• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
  •  
    الثقة بالاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / تقارير وحوارات
علامة باركود

الحوار الأخير مع الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله

الحوار الأخير مع الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله
أنور الجندي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/3/2014 ميلادي - 29/4/1435 هجري

الزيارات: 10075

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحوار الأخير مع الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله

بدلاً من تقويم عوج الحياة بنصوص الشريعة..

يحتال على نصوص الشريعة

حتى يُبرِّر عِوَج الحياة المعاصرة باسم تطوير الشريعة


الدكتور محمد محمد حسين رئيس قسم الأدب واللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأستاذ الأدب العربي في جامعة الإسكندرية منذ 1933م، وهو يجاهد في سبيل مفهوم إسلامي أصيل للأدب العربي، وقد عمل سنوات طويلة في كلية الآداب بجامعة بيروت العربية، وأصدر عددًا من المؤلَّفات، في مقدَّمتِها كتابه الأشهر الذي أدى خدمات واسعة بنقل وجهة النظر الإسلامية إلى شباب الجامعات "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر" في جزأين، من الثورة العُرابية إلى قيام الجامعة العربية (1882 - 1946م)، وله مؤلفات متعدِّدة، منها كتابه: "حصوننا مهدَّدة من داخلها"، وقد توفي إلى رحمة الله في (ربيع الآخر 1403هـ/ 1983م)، وقد أجرَينا معه الحديث أثناء زيارته للقاهرة، على أمل أن يتمَّ في زيارة أخرى، غير أن قضاء الله نفذ قبل أن يتمَّ الحوار.

 

قلت للدكتور محمد محمد حسين - رحمه الله - في آخر لقاء معه:

اليوم، وبعد أن مضى عليك في الميدان نصف قرن (1933 - 1982م) وأنت تُجالِد في وجه التغريب، والشعوبية، والغزو الثقافي إزاء السموم الناقعات التي طرحها الدكتور طه حسين وغيره في طريق الأدب العربي، ما هو تقويمك لهذه المرحلة، وهل استطاعت أن تُحقِّق شيئًا؟!

وابتسم الدكتور محمد محمد حسين الذي فتح آفاقًا في مجال تصحيح المفاهيم، وتحرير الأدب العربي والثقافة الإسلامية، ابتسامةً ذات معنى، فقد عرفتُه منذ عشرين عامًا وأنا على طريق مواجهة التغريب والغزو الثقافي، وانتفعت كثيرًا برصيده الضخم في هذا المجال.

 

والدكتور محمد محمد حسين واحد من أبناء المدرسة الإسلامية الملتزمة، التي نشأت في أحضان حرَكة اليقظة الإسلامية، والتي حمَلت لواء (أسلمة) الأدب والثقافة في كلية الآداب على مدى خمسين عامًا، وتحريرها من الزيف والسموم التي صبَغها بها الدكتور طه حسين وشيعتُه؛ أمثال: علي عبدالرازق، وأمين الخولي، وإبراهيم مصطفى، وهو رائد الأصالة في مجال الأدب شأنه شأن علي سامي النشار في مجال الفلسفة، وعبدالقادر عُودة في مجال الشريعة والقانون، ومحمود أبو السعود وعيسى عبده في مجال الاقتصاد، كل هؤلاء ردُّوا للإسلام اعتباره بعد أن طواه التغريب زمنًا في الدراسات الجامعية، فلهم أجرهم عند ربهم.

 

قال:

• لعلك تعرف من أحاديث بيننا مستفيضة ماضيةٍ أن التغريب قد كبَّل الفكر الإسلامي بسلاسله، فلم يدَعْ مجالاً من المجالات إلا ووضع قيودَه وحواجزه؛ حتى يحتوي الفكر الإسلامي في دائرة مُغلَقة، فلا يستطيع تحقيق ذاتيته أو الْتِماس مصدرِه القرآني الأصيل، وهي مُحاصَرة شملت عدة ميادين، أهمها وأخطرها ميدان الشريعة الإسلامية.

 

أولاً - تطوير الشريعة الإسلامية:

قلت:

فلنبدأ بهذا الخطر الذي يتصل باحتواء الشريعة الإسلامية..

قال:

• هذا مجال بذلَت فيه القوى الاستعمارية وذات النفوذ في البلاد العربية بعد الحرب العالمية الثانية جهودًا كبيرة من أجل احتواء الشريعة الإسلامية تحت اسم التطوير؛ بحيث تُصبح أداة لتبريرالقيم الغربية، وتقريب ما بين الشعوب الإسلامية والغرب، فهي الغاية الأخيرة والهدف المقصود الذي تسعى إليه، ومن أساليبهم في هذا التطوير أن يَستدرِجوا المسلمين إلى مؤتمرات للكلام في نقط معينة من نظم الشريعة التي تُخالِف ما استقرَّ عليه عرف الغربيين مما يجري باسم المدنية؛ وذلك لكي يُلجئوهم إلى تحريف نصوص القرآن والحديث والمَيل بها إلى ما يوافق العادات الغربية السائدة.

 

وأكبر ما تجد هذا التحريف في (المرأة) وما يتَّصل بشؤونها، مثل ما يدَّعي بعضهم من أن الإسلام قد أسَّس للمرأة حقوقًا في الحكم، أو الكلام عن الحجاب والنقاب وتعدُّد الزوجات والرِّبا.

 

ولقد يُطلب من أحدهم أن يتحدَّث عن هذه الموضوعات، فيشغل نفسه بتبرير الأساليب العصرية السائدة مما يخالف الشريعة الإسلامية، فيَنتحِل لها الأعذار، ويَخترِع الحيَل لتَحريمها ومحاوَلة الميل إلى أقصى ما تحمله النصوص نحو القيم الغربية؛ إرضاءً للداعين له، وبذلك يقع في الحبولة التي دبَّرها له ولأمثاله دهاقينُ المُستشرِقين، فهو في سبيل دفع تُهم الجمود التي يَلصِقها الغربيون بالشريعة يَنجرِف إلى أقصى الطرف المناقض في بيان ما تنطوي عليه الشريعة من مرونة التطبيق؛ حتى يَبلغ بهذه المرونة حدَّ الميوعة وانعدام الذات والمقومات، التي تجعلها صالحةً لأن تكون ذيلاً لأي نظام وتبعًا للأهواء، وبذلك ينتهي إلى إلغاء وظيفة الدِّين؛ لأنه بدلاً من تقويم عوج الحياة بنصوص الشريعة، يحتال على نصوص الشريعة حتى يُبرِّر عوج الحياة المعاصِرة.

 

وتجري دراسات المُستشرقين ومؤتمراتهم نحو هذه الغاية الخطيرة، وهي تهدف إلى محاصرة الدين؛ لتضييق دائرة نفوذه، وقَصرِها على شؤون العبادات، وإلغاء المعاملات التي يقوم عليها تنظيم المجتمع.

 

كذلك فإن من محاذير أعمالهم مع بعض من يُؤيِّدهم من علماء المسلمين فكرةَ إعادة النظر في الدين وتطويره، ومنهم من يُطالب بوضع تجربة الدين وتجربة النبوة والمعجزات والصلاة والحياة الآخرة موضِعَ البحث، وإخضاعها لقوانين علم النفس الحديث، التي تقوم على الحدس، والتي تخضع للتغيير والتبديل.

 

• أعلن المُستشرِقون أن تأثير الفرنجة والتغريب لم يتجاوز المدن، وها هو الريف يُقتحَم اليوم تحت ستار ما يسمى بالتربية الأساسية.

 

ثانيًا - تبعية التعليم للغرب:

وماذا عن أن الخطر يأتي من جانب تبعية التعليم في البلاد العربية للمناهج الأجنبية؟

قال الدكتور محمد محمد حسين:

إن حصوننا مهدَّدة من داخلها، إن وزارات التربية والتعليم هي أهمُّ المعاقل والحصون الساهِرة على أمن الشعوب وكيانها؛ لأنها هي المؤتمنة على أثمن ما تَملِكه الأمة من كنوز، وهي الثروة البشرية بما تنطوي عليه من قوى مادية ومن ملَكات عقلية وخلُقية، ممثَّلةً في رجال الغد الذين تُشرف على تربيتهم، وهي ثروة تتضاءل إلى جانبها كلُّ كنوز الأرض؛ لأن كنوز الأرض لا تساوي شيئًا بدونها، فالعقل هو الذي يَستخرِجها، والحق الديني هو الذي يدفع الناس إلى بذل الجهد، وإلى إعمال هذا العقل فيما وُكل إليه من أمور، ولا ريب أن اتصال القائمين على شؤون التربية والتعليم في هذه البلاد العربية بالمؤسَّسات الغربية والتعاون معها في ترويج مبادئ وأساليب يُقال: إن المقصود بها هو رفع مستوى التعليم وإصلاح شؤون الجيل الجديد - أمر لا يُصدِّقه عقل، ويتَّفق مع ما يَبذُلون من محاولات ظاهرة وخفية لابتلاع هذه الأمة والكيد لها.

 

إن التقدم الصناعي لا يُغني شيئًا إن غَفلنا عما حفظه التاريخ من دروس وعظات، فتفرَّقت بنا السبُل، ودبَّ فينا دبيب الخلاف، ومزَّقنا الدعوات المتنافرة التي يَنقُض بعضها بعضًا.

 

والدين واللغة هما أهم دواعي الأُلفة والتماسُك في كل مجتمع إسلامي، والدين هو الذي يوحد العادات والأمزجة، فتجمع الناس فيما يحبون وفيما يكرهون، وفيما يألفون وفيما يُعادون على ألوان معيَّنة من الأساليب البيانية؛ لذلك كانت المعاهد والمؤسَّسات التي تقوم على صيانة الدين واللغة هي بمثابة الحصون والمعاقل التي تسهر على حمايتنا وسلامتنا.

 

وتحاول بعض الدول الغربية أن تجمع رجال التربية في مؤتمرات؛ لاحتوائهم وتوجيههم وجهتَها هي، والمركز الدولي للتربية الأساسية في العالم العربي لا عمل له إلا سَلخُ الريف العربي من دينه وخلُقه وعُروبته، وطبعه بالطابع الغربي، إمامًا لما بذله الغرب من جهود في فَرنَجة هذه المنطقة بعد أن أعلنَ المُستشرِقون أن تأثير الفرنجة أو التغريب لم يتجاوَز المدن، وهو احتيال خبيث لدخول الريف بعد أن عجَز التنصير، وعجزت الأساليب الاستعمارية عن اقتحامه إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وها هو يُقتحَم اليوم تحت ستار ما يُسمى: بالتربية الأساسية.

 

وهي بهذا تهدف إلى تغيير الأفكار والنزعات والاتجاهات على أسس غربية خالصة تُروج باسم العلم، هذا التغيير لا يُبالي أن يخالف الإسلامَ وتعاليمه؛ لأن القائمين على هذا التغيير هم مجموعة من الخواجات الذين يَختفون خلف الشخوص العربية، التي تبدو للناظر وكأنها تتحرَّك بإرادتها، وهي تسير وراء خطوط مرسومة.

 

وتَهدف هذه المؤسسات إلى إفساد المرأة الريفية وفرنجَتِها واستِئصال حياتها، وخلط الذكور بالإناث، وإخراج المرأة للأسواق، وامتهانها بين الرجال؛ مما يُعرِّض المجتمع كله للفساد والانحلال والاندِثار، والهدف الخفي هو استقصاء معلومات دقيقة من مصادر موثوق بها تخدم الذين يرسمون الخطط السياسية والحربية لهذه المنطقة.

 

وكذلك يرمي إشراك البنين والبنات في الرحلات، وهو ما تدعو إليه الماسونية، يتحول إلى أنظمة عملية.

 

إننا إذا احتَجْنا إلى الاستفادة من خبرة الغرب وتفوُّقه في الصناعات الآلية التي كانت سببًا في مجده وسيادته، فمِن المؤكَّد أننا في غير حاجة إلى استيراد قواعد السلوك والتربية والأخلاق التي تدل الأمارات والبوادر على أنها ستؤدي إلى تدمير حضارته، والقضاء عليها قضاءً تامًّا في القريب العاجل.

 

ثالثًا - بعث التاريخ القديم:

قلت:

وماذا ترى في دعوة التغريب والشعوبية والغزو الثقافي في إحياء الحضارات السابقة على الإسلام؟!

قال الدكتور محمد محمد حسين:

• هذا خيط من الخيوط الأساسية التي تُكوِّن الشرَك الذي يراد به احتواء المسلمين: مجتمعهم وفكرهم، فإن المُستشارين الغربيين اليوم في البلاد العربية يَدْعون إلى العناية بالتاريخ القديم، وإلى أن يَبذُل علماء الآثار الغربيون جهدًا مشتركًا لتدريب علماء الآثار المسلمين، وهو هدف يرمي إلى تلوين الحياة المحلية في كل بلد من بلاد دار الإسلام بلون خاص يَستنِد في مقوماته إلى أصوله الجاهلية الأولى، وبذلك تعود الحياة الاجتماعية التي وحَّد الإسلام مظاهِرَها إلى الفُرقة والتشعُّب برجوعها إلى أصولها القديمة السابقة على الإسلام، فيَستريح المستغلون من احتِمال تكتُّل المسلمين.

 

علينا أن نَكشِف خصائص هذه الدعوة وتبيين خطورة أهدافها، التي لا تخدم إلا مطامع الغرب التي يتوسَّل إليها في البلاد العربية وفي العالم الإسلامي بتقطيع أوصالها، وبثِّ روح التنافر والتدابر والتقاطع بين أفرادها وجماعاتها؛ استدامةً للوضع الراهن الذليل الذي كانت فيه، وتحاشيًا لاتِّحادها الذي يؤدي إلى قوتها، وقد ظهرت الدعوة إلى إحياء الحضارات السابقة على الإسلام في وقت واحد من تركيا، والشام، ومصر، والعراق، وشمالي إفريقيا، والهند، وإندونيسيا بمظهر واحد وأساليب متشابهة.

 

ومن ذلك استِخدام الفلكلور لهذا الغرض أيضًا، والبحث عن كل ما يتَّصل بعادات الشعوب وتقاليدها وخرافاتها وأساطيرها ومُعتقداتها وفنونها، وكل ما يجري على ألسنتها من أغانٍ وأمثال، أو شتائم وأهازيج، وتهدف من وراء ذلك إلى التعمُّق في تحليل نفوس أصحابها وإدراك دوافعها ونوازعها، وفهم ما ينتظم عواطفها من منطق؛ بُغية الوصول إلى أمثل الطرق وأحذق الخطط للتمكُّن من هذه الأمم واستغلالها وإدامة عبوديتها...

 

رابعًا - تدمير المجتمع الإسلامي:

قلت:

وماذا عن التحديات التي تواجه المجتمع الإسلامي نتيجة لمُخطَّطات التغريب؟

قال الدكتور محمد محمد حسين:

• إن هناك هدفًا مبيَّتًا، هو: فرنَجَة المرأة الشرقية وحَملها على أساليب الغرب في شتى شؤونها، في الزواج والطلاق، وفي المشاركة في العمل والإنتاج، وفي شتى الميادين، وفي الزي والمَحافل.

 

هذا الاتجاه هو بدورِه جزءٌ من اتِّجاه أكبر يراد به سَلخُنا من أدب إسلامِنا وتشريعه، وإلحاقنا بالغرب في التشريع والأدب والموسيقا والرسم وسائر شؤون الحياة من جدٍّ ولهوٍ، وأبرز جوانبه ناحيتان: اختلاط النساء بالرجال، واشتغال النساء بأعمال الرجال.

 

وأحبُّ أن أنبِّه أن هذه الخيوط كلها تجري في اتجاه واحد، هو خطة الصِّهيَونية الكبرى للسيطرة على العالم عن طريق هدم كل ما فيه من قوى، ومن قولهم في البروتوكولات: إن لفظة الحرية تجعل المجتمع في مصارعة مع جميع القوى، بل من قوة الطبيعة وقوة الله نفسِها، وقولهم: نحن الذين هيأنا لنجاح [داروين، وماركس، ونيتشه]، إن ما ينادى به على أنه حقوق المرأة لا يهدف إلا إلى مخالفة عرف راسخ، وتحطيم قاعدة مُقرَّرة، وإقامة عرف جديد في الدين والأخلاق والذوق، وخَلق المُبرِّرات والمقومات التي تجعل انسلاخنا عن إسلامنا وعروبتنا وشرقيتنا أمرًا واقعًا، كما يجعل دخولنا في دين الغرب ومذاهب الغرب وفسق الغرب أمرًا واقعًا كذلك، وأخطر ما في هذه الدعوة وأمثالها مما يراد به حملنا على كل فاسد من مذاهب الغرب - أن أصحابها يهدفون إقحامها على إسلامنا، زاعمين أنها لا تُعارضه.

 

وقد كان قاسم أمين هو أول من جرَّأ الناس على تحريف النصوص حين طلع علينا لطائفة من المزاعم التي تقوم على المخارق، وعلى النصوص المُحرَّفة عن موضوعها والمخلوعة عن سياقها خلعًا يُخرجها من مدلولها، وحين تصيَّد من كتب التاريخ ورواياته على اختلاف درجاتها ودرجات مؤلفيها كلَّ شاذٍّ غريب فحشَدها في حيز واحد، وضم بعض أشتاتها إلى بعض حتى خُيِّل إلى قارئها على أنها - على شذوذها وقلَّتها - شيء مألوف كثيرُ الوقوع.

 

إن كثيرًا من النصوص التاريخية والفقهية التي اقتطعها ناقصة الدلالة، غامضة العِبارة، وقد استطاع أن يروِّج ذلك كله بين الناس بمرور الأيام؛ بفضل قوة حزبه الذي كان يُنوِّه به للورد كرومر في تقريره، وهو الحزب الذي علق كرومر عليه الآمال في رعاية المصالح الإنجليزية؛ عن طريق إنشاء علاقات الودِّ والتفاهم بين الإنجليز والمسلمين في مصر.

 

وقد تبين من بعد فساد الاستدلال بهذه النصوص، حتى إن شوقيًّا قال في قصيدته "رثاء قاسم أمين" ما يدل على ذلك:

وَلَكَ البَيانُ الجَزلُ في
أَثنائِهِ العِلمُ الغَزير
من مَطلَبٍ خَشِنٍ كَثي
رٌ في مَزالِقِهِ العُثور
ما بِالكِتابِ وَلا الحَدي
ثِ إِذا ذَكَرتَهُما نَكير
حَتى ليسأَلُ هَل تَغا
رُ عَلى العَقائِدِ أَو تُغير

 

خامسًا - سموم التغريب في الجامعة العربية بعد الجامعة المصرية:

ماذا عن المؤلفات المسمومة التي أخرجَتْها الجامعة العربية في فترة تولي الدكتور طه حسين لرئاسة اللجنة الثقافية، وهي: "مختارات أمرسون اليهودي" و"قصة الحضارة"؛ لويل ديورانت، و"الثقافة والحرية"؛ لديوي، وغيرها من المؤلفات التي تحمل سموم الطعن في التاريخ الإسلامي وإشاعة المفاهيم الصِّهيَونية؟!


إن التقدم الصناعي لا يغني شيئًا إن عَقلْنا ما حفظه التاريخ من دروس وعظات.


• هذا من عمل الدكتور طه حسين الذي تشهد كتبه أنه لم يكن إلا بوقًا من أبواق الغرب، وواحدًا من عملائه الذين أقامهم على حراسة السجن الكبير، يروِّج لثقافاته ويُعظِّمها، ويؤلف قلوب العبيد ليجمعهم على عبادة جلاَّديهم.

 

طه حسين الذي لم يملَّ الكلام عن جامعة البحر المتوسط التي دعَت إليها فرنسا بالأمس والتي تدعو إليها أمريكا اليوم، طه حسين الذي زعم لمصر أنها جزء من البحر المتوسط في مقومات شخصيتها، وليست جزءًا من عرب نجد واليمن والبحرين والعراق والسودان، طه حسين الذي لم يرَ العرب في وهمِه أمةً؛ لأن قوام الدول في زعمه: المنافع المادية، ولأن تطور الحياة الإنسانية قد قضى من عهد بعيد على وحدة الدين ووحدة اللغة، وجعلهما لا يصلحان أساسًا للوحدة السياسية ولا قوامًا لتكوين الدول، طه حسين الذي لا يؤمن بهذه الحقيقة؛ لأنه يزعم للعرب أن السبيل إلى نهضتهم ليس هو ترجمة العلوم؛ ولكن السبيل إلى نهضتهم أن يذوبوا في الغرب، وهذا عمله في الجامعة العربية بعد عمله في الجامعة المصرية...

 

سادسًا - تطوير قواعد اللغة العربية:

وماذا عن مخططات التغريب في مجال اللغة العربية؟!

• إن الدعوة التي يسمونها "تطوير قواعد اللغة العربية"، أو تهذيبها أو تيسيرها أو إصلاحها أو تجديدها، تعني شيئا واحدًا، هو التحلل من القوانين التي صانت اللغة العربية خلال ألف عام أو يزيد، وقد اقترنت هذه الدعوة بصعوبة قواعد اللغة العربية وتوقُّفها عن النمو والتطور، وتخلفها عن مسايرة العصر والانتفاع بما استحدثه الدارسون في الدراسات.

 

وهي دعوة باطلة من وجهين: هي باطلة أولاً؛ لأنها تتجاهل سنة الله من خلق الناس شعوبًا وقبائل، وكان من آياته وسننه فيهم اختلاف ألسنتهم، وطبيعي حين تختلف الألسنة أن تختلف قواعدها؛ لأن القواعد التي تنظم لغة كل مجتمع تنبع من واقعها وتلائم طبيعتها ونظامها.

 

ومحاولة توحيد القواعد والنظم في اللغات، أو في الجماعات البشرية على وجه العموم - غرض خبيث، يعلم الداعون بها أو لا يعلمون أنها فرع من محاولات متعددة، تتجه كلها إلى هدف واحد، هو طمس الفوارق المميِّزة بين الأجناس والجماعات البشرية، دينية كانت هذه الفوارق أو قومية، أو فنية جمالية، مما تسعى إليه الصهيونية العالمية؛ حتى تنحل الروابط التي تقوم عليها المجتمعات البشرية المختلفة، فلا يبقى على وجه الأرض مجتمع متماسِك غير المجتمع الإسرائيلي.

 

والوجه الآخر: أن أصحابها حين عاينوا الداء، لم يصيبوا الدواء، رأوا ضعف الجيل الناشئ في اللغة العربية، وانصرافَه عن تُراثها، وعجزَه عن تذوق أساليبها وروائعِ أدبها، فظنُّوا أن العِلة في قواعد هذه اللغة، والحقيقة أن العِلة في الذين يُعملون القواعد أو يَتعلمونها، فكلاهما مقصِّر، وكلاهما مما ابتُليت به الأمة العربية في سائر مَناشِطها من العجز والتفريط وضعف الهمم.

 

وقد ظلت هذه اللغة قرونًا طوالاً تزيد على ألف عام، صلَحتْ فيها لمواكبة الأجواء الحضارية التي تقلَّبوا فيها بين مشارق الأرض ومغاربها، لم تَضِق بشيء منها، ولم ينتبهوا إلى وجود هذا النقص في اللغة إلا في نصف القرن الأخير؛ تقليدًا لدعاة المُستغربين الذين أخذوا يؤلفون الكتب في اللهجات العامة، واقترحوا هذه اللهجات لغات لتحلَّ محل العربية الموحدة في تدوين العلوم والآداب، كما اقترحوا كتابتها بالحروف اللاتينية.

 

وخطر هذه الدعوات على التراث الإسلامي وعلى الأجيال التالية بين أبناء المسلمين، وأبناء العرب خاصة - واضِحٌ لا شك فيه؛ فكلُّها ترمي إلى عزل هذه الأجيال عن تراثها؛ بتغيير رسم الخطِّ تارة، وبتطوير اللغة من نحو وصرف وبلاغة تارة ثالثة، وهو مصطلح يشيع استعماله في كل كتب التراث من تفسير القرآن الكريم، وشرح الحديث الشريف، وشرح النصوص الشعرية والنثرية.

 

ثم جاءت بعد ذلك خطوات لتطبيق أساليب جديدة منقولة من دراسات اللغات الغربية، أو ما يسمى (علم اللغة العامة)، واقترنت هذه الدعوة بالعِناية باللهجات العامية وآدابها، أو ما يُسمونه بالأدب الشعبي، ونشأت باقتراح بعض المستشرقين من رجال الاستعمار حين جمَعوا طائفة من الأغاني والمراثي والمواويل والأناشيد العامة تروِّج لدعواتهم، واتخذوا بعض ما يسمونه الأدب الشعبي في ألف ليلة وليلة موضوعًا للدراسة، هذه الدراسات نشأت نشأة فاسدة في حضانة الاستعمار.

 

لنكن صرحاء مع أنفسنا، من أين جاءتنا هذه الدراسات؟

هل نشأت لحاجة تَنبعث من واقعنا؟ إنها اقتُرحت بواسطة أجهزة الاستعمار والتنصير، وقد كانت في أول الأمر في الصحف والمجلات، أما الآن، فقد دخلت إلى نطاق المعاهد الدراسية والجامعات، حين أرسلوا بعثتين إلى إنجلترا لدراسة اللهجات واللغويات على طريقة الغربيِّين، وعاد كل هؤلاء وكلُّ بضاعتهم التي لا يحسنون سواها هي دراسةُ اللهجات، وسارت دراسات الأدب الشعبي مواكبة لهذا الاتجاه في الوقت نفسه في كليات الآداب ودار العلوم، زعم المخدوعون والمفسدون أن الغرض من دراسة اللهجات تعليم المنهج، فلأيِّ غرض نريد أن نتعلم منها دراسة لهجات العربية العامة، ووضع قواعد لها، إذا لم يكن ذلك تمهيدًا لإكسابها شيئًا من الاحترام، ورفع قدرِها عند عامة الناس؛ توطئةً لاتِّخاذها لغة للأدب والتدوين، أو تطعيم العربية الفصحى بها على أقل تقدير، وللوصول إلى ما يُسميه بعضهم: اللغة الثالثة أو اللغة الوسط؟!

 

والحقيقة أن لنا منهجَنا الخاص الذي أثبَت ألف عام أو يزيد صلاحيته، ولا حاجة لنا بهذا المنهج الوافد، فقد صان منهجُنا اللغة العربية بحمد الله ولا يزال، وواجه احتياجاتها وما جدَّ من شعوبها طوال تلك القرون، فاصطلى بها ولم يعِ ولم يَضِق بضبط تطوُّراتها وتوسُّعاتها من بغداد شرقًا إلى أقصى بلاد المغرب والأندلس غربًا.

 

وإذا استُحدِثت مناهج جديدة ومصطلحات جديدة، فقد حكمنا بالإعدام على تراثنا، لا على تراثنا النحوي والصرفي واللغوي وحده، بل على التراث كلِّه الذي يَستعمِل هذه المصطلحات في تفسير القرآن وفي شروح الحديث، وفي شرح دواوين الشعر ومختاراته، وهو تراث سوف يتمسَّك به المسلمون من غير العرب وينفرد بمخالفته العرب.

 

فلنضع السؤالَ الصريح الذي فيه فصل الخطاب، هل نريد أن نظل مسلمين تحمينا أصول الإسلام، ونتعرَّف وجوه النفع والضرر من وجهة نظر إسلامية، أم أننا نخدع أنفسنا ونُنافق الناس؟! ليتنا نعرف أننا لا نَخرق الناموس، ولا نَهرب من حكم الله، وأن الذي يرفض أن يعمل عملاً مأجورًا من الله والناس، يضطر في آخر المطاف أن يعمل لعدوِّه مستعبَدًا دون أجر.

 

سابعًا - كتابات الأدباء عن الإسلام:

ماذا ترى في كتابات العقاد وطه حسين الإسلامية؟!

• إن طه حسين والعقاد لا ينتميان أصلاً إلى المدرسة الإسلامية من الناحية الفكرية، ولكنهما ينتميان منذ نشأتهما الأولى إلى المدرسة الليبرالية المتحررة، التي تعتبر (لطفي السيد) أستاذها الأول في جيلهما، والمدرسة الليبرالية تُحكِّم العقل المجرَّد والمتحرر من كل المواريث الفكرية والسلوكية، في كل شيء، ولا تبالي أن تلتقي مع الدين في كل وجهات النظر أو في بعضها، أو تعارض معه وتخالفه، ولكن كان طه حسين أكثر عنفًا وأكثر جرأة في معارضة الدين، وفي المُجاهَرة بما يُثير الناس؛ ليلفت إلى نفسه الأنظار، لقد هاجم طه حسين أباه فيما كان يتلوه من أوراد في أعقاب الصلاة وفي الليل (في كتاب الأيام).

 

إن طه حسين والعقاد قد اكتسحَتْهُما الموجة الإسلامية العارمة، فتتابعت كتُبهما بعد أن أصبح ذلك هو البدع الشائع الذي يغمر الأسواق، ولم يعد التشدُّق بالكُفر ونظرياته المستوردة سمة من سمات المفكرين تستهوي الأغرار من الشباب كما كان في العشرينيات.

 

ويرجِع هذه الانقلاب الفكري إلى عدة عوامل عدلت بالناس وبكثير من المفكرين عن طريق احتذاء الحضارة الغربية والفكر الغربي، وردتهم إلى طريق الإسلام: موجة التنصير، هجرة اليهود إلى فلسطين، سقوط الخلافة على يدِ الكماليين، ظهور جَمعيات إسلامية عظيمة.

 

قاعدة أساسية ينبغي أن توضع في الحسبان حين يوزَن الأدباء والمفكرون من وجهة النظر الإسلامية، وهي أن: الإسلام نظرية في السلوك بمثل ما أنه نظرية في المعرفة؛ ولذلك كان من المهم ألاَّ يقبل فكر إسلامي أو أدب إسلامي من مفكر أو أديب لا يمارس الإسلام ولا يلتزم به، ومعروف أن طه حسين والعقاد لم يكونا ممارسينِ للإسلام في أصوله الأصيلة.

 

ثامنًا - موجة الشعر الحُر:

وماذا ترى في موجة الشعر الحر التي استَشرتْ في البلاد العربية؟!

• الشعر الحر في أصل نشأته شُعبة من اتجاه عام يدعو إلى تقليد الغرب في فِكره وحضارته، فانطلاق الشعر من القافية التي ظل يلتزمها طوال هذه القرون منذ عرَفْنا الشعر العربي - دعوةٌ تستمد حجمها ومُبرراتها من الشعر الغربي الذي لم يَعرِف القافية إلا في حدود ضيقة من آثار احتكاكه وتأثره بالأدب العربي في الأندلس، ولماذا الحِرص على تسمية هذا النوع من الأدب شعرًا؟ إنه أدب نثري! ولم يقل أحد: إن الأدب النثري يخلو من التصوير، ومن التأثُّر والتأثير العاطفي، بل إنه حين يخلو منهما لا يصح أن نعتبره أدبًا على الإطلاق.

 

إن هذا الحرص على تسميته شعرًا لم يَجئ إلا من اعتباره شعرًا عند الغربيين، وهو على كل حال آخذٌ في التراجع والتقلُّص، وقد بدأت موجته في الانحسار بعد أن بلغت ذروتها في العقدَين السابقين من هذا القرن، وكان كل ما تركته من أثر هو ضعف هذا الجيل، وعجزه عن تذوق الشعر العربي الأصيل في تراثه الطويل، وكان مما فُتن به أصحابه أنهم تَصوَّروا أنفسهم أنهم أصبحوا شعراء عالَميِّين بعد أن تُرجم بعض شِعرهم للغات الأوروبية كأنهم يَكتُبون للغرب ولا يكتبون لقومهم من العرب، وكأن شرطًا من شروط الأدب الجيد أن يكون مقبولاً عند غير أهله؛ ولعل هذه الترجمات كانت وجهًا من وجوه المُخطَّط الذي يُغري بترويج هذا الاتجاه الذي ينتهي أن نجح إلى قطع ما بين حاضرنا الأدبي وبين تراثنا من صلات، ولقد كان أصحاب هذا الاتجاه يُدافِعون عن مذهبهم بحُجَج، أبرزها اثنتان:

الأولى:

أن القافية قيد يَلتزمه الشاعر على حساب عناصر الشعر الأخرى؛ من فكر، وصور، وعاطفة.

 

الثانية:

أن إغلاق باب التجديد، وتقييد حرية الفنان في ابتِكار ما يناسبه من قوالب وأساليب - يشلُّ انطِلاقه، ويَنتهي إلى حال من الركود والجمود، يتخلف معها الشعر ويتراجَع.

 

والرد على الحجتين سهلٌ ويسير: أما الحجة الأولى، فهي تعلَّة الضعفاء الذين يعجزون عن النهوض بأعباء الشعر من كل جوانبه وعناصره، وقد نهض بها الفحول من الأقدمين، فما رأينا في شِعرهم جورًا على الفكر والصور بسبب التزام القافية، وفن الشعر للقادرين عليه....

 

وفي النثر متَّسع لغير القادِرين، والبعد عن ميدان الأدب جملةً أَولى بالعاجزين، أما عن دعوى التجديد وحرية الفنان، فقد توافَرا دائمًا على مدار القرون، وفي مختلف العصور والبيئات، فجدَّد شعراء العرب وابتكروا ما ابتكروا، وأضافوا ما أضافوا في حدود طبيعة الشعر العربي، ومع التزام مقوماته الأصيلة، فاختلفتْ ألوانُه باختلاف العصور والبيئات، ومع ذلك فقد كان هذا الابتكار في أشكال الشعر وقوالبه وقوافيه قصير العمر، ولم يلبَث الشعر أن عاد إلى النبع الأصيل، وحين بدأت نهضة الشعر المعاصر بعد ركود طويل منذ ما يقرب من قرن، عاد رُواد النهضة إلى النبع الأصيل يستقون منه ويسقون.

 

ثم إن دعوى الحرية بلا قيود في أي جانب من جوانب الحياة هي دعوى تقوم على سَذاجة الداعي إليها أو سوء قصدِه؛ فليس هناك حرية مُطلَقة للإنسان ولا لشيء من خلق الله، وليست الحرية المُطلَقة إلا الهوى ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].

 

نعم؛ لو كان للأرض اختيار لدارت كما تهوى، ولو كان للشمس ولسائر الكواكب اختيارٌ لجرَت على ما تهوى، ولو كان للكائنات التي تخضَع لسُنن الله الكُبرى القاهرة من تجاوب وتنافُر من اختيار لفسَدَ الكون وبطَلت الحياة، ومن سنن الله الكبرى أن يكون الناس شعوبًا وأممًا، وأن يكون لكل أمة لسانُها الخاص، ومزاجها وتقاليدها، والفنون على اختلافها لها انتماء قومي، وشَرطها الأساسي أن تَجمُل عند قومها أولاً وقبل كل شيء، وليس مهمًّا بعد ذلك أن تَجمُل أو تَحسُن عند غيرهم، والكلام عن الإنسان في هذا المجال وعن العالمية ضارٌّ جدًّا وهادم لأسباب النهضة عند الأمم الضعيفة بنوع خاص؛ لأنها لا يقوم لها نهضة إلا على مغارِسها وأصولها الأولى، والنهضة على غير هذا الأساس فَناءٌ لذات العُنصر الأضعف في العنصر الأقوى.

 

هذا، وقد كان من الأسئلة كثير وكثير، ورحم الله الدكتور محمد محمد حسين وأجزَل مثوبته.

 

نُشرت في مجلة "الأمة"

العدد الحادي والثلاثون - السنة الثالثة رجب 1403هـ - نيسان (أبريل) 1983م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشيخ محمد محمد حسين رحمه الله (ترجمته وأعماله)
  • حوار جامعي!

مختارات من الشبكة

  • من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الحوار - طرفا الحوار)(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • محاذير الحوار (متى نتجنب الحوار؟)(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحوار في الدعوة إلى الله (مجالات الحوار الدعوي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحوار المفقود (تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحوار وسيول الجدال(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • نتائج الحوار(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • أدب السؤال في الحوار(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حوار مع " بول موجز " حول الحوار بين المسيحيين والمسلمين(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حكم الحوار(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • حوار مع الشيخ الدكتور ذو الكفل محمد البكري مفتي ماليزيا(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب