تخبو نارها: علنية حينا، وخفية أحيانا، حرب اتفقت عليها كل القوى غير المسلمة: يهودية وصليبية وشيوعية ووثنية، حتى إنها لتختلف فيما بينها كل الاختلاف، ثم نراها تتفق كل الاتفاق إذا هبت ريح الإسلام في صورة دعوة أو حركة أو دولة.

 

ولهذا نجد كل القضايا من يناصرها ماديا، ويدعمها أدبيا من شرق وغرب، مستفيدة من تناقضات الدول الكبرى، وخاصة الدولتان العظميان، أمريكا وروسيا. إلا القضايا الإسلامية، فإنها لا تجد تأييدا حقيقيا عمليا من هؤلاء ولا هؤلاء. وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ [الأنفال:73].. إن أنباء الصباح والظهيرة والمساء، تحمل إلى المسلم الغيور كل يوم عن إخوانه في فلسطين، أو في لبنان، أو في أفغانستان، أو في الفلبين، أو في إرتيريا أو الصومال أو قبرص أو الهند، أو غيرها من البلاد التي يعيش فيها المسلمون أقلية مضطهدة، أو أكثرية مقهورة، ما يزلزل قلبه زلزالا شديدا، وما يعصر قلبه من الألم عصرا، وما يكوي كبده بالأسى والحسرة كي النار أو هو أشد إيلاما. [الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، يوسف القرضاوي، ص115-116 بتصرف].

 

الإسلاموفوبيا:

لقد أصبحت لفظة «إسلاموفبيا» مصطلحا جامعاً ودالا على عمليات التشويه والتمييع لصورة الإسلام انطلاقا من مرض الخوف منه، إنه المصطلح الأكثر تعبيراً عن عقدة الخوف والهلع من انتشار الإسلام ونفوذ قوته الدينية والثقافية والبشرية داخل المجتمعات والدول الغربية، وترد كلمة «الفوبياPhobia » في القواميس النفسية بمعنى الخوف المرضي والخوف والرهبة والرهاب، إنها تدل تحديدا على القلق العصبي أو العصاب النفسي الذي لا يخضع للعقل ويساور المرء بصورة جامحة من حيث كونه رهبة في النفس شاذة عن المألوف يصعب التحكم فيها. وتدل اللفظة أيضا على خوف لا شعوري من أشياء أو أشخاص أو مواقف ليس له في الشعور ما يبرره أو يفسره.

 

وفي الاصطلاح العام تدل لفظة «إسلاموفوبيا» على ما تم ترسيبه وتكريسه وإشاعته من قلق مرضي وخوف نفسي لا شعوري لدى الغرب من الإسلام وكل ما يتصل به، وينتعش هذا المصطلح بصورة أكبر عندما يحتد العداء الغربي للإسلام، ويظهر من خلال القيام بحملات تشويهية لصورة الإسلام خاصة من خلال الإعلام الغربي، كما حدث في الصحافة الدنماركية وغيرها من الصحف الأوروبية عندما تم نشر صور كاريكاتورية مشينة ومسيئة لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

لم يكن صعبا على الغرب في فترة من الفترات العمل على إشاعة الخوف من الإسلام، وإحداث نوع من الاقتناع لدى الإنسان الغربي بأن الإسلام دين مخيف وعدو جديد وخطر محدق بالحضارة الغربية، ومنذ قرون من الزمن تمكَّن الغربيون من كنسيين ورهبان ومستشرقين واستعماريين من إيجاد صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين تجرد الإسلام من كامل خصائصه وملامح حضارته الإنسانية، وذلك ضمن ملامح جديدة محددة وثابتة تعبر عن صور ذهنية عن الإسلام والمسلمين ترسخ في العقل الغربي، وهذه الصور الذهنية عندما تتكرر على نحو مطرد وعلى وتيرة واحدة وثابتة لا تتغير تسمى نمطاً، والنمط يطلق على الصورة العقلية التي يشترك في اعتناقها وتقبلها أفراد جماعة محددة، فإذا كان الياباني يوصف بأوصاف قد رسخت في الأذهان مثل كونه إنسانا دقيقا صناعيا ماهراً وذكيا مرحا، فإن هناك من يصف العربي بأنه رجل الصحراء عنيف متخلف حقود شهواني...الخ.

 

إن مثل هذه الصور الذهنية عندما تتكرر وتترسخ في أذهان الناس تصبح صورا نمطية سائدة ورائجة تهدف إلى تشويه صورة الإسلام، وذلك من خلال تنميط هذه الشخصية أي ربطها بنمط أو نموذج من الصفات والخصائص والملامح والسجايا السلبية التي تثير الاشمئزاز والنفور والكراهية لدى الآخرين لمجرد استحضار واستذكار تلك الصورة الذهنية الكريهة.

 

وقد عبر أحد الصحافيين السويديين عن ذلك عندما قال: «لو أن مئة ألف عربي قتلوا لما انتابني أي شعور غير عادي، أما بالنسبة لقوات الحلفاء الغربيين فالأمر مختلف لأنني أشعر بالتعاطف معهم ومع أسرهم، إن العرب يبعثون الخوف في نفسي على أية حال».

 

وقد عبر (اريك هرستاديوسEric horstadins ) عن هذا الشعور كتابة في مجلة «سليتز» السويدية بعيد انتهاء حرب الخليج عام 1991 بوقت قصير، وباستثناء صوتين اعترضا عليه، مر هذا الموقف برغم كل ما ينطوي عليه من عنصرية واضحة دون أي سجال يذكر أو حتى اكتراث، ويرجع ذلك إلى سبب في غاية البساطة هو أن هذا الموقف ليس شاذا عن آراء ومشاعر الغالبية الساحقة من السويديين.

 

يلاحظ أن الغرب دائما -لا النصرانية- هو الذي يوضع موضع التنافس والعداء ضد الإسلام، وذلك لأن مفهوم الغرب يكتسي أهمية دينية وحضارية بالغة، إضافة إلى افتراض كونه - أي الغرب- أكبر من النصرانية التي تجاوز مرحلتها، إن هناك أسباباً عديدة تدفع الغرب لكي يلتجئ إلى سياسة التخويف من الإسلام وجعل ظاهرة «الإسلاموفوبيا» تتفاقم وتتعاظم، نذكر منها:

[أولا]: قدرة الإسلام على الانتشار والامتداد، الغربيون يعترفون مع شيء من الحيرة والدهشة بأنه فعلاً هناك ما يخيف في الإسلام كدين كاسح له قابلية التنامي والانتشار بسرعة مذهلة، كما رأوا فيه دينا يحمل في جوهره روحا وثابة وقدرة خارقة على الامتداد جغرافيا في شتى بقاع العالم، وهذا ما أثبته بعض الخبراء الاستراتيجيين الغربيين أنفسهم عندما اعترفوا بأن الإسلام هو أكثر الأديان نموا وأقواها تأثيرا في النفوس وأوفرها أتباعاً جدداً، يقول (جون اسبوزيتو) وهو يتحدث عن جذور الصراع بين الإسلام والغرب: «إن النجاح والتوسع الكبيرين للإسلام كانا بمثابة التحدي للغرب على المستوى الديني والسياسي والثقافي، وشكل تهديداً للغرب المسيحي، وكل من الإسلام والمسيحية لديه شعور برسالة «ساكسSussax ».

 

وقد صدر التقرير عن مؤسسة بريطانية تعتبر من أهم مؤسسات تحليل الواقع العرقي في بريطانيا، يقول (كونداي) في مقدمة التقرير: «إذا كنت تشك في وجود (الإسلاموفوبيا) في بريطانيا، فإنني أقترح عليك قضاء أسبوع في قراءة الصحف المحلية والقومية كما فعلت أنا، وستجد أن المقالات التي تشير إلى المسلمين أو إلى الإسلام فيها تعليقات متحيزة ومعادية وهي في الغالب غير مهذبة، بل في بعض الأحيان تكون التعليقات وقحة، وحيث يسير الإعلام فإن معظم الناس يسيرون وراءه، والمسلمون البريطانيون يعانون من التفرقة العنصرية في أماكن الدارسة والعمل».

 

ومن أهم ما سجله التقرير أن نزعة العداء للمسلمين قد ميزت التسعينيات من القرن العشرين في بريطانيا، وضرب مثلا لذلك بقضية سلمان رشدي التي أسالت اللعاب لوسائل الإعلام البريطانية فاعتبروها فرصة للتحامل والطعن في الإسلام، ولفت التقرير أيضا إلى أن الدولة تقدم مساعدات إلى المدارس الإنجليكانية والكاثوليكية واليهودية بينما تمتنع عن تقديمها للمسلمين.

 

من جهة أخرى طالب التقرير الحكومة البريطانية بإجراء تعديل في قانون التمييز يضم الدين الإسلام إلى العقائد المحصنة ضد الطعن والتحريج، وهو ما كان تطالب به الجاليات والأقليات المسلمة خصوصا بعدما تفجرت قضية سلمان رشدي.

 

وذكر التقرير أن «الاسلاموفوبيا» صارت ظاهرة متمكنة من الإدراك العام حتى أصبحت جزءا من الحياة اليومية بنفس الطريقة التي كان فيها العداء للسامية في بداية القرن العشرين، وقد دعا التقرير في ختامه إلى ضرورة معالجة مشكلة «الإسلاموفوبيا» قبل أن تتفاقم، إلا أنه اعترف بأن الأمر ليس سهلا.

 

لقد سار التقرير في جميع فقراته يبرز ويؤكد على الواقع المر الذي تعرفه صورة الإسلام في المجتمع البريطاني، وعلى درجة عالية من الرصانة والمسؤولية والموضوعية حرص التقرير على انتقاد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في المجتمع البريطاني ودور وسائل الإعلام المختلفة في إذكاء مشاعر الخوف والهلع من الإسلام في صفوف البريطانيين والأوروبيين على وجه العموم.

 

يأتي الخوف من الإسلام لأن الغرب الذي أفلس روحيا وانتشرت فيه ثقافة السوق ذات النمط الرأسمالي لا يقبل بمواجهة قوة روحية سريعة الامتداد والانتشار، ذلك أن روح الإسلام الوثابة وقدرته الخارقة على اكتساح القلوب التي تقبل على اعتناقه بشكل منقطع النظير، كل ذلك يفزع الغرب ويجعله في خوف دائم ومستمر من بروز الإسلام وشموخه أمامه كأبرز تحد حضاري وديني.

 

لقد قام أحد مراكز البحوث الأميركية بإعداد دراسة مستقبلية تجيب عن سؤال: كيف سيكون شكل العالم بعد أربعة عشر عاماً من الآن؟ وتحديدا عام 2020م، وشارك في إعداد خيارات الإجابة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين، وتبنى الدراسة المجلس القومي الأميركي للاستخبارات، وكان هناك أربعة خيارات أطلقوا عليها سيناريوهات المستقبل:

1- إمبراطورية إسلامية من المغرب إلى اندونيسيا.

 

2- عالم من الفوضى والإرهاب.

 

3- عالم تسوده العولمة بدون سيطرة أميركية.

 

4- عالم تسوده القيم الأميركية وتحكمه واشنطن.

 

وعندما تلقف الرئيس الأميركي مضمون الدراسة حذر في إحدى خطبه الأسبوعية من الإمبراطورية الإسلامية المقبلة.

