• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عبدالفتاح محمد حبيب... كنز يجب أن تدرك قيمته
    سامح عثمان نواف
  •  
    التحليلات الجغرافية - الجيومكانية بالذكاء ...
    أ. د. مجيد ملوك السامرائي
  •  
    حماية صحة الوجه والرأس في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    ثقافة "الترند" والقرار الشخصي: بين سطوة الجماعة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    فهرست مصنفات البقاعي لمحمد أجمل أيوب الإصلاحي
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    حقوق الانسان (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    انهيار الدولار: انهيار عالمي متخفي.. إلى أي مصير ...
    سيد السقا
  •  
    الطلبة المسلمون: التأثير والتأثر
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    سبل تحقيق التوافق بين مهارات خريجات الجامعات وسوق ...
    د. عالية حسن عمر العمودي
  •  
    قصة الذبيح الثاني: زمزم والفداء
    د. محمد محمود النجار
  •  
    الفلسفة الاقتصادية لملكية الإنسان في منظور ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    المعاني الاقتصادية للحج
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

مفهوم الجاهلية في التصور الإسلامي

د. رمضان عمر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/5/2016 ميلادي - 12/8/1437 هجري

الزيارات: 18145

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مفهوم الجاهلية في التصور الإسلامي


عتبة:

كرَّم الله - سبحانه وتعالى - الإنسان، فكان خلقه في أحسن تقويم، وفضَّله على كثير ممن خلَق، ثم سخَّر له من المخلوقات ما لم يسخِّر لغيره، وجعله نائبا عنه في الأرض قائمًا بأمره، قال -تعالى-: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]، وخصه بخصائصَ دقيقة، ثم كلَّفه بتكاليف، نِيطت بها البشرية تحت مفهوم المسؤولية، فكان ذلك أولَ عتبات الجهل الفطري؛ حيث قال - جل في علاه -: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72].

 

لكن هذه الجهالة ليست جبرًا قدريًّا، بل لقد وهب اللهُ عباده من نور الهداية ما يكفي لكشف هذه الغُمم، وإزالة تلك الرواسب المعطلة والمُعمِية، وَفْق منهج الاختيار والتكليف القائمِ على تزكية الرُّوح والنفس والعقل جميعًا، قال -تعالى-: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾ [البلد: 8 - 11]، وقال: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 1 - 10]، وقال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14].

 

وقال: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].

 

بل إنه لم يتركْه وحيدًا في غَيْهبِ الضياع، ودَيْجور الجهالة، فلم يودِّعه ولم يقْلِهِ، بل أرسل له رسلاً من عنده مبشِّرين ومنذرين، فعرَف عن طريقهم سبل الهدى، وطريق الرشاد.

 

ولقد واجه التصورُ الإسلامي - منذ أول يوم بدأ يتنزل - فيه على محمد -صلى الله عليه وسلم- مجتمعًا عربيًّا نعَته بالجهالة، يحمل من العقائد والتصورات ما يجعله مرفوضًا، مناقضًا لمجتمع فريد، دعت إليه رسالة السماء، لا لأنه مجتمعٌ وجد في القرن السادس الميلادي، في قلب صحراء تعاني شحًّا من الكلأ والماء؛ بل لعللٍ أُخَرَ، كشف عنها ذلك التصورُ القرآني الفريد في نظرته لهذا المجتمع المنعوت بـ"الجاهلية".

 

وإذا كان القرآن قد نزل بلسان عربي مبين، متحديًا بذلك عقولَ العرب الفصحاء البلغاء، معترفًا لهم بفضلهم وأستاذيتهم في الفصاحة والبيان، ومؤكدًا على بعض القِيم والفضائل التي اتصفوا بها، كالكرَم والأمانة والبطولة والوفاء؛ إلا أنه - أيضًا - جاء مسفِّهًا أحلامَهم، متنكرًا لذلك الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي بنَوا عليه حياتهم، وطريقةَ معاشهم، ومنهج تفكيرهم، كما ستوضِّح الآياتُ والأحاديث الشريفة؛ مما يعني أن التصور الإسلامي يُخضع مصطلح الجاهلية - من وجهة نظره - إلى منطلقاته الفكرية، كاشفًا عن تمايزات جوهرية في الرؤى والتصورات.

 

وإذا كان التصورُ الإسلامي قد حدد موقفه - بجلاء - من ذلك المجتمع ذي المواصفات المخالفة للأسس والمبادئ التي قام عليها المجتمعُ الإسلامي، فإن المجتمعاتِ المعاصرةَ ستواجه عينَ المنطق الإسلامي في الرفض والتسفيه وعدم الرضا، ما لم تنسجم مع تلك الرؤية الإسلامية الواضحة لمفهوم الحضارة والرقي والازدهار والتقدم.

 

ولعل السطورَ القادمة ستكشف عن حقيقة التصور الإسلامي ورؤيتِه الموضوعية حول هذه المفاهيم مجتمعة (الحضارة/ التقدم/ والتأخر/ الازدهار).

 

وإن كان مناطُ التركيز منه على الجاهلية؛ فذلك لأن المنطقَ البلاغي الدلالي يقبل العَقد العرفيَّ في عبارة من قال: "وبضدها تتميز الأشياءُ".

 

ونحن - في هذه المقالة - نحاول أن نصل إلى حقيقتين متلازمتين، سنجمع لهما أدلة التبيين، معتمدين في ذلك على عون الله ورعايته.

أولاهما: "أن الإسلامَ هو الحضارة، ولا حضارة بلا إسلام".

ثانيهما: أن الجاهلية - وَفْق التصور الإسلامي - هي كلُّ ما ليس إسلاميًّا؛ أي: جاهلية التصور والاعتقاد والسلوك المخالف لِما أمر الله -تعالى- به.

 

ولكننا نحذر - مسبقًا - من أن يُفهَمَ من قولنا هذا أننا نقف ضد عجلة التطور العمراني والعلمي والمعرفي، ونغلق أعيننا عن كل تلك الإنجازات المَهُولة التي حققها العالَم الغربي المخالف لفكرنا وتصورنا، وذلك في مجالات السياسة والاقتصاد والمعرفة والتكنولوجيا وما سوى ذلك.

 

وأيضًا لا نريد أن يُفهَمَ من كلامنا أننا ننطلق - في تصورنا هذا - من رؤية تكفيرية تحكم على الناس حكمًا قضائيًّا مطلقًا؛ فنجعل الناسَ فريقًا في الجنة، وآخر في السعير.

 

بيد أننا نرغب في أن ننطلق من صفاء العقيدة، وميزان الشرع في تحديد هذه الرؤية؛ لنحاكم بها مصطلحًا دلاليًّا؛ لنرى ما له وما عليه.

 

الجاهلية لغة:

جاء في اللسان: "جهل" الجَهْل: نقيضُ العِلْم، وقد جَهِله فلان جَهْلاً وجَهَالة، وجهِلَ عليه، وتَجَاهل: أَظهر الجَهْل؛ عن سيبويه.

 

الجوهري: تَجَاهَل: أَرَى من نفسه الجَهْل وليس به، واسْتَجْهَله: عَدَّه جاهِلاً، واسْتَخَفَّه أَيضًا، والتجهيل: أَن تنسبَه إلى الجَهْل، وجَهِل فلان حَقَّ فلان، وجَهِلَ فلان عليَّ، وجَهِل بهذا الأَمر، والجَهَالة أَن تفعل فعلاً بغير العِلْم.

 

ابن شُميل: إن فلانًا لَجَاهِلٌ من فلان؛ أَي: جاهِلٌ به، ورجل جاهِلٌ، والجمع: جُهْلٌ، وجُهُلٌ، وجُهَّل، وجُهَّال، وجُهَلاء"[1].

 

الجاهلية في القرآن:

هذا المدرج البيانيُّ الدلالي المعجمي المشكل لمادة المصطلح "الجاهلية" - لن يتعارضَ مع مقتضياتِ التصور الإسلامي التي ننوي تناولها، وإن دلَّت مادة "جهل" - وَفْق هذا التفصيل اللغوي - على عدم المعرفة؛ ذلك أن منطلقاتِ المعرفة ومنشأَها جاءت من لدن خبيرٍ عليم: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، فالتنصُّل أو التنكر لِما يأتي من الله -تعالى- يمثِّل أُولى نكسات المعرفة، وأولى عتبات الجهل؛ فالله - جل في علاه - أصلُ كل علم، ومصدرُ كل معرفة، أما استخدام هذه الكلمة "جهل" في غير التصور والاعتقاد؛ فذلك عائدٌ على طبيعة اللغةِ، وطبيعة التركيب في دلالاته وإيحاءاته؛ بل إن القرآنَ قد استخدم هذا المصطلح بعيدًا عن التصور الفكري؛ ليدلَّ على عدم المعرفة المطلق، فقال: ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ [البقرة: 273]، قال - سبحانه -: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].

 

ومنه أيضًا قوله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

 

فمادة "جهل" في كل هذه الآيات لا تشير إلى تصورٍ فكري أو عقَدي، ولا تتطرق لحالة اجتماعية تمثِّل كتلة بشرية يصلح أن يقالَ فيها: "جاهلية" أو "مجتمعٌ جاهليٌّ"، لكن هذا المصطلح اللغوي سيتطور عبر النص القرآني ليتحولَ إلى مصطلح فكري؛ فمن دلالات الجهل - مثلاً - كما تبيِّنها الآيات القرآنية: التعالي والغرور؛ وذلك في مثل قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67].

 

بل إن القرآن يخطو خطوة متقدمة في تحديد دلالة مصطلح "الجاهلية"، المرتبط ارتباطًا كليًّا بقِيَمٍ وتصورات يرفضها الإسلامُ، وذلك حين يكون الأمر متعلقًا بالاعتقاد أو بالحكم والسياسة أو الاقتصاد، كقوله -تعالى-: ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران: 154]، هذا في الاعتقاد، أما في التصوُّرِ، فقوله: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138].

 

وفي الاقتصاد قال الله -تعالى-: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقد ورد في تفسير ابن أبي حاتم رواياتٌ كثيره تفسِّره بمعنى الزيادة عن الحاجة [2].

 

وفي الحُكم والسياسة قوله: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

 

ومن القِيم الفكرية قولُه عن كفار مكة يوم الفتح: ﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [الفتح: 26].

 

وفي الاجتماع وحركة تغيير الأمم أمثلةٌ كثيرة من سنن الأنبياء، منها: قوله -تعالى- على لسان نوح - عليه السلام -: ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 29].

 

الجاهلية في السنَّة النبوية:

وقد كانت السنةُ النبوية واضحة في موقفِها من تلك المُثُل والعقائد والتصورات التي لم تتطابقْ مع التصور الإسلاميِّ، فوصفَتْها بالجاهلية، ومن ذلك ما رُوي عن واصل الأحدب، عن المعرور قال: لقيتُ أبا ذر بالرَّبَذة، وعليه حُلَّة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببتُ رجلاً فعيَّرته بأمِّه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أبا ذرٍّ، أعيرتَه بأمِّه، إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم خوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليُطعمه مما يأكل، وليُلْبِسه مما يلبَس، ولا تكلِّفوهم ما يغلِبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) [3].

 

ومن ذلك أيضًا حديثٌ طويل عن حذيفة بن اليمان يقول فيه: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يدركني، فقلت: يا رسولَ الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعَم))، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعَم، وفيه دخَن))، قلت: وما دخنُه؟ قال: ((قوم يَهدون بغير هَدْيي، تَعرف منهم وتُنكر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعَم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، قلت: يا رسول الله، صِفهم لنا، فقال: ((هم من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا))، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعةَ المسلمين وإمامهم))، قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفِرَق كلَّها، ولو أن تعَضَّ بأصل شجرة، حتى يدركَك الموت وأنت على ذلك))[4].

 

وكذلك ما ورد عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "كنا في غزاة - قال سفيان: مرةً في جيش - فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاريُّ: يا للأنصار، وقال المهاجريُّ: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما بال دعوى جاهليةٍ؟))، قالوا: يا رسول الله، كسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: ((دعُوها؛ فإنها مُنتنةٌ))، فسمع بذلك عبدُالله بن أُبَي، فقال: فعلوها، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل، فبلغ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقام عمر فقال: يا رسول الله، دعْني أضربْ عنق هذا المنافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعْه؛ لا يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه))، وكانت الأنصارُ أكثرَ من المهاجرين حين قدموا المدينة، ثم إن المهاجرين كثروا بعدُ"[5].

 

وكذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى من أميره شيئًا يكرهه، فليصبر عليه؛ فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات إلا مات ميتةً جاهليةً))[6].

 

ولعل هذا الحديث الأخير يمثِّل بيت القصيد في هذه المقالة حول مفهوم الجاهلية في التصور الاعتقادي.

 

الإسلام والجاهلية المعاصرة:

تعيش البشرية اليوم حالةً من الفوضى الراعبة في مجالات التصور والسلوك والسياسة والاقتصاد، تتجلى معالِمُها في مجالات كثيرة، تندرج تحت مسميات عدة: الانفتاح والتطور والحرية، ولكن الأخطر في هذه الأزمة اعتقادُ أصحابها أنَّ هذا التهافتَ الأخلاقي والارتداد الروحي يمثِّل صحوةَ حضارة، وقفزة تطور؛ إلا أن قراءةً واعية لمؤثرات هذا الانزلاق المخيف تُنذِر بمصير مؤلمٍ، يتمثل في اتساع رُقع الفقر والعبودية، وانتشار حالات الضياع والقلق والانتحار، ووصول العالم إلى فوضى التصادم وجرائم الحرب، والسعي إلى منطق الإقصاء، والتطهير العِرْقي، والإبادات الجماعية، وما ذلك إلا لانغماسهم في مادية لا رُوحَ لها، وجشع لا رأفة فيه، تغذِّيه رأسماليةٌ بشعة، وإلحاديةٌ فاحشة، لا تراعي ذمة ولا ضميرًا.

 

هذه الرِّدة الإنسانية القاتلة في عوالم السلوك والاقتصاد والسياسة تمثل انحرافًا معياريًّا عن الفطرة التي فُطر الناس عليها، وتمثل نمطًا جاهليًّا جديدًا أشدَّ مرارة من الجاهلية الأولى؛ لأن جاهليةَ العصر أكثرُ خطرًا على الوعي وعلى السلوك معًا؛ فهي جاهلية عابثة قذرة تسمح بالتدمير والتشتيت، وإفناء الإنسان جوهرًا ووجودًا؛ ففي السياسة تنذر بحروب عالميةٍ يحرِّكها جشعُ البحث عن مصادر الطاقة، وفي مجال السلوك لم يبقَ من عالَم الإنسانِ إلا صورةُ اللحم والدم، وفي عالم الاعتقاد تغول الفكر المعاصر حتى غدا أكثر اسودادًا من عصور التخلف وعبادة الاصنام، فانسلخ الجاهليون الجددُ من فطرتهم، وعبدوا الدولار والسولار والجنس، والبِغاء والقِمار، وفي السياسة جرَّت النظمُ الغربية العالَمَ إلى مستنقعات الجرائم المزلزِلة؛ كما في أفغانستان والصومال والسودان، وأصبحت مجالس الأمن راعياتٍ لكل ظلم جائرٍ، تسنُّ القوانين لا نصرةً للإنسان المظلوم، بل تأمينًا لمصالحها البراغماتية الدنيئة، وشواهدُ ذلك أكثر من أن تحصى؛ فأمريكا تقف مع الاحتلال الصِّهْيوني دعمًا ومساندة، وتزعم أنها راعيةُ الديمقراطية، ونصيرة حقوق الإنسان، وبنفس المنطق تجد الدبَّ الروسيَّ والأخطبوط الصيني يقفانِ إلى جانب الطاغية "الأسد" لا إحقاقًا لحقٍّ، بل تأمينًا لمصالحَ إجراميةٍ تهزأُ بالحقوق، وتُحيل العالَمَ إلى فوضى من التنافس العجيب، فهل بعد ذاك الجهل من جهل؟!



[1] لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى، مادة جهل.

[2] تفسير ابن أبي حاتم - المكتبة العصرية - صيدا ج5، ص 1638.

[3] الجامع الصحيح، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبدالله (المتوفى: 256هـ) حسب ترقيم فتح الباري، دار الشعب - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1407 - 1987، ج1 ص 14حديث رقم 30.

[4] السابق ج4ص242 حديث رقم: 3606.

[5] السابق ج 6، ص191، حديث رقم 4905.

[6] السابق ج 9 ص 59، حديث رقم 7054.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المرأة بين ظلم الجاهلية والعدالة الإسلامية
  • رمضان في الجاهلية والإسلام
  • الأسرة في الجاهلية والإسلام
  • السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (1)
  • السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (2)
  • الجاهلية تخطئ والإسلام يضع الحل
  • من أباطيل الجاهلية
  • من أعمال الجاهلية (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الشمولية في التصور الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • غنى النفس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قاعدة: الحكم على الشيء فرع عن تصوره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مفهوم الحاكمية في الفقه الإسلامي الحديث والتصورات المخالفة(رسالة علمية - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • العالم الإسلامي: مفهوم واحد أم مفاهيم متعددة؟(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • وقفات مع علم النفس في التصور الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • رواية (قواعد العشق الأربعون) في ميزان التصور الإسلامي (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التصور الإسلامي للفن(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • تعريف الالتزام الفني في التصور الإسلامي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التشريع والاجتهاد في التصور الإسلامي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/12/1446هـ - الساعة: 17:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب