ليس للسيوطي كتاب بعنوان ( بديع الصنع )

ليس للسيوطي كتابٌ بعنوان (بديع الصنع)

في سنة (904هـ) شرع الإمامُ جلال الدين السيوطي بتأليف كتابٍ كبيرٍ قَصَدَ منه جمع الأحاديث النبوية الموجودة كلها، وسماه (جمع الجوامع)، وقد رأى في تلك السَّنة مناماً سجَّله في ورقةٍ صغيرةٍ لطيفةٍ، ولم يذكرْهُ لأحدٍ، وهذه الورقة وَقَفَ عليها تلميذُه عبدالقادر الشاذلي بعد موته، فأورد ما فيها في كتابه (بهجة العابدين بترجمة الحافظ جلال الدين) ص148، وهو قوله:

(الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. رأيتُ في المنام ليلة الخميس ثاني شهر ربيع الأول سنة أربع وتسع مئة كأني بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له كتاباً شرعتُ في تأليفه في الحديث وهو (جمع الجوامع)، وقلتُ له: أقرأُ عليكم شيئاً منه. فقال لي: هات يا شيخَ الحديث.

وهذه البُشرى عندي أعظمُ من الدنيا بحذافيرها).

وتوفي الشيخُ ليلة الجمعة 19 من جمادى الأولى سنة 911 هـ، ولم ينتهِ من هذا الكتاب، وقد قَطَعَ فيه شوطاً كبيراً.

وقد تحدَّثَ الشاذليُّ في (بهجة العابدين) عن هذا فقال ص146:

(كان -رحمه الله- يقول: أكثر ما يوجد على ظهر الأرض الآن من الأحاديث مئتا ألف حديث. وربما قال: ونيِّف، لا يوجد غيرها.

ولعل ذلك القدر الذي ذكره هو الذي أراد جمعَهُ في الكتاب الذي سماه (جمع الجوامع)، وقَصَدَ فيه جمعَ الأحاديث النبوية الموجودة على ظهر الأرض بأسرها، والحكمَ على كل حديثٍ منها، فجمعَ فيه نحو مئة ألف حديثٍ أو ما يقاربها، في أحد وعشرين جزءاً بخطه -رحمه الله- واخترمته المنيةُ قبل تمامهِ).

وجاء في "فن الحديث وتعلقاته" من (فهرسة المؤلَّفات) للسيوطي نفسهِ، وقد أورده الشاذلي في كتابه المذكور كاملاً:

(جمع الجوامع في الحديث. مرتب على حروف المعجم. بديع الصنع. لم يتم).

ومثله في (فهرسة المؤلفات) الذي أورده الداودي في (ترجمة الحافظ السيوطي)، ورأيتُ عنده زيادةً في تحديد ما تمَّ منه، ونصُّه:

(جمع الجوامع في الحديث. مرتب على حروف المعجم. بديع الصنع. كتب منه نحو ثمانين ألف حديث، وكان غرضه أن يتمه مئتي ألف حديث كما سمعناه منه، فبغته الأجلُ).

نخلصُ مِنْ هذا إلى أنَّ قوله: (بديع الصنع)، و قوله: (لم يتم) وصفٌ لـ (جمع الجوامع) هذا.

وقد ظنَّ عددٌ من الأساتذة الفضلاء جملةَ (بديع الصنع) اسمَ كتابٍ آخر غيرِ (جمع الجوامع)، فأفردوهُ بالذكر، ومنحوهُ رقماً مستقلاً!

وهكذا نشأ كتابٌ موهومٌ لا حقيقةَ له ولا وجود، وصار (جمع الجوامع) تاماً، وهذا الكتاب الموهوم هو الذي لم يتم!

ومن هؤلاء الأساتذة المشار إليهم -على حسب تواريخ نشر أعمالهم-:

1- الأستاذ إياد خالد الطبّاع في كتابه (الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي معْلَمة العلوم الإسلامية) المطبوع سنة 1417هـ - 1996م، ص325.

2- الدكتور عبدالإله نبهان محقِّق (بهجة العابدين بترجمة الحافظ جلال الدين) المطبوع سنة 1419هـ - 1998م.

3- الدكتور محمد خير بقاعي في " فهرسة المؤلفات" الذي أفرده بالنشر من (ترجمة السيوطي) للداودي، في مجلة الدرعية سنة 1421 هـ - 2001م.

4- الدكتور يوسف المرعشلي في (فهرسة مؤلفات السيوطي) الذي وضعه في صدر تحقيقه لـ (زاد المسير في الفهرست الصغير) المطبوع سنة 1428 هـ - 2007م.

وكان مِنْ عادة الدكتور عبدالإله نبهان التعليقُ على كلِّ كتابٍ بذكرِ مصادرَ ذكرتْهُ، وذكرِ نُسَخٍ خطيةٍ له، وطبعاتهِ.

وقد اكتفى في (بديع الصنع) بوضع حاشيةٍ فيها إشارةُ استفهام، لأنه لم يجد أحداً ذكره، ولا وجد نُسخاً له.

وأنى يجدُ ذِكْراً له ونُسَخاً منه وهو -كما قلتُ- كتابٌ موهومٌ!