 

هذه إذن صورة معبرة عن عقدة الخوف من الإسلام التي أصابت الغرب، وهو خوف مفتعل من دون شك لكن أثره قد تسلل عميقا في عملية صنع السياسة الخارجية في الإدارة الجديدة، ولذلك فنحن عندما نتأمل في مرض الخوف من الإسلام وكيف أن كبار الساسة الغربيين أنفسهم مصابون به ويسعون جاهدين إلى إقناع شعوبهم بخطر الإسلام وشبحه، فإنه ليس من المستبعد أن يورط هذا المرض واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية في حرب باردة ثانية تتم من خلالها مواجهة الخطر الأخضر المزعوم بدل الخطر الأحمر البائد. [الإسلاموفوبيا أو عقدة الخوف من الإسلام، د. حسن عزوزي، مجلة الوعي الإسلامي،العدد491، بتصرف يسير].

 

الآخر في الواقع المعاصر:

شهد المؤرخ الفرنسي (أرنست رينان renan) - على الرغم من تعصبه الشديد ضد الإسلام - على تحامل أبناء جنسه وملَّته على النبيِّ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، فيقول في كتابه (دراسات في تاريخ الأديان): «لقد كتب المسيحيون تاريخاً غريباً عن مُحمَّد. إنه تاريخ مملوء بالحقد والكراهية له».

 

ويقول المفكر الهولندي الكبير (أدريان رولاند Hadrian reland) الذي كان عالماً باللغات الشرقية والفارسية، وهو أول كاتب أوروبي يكون عادلاً في حديثه عن الإسلام ونبيِّه صلى الله عليه وسلم، يقول في كتابه (الإسلام): «إن أغلبية الأديان قد وصفها أعداؤها بشكل سيِّئ. وكل الأديان فُهِمتْ بشكل خاطئ، ومن ثَمَّ تعامل معها أعداؤها بشكل خاطئ أيضاً؛ ولذلك يجب ألا نندهش إذا حدث الشيء نفسه مع الإسلام».

 

وفي واقعنا المعاصر مخازي الآخر تجاه الإسلام كثيرة ومريرة، نذكر منها إجمالا تضيق هامش الحريات على المسلمين في أوربا، من خلال قوانين منع الحجاب، ومنع المآذن، والتضييق على المسلمين في حياتهم، حتى وصل الأمر لإجبارهم على مشاهدة الصور العارية –في الدنمارك- ليتأكدوا من أنهم «مندمجون»!!. وقد قتل العشرات من المسلمين في حرائق بألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وأمريكا. ووصل الأمر لحد قتل النساء بسبب الحجاب، (مروة الشربيني) على سبيل المثال.

 

وإذ ما يممنا وجهنا نحو القوقاز، في الشيشان، وأنغوشيا، وفي كشمير، تركستان الشرقية، حيث الإبادة مستمرة منذ عدة عقود، ولم نسمع بابا الفاتيكان، ولا فرنسا، ولا إيطاليا، ولا أمريكا، ولا بريطانيا، ولا غيرها تحدث عن «مخطط شرير لإبادة المسلمين في هذه المناطق الملتهبة من العالم»!!!

 

وفي قلب أوربا، وتحديدا في البوسنة، والسنجق، لا يزال المسلمون يضطهدون، ويمنع بناء مساجد جديدة في بلغراد، التي كان بها 250 مسجدا لم يبق منها سوى مسجد واحد، وفي عاصمة اليونان «أثينا» لا يوجد -ونحن في القرن 21- أي مسجد. وعلى الصعيد المعنوي رفضوا القيام بأي إجراء ضد الاعتداء على الرسول صلى الله عليه وسلم، في قضية الرسوم.

 

ولم يتحدث أي مسئول غربي عن جرائم حرق المصحف الشريف، بالنبرة التي تم الحديث بها عن الاعتداءات التي طالت النصارى في العراق ومصر مؤخرا، والتي لا يستبعد أن يكون للغرب نفسه يد فيها، فقد ارتكبت أجهزة الاستخبارات الغربية جرائم ضد شعوبها من أجل تحقيق مصالح معينة، وتبرير سياسات ذات أجندة خاصة. ومن الجرائم ما قام به متطرف فرنسي في بداية شهر أكتوبر 2010 م حيث قام ببث شريط فيديو على الانترنت، وهو يحرق صفحة من المصحف الشريف، ثم يتبول على رمادها، وذلك على مدى ساعة كاملة. وفي فرنسا أيضا تعرضت مقبرة إسلامية للتدنيس، في نهاية شهر سبتمبر 2010 م وطال ذلك 36 قبرا، رسم عليها الفاشيون صلبانا معقوفة. ولم نسمع (ساركوزي) أو غيره يدين هذه الجرائم الهمجية القذرة. وقد جاء ذلك بعد أن دعا القس الأمريكي (تيري جونز) المشرف على كنيسة «دوف التنصيرية» إلى تنظيم حملة لإحراق القرآن، في الذكرى التاسعة لهجمات 11 سبتمبر. وهو ما قامت به مجموعات نصرانية متطرفة، بتمزيق صفحات من القرآن الكريم أمام البيت الأبيض، بدعم مما يوصف بحزب «الشاي» في الولايات المتحدة، وهو أحد أذرع الحزب الجمهوري الأمريكي. ولم يتحدث (ساركوزي) ولا (فراتيني) فضلا عن (بابا الفاتيكان) عن هذه الاعتداءات التي تغذي العنف، والذي لم ولن يمنعه عدم تبريره، بل وإدانته.

 

كما يستمر العدوان على الإسلام، وعلى الوجود الإسلامي وعلى بناء المساجد والمراكز الإسلامية، كما حصل في استراليا نهاية شهر سبتمبر 2010 م، حيث تم إنشاء «مجموعة ضغط» ضد مشروع إقامة بناء مركز إسلامي، بزعم أن بناؤه سيؤدي إلى هبوط حاد في أسعار العقارات، رغم أن المسلمين، يبنون مساجدهم للحاجة، وليس كما يفعل النصارى في ديار المسلمين، من أجل الإيهام بالكثرة.

 

ويستمر التمييز ضد المسلمين في الغرب عموما، ولا سيما الولايات المتحدة، حيث هناك مئات القضايا المرفوعة، ومنها جرائم قتل، وتمييز ديني وعنصري، وهي جرائم تسبق أحداث 11 سبتمبر، وإن تنامت بعدها بشكل رهيب.

 

وفي بداية أغسطس 2010 م أعلن متطرفون في الولايات المتحدة، أنهم يعتزمون إطلاق الكلاب على المسلمين، في صلاة الجمعة. وقد حذر المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير» (نهاد عوض)، في متصف سبتمبر 2010 م من تنامي حالة العداء والاضطهاد ضد المسلمين في الولايات المتحدة، حيث تلقى المجلس أكثر من 17 ألف شكوى لمسلمين تعرضوا لمضايقات في أعمالهم بسبب أنهم مسلمون. [الغرب والأقليات الدينية.. بين الشرق والغرب، عبد الباقي خليفة، موقع المسلم على الإنترنت، بتصرف].

 

هذا ما يحضرني من السرد الآن وإلا فقائمة الجرائم الغربية تطول وتطول، لكن يطيب لي أن أقف عند بعض المواقف التي تبرز بجلاء هذه الحقيقة المرة التي يتغافل عنها البعض من أبناء جلدتنا:

• على الصعيد الجماهيري والذي يأتي نتيجة المناهج الدراسية والإعلامية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة «ايفوب» أن 40% على الأقل من الفرنسيين والألمان، يرون أن الإسلام يشكل «تهديداً على الأرجح»، في حين رأى 22% أن المسلمين «عامل إثراء ثقافي»، بينما قال 38% إنهم «ليسوا تهديداً ولا عنصر إثراء ثقافي».

 

وأشارت صحيفة «لوموند» الفرنسية اليومية، أن الاستطلاع عندما طبق في ألمانيا، أجاب 40% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أن الإسلام يشكل «تهديداً» و24% أن هذا الدين هو عامل «إثراء ثقافي»، فيما رأى 36% من الأشخاص أنه «لا هذا ولا ذاك».

 

وقال (جيروم فوركيه) من مؤسسة «ايفوب» لاستطلاع الرأي التي أجرت الاستطلاع: «على رغم التاريخ الاستعماري المختلف، والهجرة المختلفة وطرق الاندماج المختلفة، من المثير أن نلاحظ أن النتيجة القاسية والكبيرة، هي نفسها في البلدين».

 

ويعتبر 68% من الفرنسيين و75% من الألمان أن المسلمين والأشخاص من أصول مسلمة لم يندمجوا اندماجاً جيداً في مجتمعيهما، ويعيش ما بين خمسة وستة ملايين مسلم في فرنسا التي تقيم فيها أكبر جالية مسلمة في أوروبا، وحوالي أربعة ملايين في ألمانيا.

 

• سلطت برقيات دبلوماسية أميركية سرية نشرتها صحيفة «ديرتاجس شبيغيل» الألمانية، الأضواء على حقائق جديدة تتعلق برفض الاتحاد الأوروبي لقبول تركيا في عضويته، وحالة الامتعاض المتصاعدة بين الأتراك تجاه أوروبا، ووصفت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالمهووس بالعداء لتركيا.

 

وذكرت البرقيات -التي نشرتها الصحيفة الألمانية نقلا عن موقع «ويكيليس» - أن مسئولين أميركيين خرجوا من لقاءات عديدة مع دبلوماسيين أوروبيين بانطباع مفاده أن «أنقرة» لا أمل لها في دخول الاتحاد الأوروبي، وأشارت إلى أن سعي الولايات المتحدة الدائب منذ فترة طويلة لإقناع الدول الأوروبية بقبول تركيا في صفوفها، واجه باستمرار استياءً شديدا من الأوروبيين.

 

وأوضحت البرقيات الأميركية أن واشنطن لديها قناعة بأن حصول أنقرة على عضوية الاتحاد الأوروبي سيعمق ارتباطها بالغرب، ويسهم في إقناع العالم بأن اتحاد الديمقراطيات الأوروبية ليس ناديا قاصرا على المسيحيين فقط.

 

كما تحدث الكاردينال (رايزينجر)، الذي أصبح البابا (بنديكتوس) فيما بعد، ضد انضمام دولة إسلامية للاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الفاتيكان أبدى موقفًا محايدًا تجاه القضية آنذاك، وتظهر البرقية التي نشرها «موقع ويكليكس» أن (رايتزنجر) أو (بنديكتوس السادس عشر) كان الصوت الرئيسي وراء حملة الكرسي الرسولي الفاشلة للإشارة إلى مسيحية أوروبا في دستور الاتحاد الأوروبي، إذ تعتبر بابا الفاتيكان أن السماح لدولة إسلامية بالانضمام للاتحاد الأوروبي من شأنه أن يضعف مشروعه بتأسيس أوروبا مسيحية.

 

ولا ننسى كلمات ذلك البابا عند استلامه أوراق اعتماد سفير إسرائيل في الفاتيكان، يوم 13 مايو 2008، تكشف عن طبيعة العلاقة الحميمية بين المسيحية واليهودية، حيث قال: «ومرة أخرى أقدم أفضل التهاني بمناسبة الاحتفال بمرور ستين عاما على دولة إسرائيل. والكرسي الرسولي ينضم إليكم ليشكر الرب على تحقيقه تطلعات الشعب اليهودي ليكون له مكاناً في أرض أبائه (...) وكما تشيرون إليه، فإن ميراث اليهودية-المسيحية يمكنه أن يلهمنا لتوجيه العديد من أشكال الأعمال الاجتماعية والإنسانية عبر العالم، (...) والكرسي الرسولي يعترف بالاحتياجات الشرعية لأمن إسرائيل وللدفاع عنها، ويدين بشدة كل أشكال معاداة السامية».

 

وهذا الأمر لا يشمل تركيا خاصة بل كل دولة ذات أغلبية مسلمة في القارة الأوربية، ففي مذكرات الرئيس الأميركي الأسبق (بيل كلينتون) قال فيها بوضوح: أن السياسة الأوروبية، وبشكل خاص سياسة الرئيس الفرنسي الأسبق (فرانسوا ميتران)، وكبار المسئولين البريطانيين في ذلك الوقت،كانت غير متحمسة للتدخل في البوسنة لأن أغلبية سكانها من المسلمين، وأن البوسنة لا تنتمي لأوروبا بسبب ذلك، ويجب أن تكون أوربا نصرانية.

 

هذا هو البابا نفسه الذي صرح في أحد حواراته قائلا: «أثناء زيارتي لتركيا، أمكنني التعبير عن احترامي لأوضّح أنني أعترف بالإسلام كواقع ديني كبير يجب أن نكون على حوار معه»! وهنا تجب الإشارة إلى أن الإسلام ليس مجرد «واقع ديني» وإنما هو ديانة ديانة .. إنه الديانة الوحيدة بين الرسالات التوحيدية الثلاث التي ظلت سليمة بلا أدنى تحريف منذ أنزلها الله عز وجل، حتى يومنا هذا، ويتواصل انتشار الإسلام فعلا بسبب وضوحه المنطقي، رغم تلك الحرب المتواصلة التي يشنها الفاتيكان ومؤسساته الكهنوتية منذ أربعة عشر قرنا!

 

• قال (بيتر أوزبورن): إن المسلمين في بريطانيا (2 مليون نسمة) يتعرضون للملاحقة وسوء المعاملة والإهانات والاعتداءات, إلى جانب شيوع تخريب وإحراق المساجد والتي غالبًا لا يتمُّ تسجيلها والكشف عنها، لقد تغيَّرت طبيعة اليمين المتطرِّف في بريطانيا, فبعد أن كان يهاجم حزب الجبهة الوطنيَّة ويركِّز كراهيته ضدّ السود في الثمانينيات, صارت اليوم المنظمات العنصرية مثل رابطة الدفاع عن الانجليزية تصبُّ جام كراهيتها على المهاجرين المسلمين. [كراهية المسلمين.. آخر معاقل التعصُّب البريطانيَّة، بيتر أوزبورن، موقع الإسلام اليوم].

 

• اتهم رئيس مجلس المفتين في روسيا الشيخ (راوي عين الدين) السلطات الروسية، بالسعي لقمع الإسلام بالبلاد، والعمل على إذلال المسلمين وحرمانهم من حقوقهم المدنية، وأثارت تلك التصريحات ردود أفعال واسعة في الأوساط الدينية والسياسية بموسكو.

 

كما اتهم الشيخ راوي-وفي مقابلة أجراها معه القسم التتاري لراديو «سفوبودا» (الحرية)- روسيا بالعمل على منع وحدة المسلمين, موضحاً أن اقتراح توحيد دور الإفتاء الثلاث لم يلق إعجاب السلطات الرسمية، وتم إبلاغ من تقدم بهذه المبادرة بأنها لا تتطابق مع سياسة الدولة.

 

وأشار عين الدين إلى قلة عدد المساجد في موسكو، حيث يصلى المسلمون على الأراضي الثلجية مما اعتبرها إهانة شديدة، وبرر تدفق المهاجرين إلى روسيا لعدم قدرة السكان الأصليين على العمل.

 

وكان الشيخ (راوي) قد قال في وقت سابق: إنّه من غير الطبيعي أن يكون عدد المساجد في روسيا القيصرية قبل ثورة أكتوبر 1917 ما يقرب من 14300 مسجد، بينما لا يوجد الآن سوى 7500 مسجد.

 

وذكر أنه تقدّم بالكثير من الرسائل إلى الرئيس (ديمتري ميدفيديف) ورئيس الحكومة (فلاديمير بوتين) يطلب تخصيص الأراضي اللازمة لبناء المساجد من دون أن يتلقى ردًّا حتى اليوم، رغم أن القضية مطلب مُلِحّ لكل مسلمي روسيا وكانت في الأمس القريب موضوع نزاع بين مسلمي موسكو وجيرانهم ممن اعترضوا على إقامة مسجد «تيكستيلشكي» وكاد يفضي إلى مواجهة بين الطرفين.

 

يشار على أنه يعيش في روسيا نحو 20 مليون مسلم من إجمالي عدد السكان البالغ 140 مليون نسمة أي أنهم يشكلون 15 %.

 

• لماذا يحتفظ نصارى الجنوب السوداني بأسلحتهم الثقيلة ويمولون وكذلك الأمر لحركات التمرد في دارفور، في حين جرد المسلحون المسلمون من أسلحتهم في مقدونيا بعد اتفاقية أهريد في 13 أغسطس سنة 2001 م. لماذا يدعم مقاتلو تيمور (بل آتشي) في اندونيسيا ولا يطالب بتجريدهم من السلاح، وفي نفس الوقت تحارب حركات التحرر في «مورو» بالفلبين، وكشمير والشيشان، فضلا عن حركات المقاومة في فلسطين المحتلة وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي ؟!!!

 

الولايات المتحدة الأمريكية:

يقول الفليسوف الفرنسي (رجاء جارودي): «إن انحطاط الثقافة ينبع من تاريخ الولايات المتحدة ذاتها ومن تكوينها وأن ما تقود أمريكا العالم إليه إنما هو إلى نهاية إنسانية الإنسان وتجرده من أخص خصوصياته أي تسامي المشروع الإنساني والاستسلام لحتميات اقتصادية كأنها قوانين طبيعية. إنه هبوط بالإنسان ليعيش في غابة الحيوان حيث ينهش القوي الضعيف. إن ما يميز وحدانية السوق -الإله الجديد الذي تحاول أمريكا فرضه على العالم- في الواقع هو تلك (الليبرالية الشمولية) وهذا الاحتقار لحرية الإنسان. ولقد أجادت الولايات المتحدة دائما استخدام الذرائع لتصل إلى ما تريد.. ومن اليسير تعداد الأمثلة لاستخدام الذرائع والافتراءات، مثل (مكافحة الإرهاب) أو (التدخل الإنساني) أو (حماية حقوق الإنسان) لتبرير العدوان المباشر على الدول، أو فرض القيود على الاتفاقيات الاقتصادية معها.» [أمريكا طليعة الانحطاط، رجاء جارودي، دار الشروق].

 

ويقول الإعلامي الأمريكي الشهير (سيمور هيرش): «إن القوات المسلَّحة الأمريكيَّة يوجِّهها ويسيطر عليها صليبيون أصوليون مسيحيون يهدفون إلى تحويل المساجد إلى كنائس».

 

وأشار (هيرش) الذي يعتبر من أهم الصحفيين الاستقصائيين في الولايات المتحدة، إلى أن مستشاري الرئيس السابق (جورج دبليو بوش) المحافظين الجدُد كانوا يعملون وفقًا لسياسة تقول: «سنحوّل المساجد إلى كاتدرائيات»، وأضاف: «هذا ليس موقفًا لدى جزء من الجيش بل إنه حملة صليبيَّة بالمعنى الحرفي، يعتبرون أنفسهم حماة المسيحيين، إنهم يحمونهم من المسلمين مثلما حصل في القرن الثالث عشر، وهذه هي وظيفتهم».

 

إسرائيل الطفل العالمي المدلل:

يقول رئيس أمريكا الأسبق (بوش): «فيما يتعلق بي شخصيا، ليس لإسرائيل صديق أفضل من الولايات المتحدة، إسرائيل ديمقراطية وتجمعنا بها قيم كثيرة»، «هم شعب يريد السلام. إنه حلم أتقاسمه معهم»، «لكن إذا أردنا السلام فمن المهم أن يساهم جميع المدافعين عن السلام في ضرب الإرهاب وإحالة من يقوم به إلى القضاء».

 

هذه هي إسرائيل ربيبة الآخر رغما عن المسلمين والعرب والفلسطينيين، هذه إسرائيل التي تتحدى بتصرفاتها مشاعر العرب أجمع، والتي تنم عن كراهية حقيقة وبغض دفين، وصدق العلي القدير حيث يقول: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة:82].

 

هذا الحقد الذي لم يبق حوار ولا جوار، فلم يكن مشهد العنف المفرط في غزة جديداً على أسلوب الصراع العربي الصهيوني، فما حدث في قانا وجنين ودير ياسين يعيد نفسه في غزة .. فكما أن «دير ياسين» صارت عنوانا لشلال الدماء في فلسطين، صارت «قانا» رمزا لشلال الدماء في لبنان.. «عناقيد الغضب» اسم رواية أميركية شهيرة كتبها (جون شتاينبك) واسم عملية عسكرية إسرائيلية ضد لبنان بين الحادي عشر والسادس والعشرين من نيسان عام 1996م، أهدافها معلنة وغير معلنة، تجتمع في هدف واحد هو ضرب المقاومة اللبنانية ومحاولة القضاء عليها، أسلوبها الحرب عن بعد، حملة جوية شاملة وقصف من البر والبحر دون توغل بري، قصفت مدن لبنان وقراها خلالها بما لا يقل عن 23 ألف قذيفة وانتهكت سماؤه بـ 523 غارة جوية حصيلتها خمسة مجازر آخرها مجزرة قانا.

 

يقول الأستاذ شعبان عبد الرحمن: في السجل المتخم بالمذابح الصهيونية في فلسطين ولبنان لم تشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة وقعت بطريق الخطأ، وإنما جميعها تم التدبير له مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين وإنما كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم في الأسواق، أوفي القرى وهم نائمون. وقد شهد أغلب تلك المجازر تمثيلا بجثث الأطفال والنساء بعد قتلهم بطرق بشعة.. ففي مجزرة دير ياسين -على سبيل المثال- التي وقعت فجر يوم الجمعة 9 /4 / 1948م قتل الصهاينة من أبناء القرية 254 شخصا وألقوا بهم في بئر القرية بعد أن مثلوا بجثثهم.

 

الجريمة الكبرى لا تقف إذا عند حد القتل وإنما تمتد إلى التشفي على قاعدة إبادة الحياة أي حياة في أي أرض يحل بها يهود.. إنها ليست أخطاء حرب ولا ضرورات قتال في معركة بين جيشين، وإنما هي طبيعة بشرية جبلت على الخسة وتشبعت بالوحشية فلم ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة.. وحتى يكون الأمر أكثر جلاء أتوقف أمام ذلك البيان الذي بثته القناة السابعة بالتلفاز الصهيوني يوم 17 / 7 / 2006 والصادر عن مجلس الحاخامات في الضفة الغربية (المحتلة) والذي يدعو الحكومة الصهيونية إلى إصدار أوامرها بقتل المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين بصفتهم موالين للعدو مؤكدا أن التوراة تجيز قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب.

 

وقال بيان الحاخامات: «إن الذي يترحم على أطفال غزة ولبنان فإنه يقسو بشكل مباشر على أطفال إسرائيل»!! لا أدري .. إن كان للشيطان أن يصدر بيانات هل كان يصدر بيانا أبشع من بيان الحاخامات هذا؟!

 

نحن لسنا أمام دولة تحترم آدمية الآدميين، ولا أمام شعب يعرف من القيم الإنسانية النذر اليسير، وإنما نحن أمام كيان تديره عصابة دولية تضم شرار الخلق على الأرض، كل وظيفتها تسليط حمم إجرامها وحقدها علي كل من تقع عليه عينها من بني البشر.. لا يقبلون شريكا لهم في أرض ولا ماء ولا هواء، ولا يطيقون أن يروا على مرمى البصر عربيا أو مسلما.. ولا نبالغ إذا قلنا أن تلك هي طريقتهم وتلك هي طبيعتهم وخصالهم.. ولذا فــ «قانا» لن تكون المذبحة الأخيرة طالما بقي صهيوني بيننا.. إنه صراع الوجود![قانا وأكثر ·· طالما بقي المنهزمون بيننا!، شعبان عبد الرحمن، مجلة الوعي الإسلامي الكويتية، العدد492].

 

ولم تنته آثار العدوان الإسرائيلي على فلسطينيي غزة بانتهاء الحملة العسكرية على القطاع، فأجساد الشهداء والجرحى رسخت فيها بقايا مواد سامة ومسرطنة خطيرة، حسب دراسة علمية حديثة. واستندت الدراسة -التي أعدها باحثون غربيون بمشاركة أطباء فلسطينيين- إلى تحليلات مخبرية جديدة ومقارنة نتائجها بأبحاث سبق أن أجراها باحثون وخبراء يعملون في جامعات إيطالية وأوروبية.

 

ويؤكد مدير مستشفى الجراحة في مجمع الشفاء الطبي بغزة، وأحد الأطباء المشاركين في الدراسة (صبحي سكيك) وجود مواد سامة ومسرطنة في أجساد الشهداء والجرحى والمواطنين والتربة في قطاع غزة ممن كانوا عرضة للاستهداف الإسرائيلي أو على مقربة منه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

 

وذكر أن البحث واحد من الأدلة الدامغة التي تؤكد استعمال الاحتلال أسلحة احتوت مواد مشعة كالفوسفور الأبيض واليورانيوم بشكل واسع ضد المدنيين إلى درجة أنه يمكن القول إن غزة تحولت إلى حقل تجارب للأسلحة الإسرائيلية والأمريكية.

 

• كما ذكر تقرير نشرته صحيفة سويدية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقوم بخطف وقتل فلسطينيين وسرقة أعضائهم للمتاجرة بها، الأمر الذي أثار غضب «تل أبيب» التي سلمت الخارجية السويدية بيانا شديد اللهجة احتجاجا على هذه الأنباء.

 

وربط التقرير السويدي هذه العمليات مع الشبكة اليهودية التي تم اعتقالها مؤخرا بمدينة «نيوجيرسي» الأميركية على خلفية تورط بعض الحاخامات في تبييض الأموال والمتاجرة بالأعضاء البشرية بين إسرائيل ودول أخرى.

 

ويلفت التقرير إلى وجود تجارة رائجة بالأعضاء البشرية في إسرائيل بسبب الحاجة الماسة إليها، مشيرا لتورط السلطات الرسمية وكبار الأطباء في الأمر، مؤكدا وجود أدلة على اختفاء شبان فلسطينيين لمدة خمسة أيام قبل أن يعادوا إلى مناطقهم بالسر ليلا جثثا هامدة وعلى أجسادهم آثار تشبه التشريح الطبي.

 

التطرف الديني:

إذا نظرنا إلى التطرف الديني وجدناه في كل بلاد الدنيا، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، والمتطرفون الدينيون من غير المسلمين يعلنون عن أنفسهم بأقوال وأعمال وتصرفات تتسم بالتزمت أو العنف، ومع هذا لم ينكر العالم عليهم ما أنكره على من سموهم المتطرفين المسلمين، ولم تقف دولهم منهم موقف دول البلاد الإسلامية من هؤلاء.

 

رأينا التطرف الديني اليهودي في دولة الكيان الصهيوني «إسرائيل» ويتمثل ذلك في أحزاب ومنظمات تصرح بأهدافها، وتعلن عن مبادئها، في غير وجل ولا خجل، بل إن الدولة المغتصبة نفسها ما قامت إلا بوحي هذا التصرف، الذي استوحوه من أسفارهم وتلمودهم، وعلمهم أنهم وحدهم شعب الله المختار، وأن الأمم يجب أن تكون في خدمتهم، وأن ليس عليهم في الأميين سبيل، وأن دماء الآخرين وأموالهم وأوطانهم حلال في سبيل تحقيق مآربهم.

 

ورأينا التطرف الديني النصراني في لبنان، حيث يقوم «الكتائبيون» وأنصارهم بذبح المسلمين، وقطع مذاكيرهم وتعليقها في أفواههم، والتمثيل بجثثهم، وانتهاك حرمات نسائهم المسلمات بطرائق وحشية، وإحراق مصاحفهم، وكتبهم الدينية، ووطئها بالأقدام، وإهانة كل ما يدل على هويتهم الإسلامية، والعجيب أن يصنع هذا وأكثر منه تحت شعار النصرانية وباسم المسيح رسول المحبة والسلام، والذي قال لأتباعه: «أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، ومن ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر».

 

رأينا التطرف الديني في لبنان وفي قبرص ضد الأتراك المسلمين، ورأيناه في أثيوبيا ضد الارتريين المسلمين، وفي الفلبين ضد الجنوبيين المسلمين، ورأينا متطرفين من الكاثوليك وآخرين من الأرثوذوكس، وآخرين من البروتستانت.

 

ورأينا التطرف الديني الوثني في الهند حيث تقوم أحزاب هندوسية متعصبة جعلت أكبر همها قهر المسلمين، بل القضاء عليهم، ولا يكاد يمر عام دون أن تقوم مجزرة بشرية، ضحاياها أرواح الأبرياء من المسلمين المسالمين، والعجيب أن الذين يذبحون البشر كما تذبح النعاج والدجاج، يحرمون -من فرط رقتهم وحنوهم- ذبح النعاج والدجاج لأنها ذات روح!! ولا يستخدمون المبيدات الحشرية ضد البعوض والديدان ونحوها، لأنها ذات روح!! ويدعون الفئران تأكل ملايين الأفدنة من القمح ولا يتعرضون لها لأنها ذات روح!! كأن البشر المسلمين وحدهم ليس لهم أرواح كأرواح الفئران أو البعوض أو الديدان!! [الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، يوسف القرضاوي، ص141-142].

 

توضيح واجب:

قال تعالى: ﴿ لتَجِدَنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلذِينَ أمَنُوا اليَهُودَ وَالذِينَ أشْرَكُوا وَلتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلذِينَ أمَنُوا الذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82].

 

يقول الشيخ: ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي:

الوَجْهُ الأوَّلُ: اعلم أن كفار أوروبا هذه الأيام على قسمين: أوربي جاهلي، وأوربي نصراني. فأما الأوربي الجاهلي (العلماني)، فهو الَّذِي لا عُلاقة له بدين النصرانية، بل نجده قد تنَصَّل وتنكَّر لدينه، بحيث لا يعرف عن دينه شيئا، حتى إنَّ كثيرا منهم يكره أن يُنْسبَ إلى شيء من دين الكنيسة (النصرانية) خجلًا منه وحياءً، وذلك لأمور منها: أنه عَلِمَ يقينا أن دين النصرانية محرفٌ ومشوهٌ، وأنه أصبح أُلْعوبةً في أيدي رجال الدين عندهم.

 

أو لأنه عَلِمَ أن دينَه الَّذِي عرفه من خلال الكنيسة والكتب المحرفة: لا يصلح أن يكون دينًا ربانيًّا ولا منهجًا للحياة؛ لأن فيه من المغالطات والخرافات والتثليث ما يَضْحَكُ منه العاقل.

 

وأصحاب هذا القسم هم أكثر النصارى اليوم، لكنَّ أكثرَهم لا يفصح عن هذه الحقيقة المرَّةِ، كُلَّ ذلك منهم حميَّةً لدينه، أو خوفًا على نفسه، وهؤلاء يُسَمَّوْنَ: بالعلمانيين أو الديمقراطيين! فحقيقة دين هؤلاء الأوربيين: هو دين الجاهلية، لا دين النصرانية، لذا ليس لهم من الدين النصراني إلا الانتساب ليس غير.

 

ومع هذا؛ فهم أيضا أقرب للحق من غيرهم لأنهم كفروا بدين الكنيسة الَّذِي يجمع بين التحريف والتخريف، والمغلطات والمناقضات ممَّا لا يقبله عاقلٌ ولا يحسنه قائل! ولأصحاب هذا القسم: حسنة وسيئة.

 

فأمَّا حسنتهم: فإنَّهم كفروا وخرجوا من دين الكنيسة المحرف! وأما سيئتهم: فإنَّهم لمَّا خرجوا من دين الكنيسة المحرف لم يدخلوا إلى دين الإسلام الحق، وهذا في حد ذاته سيئة لا تغفر، وبلية لا تشكر، وطامة ما بعدها من طامة!

 

وخلاصة ما هنا؛ أن أصحاب هذا القسم: هم أقرب مودة للمؤمنين، وأقرب أخلاقا للإسلام، وما ذاك إلا لكونهم قد أقبلوا بقلوب خالية من كلِّ لوثات النصرانية المحرفة، فعندها سلمت لهم الفطرة التي خُلِقُوا عليها، لذا فإنَّ الفطرة السليمة هي أقرب مودةً، وأسرع قبولا للحق، لاسيما في قبول دين الإسلام والأخلاق الحسنة والصفات الحميدة.

 

لأجل هذا؛ فقد اتَّسَم كثير من رجال الغرب اليوم بشيء من الأخلاق الحسنة، الأمر الَّذِي يدفعنا ضرورة نحن «المسلمين» أن نسعى جاهدين في دعوة أمثال هؤلاء النصارى الذين عندهم شيء من تلكم الأخلاق، وما ذاك إلا لأنهم أقرب محبةً للحق، وأقرب مودةً للمؤمنين من غيرهم، لما سيَجِدُونه في دينِ الإسلام من حُسْنِ أخلاقٍ، وطيبِ تعاملٍ، وصحةِ دينٍ ومعتقدٍ ممَّا يوافق الفطرةَ والعقلَ!

 

وأمَّا الأوربي النَّصراني، فهو الَّذِي يَدِيْنُ بدينِ النصرانية، ويؤمن بما في كتبهم، مع علمه بأن دينَ الكنيسةِ عندهم لا يسلم من تحريف ومن تخريف، الأمر الَّذِي يتفق عليه عقلاء الغرب كافةً، ولا ينكر هذا إلا مكابر قد أعماه هواه!

 

ومع هذا؛ نجد أصحاب هذا القسم هم أكثر النصارى عصبيةً وحميةً وهوىً وعداءً للإسلام والمسلمين، لذا لا يتركون لحظة إلا ويكيدون فيها العداء بالمسلمين، ولا يتركون قولا ولا فعلا يستطيعونه إلا وتربصوا بالمسلمين الدوائر والعداء، فهم العدو فاحذرهم!

 

وأصحاب هذا القسم هم -للأسف- أكثر القادة والرؤساء وصناع القرار في بلاد الغرب، بل لا تجد حربًا ضد المسلمين إلا وتجد قادة الغرب وراءها قلبا وقالبا، فانظر في تمكينهم لليهود في أرض فلسطين، وانظرهم في حروبهم البربرية في أفغانستان والعراق والبوسنة والهرسك وكشمير وغيرها كثير كثير، كما سيأتي.

 

ولأصحاب هذا القسم سيئتان:

فالأولى: أنهم مؤمنون بدين الكنيسة المحرَّف، والثاني: أنهم اتخذوا دين الإسلام غرضا للعداء والكيد والقتال والظلم! فهم بهذا قد جمعوا بين اتَّخاذِ الكفر دينًا وبين تَرْكِ الإسلام تكذيبًا وإعراضًا! فهم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنَّ يؤفكون، كما قال الله تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَليْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِأيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلا ذِمَّةً وَأولئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ * فَإنْ تَابُوا وَأقَامُوا الصَّلاةَ وَأتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الأيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلمُونَ * وَإنْ نَكَثُوا أيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمَانَ لهُمْ لعَلهُمْ يَنْتَهُونَ ﴾ [التوبة:8-12].

 

وخلاصة ما هنا؛ أن أصحاب هذا القسم هم أشد عداوة للمؤمنين وأسوء أخلاقا مع المسلمين، وما ذاك إلا لكونهم قد أقبلوا بقلوب فارغة وأهواء باطلة على دين الكنيسة المحرف، فعندها نَصَبُوا العداء على الإسلام والمسلمين! لذا فإنَّ غَالِبَ سِياسَةِ هَؤلاء تَكُوْنُ خَارِجِيَّةً خِلافًا للدِّيْمُقْراطِيِّيْنَ الَّذِيْنَ تَرْتَكزُ غَالِبُ سِيَاسَاتِهِم في الدَّاخِلِ. وهؤلاء يُسَمَّوْنَ: بالجمهوريين أو المحافظين!

 

الوَجْهُ الثَّاني: لا شك أن بعض الأخلاق الحسنة موجودة عند بعض الشعوب النصرانية، لا ينكر هذا إلا جاهل، وقد قال الله تعالى: ﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ﴾ [المائدة: 8].

 

وأما قوله تعالى: ﴿ لتَجِدَنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلذِينَ أمَنُوا اليَهُودَ وَالذِينَ أشْرَكُوا وَلتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلذِينَ أمَنُوا الذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82]، فينبغي علينا أن نعلم: أن المفاضلة في هذه الآية بين اليهود وبين النصارى لم تكن مفاضلةً مطلقةً؛ بل جاء التفاضل بينهم على وجه التقييد، وهو ما يسمى: بالتفاضل النسبي.

 

يوضحه؛ أنَّ نسبة عداوة اليهود للمؤمنين أكبر من عداوة النصارى، وكذا نسبة مودة النصارى للمؤمنين أقرب من مودة اليهود.

 

ويدل على هذه النسبية قوله تعالى: «أشَدُّ الناس... وأقْرَبَهُم» الآية، فهي خرجت على وجه أفعلِ التَّفضيل، بمعنى أن بينهم مفاضلةً في العداوة والمودة، وليس معناه مطلقُ النفي فيما بينهم من المفاضلة.


بمعنى أن المفاضلةَ إذا وقعت بين خَيْرَيْنِ، فعندها تكون المفاضلة بين أجزاء الخير دون اعتبارٍ للشَّر، لذا فقد تقرَّر أن الخير يتفاضل بين المسلمين تفاضلا كبيرا، ومع هذا فهم جميعا على خيرٍ.


وكذا إذا وقعت المفاضلة بين شَرَّيْنِ، فعندها تكون المفاضلةُ بين أجزاء الشر دون اعتبارٍ للخيرِ، لذا فقد تقرر أن الشَّرَّ يتفاضل بين اليهود والنصارى تفاضلا كبيرا، ومع هذا فهم جميعا على شَرٍّ.


كما قال تعالى: ﴿ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ﴾ الآية، فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، وأدلة القرآن والسنة مليئة بوصف اليهود والنصارى: بالكفر والشرك والفسق والظلم والجحود والإعراض والتكذيب والنكران والعناد والكبر والشر والفساد والعداء... وغيرها من صفات الذم والعداء تجاه الإسلام والمسلمين.

 

وأكبر دليل على ما ذكرناه هنا: هو شاهد التاريخ، فمن قرأ التاريخ علم يقينا أن اليهود والنصارى لم يستأخروا ساعة واحدة في عداء وقتال وظلم وتشريد المسلمين، كما سيأتي بيانه!

 

لذا؛ فقد بات عند عامة المسلمين أن شرَّ وعداءَ اليهود والنصارى للمسلمين ظاهر ومستفيض منذ بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، بل إلى قيام الساعة كما قال الله تعالى: ﴿ وَلنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلتَهُمْ قُل إنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى وَلئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَا لكَ مِنَ الله مِنْ وَليٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة:120].

 

وقوله تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَليْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [التوبة:8].

 

وقوله تعالى: ﴿ يَا أيُّهَا الذِينَ أمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لكُمُ الآيات إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أنْتُمْ أولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لقُوكُمْ قَالُوا أمَنَّا وَإذَا خَلوْا عَضُّوا عَليْكُمُ الأنَامِل مِنَ الغَيْظِ قُل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120].

 

وقوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ وَلا المُشْرِكِينَ أنْ يُنَزَّل عَليْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَالله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105].

 

وقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ أهْلِ الكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إليْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إليْكَ إلا مَا دُمْتَ عَليْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قَالُوا ليْسَ عَليْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ على الله الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلمُونَ ﴾ [آل عمران: 75]، وغيرها كثير جدا.

 

الوَجْهُ الثالثُ: فإنه ليس من شرط وُجودِ الشَّر في بعض المخلوقات أن يكون هذا المخلوقُ خاليا من أصل الخير، لأنَّ الله تعالى لا يخلق شرًّا محضًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: «والشَّرُ ليس إليك» الحديثَ، فهذا إبليس اللعين، الَّذِي هو مادة الشر والفساد والظلم إلَّا أنَّه مع هذا لا يخلو من خير، وذلك من خلال ما يترتب على أفعاله من توبة التائبين، ومعرفة الصادقين، وتمييز المؤمنين من الكافرين وغيرها من الخير الكثير.

 

ومع هذا فنحن كمؤمنين لا ننظر إلى ما يترتب على بعض صور الخير التي هي نتاج شر إبليس، بل نحن مطالبون باتخاذ إبليس عدوا، وعليه يجب علينا أن نُحذِّرَ منه صباحَ مساءَ.

 

فإذا علم هذا، كان واجبا علينا كمسلمين ألَّا نقتصر بأنظارنا إلى بعض الأخلاق عند بعض رجال الغرب، بل نحن مطالبون باتخاذ اليهود والنصارى أعداء، وأن نُحَذِّرَ منهم، لأمور كما سيأتي بيانها.


كما قال تعالى: ﴿ يَا أيُّهَا الذِينَ أمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لكُمُ الآيَاتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].

 

وقال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ لوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأمْرِهِ إنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 109].

 

وقال تعالى: ﴿ أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ أتَيْنَا أل إبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَأتَيْنَاهُمْ مُلكًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 54]، وغيرها كثير جدا.

 

وقال تعالى: ﴿ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ﴾ [آل عمران: 119].

 

الوَجْهُ الرابعُ: أن ما يُظْهرُهُ بعض النصارى من حسنِ أخلاق هذه الأيام لم يكن أكثرُهُ صادرًا عن حقيقة إيمانية، ولا نابعًا عن عدالة إنسانية، ولا حبًّا للخير، بل كانت هذه الأخلاق منهم بدافع التَّطبُّعِ الَّذِي ألِفُوهُ وتَعَوَّدُوه مُنْذُ ولادتهم في بلادهم.

 

يوضحه؛ أن كثيرًا منهم قد تَطبَّعَ بمثل هذه الأخلاق من خلال فرضِ القوانين الصَّارمةِ والأنظمة القاسية في بلادهم، ومن هنا خضعت تعاملاتهم تحت الأنظمة الوضعية التي تعود عليهم بالعقوبة على كُلِّ مخالفةٍ عندهم.


بمعنى أن أحدًا من النصارى لو أراد أن يُخَالِفَ بعض هذه الأنظمة والمعاملات سوف يكون عرضة للمسائلة والمحاكمة التي تَفْرِضُ عليه العقوباتِ الجزائيةَ والغراماتِ الماليةَ.

 

لذا تجد كثيرًا منهم متقيدا بحُزْمَةٍ من الأخلاق التي تحفظ له نَفْسَه ومالَه، فمن هنا تظهر لنا حقيقة أخلاق بعض النصارى المزعومة. وهو لو أراد أحدهم: أن يكذب أو يغش أو يخالف في بيعه أو شراءه أو تعامله؛ سوف يكون عُرْضَةً للعقوبة التي يُقرِّرُها النظامُ الوضعي لديهم!

 

وكذا من تَعَدَّى على حقِّ الآخرين (ماليًّا أو أخلاقيًّا) سوف يكون عُرضَةً للعقوبة، وهكذا في غيرها من العقوبات التي تِفْرِضُ على أتباعها التَّقييدَ بحسنِ التَّعاملِ، لذا نجد الواحدَ منهم إذا وجد بابًا من التحايل على النظام بحيث يدفع عنه العقوبةَ النظاميةَ؛ نجده والحالة هذه أشبه بالحيوان المسعور، لا ذِمَّةَ عنده، ورحمة لديه، ولا صدق معه، لذا نجد رجال مكاتب المحاماة عندهم أكثر عددًا من أعداد المجرمين الكبار، كُلَّ ذلك منهم كي يفتحوا لهم باب التحايل ، ويسلم لهم عندها نظام العقوبة!

 

يوضحه؛ أن كثيرا من قادة الغرب وكثيرا من النصارى إذا أمن الواحد منهم العقوبة أظهر حقيقة باطنه، وكشف حقيقة دسائسه وحقده وظلمه وفساده وغيرها من الأخلاق السيئة التي قد تأنف منها كثير من الحيوانات، ويشهد لهذا المثل السائر: من أمن العقوبة أساء الأدب! وأدل شيء على تلكم الأخلاق السيئة الباطنية، ما حصل في بلاد الغرب من حروب في الداخل والخارج.

 

فأما الحروب الداخلية: فهي الحروب الأهلية والعالمية التي جرت بين النصارى عبر التاريخ؛ بحيث كانت دموية وحشية لا رحمه ولا شفقة، ولا إنسانية.

 

ومن آخر هذه الحروب بين الشعوب النصرانية ما حصل في الحربين العالميتين، حيث كانت أكبر مثال للوحشية والإبادة الإنسانية، حيث مسخت منهم الأخلاق وتبددت عندهم الأحاسيس! فقلي بربك: أين أخلاقهم الحسنة آنذاك؟!

 

أما الحروب الخارجية: فهي الحروب التي أقامها النصارى ضد المسلمين، عبر التاريخ؛ بحيث كانت وصمة عار في جبين الإنسانية من خلال إزهاق الأرواح وإظهار الحقد الدفين، فلا رحمه عرفوها، ولا شفقة احترموها، ولا إنسانية قدروها.

 

وإن أردت شيئا مما كسبته أخلاق النصارى بالمسلمين، فدونك الحروب الأخيرة التي شنتها أوروبا المتحضرة! على بلاد المسلمين تحت مسمى: الحروب الصليبية!

 

ومن آخرها ما نراه ونسمعه ونشاهده هذه الأيام من حروب بربرية وحشية إبادية دكتاتورية في بلاد فلسطين وأفغانستان والبوسنة والهرسك والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، بحيث لم يرحموا صغيرا ولا كبيرا، ولا طفلا ولا امرأة، بل لم تكن لهم من الأخلاق إلا لغة الإبادة والقتل والتشريد!


فقلي بربك: أين أخلاق أوربا المتحضرة هذه الأيام؟!


الوَجْهُ الخامسُ: أن ظهور هذه الأخلاق عند بعض النصارى لم تكن على إطلاقها، بل هذه الأخلاق قد نجدها عند بعضهم لا كلهم، بخلاف المسلمين فإن الأخلاق السيئة هي عند بعضهم لا كلهم، والعبرة بالكثرة لا بالقلة.

 

والعبرة أيضا في أصل أخلاق الإسلام، لا في أخلاق المسلمين، فأصل الأخلاق في الإسلام هي أجمل وأكمل وأفضل وأتم وأعظم وأروع وأصفى وأطهر الأخلاق منذ خلق الله البشرية إلى قيام الساعة، ولا ينكر هذا إلا بغيض حسود.

 

وذلك بخلاف أصل أخلاق اليهود والنصارى مع المسلمين، فأصل أخلاقهم الحقد والحسد والكبر والظلم والاستهزاء... إلخ. فكيف إذا كان أصلُ الكفار شرًّا، وأصلُ أخلاقهم شرًّا؟ فشرٌّ على شرٍّ، وظلمٌ على ظلمٍ! «ظلمات بعضها فوق بعض» الآيةَ.

 

وأمَّا دعوى أن كثيرا من أخلاق المسلمين اليوم سيئة، فليس كذلك، لأنَّ المسلم اليوم أحد رجلين:

إما أن يكون مسلما متعلما مثقفا عارفا بدينه وأخلاقه، وإما أن يكون جاهلا بدينه غافلا عن أخلاق إسلامه.


فالأول منهما: هم أهل العلم وطلابه، وأهل الصلاح والتقوى من القضاة والفقهاء والخطباء والدعاة غيرهم، فهؤلاء هم نجوم الأرض وزينة التاريخ، ممن يضرب بهم المثل في الأخلاق الحسنة، ولا شك.


وأما الثاني منهم: فَهُم أهل الجهل من المسلمين، وهؤلاء للأسف هم أكثر المسلمين اليوم، لاسيما مسلمو بلاد الهند والسند وشرق آسيا وبلاد إفريقيا السوداء في الجملة، لذا كانت الأخلاق الإسلامية الصحيحة فيهم قليلة، لجهلهم بدينهم، وشِدَّةِ فقرِهم، لا غير.

 

والقاعدة العقلية: هي أن العبرة بالإسلام لا بالمسلمين، وإلا كان هذا إلزامًا لنا على أهل الكفر من الأوروبيين وغيرهم. يوضحه؛ أنَّنا إذا اتَّهمنا الإسلامَ من خلال جهلِ بعض المسلمين وسوء أخلاقهم، كان لزاما علينا أن نتَّهِمَ دينَ النصرانية الصحيح، لأنَّ أخلاق الغرب اليوم لا تمثل عُشْرَ مِعْشَارِ دينِ النصرانية الَّذِي جاء به عيسى عليه السلام، وهكذا تكون القاعدة طردًا.

 

فإذا أردت أخي المسلم أن تعرف اليوم حقيقة أخلاق أهل الكفر اليوم، وما وصلت إليه حضارتهم، فانظرهم بحواسك الخمسة فيما يلي:

في تحريق اليابان، وقتل وتجويع الفيتنام، وإبادة شعب البوسنة والهرسك، واحتلال وقتل وتشريد ملايين الأفغان، واحتلال وهلاك شعب العراق، وقتل وحصار وتشريد الفلسطينيين، ودمار وقتل اللبنانيين، ونهب وسرقات ثروات بلاد المسلمين، وسجن المجاهدين... بل كلُّ بلية أو رزية حلت بالبشرية اليوم فَهُم صناعها ومدبروها!

 

نعم هذه علومهم وحضارتهم: في صناعة الأسلحة والقنابل المدمرة، والغازات السامة، والطائرات والدبابات والبارجات العدوانية.. بل كلُّ حرب أو قتال حلَّ بالبشرية اليوم فهم صُنَّاعُهُ ومدبِّرُوهُ!

 

بل لم تزل علومهم تتأجج وتحاك في مختبراتهم زيادة في صناعة أسلحة الدمار الشامل، والغازات السامة القاتلة!


وهم مع التَّبجُّحِ والتعاظم والتَّعالي في معرفةِ هذه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ، نجدهم والحالة هذه لم يعرفوا الله تعالى، ولم يعرفوا رحمةَ الإنسانية، بل لم يعطُوا حقوقَ أنفسهم وزوجاتِهم وأبنائهم، فَضْلا عن غيرهم، وذلك بسبب الفساد الخلقي والشذوذ الفكري الَّذِي تمارسه أوروبا في مجتمعاتها: فالابنُ لا يستطيع أن يتحقَّقَ من طُهْرِ نسبه، والزوج لا يستطيع أن يصون فراشَه أو يحفظ زوجتَه، والبنت لا تستطيع أن تحفظ عِفَّتَها في عُقْرِ دارها فضلًا عن خارجه، فالكلُّ يحكُمُه نظامٌ وقانونٌ يحفظ لهم التَّمرُّدَ على الأدَّيانِ والأخلاقِ!


فالأبُ لا يستطيع أن يحكم ابنه أو ابنته إذا بلغا السِنَّ القانوني (الخامسة عشر)، كما لا يستطيع أن يكون سيدًا مطاعًا عند زوجته، فالكلُّ له حريتُهُ الخاصةُ في الكفر والفاحشة والفساد، فأين حينئذٍ الحضارة الأوربية؟ وأين التقدم العلمي؟ بل أين فروخ الغرب من المسلمين عن هذه الحقائق المكشوفة؟!


قال تَعَالى عَنْهُم: ﴿ أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالأنْعَامِ بَل هُمْ أضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44].

 

أما نسبة حالات الاغتصاب والاختطاف والسرقات والقتل وغير ذلك من جرائم الفساد، فهي تحسب عندهم بلغة الأرقام، بل إنَّ الأرقامَ قد تعجزُ عن حسابها وإحصائها، لذا نجدهم يحسبونها في زمن الثانية والدقيقة!

 

فهل بعد هذا يُرْجى من علمهم خيرٌ، ومن حضارتهم أملٌ مُنِيرٌ؟!

 

أمَّا انتشار الأمراض المستعصية والفاتكة فشيء آخر تحار عنده العقول وتعجز عنده المستشفيات العالمية والتقدم الطبي!

 

ومن أسفٍ أنهم جعلوا من بعض بلاد المسلمين؛ لاسيما إفريقيا معملًا للتجارب في التطعيمات من الإيدز وغيره من الأمراض الخطيرة.

 

نعم؛ فهذه لغة الأرقام الحقيقة التي تصور لنا واقع أخلاق الغرب بكل فساده الأخلاقي وشذوذه الاجتماعي، فهل من رجل رشيد؟!

 

ومن أعظم فسادهم، وأكبر ظلمهم، وأسوء أخلاقهم: سوء أخلاقهم مع الله تعالى، وسوء تعاملهم مع الأنبياء، ولاسيما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم!

 

أبعد هذا نرجو منهم خيرًا فيما يدَّعونَهُ من حُسْنِ أخلاقٍ هذه الأيام؟ لا ولا، بل حقيقة أخلاقهم نفاق وشقاق، يوضحه ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

 

إنَّ حقيقة الأمر؛ أن كثيرا من عامة النصارى فيهم حِقْدٌ على المسلمين، كما فيهم حَسَدٌ وكِبْرٌ وازْدِراءٌ وتَحْقيرٌ وتَجهِيلٌ بعمومِ المسلمين، ابتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء بالعربِ، ولا يخالف هذا إلا جاهلٌ أو معاندٌ.

 

الوَجْهُ السادسُ: فإن قال قائل: إنَّ الإنسان الغربي لم ينسلخ من جميع الأخلاق والصفات الحميدة، بل نجد في رجال الغرب من الصفات ما ليس عند كثير من المسلمين هذه الأيام، مثل: الصدق والأمانة والوفاء بالوعود، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، بل نجد الواحد منهم لا يشتغل إلا بنفسه وحاله وعمله!


قلت: لا شك أنَّ تلكم الصفات الحميدة التي ذكرتم موجودة وملموسة اليوم في غالب أهل الكفر وأخص منهم بلاد أوروبا، إلا أنَّنا قد نختلف معكم في هذه النظرة وهذه الدعوى في شيء من التفصيل، يوضحه؛ أنَّ الصدق والأمانة ونحوها مما ذكرتم، لم تكن عند رجال الغرب صفاتِ صدقٍ في نفسها، ولا صفاتِ محمدةٍ في طبعها؛ بل هي أخلاق اعتباريةٌ نفعيةٌ لها أحوالها وظروفها لا يحكمها دِينٌ ولا مبدأ، اللَّهُم إنها وسيلةٌ لغايةِ عِمَارةِ الأرض، وتشييدِ حضارتها.

 

وبمعنى آخر: أنَّها منْ وسائلِ تحصيلِ الدرهم والدينار الَّذِي يعبدونها من دون الله تعالى.


وبمعنى آخر: أنَّ الرجل الغربي بجملة هذه الصفاتِ التي يتحلَّى بها أشبه ما يكون بآلةٍ صماءَ يُسَتعانُ بها في الحصولِ على جَمْعِ الأموالِ، وتحقيقِ الشهواتِ، شأنها شأنُ أدواتِ وآلاتِ البناء المعماري، مثل المطرقة والفأس والمحراث وغيرها من آلات البناء.

 

يوضحه؛ أنك لو أردت أن تبني مصنعًا أو بيتًا صغيرا، فلا يستقيم بناؤه ضرورةً إلا بصدق عماله، وتحرِّي أمانتهم، وإلا لم يقم للبيت قائمة، ولو قام (جدلا) دون هذه الصفات لقامَ معوجًّا لا يثبت على أساسٍ، بل كان آيلًا للسقوط ولو بعد حين، وذلك في الوقت الَّذِي لن يستمرَ صاحب البناء والمصنع مع هؤلاء العمال، ولن يعقد معهم عقدا بعد اليوم، وعليه فلن يستفيدَ هؤلاء العمالُ من الأجور الوافية، ولن يكون لهم بعد اليوم عملًا ينتظرهم عند كلِّ من أراد البناء، وهو كذلك.

 

لذا فمن أراد منهم أن يحصلَ على الأموال، ولاسيما إذا كان عابدًا لها مولعًا بها؛ فعليه والحالة هذه أن يكون صادقًا في عمله أمينًا في شغله، لأن الصدق والأمانة من أساسيات العمل المتقن، وإلا اختلت جوانب العمل ولو من وجه، كما عليه أن يلتزم بمواعيد العمل وإلَّا تأخر البناءُ عن تمامه ووقته المرجو، فمن ألتزم بهذه الصفات الاعتباريةِ فقد أنتج عملَهُ وحازَ ما يرجوهُ من مالٍ يحقق له شهوتَه الدِّنيويةَ لا غير!


ومن هنا؛ نستطيع القولَ بأنَّ صفاتِ الصدقِ والأمانة والوفاء بالمواعيد لم تكن عند رجال الغرب صفاتٍ دينيةً محمودةً في نفسها، بل هي عندهم صفاتٌ اعتباريةٌ يحكمها الحالُ والمآلُ، فليس من الحفاظ عليها عندهم إلَّا جنيًا للأموالِ، وتحقيقًا لرغباتهم الشهوانية التي يقتاتون بها في حياتهم الدنيا التي يعيشون ويموتون من أجلها.

 

وثمةُ دليلٍ ظاهر يبين حقيقة هذه الدعوى التي يتشدق بها بعض المستغربين من أبناء المسلمين وبعض ضعاف العقول منهم: وهي أنَّ هذه الصفاتِ الحميدةَ التي يتصف بها رجال الغرب لهي وسائلُ اعتباريةٌ وقتيةٌ تزول بزوال موجباتها.

 

والدليل على ذلك أنَّك تجدُ الرجل منهم إذا ما خلى له الجوُّ من اعتبارِ هذه الصفاتِ أو بعضها تَنكَّرَ لها وأظهر كذبَهُ وخيانتَه وسوءَ أخلاقه، ولا يدلك على هذا إلَّا تلك الموبقات التي صنعتها رجالات أوروبا وأذنابهم من الإفساد في الأرض، ومن هلاك الحرث والنسل، وذلك فيما ارتكبوه في حق البشرية جميعًا، ولاسيما في حروبهم العالمية سواء الأولى منها والثانية، وفيما ارتكبوه من جرائم إنسانية في معظم بلاد المسلمين، ولاسيما في بلاد الأندلس (أسبانيا)، وما فعلوه في المسلمين من محاكم التفتيش المعروفة المشهورة وغيرها مما يعجز العاقل من وصفه، وما يفعلونه اليوم في إخواننا المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، وما فعلوه في معتقل (جونتونامو)، وسجن أبي غريب وغيرها من المعتقلات والسجون، والتاريخ خير شاهد لمن ألقى السمع وهو شهيد.

 

وقد صدر مؤخرًا كتاب عن بعض مفكري الغرب العسكريين تحت عنوان: «جيش القتال»، حيث ذكر المؤلف ما فعله الجنود الأمريكيون وغيرهم من جنود الناتو؛ حيث ذكر أنهم جعلوا من قتل المسلمين في أفغانستان والعراق وغيرها لذةً وشهوةً ولعبًا، لاسيما فرقة القناصة منهم، وفرقة المشاة والبحرية وغيرها، وقد ذكر من صور الإبادة والقتل ما تقشعر منه الجلود وتتصدع منه القلوب الإنسانية، ويصدق فيهم قول الله تعالى: ﴿ وشهد شاهد من أهلها ﴾ [يوسف: 26].

 

وحسبك ما ذكره موقع (وكيليكس)؛ حيث طرح ملايين من الوثائق السرية المتعلقة برؤساء الغرب وبالجنود الأمريكيين ومعسكر الناتو؛ حيث نشر كثيرا ممَّا فعله رجال الغرب بإخواننا المسلمين في أفغانستان والعراق وفلسطين ما يندى له الجبين!

 

وكذا ما فعلته الشركات العالمية الغربية في بلاد الرافدين وأفغانستان وغيرها من قتل وتعذيب وحبس وغيرها من صنوف العداء والعذاب.

 

أمَّا جرائم الكذب والخيانة عند الشعوب الغربية فشيء لا ينكره عاقل منهم فضلًا عن غيرهم، فانظرهم في حياتهم الاجتماعية والأسرية، وفي معاملاتهم السوقية والتجارية؛ حيث تراهم لا يفتئون يصبحون ويمسون على موبقات الغش والخيانة والربا والكذب والتزوير والرشوة والزنا والجشع والظلم والبهتان والنفاق... ما يعلمه الصغير قبل الكبير، كلَّ ذلك تحت حماية النظام الَّذِي يحفظ لهم هذه الموبقات تحت مسمى: الرأسمالية، أي: الحرية الاقتصادية!

 

بل لا أقول إنَّ هذه الموبقات العظيمة والصفات الذميمة هي من شأن العامة منهم، بل هي من صفات الخاصة من عِلْيَةِ القومِ، ولاسيما الساسةُ منهم والرؤساء والوزراء والسفراء، وليس عنا ببعيد ما نشر عن بعض رؤساء الغرب من العلاقات الجنسية المفضوحة، والاتهامات الأخلاقية، والسرقات المالية، ولاسيما ما ثبت عن كثير منهم من حالات لكذب صراح في غير لقاء ومكان، لذا فإنَّ حقيقة هؤلاء الغرب أنَّهم لا للصِّدقِ صَدَقُوا، ولا للأمانة أُمِنُوا!

 

فحينئذ لنا أن نقول: إنَّ الحضارة الأوربية الساحرة الباهرة هذه الأيام؛ ليس هي في الحقيقةِ إلَّا حضارةً جوفاءَ خَاويةً متهَاويةَ الأركانِ، لا تحلو إلَّا لأصحاب العيون العَمْيَاءِ العَمْشَاءِ، ولا تَسْتَهْوي إلَّا أهلَ القلوب الضعيفةِ الصَّماء الغَلْفَاء!

 

نعم؛ فإنَّ الجمال الظاهري لا يستقيمُ بداهةً ولا يقبلُ فطرةً إلَّا إذا تضمنَ جمالَ الباطنِ، وإلَّا فلا خيرَ في الجمالِ الظاهري الصُّوري الَّذِي يشترك فيه الإنسانُ مع الحيوانِ والجمادِ، فكلُّ جمالٍ لا يتضمنُ جمالَ الباطنِ فهو وَبَالٌ على صاحبه ونكالٌ على أمتِه.

 

وكلُّ جمالٍ تَلبَّسَ به رجالُ الغربِ مجردًا عن جمالِ الأخلاقِ وسمُوِّها، فهو جمالٌ مصنُوعٌ كمصنوعاتِ النَّسيجِ والملْبُوساتِ!

 

وكُلُّ جمالٍ تلَبَّست به نساءُ الغربِ لا يكسُوه جمالُ الحياءِ والعفافِ والحُشْمةِ والأدبِ والأخلاقِ السَّاميةِ، فهو جمالٌ مصنوعٌ كمصنُوعاتِ المساحيقِ والأزياءِ، فهل من عاقل يدرك ما أقول؟!

 

الوَجْهُ السابعُ: أن كثيرًا من رحال الغرب قد تطبع على كثير من هذه الأخلاق عن طريق ثقافته التي تلقاها عن المسلمين، سواء عن طريق مخالطته وتعامله مع المسلمين في بلادهم أو في بلاده، أو عن طريق قراءته لكتب المسلمين، كما هو شأنُ كثير من مفكرين النصارى في بلاد الغرب، ممَّن لهم اطلاع في كتبِ الحضارات؛ ولاسيما الحضارة الإسلامية، فضلا عن علماء التاريخ عندهم.

 

الوَجْهُ الثامنُ: أن بعضَهم عنده بقِيَّةُ رَهْبانيةٍ، وتعَلُّقٌ بنصرانيته، وحبٌ لإنجيله، الأمرُ الَّذِي يدفعه ضرورة إلى قراءة كتبِ الأناجيل (مَتَّى ومرقس ولوقا ويوحنا وغيرها) مما يدفعه إلى النظر والوقوف على أخلاق المسيح عليه السلام: كالقصص والأخلاق الطيبة الحسنة مما يجعله متأثرا بها.

 

هذا إذا علمنا أن الأخلاق الحسنة هي قاسمٌ مشترك بين الأنبياء جميعا، ولاسيما نبيا محمد صلى الله عليه وسلم، لذا كان الواجب على كلِّ مسلم أن يكون متبعًا للنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته وأخلاقه، لا أن ينظرَ ويقتديَ بغيره، ولاسيما بعُبَّادِ الصليبِ.

 

حيث قد سمعنا أنَّ كثيرا من المنهزمين والمنبهرين أمام الحضارة الغربية من أبناء المسلمين قد ظنَّ بالإسلام ظَنَّ السَّوْءِ؛ حيث اتَّهم دِيْنَ الإسلامِ بالقصور في التعامل والأخلاق، كما هو ظاهر عند بعض المستغربين من أبناء المسلمين!

 

أين المشكلة؟

ليست للإسلام مشكلة مع الشرائع التي سبقت شريعته، وليست للمسلمين مشكلة مع أهل الكتاب.. وإنما المشكلة هي بين المشروع الإسلامي –الذي هو مشروع الأمة- وبين الغرب الذي يريد أن يحل نموذجه الحضاري محل حضارة الإسلام، إن الصراع القائم هو بين «المدنية الإسلامية» و «المدنية الغربية» والمدنية الإسلامية هي مدنية الشرق، بكل ملله الدينية، بينما المدنية الغربية علمانية.. أي أنها ليست مسيحية، فهل يترك نصارى الشرق مدنيتهم الشرقية، التي هي ميراثهم الحلال، ليحلوا محلها المدنية الغربية غير المسيحية.. والمرفوضة عقائديا وحضاريا من الأغلبية الساحقة لأمتهم؟!

 

أضف إلى ذلك أن العلمانية تنسجم مع التفكير الغربي الذي ينظر إلى الله على أنه خلق العالم ثم تركه، فعلاقته به كعلاقة صانع الساعة بالساعة، صنعها أول مرة ثم تركها تدور بغير حاجة إليه. وهذا الفكر موروث من مفلسفة اليونان، وخاصة فلسفة أرسطو الذي لا يدبر الإله عنده شيئا من أمر العالم، بل لا يعلم عنه شيئا، فهو إله مسكين كما وصفه (ول ديورانت)! فلا عجب أن يدع مثل ذا الإله الناس وشأنهم، إذ كيف يشرع لهم وهو يجهل أمورهم؟ بخلاف نظرتنا –نحن المسلمين- إلى الله تعالى، فهو خالق الخلق، ومالك الملك، مدبر الأمر، الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، ووسعت رحمته كل شيء، لهذا أنزل الشرائع، وأحل الحلال وحرم الحرام، وفرض على عباده أن يلتزموا بما شرع، ويحكموا بما أنزل، وإلا كفروا وظلموا وفسقوا [تعايش وطني بلا طائفية، سبيل للوحدة الإسلامية، السيد أحمد المخزنجي، مجلة الهداية البحرينية، العدد 330].

 

والمطلوب منا كمثقفين عرب ومسلمين هو ألا ننبهر بالآخر أو نستسلم له أو نذوب فيه، كما لا ينبغي أن نرفضه أو نقاطعه أو ننفيه من ذاكرتنا وتعاملنا، بل هو أمر بين أمرين، أن نعترف ونقر بحقه في الوجود والتعبير عن ذاته كما هو، لا كما نريد نحن، وأن نقتبس منه ما يفيدنا، على أن نتمسك بجذورنا وأصالتنا، أي نمزج  بفاعلية وحيوية بين التراث والأصالة، وبين الجذور والفروع والأغصان.. في حوار مفتوح ودائم بين الثقافات والحضارات. [تعايش وطني بلا طائفية، سبيل للوحدة الإسلامية، السيد أحمد المخزنجي، مجلة الهداية البحرينية، العدد 330].

 

ضوابط الحوار مع الآخر:

إن أي حوار حقيقي لابد أن يؤدي إلى فهم، وإنه لكي يفهم طرف طرفا آخر على نحو صحيح لابد من شروط في مقدمتها: التعرف إلى حقيقة ذلك الآخر، والإقلاع عن تجاهله، والتخلي عن تصويره بشكل نمطي متعسف أو تعمد تشويهه، والكف عن تأويله بشكل مشتط وتركه يوضح نفسه بنفسه، فضلا عن ضرورة رؤيته على تحو كلي دون تجزئة أو تشطير.

 

في ضوء ذلك يمكن الانتقال إلى حال من التفاهم لا يتوافر الإمساك بها والاستمرار عليها ما لم يتم تجاوز نزعات الاستكبار وسياسات القهر والعدوان، والقبول بالتعددية واحترام الخصوصيات، ناهيك عن تخطي حالات التعصب وسيطرة جراح الماضي.

 

وانطلاقا مما تقدم يمكن الوصول إلى حال من التعايش قد لا تترسخ هي الأخرى ما لم يتم إسنادها بمقومات أساسية أهمها: إدراك الوحدة الإنسانية، وقبول الاختلاف وحرية التدافع والتنافس السلمي بين الحضارات، إضافة إلى تجنب جرح الآخر واستفزازه دونما مبرر [المعادلات الموضوعية لحوار الحضارات بين واقع العولمة ورهان المستقبل، د. على القريشي، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 939].

 

إن هذا زمن الحوار بامتياز حوار بين الشرق والغرب، وحوار بين الإسلام والمسيحية، وحوار بين الأنا والآخر، وحوار بين أوروبا وبلدان المتوسط، وحوار بين أميركا والعرب، وحوار بين الأشقاء، وحوار بين الأعداء.

 

هل يؤمن الحوار الحضاري شروطه أم أنه تحول إلى حوار طرشان؟ وبمعنى آخر كيف ننتقل من الحوار إلى وعي الحوار؟

بعد قصف الأفكار الذي أحدثته نظريات فوكوياما وهينتجتون وفؤاد عجمي وبرنارد لويس، وردود الأفعال الغاضبة حوله تبنت الجمعية العامة قراراً بأن تكون سنة 2001 سنة للحوار بين الحضارات، وكلف كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة مجموعة من عشرين شخصية عالمية بارزة لدراسة أوجه الحوار بين الحضارات، صبتها في تقرير بعنوان «عبور الانقسام» أو Crossing the Divide شارك فيه من المفكرين العرب د. أحمد كمال أبو المجد «مصر» و د. حنان عشراوي «فلسطين» كان هدف التقرير- وبالتالي الحوار - تخطى الفوارق السياسية والدينية والإثنية والثقافية بين الشعوب، بالتركيز على عناصر التشابه بينها، يعترف التقرير بتقصير الأجيال الحالية عندما حمّلت الأجيال القادمة موروث الخوف من الاختلاف الحضاري، ولذا فعلى الأجيال الحالية التكفير عن هذه الخطيئة بالعبور إلى الناحية الأخرى من الحاجز.

 

ووجهة النظر الرئيسية في هذا التقرير أن نقطة الانطلاق الحقيقية لأي حوار فعلي وبناء بين الحضارات تتمثل في مبدأ الاحترام المتبادل، والتسامح والوعي بالتعداد الهائل للحضارات في عالمنا، وخطورة انفراد إحداها بإدارة العالم، وأكد التقرير بالإضافة على إعلائه من شأن التنوع الثقافي على أن مبدأ التسامح بين البشر هو أساس قيام عملية الحوار وبناء الثقة بين البشر.

 

هل نقول إنه منذ برج بابل مثّل الحوار بين الثقافات المختلفة حلماً بشرياً مجهضاً، وأن الدور الذي قامت به مدرسة الإسكندرية الفلسفية ظل استثناء لم يتكرر!

 

الدعوة إلى الحوار الثقافي لابد أن تستند إلى أساس أخلاقي: الرغبة في الاعتراف بوجود الآخر وحقه في البقاء. كما أنه ليس هناك حوار معلق في الهواء، يبقى الحوار عاكساً لموازين القوة الحضارية، وهي غير متكافئة أصلاً، ولذا يفرض الطرف الآخر شروط وتوقيت، ولغة، وبنود الحوار، خذ مثلاً الاضطراب الهائل حول معنى «الإرهاب» والالتباس الناشب بينه وبين مفهوم «المقاومة»، ولذا فإن الجانب المهيمن في الحوار قد يفرض شروطه مقدما طالباً من الآخرين الإذعان لتعريفه ومصطلحاته.

 

إن هذا التحديد يفرض اختيار الطرف الآخر من الحوار فيستبعد من يستبعد ويختار من يختار. وحتى لا يتحول الحوار بين الطرفين إلى حوار بين الصم أو تبقى يدنا ممدودة في الهواء، ومعلقة في فراغ فظيع، الحوار الثقافي أكثر من كونه عملية تجميل للماضي العنيف أو الظالم أو العدواني، إنه في الأساس ممارسة تجاه المستقبل وبقدر ما يتخلى الطرف الأقوى عن غروره، وبقدر ما يتخلى الطرف الأضعف عن شعوره بالدونية بقدر ما نؤمن للحوار نجاحه من موقع «شركاء وأنداد لا أعداء» ولسان الحال يقول: الوطنية والإنسانية واحد في نظري، فأنا وطني لأني إنسان.

 

الدعوة المشتركة لرئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) ورئيس الوزراء الاسباني (ثبايترو) حول إطلاق حوار الحضارات من أجل مكافحة الإرهاب لا ينبغي أن يمر من دون تعليق.

 

بح صوت مثقفي العالم الثالث من أجل إحلال حوار الحضارات محل صدامها، ذلك الحوار الذي ينطلق من موقف الاحترام الكامل لتنوع الثقافات، وحق الحضارات المختلفة في التعايش والتفاعل، والتكافؤ بين ثقافات المجتمعات البشرية.

 

تجئ دعوة بلير و ثبايترو لتوظيف هذا المسعى الإنساني من أجل تهديد ظرفي أصاب البعض، لكنه ينطوي على مسلمة لصق الإرهاب بالإسلام، وهو ما جسدته التهديدات أو العمليات الإرهابية ضد البلدين والتي نفذها أفراد مسلمون، بما يعني أن هذه الدعوة في الحقيقة تفترض أن الثقافة الإسلامية وحدها هي التي تهدد الثقافة والمجتمعات الغربية.

 

سبق أن أوضحنا، وأوضح مثلنا العديد من الكتاب والمفكرين المسلمين موقف الإسلام من الصراع أو التصادم بين الحضارات، حيث يحكم العلاقات بينها مبدأ (توازن المصالح) وليس (توازن القوى) بين الحضارات والأمم والشعوب، وهو عدل متوازن، كما أن الرؤية الإسلامية تستخدم مصطلح (التدافع) لا (الصراع) لوصف طبيعة العلاقات بين الحضارات المتباينة وإن كنا لا نسهب في هذه العجالة الحقل الدلالي لمفهوم (التدافع).

 

في حديث أخير لأحد منظري «النيو ليبرالية الفيكتورية» التي توجه أداء الإدارة الأمريكية المعبرة عن أجندة المصالح الرأسمالية والاحتكارات الضخمة حدد (فرنسيس فوكوياما)، القطب الفكري الأمريكي البارز، صياغته للصراع بين الحضارات بقوله بالحرف: إن «الجهاد Giladism» هو التحدي الأساسي لليبرالية، لأنه نوع مغاير من الأيديولوجيا، وربما الأشرس، لكن أظن في النهاية أنه لم يكتب له النجاح، سياسياً على الأقل.

 

اختزل (فوكوياما هينتجتون) المسألة الشهيرة حول «صراع الحضارات» بين الإسلام والغرب، إلى دائرة تشريحية وظيفية داخل الثقافة الإسلامية وهي الحركة الجهادية، ولعنا نلاحظ استخدامه للمقطعlsm في مصطلح الجهاد، في إشارة إلى كونها مذهباً فلسفياً وسياسياً، وهو أنه كان يشير إلى الأيديولوجية الصدامية التي يستخدمها الراديكاليون الإسلاميون مثلما تمثله تنظيمات القاعدة، وجماعة الزرقاوي إلا أنه يعبر عن جهل بطبيعة مفهوم الجهاد في الفقه الإسلامي، وهو جهل معرفي يتناقض مع موقف أستاذة الانثربولوجيا الإسلامية (كارين أرمسترونج)، المفكرة الأميركية التي تعبر في كتاباتها وأحاديثها عن فهم دقيق لوظيفة الجهاد في الحقل الإسلامي، أوسع من مستوى العمليات الاستشهادية ومستوعبة أنه نهج حياة، وأسلوب لحياة المسلم يتجاوز مستوى القوة إلى مستوى أوسع من المجاهدة الحياتية المستمرة.

 

يفسر المفكر المصري المعروف، (د.حسن حنفي) مفهوم صراع الحضارات بأن الصراع بين الأيديولوجيات والكتل السياسية والاقتصادية المختلفة (اشتراكية ورأسمالية، شمال وجنوب، شرق وغرب، مركز ومحيط)، قد انتهى لصالح طرف واحد هو الطرف الأقوى الغربي (مركز ومحيط المركز/ الشمال)، وعلى الطرف الثاني أن يعترف، بالهزيمة، لأن المتفوق اقتصادياً وسياسياً بالضرورة متفوق حضارياً، ملمحا أن يكون المقصود إشغال شعوب الأطراف (مثلنا) بالدفاع عن هويتها المهدد، حتى تشيح بوجهها عن الصراع الحقيقي وهو الصراع الاقتصادي في عصر العولمة، وكأن العالم قد انقسم قسمين: المركز للاقتصاد، وللأطراف الحضارة.

 

ثمة تفرقة بين موقفي فوكوياما وهينتجون، لأن الأول يؤمن بأن الرغبة في العيش في مجتمع حديث هي رغبة كونية، في حين أن الثاني لا يؤمن بوجود نوع من القيم الثقافية الكونية المشتركة، وأنه يقول بوجود حضارات متعددة ذات خصائص كاملة هي غالبا متناقضة ومتصارعة.

 

أما رؤية المفكر العربي الإسلامي لشروط الحوار بين الحضارات، ليست كما طرحها السيدان (بلير و ثبترول) بعد تفجيرات مدريد ولندن الشهيرة.

 

الشرط الأهم هو «التكافؤ»، لكن هل يجري حوار متكافئ بين الحضارات؟ الإجابة بالطبع لا، لأن اختلاف القوى العلمية والتقنية في صالح الغرب، والتي تستبطن قيم الحضارات الغربية المتمثلة في العقلانية والفردية والحداثة والمادية، والوضعية لا الميتافيزيقية، على العكس في بقية العالم، وإن كان هناك من يعتقد أننا على أعتاب بزوغ نظرية جديدة هي التعايش بين الثقافات باعتبارنا نعيش حضارة واحدة في الواقع، وكون قيم حقوق الإنسان في عالمنا الراهن تعبر عن حضارة عالمية واحدة.

 

لكي يبقى هذا الرأي مقيداً بظاهرة المركزية الإثنية الغربية، وظاهرة عسكرة العولمة، وتفجير العالم وقنبلته، وتنامي الفجوة بين الغرب والآخرين، وأنانية الغرب الذي تحكمه فلسفة قارب النجاة مما يهدد بإقامة حوار متكافئ، ونبيل، وعادل بين الأطراف المختلفة، ولعل مشروع الإمبراطورية الأميركية، كما تبدو في جبال تورا بورا الأفغانية وفي الفلوجة وحديثة العراقيين لا يبشر مثال هذا الحوار الذي يبدو بين خصمين يرتدي كل منهما قناعا للتضليل، وهو ما يجعل من دعوة بلير و ثباتيرو حول تحالف الحضارات من أجل الإرهاب تحت سقف الطموح بكثير.[حتى لا يكون الحوار الحضاري يداً معلقة في الهواء، د. محسن خضر، مجلة الوعي الإسلامي، بتصرف].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عقدة التفوق عند الرجل

مختارات من الشبكة

  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العاقدان أو العاقد الفرد في الفقه الإسلامي (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تكييف عقد المقاولة في الفقه بحسب التزام المقاول(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • عقدة المثالية الزائدة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حكم اشتراط عقد معاوضة في عقد معاوضة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • حكم اشتراط عقد تبرع في عقد تبرع (صيغة القروض المتبادلة)(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • عقدة لساني(استشارة - الاستشارات)
  • العقد الباطل والعقد الفاسد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقدة بسبب فشل الخطبة(استشارة - الاستشارات)

 


تعليقات الزوار
1- بحث قيّم
محمد الرقب - الأردن 27-03-2012 10:31 PM

أشكرك دكتور على هذا البحث القيّم البيّن المبتغى..
يبقى الدين الإسلامي أظهرَ الأديان تمسكًا بحرية المعتقد وحرية التعبد (لا إكراه في الدين) فيما يتصل بالديانات الأخرى.

وتبقى وحشية محاكم التفتيش الجائرة جدًا مركوزة في العقل الباطن لكل مسلم غيور لم تجتاله هذه الحملات المسعورة التي ترى الانفتاح غير المدروس على الغرب/الآخر.

والنماذج الوحشية على التسلط الغربي كبيرة ولا تعزب عن ذي لبّ وحِلْم

جزاك الله تعالى الخير كله
وبارك فيك.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/11/1446هـ - الساعة: 8:19
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب