• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / روافد / موضوعات فكرية
علامة باركود

نحو بعث إسلامي

وحيد الدين خان

المصدر: كتاب: "الإسلام والعصر الحديث"
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/4/2008 ميلادي - 7/4/1429 هجري

الزيارات: 8373

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نحو بعث إسلامي



المسلمون مغلوبون على أمرهم في كل مكان، وهم ضحايا الاستغلال في كل بلد؛ ما الذي انتهى بالمسلمين إلى هذه الحالة المؤلمة، وهم الذين يملكون ألمع ماضٍ حضاري، ويشكلون الآن ثاني أغلبية دينية في العالم؟!

إن ألسنتنا مشغولة بتوجيه التُّهم إلى الآخرين؛ فالمسلمون الهنود يلعنون الأغلبية الهندوسية، والعالم العربي يكيل اللعنات لليهود، والمسلمون الأفارقة يوجهون التهم إلى المسيحيين.
ولكن السؤال الملح هنا: لِمَ حدث هذا؟ لقد حكم المسلمون العالم أكثر من ألف سنة، فكيف وصل بهم الأمر إلى هذا الهوان الذي يعيشونه في عالم اليوم؟ إن الحقيقة الكبرى في كارثتنا هي أن ضعف المسلمين هو المسؤول عن فشلهم وسقوطهم.

إن هذا العالم عالم صراع ومواجهة، ولا معنى للتباكي على الفشل حيث يوجد الصراع والمواجهة؛ فالفشل هنا هو النتيجة الحتمية لمن يثبت ضعفه في الصراع، ففي بداية النبوة أصبح العرب والعجم أعداء الدعوة الجديدة، ولكن الإسلام لم يكن ليسقط لمجرد عداوة هؤلاء.

إن استمرارنا في العويل والبكاء يعني أننا بصدد تضييع الفرصة الأخيرة أيضًا التي منحتنا إياها طبيعة العصر الحديث، إن توجيهنا الاتهامات للآخرين يكشف عن إننا لسنا نواجه الفشل فحسب، ولكننا نواجه الحماقة وقلة الحكمة في نفس الوقت.

لن يبدل شيئًا من بؤسنا وقدرنا إلا شيءٌ واحد، وهو أن نعمل لتقوية أنفسنا، فنحن ضعفاء بحق أمام الآخرين، ولذلك نحن مغلوبون.
كيف نصبح أقوياء؟

إن القرآن الكريم يجيب على هذا السؤال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
إن القوة هي القوة المرهبة، والأمر الإلهي يشمل كل سلاح يتصف بصفة "الإرهاب"، وطريقنا كما تحدده هذه الآية الكريمة أن نحصل على القوة للرهبة، تلك التي يستعيد بها الإسلام مجده وشوكته في هذا العصر.

إن العصر الجديد هو عصر التغيرات، لقد تغير كل شيء في عالم اليوم، حتى مفهوم القوة نفسه قد تغير، فلم تعد الخيول والسيوف والرماح رمز القوة؛ بل انتقلت قوة الخيل إلى ما يسمونه بقوة "الحصان"، لقد أصبح العلم والتكنولوجيا رمزي القوة والتقدم، وفي الماضي كان رجل واحد يحكم، أما الآن فالأمر قد تغير، وتوجد أنماط مختلفة للحكم، تلعب قوى متعددة دورًا هامًّا في توجيهها، وقد كانت الحكومة أكبر قوة فيما مضى، أما الآن فالصناعة والاقتصاد والتجارة هما أكبر قوة في ضوء المقاييس العالمية.

لقد جاء العصر الحديث بقوى جديدة يمكنها أن تعين شعبًا ما، أو طائفة معينة على التحكم، من هذه القوى الضاغطة قوة "الصحافة" التي تمثل قوة عظيمة لم يكن لها وجود ألبتة في العصور الماضية.

إن نكستنا الراهنة ترجع إلى تجاهلنا التغيرات التي طرأت على العصر، وإلى عدم امتلاكنا القوى الجديدة التي تمخضت عن هذه التغيرات، وعلى سبيل المثال فإن جميع حركات النهضة التي قامت على امتداد العالم الإسلامي خلال المائة سنة الماضية - لم تهدف إلا إلى هدف واحد، هو إنهاء السيطرة الاستعمارية الغربية، والحصول على الاستقلال، وقد أنفقنا في سبيل هذه الغاية ما لا يحصى من الوقت والمال والتضحيات، ولقد توصلنا تقريبًا إلى هذا الهدف اليوم، ولكن هل يتمتع المسلمون اليوم بنفس المكانة التي تمناها مجاهدو الحرية في أحلامهم بالأمس؟ ولا جواب لهذا السؤال إلا بالنفي المطلق.

لقد أزاح مسلمو الهند "نير" الاستعمار الإنجليزي بعد تضحيات منقطعة النظير، وإذا بهم محكومون من جانب الأغلبية في ظل النظام الجمهوري الحر، وفي كثير من البلدان الإفريقية دفع المسلمون ثمن الحرية من دمائهم الساخنة، ولكن غير المسلمين - بتفوقهم العلمي والاقتصادي - يحكُمونهم اليوم، وفي صخب شديد ملأ العالم أعلنت بعض البلدان العربية تخلصها من الاستعمار نهائيًّا، ولكن سرعان ما وقعت هذه البلدان فريسة استعمار من نوع جديد.

وخلاصة ما أريد أن أقوله هو أن واقع الدول الإسلامية لم يتغير، رغم كل التغيرات، فنحن رغم انتزاعنا الحرية لم نتمتع بها في حقيقة الأمر، والغرب - شرقيه وغربيه - لا يزال يحتوي دولنا الإسلامية، بفضل علمه وصناعته المتفوقة، وهو يفعل ما يريد، لدرجة إبقاء حكوماتها أو تغييرها، إن اقتضت مخططاته ذلك.

وهنا نأتي بمثال من معسكر غير معسكرنا، يكشف خطأ برامجنا؛ لقد تحطمت اليابان تحطمًا كاملاً في الحرب العالمية الثانية، ودكت قنابل الحلفاء معالم ناجازاكي وهيروشيما وطوكيو والمدن اليابانية الأخرى، ثم احتلت الجيوش الأمريكية أرض اليابان، وهي لا تزال تحتل جزيرة أوكيناوا، ولا تزال أمريكا هي المسؤولة الأساسية عن الدفاع عن اليابان، بناء على المعاهدة التي أبرمت بين الدولتين بعد الحرب.

وبدأت اليابان حياة جديدة بعد الحرب، ولقد كان المزاج الشرقي العادي يقتضي إثارة حملة سياسية ضد الوجود الأمريكي؛ لأن السياسيين عندنا يقولون: "جلاء الأجنبي المستعمر بداية لكل خير وطني"، ولكن اليابان اختارت طريقًا آخر؛ لقد تجاهلت وجود الاحتلال الأمريكي، وركزت كل جهدها على بناء الوطن من جديد، وزادت من أهمية التعليم حتى أعطت المدرسين مرتبات الوزراء، ومنحتهم صلاحيات وكلاء النيابة، وكانت النتيجة أن أصبحت اليابان - في عقدين اثنين من الزمن - بلدًا من أكثر البلاد تقدمًا في التعليم، واليابان لا توجد فيها مناجم الحديد، ولكن الشعب الذي قد تعلم لم يعد يضيع قطعة واحدة من حديد شفرة حلاقة، أو مسمار مكسور؛ فكل قطعة حديد تأخذ طريقها نحو المصنع، لكي تظهر في صورة جديدة نافعة، وسار البناء قُدُمًا بطريقة منظمة، حتى أصبحت المدن المحطمة من أكبر مراكز الصناعة والتجارة في العالم، وتقدمت الصناعة والعلم والتكنولوجيا، حتى أصبحت منتجات اليابان تنافس المصنوعات الأمريكية في أسواق التجارة الحرة.

واستغلت اليابان نكبة الاحتلال الأمريكي أحسن استغلال كمظلة دفاعية، ووجهت كل إمكاناتها نحو تعمير الوطن، وكانت النتيجة أن أصبحت اليابان خلال ربع قرن من أكثر بلدان العالم علمًا وتقدمًا وقوة في الاقتصاد، وبعد أن تم لها كل هذا، بدأت الحوار مع أمريكا؛ فكانت المطالبة اليابانية تقريرًا لحق سبق فيه الحكم لصالح اليابان؛ لأنها استخدمت في ذلك كل قوة وإمكانية أتاحها الزمن والعصر لها، ففوجئ العالم في أكتوبر الماضي بوزير خارجية اليابان يزور "أوكيناوا" لأول مرة، ويعلن أن: "القوات الأمريكية ستجلو قريبًا عن أرض اليابان"[1].

إن النموذج الياباني يؤكد معرفة رجالها معرفة كاملة بروح العصر الجديد، بينما نموذجنا يخلو تمامًا من تلك المعرفة بروح العصر، وهذا هو السر في أننا لم نحتل مكاننا المناسب على خريطة العالم، لقد أحرزت اليابان في ربع قرن من الجهاد الذاتي المكانة التي نجهد أنفسنا منذ ما يزيد على قرن في سبيلها دون الوصول إلى نتائج.

إن نموذج اليابان وظروفها مماثلة لكل الدول التي توجد فيها أغلبية المسلمين، فبينما تمكن اليابانيون من النهوض والوقوف فوق أرض صلبة، بتسخيرهم لكل إمكاناتهم المتاحة لهم ذاتيًّا، بينما هذا، ظللنا نحن عجزة متوكلين على عصا غيرنا، ولم تزد بطولتنا عن أننا أصبحنا مجتمعًا استهلاكيًّا لكل ما ينتجه الغرب من آلات وأفكار.
والآن نسوق نموذج اليهود؛ ليكون عبرة للمسلمين الذين يعيشون كأقليات في الدول غير الإسلامية.

إن اليهود يشكلون ثلاثة في المائة فقط من تعداد المائتي مليون نسمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الواضح أنهم بهذه النسبة المئوية لا يستطيعون أن يقيموا لهم حكومة في أمريكا، وهم لذلك لم يشكلوا أية أحزاب سياسية، ولكن نفوذهم وتأثيرهم يمسك بعقل أمريكا مثل الكماشة، ولا مبالغة إن قلنا إنه لا توجد أية جوانب في الحياة الأمريكية خارجية عن نفوذ - كلي أو جزئي - لليهود.
ويكمن السبب في نجاح اليهود أنهم قد اكتشفوا سرًّا هامًّا، وهو أن العصر الجديد قد أتاح لإنسان العصر إمكانات عديدة، تؤثر على جميع جوانب الحياة برغم أنها إمكانات غير سياسية، ولم يكن في استطاعة اليهود السيطرة على الحكومة الأمريكية عن طريق السياسة والانتخابات العامة، ولكن الميدان الآخر الذي أتاحه العصر الحديث كان مفتوحًا أمامهم، وعن طريقه وحده نجحوا في الحصول على ما لا يمكن أن يحصل عليه إلا حزب سياسي، يقدر له أن يسيطر على الحكم.

لقد برع اليهود في التجارة حتى أحكموا اقتصادهم، وسيطروا على الصحافة لدرجة ملكيتهم لوكالات صحفية بأكملها، ولصحف ومؤسسات نشر كبرى، وهذا على الرغم من سيطرتهم على التليفزيون الأمريكي نفسه، وقد اهتموا كذلك أيما اهتمام بتنشئة الأجيال اليهودية الجديدة في كل مجالات التخصص العصري، لدرجة أن الأمريكي حين يبحث عن أحسن مدير، وأحسن مهندس، وأحسن أخصائي، وأحسن أستاذ، وأحسن عالم، وأحسن محامٍ - فإنه لا يجد أمامه إلا واحدًا من اليهود.

وهكذا سيطر اليهود بكفاءتهم، وجهدهم المثابر في جميع مجالات الحياة - على جميع وجوه النشاط والتأثير.
إن اليهود الذين لا يتعدون نسبة ثلاثة في المائة من سكان أمريكا، يملكون ثلاثين في المائة من الاقتصاد الأمريكي؛ بل يملكون بعض الأشياء بنسبة مائة في المائة، وهم يحاولون جهدهم أن يكثروا من تعدادهم، حتى إنهم ينجحون في جذب نحو ثلاثة آلاف أمريكي إلى دينهم كل سنة؛ بسبب التبشير، الذي يعتبر ظاهرة جديدة في ذاته عند اليهود، الذين عرفوا على مدار التاريخ بالانغلاق على أنفسهم.

إن أهم سؤال يجب أن نطرحه فيما يتعلق ببدء هذا الكفاح هو: في أي مكان نبدأ بهذا العمل؟ ولو تمكنا من تحديد المكان الأنسب لهذا العمل، فإننا نستطيع الحصول على أروع النتائج في مدة قليلة، وعلى عكس ذلك لو بدأ هذا العمل في مكان غير مناسب، فلا جدوى منه، ولو بعد مضي مائة عام.

عندما بدأت اليابان إحياء مجدها، توجهت إلى المدرسين في المدن، وأعطتهم مرتبات الوزراء، وصلاحيات وكلاء النيابة، وعندما أرادت الأقلية اليهودية خلق مكان لها في الولايات المتحدة الأمريكية، فتحت مراكز التوعية للأطفال اليهود التي علمتهم كيف يتلافون نقصهم العددي عن طريق المثابرة، والامتياز في العلم والعمل؛ ولكن حينما أصابنا داء الانحطاط في القرون الماضية، بدأنا كفاحنا بإثارة العويل السياسي ضد الملوك والمستعمرين الأجانب، والنتائج تقول لنا: إن ما جنيناه في قرن كامل لا يساوي شيئًا بالنسبة لما جناه اليابانيون في ربع قرن.

والآن يقف اليابانيون واليهود - الذين كانوا ضحايا الأمس - موقف المتحدي لقوى العصر، وليس ثمة من يمكنه منعهم من هذا التحدي.
إننا لن نكرر الآن خطأ الماضي، بأن نبدأ في بناء المنزل من أدواره العليا؛ لأننا لن نجني من وراء ذلك البناء القائم بدون أساس - إلا ضياع الجهد والوقت.
إننا هذه المرة سنبدأ في بناء الأساس قبل كل شيء؛ لأن هذه البداية التعميرية هي وحدها التي تنتهي بتشييد منزل منيع حصين.

في حالتنا الراهنة نرى أنه ينبغي بدء إحياء الإسلام في أحسن صوره العملية، بأن نقيم مركزًا إسلاميًّا على نطاق عظيم، ويكون هذا المركز الإسلامي مجهزًا بجميع الوسائل العصرية لنشر الأفكار؛ حتى يصبح هذا المركز مصدر الطاقة المفجرة للحركة الإسلامية العالمية، بحيث يكون هذا المركز إسلاميًّا وعالميًّا وعصريًّا في نفس الوقت.

لقد تخلَّف المسلمون في كل مكان؛ لأنهم أخطؤوا في تفهم طبيعة العصر، ولم يهيئوا أنفسهم مطلقًا لما تتطلبه روح العصر الجديدة هذه من انفساح، ومنذ قرن كامل وثمة ضجة تثار في أرجاء العالم الإسلامي حول ما يسمونه إحياء الإسلام، لكن الصخب الشديد قد انتهى بنا إلى حيث نحن الآن ملقون في غار الذل والعار، ومما يزيد من عمق تعاستنا أن كل هذا الفشل لم يؤد إلى خلق شعور لدى المسلمين، وإعادة الفكر فيما يجب عمله، وفي الأسلوب الذي يجب اتباعه، وكل الشعارات والنعارات، التي ثبت فشلها النهائي بحكم شهادة التاريخ - لا زلنا نسمعها من حين لآخر في كلمة جديدة أو ثوب جديد.

وفي الهند - على سبيل المثال - لا يعرف الزعماء السطحيون إلا السعي لإحياء ما يسمى "بالسياسة الإسلامية"، تلك التي أخفقت من قبل في صورة "الرابطة الإسلامية"، وبرغم أن اللعب بمثل هذه الشعارات - في مثل عصرنا - لا يعدو أن يكون نوعًا من الانتحار الأحمق.

وفي البلاد الإسلامية المستقلة توجد آلاف الأعمال، التي يعتبر النهوض بها هو الرقي بالشعب، والارتفاع إلى مستوى القوة العصرية المطلوبة، ولكن حال هذه الأعمال يرثى له؛ فإن جيوش هذه البلاد مشغولة بفتح بلدانها هي، وما يمضي يوم إلا ونسمع في هذه البلاد عن محاولة جرت من جانب الجيش للاستيلاء على السلطة، وتنتهي المحاولة - سلبًا أو إيجابًا - بإراقة دماء مئات من الشخصيات، التي كان يجب ادخارها لتعمير الأمة وبناء الوطن، وهناك إمكانات مدهشة لنشر الدعوة الإسلامية وتوسيع رقعة العالم الإسلامي، وباستغلال هذه الإمكانات الجديدة من نوعها في التاريخ، يمكننا دفع عجلة الإسلام إلى الإمام في نجاح لا يمكن تخيل أبعاده الآن، لكن هذا الميدان الحساس للعمل الإسلامي لا يزال غير مطروق على الإطلاق.

وهذه الإمكانات التي سلف ذكرها تقتضي إحياء كفاح جديد في عالم الإسلام؛ لنعطي لأجيالنا الجديدة الشعور الحقيقي بمعنى وجودهم: من هم؟ وفي أي عصر يعيشون؟ وماذا يجب أن يفعلوا حتى يحتلوا مكانتهم اللائقة بهم في عالم اليوم؟
وسوف يقام هذا المركز بحيث يسوده جو إسلامي خالص، وهذا يعني أن يضم مسجدًا ومكاتب وغرفًا للباحثين.

ونوجز فيما يلي الأعمال التي سيعنى بها المركز:
1- إصدار مجلات عربية وأردية وهندية وإنجليزية وغيرها، وهي مجلات لن تعنى بالأخبار، وإنما ستكون مجال الفكر التي ستربط جهودنا المختلفة؛ لتعريف أجيالنا بروح العصر ومتطلباته؛ حتى نستطيع عن طريقها نشر الوعي؛ للقيام بعمل جاد لبناء الأمة، وهذه المجلات المقترحة يمكن رؤية مثال لها في مجلتنا "الجمعية الأسبوعية".
2- نشر الكتب الإسلامية الأساسية إلى اللغات الأجنبية، وعلى سبيل المثال فإننا نريد نشر طبعة للقرآن الكريم تجمع بين الترجمة والتفسير؛ حتى يتمكن الرجل العادي من استيعابه بيسر وتسلسل، ونريد نشر هذه الطبعة الميسرة في كل لغات العالم؛ مثل طبعات الإنجيل المنتشرة في كل مكان، بثمن رمزي.
وكذلك نريد نشر ترجمة للأحاديث النبوية على هذا النحو، ونريد أيضًا نشر كتاب في السيرة النبوية، يكون بمثابة كتاب هادٍ للمثقف العادي، خصوصًا من غير المسلمين.

3- نشر كتب تتناول قضايا العصر من وجهة النظر الإسلامية وتعالج مبادئ الإسلام بعقلية غير مبهورة بالغرب، وهذا النوع من الكتب يمكن رؤية نموذج له في كتابنا "الإسلام يتحدى"، ومن الواجب أن نتوسع في تقديم أعمال من هذا الطراز على أوسع نطاق، وفي كل لغات العالم.
4- إعداد جيل إسلامي مثقف وعلى علم بكل اللغات القديمة والحديثة، وبالحضارات والأديان، وتدريبه على البحث؛ حتى يمكنه نشر الدعوة الإسلامية في مختلف البيئات، وفي إمكانه في هذه الأثناء الحصول على درجات جامعية عليا في مختلف فروع المعرفة.

5- وسيضم المركز لذلك غرفًا للباحثين والطلبة المسلمين الذين يتمتعون بقدر من الامتياز، والذين يختارهم المركز لتنشئتهم نشأة إسلامية صحيحة.
6- تبادل زيارات المفكرين والكُتاب الإسلاميين بين مختلف البلدان، لا سيما بين بلدان العالم الإسلامي؛ لتهيئة مناخ إسلامي عالمي يساعد على تنشيط العقول الإسلامية الهامدة.
7- ستنشأ داخل هذا المركز بيئة إسلامية، تكون فرصة لغير المسلمين كي يشاهدوا الحياة الإسلامية في صورتها الحية الطبيعية.
8- سيعد في هذا المركز مَعرِض يضم لوحات ورسومات عن التاريخ والحضارة الإسلامية في مختلف المراحل، وكذلك سيضم المعرض آثارًا إسلامية، ويكون من شأن هذا المعرض إعداد وعرض أفلام عن الإسلام.

9- ينهج المركز نهجًا يؤدي إلى توعية المسلمين وإيقاظهم من سباتهم المميت، تمهيدًا لانطلاقهم في ميدان التعليم والاقتصاد، اللذين يعتبران بحق مفتاح العصر الحديث.
وسيكون من شأن هذا القسم إنشاء صندوق لتعليم الممتازين من الطلاب المسلمين، وكذلك إنشاء وكالة أنباء إسلامية دولية، يكون عملها ربط جهود المسلمين عبر القارات، وإرشادهم في نواحي الاقتصاد بصفة خاصة، ولإثارة مشاكلهم وقضاياهم وأخبارهم بصفة دائمة.
10- إنشاء مكتبة وقاعة درس ومحاضرات داخل المركز، ويكون من شأن هذا القسم التسهيل على طالبي البحث، والإمداد بالمعلومات عن الشؤون الإسلامية، ودعوة مفكري العالم الإسلامي وغيرهم لإلقاء المحاضرات والندوات الثقافية.

إنه لمن الواضح أن اقتراح "المركز الإسلامي الدولي" سيبدو للكثيرين حلمًا وخيالاً؛ لأنه لا يمكن إنشاؤه على النحو المطلوب إلا بوسائل اقتصادية ضخمة، ونحن نعلم جيدًا مدى اهتمام أمَّتنا بالمشروعات الإسلامية الجادة!
ولكن على الرغم من كل الظلام الحالك، فإن هناك بصيص نور، هو أنني مقتنع من الوجهتين الشرعية والعقلية بأنه لا شيء يجدي لإحياء الإسلام في الظروف المتاحة الآن، ولإعطاء المسلمين دورهم المناسب - إلا بدءُ مشروع فكري من هذا النوع.

وإني لا أشك في أن عناية الله تعالى تستطيع أن تفتح قلوب بعض المسلمين، حتى تتاح الفرصة والوسائل اللازمة لبدء هذا العمل الهام الذي لا بد منه، وما ذلك على الله بعزيز.
لقد أتاح الله وسائل عظيمة للدول الإسلامية، التي تمثل جزءًا هامًّا من جغرافية العالم، وتمتلك قدرًا عظيمًا من الطاقة البشرية، وتجود أراضيها بالذهب السيال، وهي مع كل ذلك وارثة تاريخ وحضارة مجيدين، يقومان على الدوام بإعطاء الحرارة لأجيالها الجديدة، ولكنها أصبحت اليوم بدون مكانة على خريطة الأرض؛ لأن الإمكانات التي أتيحت لها لم تستغل كما يجب، حتى تجعل منها واقعًا يفرض وجوده.

فالمسلمون في مؤخرة شعوب العالم في التعليم والاقتصاد، وحالتهم في الصحافة يرثى لها؛ لأنهم مضطرون لاستقاء الأنباء من نفس الوكالة الصحفية التي يديرها أعداؤهم، وأسواقهم تغمرها سلع أنتجتها مصانع الأعداء، وتحكُّم الأعداء فيهم قوي جدًّا لدرجة أنهم لو امتنعوا عن إعطائنا الأسلحة لتحولت الجيوش المسلمة إلى جيوش بلا سلاح؛ ذلك أن دولنا الإسلامية تستهلك الأسلحة ولكنها لا تنتجها، والمسلمون دينهم دين التبليغ والدعوة، ولكن الأديان الأخرى وحدها هي التي تهيئ لمبشريها الطائرات؛ حتى ينشروها بسرعة العصر، ومجرد التفكير في أن يمتلك دعاة الإسلام الطائرات نوع من الخرافة، والعجيب أن الآخرين يرتادون القمر، بينما نحن لم نجهز لنا مكانًا مناسبًا على الأرض بعد!

كان الحاكم الإنجليزي للهند "اللورد كيرزون" سكرتيرًا عامًّا لعصبة الأمم في يوم من الأيام، وكان "عصمت إينونو" يمثل تركيا لدى عصبة الأمم حينئذ، وذات مرة ذهب إينونو لمقابلة اللورد كيرزون، وترك اللورد المندوب التركي ينتظر في استراحة مكتبه دون أن يستقبله لمدة خمس عشرة دقيقة، وعند اللقاء مد اللورد يده ليصافح عصمت إينونو الذي رفض أن يصافحه، ولم يجلس على الكرسي الذي أشار إليه اللورد بالجلوس عليه، وإنما قال للاستعماري الإنجليزي: "عندما كان أجدادك يتخذون من قشر الأشجار وجلود الحيوانات لباسًا لهم، كان أجدادي يؤلِّفون كتبًا في الفلسفة والعلم"!

حقًّا، ما أنصع ما نملكه من تاريخ وحضارة وتراث عريق، وهذا التراث ينادينا اليوم، ولو استطعنا أن نستجيب لندائه لأصبح حالنا اليوم مثل ماضينا المضيء.
والتاريخ مستعد لإعادة صفحاته بشرط واحد، وهو أن نكون مستعدين اليوم لإعادة ما سجله تاريخنا المجيد بالأمس.
والله الهادي إلى سواء السبيل.


ـــــــــــــــــــــــــــ
[1]   كتب هذا الاقتراح قبل توزيع اتفاقية أوكيناوا، التي نصت على إنهاء الاحتلال الأمريكي للجزيرة وعودتها لليابان (الأهرام في 25/6/1971) - وقد ذكرت الأهرام: أن لمسة من عصر الفضاء أضيفت إلى حفل التوقيع، حين وقع وليم روجرز الوثيقة في واشنطن، وكيشي إيشي وزير خارجية اليابان في طوكيو، وهما جالسان أمام شاشة التليفزيون، كل منهما يشاهد الآخر أثناء التوقيع، وهذا تأكيد للفكرة التي يدور حولها (البرنامج)، كل التأكيد أنها الفكرة التي ترى أنه لا بد من امتلاك زمام الحضارة أولاً، ليتحقق بعد ذلك كل شيء.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • "إيـقـاظ" الـصحـوة الإسلامية !!

مختارات من الشبكة

  • من آثار النحو العربي في النحو العبري في الأندلس (PDF)(كتاب - حضارة الكلمة)
  • نحو النحو: مدخل علمي للمبتدئين بالخرائط والجداول (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تيسير النحو عند عباس حسن في كتابه النحو الوافي- دراسة وتقويم(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الإجماع في النحو: دراسة في أصول النحو لدخيل العواد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • النحو الصغير: الموطأ في النحو (عرض تقديمي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • سيمياء النحو: دراسة العلامات في النظام النحوي(مادة مرئية - موقع الدكتور بهاء الدين عبدالرحمن)
  • نحو منهج اسلامي في رواية الشعر ونقده (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بيان ما يجب نحو إخوتنا المحاصرين والمضطهدين في حلب وإدلب وأنحاء سوريا(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • الافتراض النحوي (الافتراض في النحو)(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
2- تعقيب على مقال
نايف عبوش - العراق 13-08-2011 10:36 PM

الموضوع الذي أثاره الكاتب الفاضل مهم للغاية وهو موضوع الساعة الأهم، حيث الأمة في قعرالانحطاط في كل المجالات، بعد أن تداعت عليها الأمم، وغابت عن العطاء تماما منذ قرون طويلة.وحتى تتدارك الحال المنهك، فإنها فعلا بحاجة ماسة إلى مشروع بعث عربي إسلامي، يمثل اتقلا باجذريا على الذات المنهكة، وعلى الواقع الفاسد معا.وينبغي أن يعيش مشروعها المعاصر، العصر بكل معطياته، في ذات الوقت الذي يستلهم فيه الصفحات المشرقة من تاريخ الأمة الماجد، يوم كانت تقودالبشرية من موقع متفدم.ومالم تتحرك القوى الفاعلة في الأمة من النخب والعلماء والمفكرون والهيئات على عجل، لاعتماد مشروع انبعاث عربي إسلامي، يعكس الخصوصية المتميزة للأمة، وينفتح بعقل مبدع على معطيات العصر، ليفجر طاقات الأمة الكامنة، بمكوناتها السكانية، ومواردها الطبيعية، وموروثها الديني والحضاري،فإن فرصة التاريخ ستفوتها، وتظل تراوح في مكانها،، أمة منهكة، وتابعة، ولاتملك قرارها المستقل.
نايف عبوش
كاتب واكاديمي

1- بارك الله جهود الصادقين
محمد جابري - المغرب 17-04-2008 09:48 PM
سيدي،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحيي جهود الصادقين من هذه الأمة، فإنها لا تعدم الرجال، بارك الله مشروعكم ووفقكم لما يحبه ويرضاه لعباده المؤمنين,
نحن الآن في أزمة فقه يقفز بالأمة نحو الحل المنشود، فأي فقه هذا الدي استباح بعض الفقهاء فيه دماء المعارضين للأنطمة الحاكمة بأمر أصنام الزمان؟
ثم لا ننس سنة التدافع والمشروع لا شك سيبزغ بعيدا عن دول هيمن فيها الاستبداد، وقد أشرت إلى حبل الناس الذي ساند اليهود في الوقت الراهن وما أكثر المحسوبين عليهم الذين يتسابقون لنذائكم لتخريب المشروع من الداخل او حتى من خارجه,
لم أجد بدا من الالتجاء إلى الله ليعلمنا علما نسموا به على ما يتحدانا من حواجز نعد لها صدق الظاهر والباطن/ والاستماتة في نصرة شرع الله، وفعلا فتح الفتاح العليم وجاد بضوابط فقهية غير التي ألفها الفقهاء، في مشروع تجديدي، إن شاء الله/
وقبل هذا وذاك هلا أفصحتم عمن تكونوا حتى لا نسقط في أفواه من أمرنا بتجنبهم عوض أن نتعاون معهم، وبخاصة في زمن تعددت فيه دعوى الصلاح وادعاها المفسد قبل المصلح،
رزقنا الله وإياكم الثبات على الحق المبين وأعاننا على رفع راية الإسلام عالية ابتغاء وجه ربنا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب