• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الوطنية وتعدد الثقافات في الفكر الإسلامي

د. أحمد بن عبدالعزيز الحليبي

المصدر: مجلة جامعة الملك سعود، م19، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية، ص1-47.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2007 ميلادي - 9/5/1428 هجري

الزيارات: 46384

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
ملخص البحث:
هل يمكن أن تتعدَّد الثقافات مع الانتماء إلى وطن واحد؟ أو بصيغة أخرى: هل يمكن أن يوجد وطن واحد يتعايش على أرضه في وئام ذوو ثقافات متعدِّدة؟
يحاول هذا البحث أن يجيب عن هذا السؤال من وجهة نظر الفكر الإسلامي، متَّبعاً في ذلك منهج القرآن الكريم في ردِّ ما تنازع فيه المختلفون إلى الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ابتغاء الحق، ومتعاملاً مع هذا الموضوع بشمولية، وواقعية، وحكمة تنسجم مع عناية الإسلام بوحدة الأمة، وتآلف قلوب أفرادها، واجتماع كلمتهم، وتحذيره من أن يكون التنازع - ومنه التنازع الثقافي - سبباً في حصول العداوة والفُرقة بينهم.
وقد تناول البحث القضايا التالية: معنى الوطن، مفهوم الوطنية في الفكر الإسلامي، الوطنية والثقافة، وظيفة الثقافة الإسلامية في بناء هُوية الوطن الثقافية، الهوية الثقافية وتعدد الثقافات، الثقافة الإسلامية وتعدد الثقافات، تعدد الثقافات داخل الوطن الإسلامي، الثقافة الوطنية و(العولمة).

المقدمة
:
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
تشهد الساحة الثقافية في البلاد الإسلامية اليوم تداخلاتٍ فكريةً وصراعاتٍ مذهبيةً، وتتعرض لتطورات سياسية واجتماعية، وفي ظل هذه التداخلات المعقَّدة، والتطورات المتلاحقة يُطرَح السؤال التالي:
هل يمكن أن تتعدَّد الثقافات مع الانتماء إلى وطن واحد؟ أو بصيغة أخرى: هل يمكن أن يوجد وطنٌ واحدٌ يتعايش على أرضه في وئام ذوو ثقافات متعدِّدة؟
لهذا السؤال أرضية يقف عليها، والإجابة عليه متأثرة باتجاهات فكرية، وعقائدية مختلفة. أما الأرضية فهي واقع المجتمعات الإسلامية الذي تجمعه ثقافة إسلامية عامة، وتفرقة ثقافات متعدِّدة ذات صفة خاصة، وأما الاتجاهات الفكرية والعقائدية فتتنازع الإجابة، وتؤثِّر عليها تأثيراً ظاهراً.
يحاول هذا البحث أن يجيب عن هذا السؤال من وجهة نظر الفكر الإسلامي متَّبعاً في ذلك منهج القرآن الكريم في ردِّ ما تنازع فيه المختلفون إلى الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ابتغاء الحق، كما قال - تعالى -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}. [النساء: 59]. ومتعاملاً مع هذا الموضوع بشمولية وواقعية، وحكمة تنسجم مع عناية الإسلام بوحدة الأمة وتآلف قلوب أفرادها واجتماع كلمتهم، وتحذيره من أن يكون التنازع - ومنه التنازع الثقافي - سبباً في حصول العداوة والفرقة بينهم.
إن موضوع (الوطنية وتعدد الثقافات) يتصف بالحيوية والإشكالية معاً؛ بحيث مهما دُرس لا يمكن أن ينتهي عند رؤية يُجمع عليها؛ نظراً لما للناحية المنهجية والعقدية والثقافية والتربوية من تأثير في قبول التعدُّدية الثقافية ورفضها؛ بل غاية ما يمكن قوله: أنه موضوعٌ جديرٌ بالاهتمام والعناية، يحتاج إلى مزيد من الدراسة توضِّح جوانبه، وتعالج إشكالياته المتشعِّبة.


معنى الوطن
الوطن في اللغة هو: المنزل الذي يقيم فيه الإنسان، ويتخذه محلاً وسكناً له [1، ج 6ص 4868]، وقد سماه القرآن الكريم الدار والديار في قوله - تعالى -: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَْ} [العنكبوت: 37]، وقوله - تعالى -: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] وسمَّته السُّنة: الوطن والدار، في حديث: ((هي وطني وداري)) [2، ج3، ص177].
والموطن: هو مكان مولدِ الإنسان، ومأهلِه ومنشئه، الذي فُطر على حب القرار فيه والحنين إليه. [3، ج3، ص1252].

والمواطنة لها معنيان:
الأول: معنى فطري غريزي، نابعٌ من حب الإنسان لوطنه وشعوره بالانتماء إليه، وحنينه إليه، نتيجة لإلف المكان وتذكُّر مرابع الصبا ومآرب الشباب، كما قال الشاعر ابن الرومي:

وَحَبَّبَ أوْطانَ الرِّجال  إليهمُ        مآرِبُ قَضَّاها الشَّبابُ هُنالِكا
إذا ذُكِّروا  أوطانَهم  ذكَّرَتْهُمُ        عهود الصِّبا فيها فحنُّوا لذلِكا

وهو حبٌ وانتماءٌ غريزيان، يشترك فيهما الإنسان والحيوان والطائر على حدٍّ سواء.
المعنى الآخر: معنى فكري مذهبي؛ هو أعمق من أن تكون المواطنة مجرد نزعة شعورية، وميلاً فطرياً طبيعياً إلى المكان الذي ولد فيه الإنسان، ونشأ على أرضه؛ إذ حوَّلت المذهبية الفلسفية المواطنة إلى نزعه فكرية مذهبية، لها مبادئها العامة، وطقوسها السلوكية، تزرع في نفوس الناس، ويُنشَّأ عليها ناشئة المجتمع، وتحاكم مواقف أتباعها عليها، ويُنظر إلى الآخرين من خلالها [4، ص172].

تاريخ الوطنية في الفكر الإنساني
الوطنية من المفاهيم الحديثة التي فرضت نفسها على خريطة الفكر الإنساني، وإن كانت ذات جذور عميقة في التاريخ؛ فهي بهذه الصفة الفلسفية عُرفت في المجتمعات القديمة، ومن أشهر صورها وطنية اليونان التي كانت تُقسِّم المجتمع إلى أحرار وعبيد، وتُمايز بينهم في الحقوق والواجبات، ثم وطنية الإمبراطورية الرومانية التي كانت تنظر إلى الشعوب الأخرى المنضوية إليها بصفتهم عبيداً تابعين للوطن الأم، فلا تقبل من هؤلاء الأتباع الانصهار في بوتقته والاندماج به، وظهرت هذه النزعة من جديد مقترنةً بقوميَّات محليَّة في أوروبا بعد الثورة الفرنسية؛ لتحل محل النزعة الدينية المسيحية تدريجياً، وأصبحت من معطيات القرن التاسع عشر الميلادي الموجِّهه لكل نُظُم الدولة نحو خدمة هذه النزعة المذهبية [5، ص47].
لقد استطاعت هذه النزعة أن تقسِّم أوروبا إلى إمارات شعبية متصارعة، كل إمارة تكرس النظرة الوطنية للأشياء والآخرين، وتعمل على تحويل القيم العامة إلى قيم وطنية خاصة، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين هذه الدول، وتأجيج الحروب بينها لسنوات طويلة، وتوريث الخراب والدمار للأجيال كما قال الفيلسوف البريطاني برتراند رسل (Bertrand Russel  ) في الوطنيين الألمان: "يخيَّل إليهم أن مصالح ألمانيا هي وحدها المصالح الجديرة بالاعتبار، دون أن ينازعهم في ذلك منازع، وليس من شأنهم هم - مادام همهم هو هذه المصالح - أن يفكروا فيما يصيب الأمم الأخرى من أضرار، ولا فيما تجرُّه هذه السياسة من تخريب للمدن، ودمار للأهالي، ولا ما يلحق بالحضارة من تلف لا يمكن إصلاحه". وكلامه هنا عن ألمانيا النازية التي تبنَّت نزعة الوطنية، ومقولة: إن ألمانيا وحدها القادرة على قيادة العالم [5، ص50]، وما إن وضعت الحروب التي تأجَّجت بين دول أوروبا أوزارها إلا وظهر التنافس من جديد بينها على استعمار الأمم الأخرى، وبعد انحسار موجة الاستعمار أدركت هذه الدول الآثار الوخيمة للوطنيَّات المتعصِّبة؛ فبدأت بالانسلاخ منها، والتقارب فيما بينها، في مشاريع عرفت بمشاريع الوحدة الأوروبية [4، ص173-175].
وفي العالم الإسلامي وجد المعجبون بالثقافة الغربية في نزعة الوطنية التي راجت في أوروبا فكرةً تجمع الناس في كل قُطْر من أقطار المسلمين حول المطالبة بحقوقهم، ودعوة إلى الحرية، تخلِّصهم من الظلم الذي عانوا منه، وعملت الدول الاستعمارية على إعلاء شأن هذه الفكرة، عن طريق إثارة الخلافات البائدة بين الشعوب الإسلامية، والنَّعرات القومية، والتركيز على الملامح الطبيعية التي يختلف فيها كل قُطْر عن الآخر، وخلق روح الإقليمية المحلية [6، ص367] - بغرض تمزيق المجتمعات الإسلامية، وفصل بعضها عن بعض؛ للحيلولة دون وحدتها في كيان واحد وفكر واحد وتطلعات مشتركة، فقد جاء في تقرير وزير المستعمرات البريطاني (أورم سبي غز) لرئيس حكومته بتاريخ 9 يناير عام 1938م: "إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الإمبراطورية وحدها؛ بل فرنسا أيضاً، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة، وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة. إن سياستنا تهدف دائماً إلى منع الوحدة الإسلامية، والتضامن الإسلامي، وينبغي أن تكون كذلك.." [7، ص12].
ثم تطورت هذه الفكرة في البلاد الإسلامية على أيدي المتأثرين بالثقافة الأوروبية الذين حولوا الوطنية إلى قومية، وهاجموا الرابطة الدينية، واعتبروها خطراً يهدد وحدة الأقطار الإسلامية، ويفرق كلمتها، ويهدم تعاطفها، ويضعف تكتلها. [8، ج1، ص78]
وعلى الرغم من غتامة تاريخ الوطنية بمعناها المذهبي، وما أدت إليه من صراع اكتوت بلهيب ناره الشعوب - فإن المعنى الفطري للوطنية يظل المعنى الحاضر في نفس الإنسان الذي لا يغيب عن مشاعره لحظة من اللحظات، ويستولي على كل أحاسيسه وآماله ومشاعره.

الوطنية في الفكر الإسلامي
إذا كان الاتجاه المذهبي عمل على ربط معنى الوطنية بالأرض والوطن؛ فإن الإسلام لا يتنكَّر لفطرة حب الوطن، ولا يعدُّه مناقضاً له؛ فقد صدق مصطفى كامل - وهو من الوطنيين المصريين - في قوله: "قد يظنُّ بعض الناس أن الدين ينافي الوطنية، أو أن الدعوة إلى الدين ليست من الوطنية في شيء، ولكني أرى أن الدين والوطنية توءمان متلازمان، وأن الرجل الذي يتمكَّن الدين من فؤاده يحب وطنه حباً صادقاً" [8، ج1 ص82]، ذلك أن الإسلام نظر إليه على أنه ميلٌ فطريٌّ راسخٌ في النفس، فنمَّاه، ولم يقيِّده بمضامين أي نزعة من النزعات ذات المنحى العنصري؛ بل ربط بينه وبين الدين، وعمل على إدماج البشرية بعضهم ببعض دون تمييز على أساس الحدود الجغرافية؛ فمدَّ بذلك مفهوم الوطن على امتداد العقيدة، ووسَّع مفهوم الوطنية لتكون انتماءً فطريّاً إلى الأرض، وموالاةً دينيةً لعقيدة الإسلام ومبادئه وقيمه.
إن انسجام الدين والوطنية وامتزاجهما معاً، بحيث تكون الوطنية متشربةً للإسلام، ويكون الوطن داراً له - هو الذي جعل للوطنية هذا المعنى الواسع الذي يتجاوز الحدود الإقليمية والمعنى المحصور في الأرض، ليرقى به من الأرض والموقع الجغرافي، إلى القيمة والمكانة والحُرْمة، ويقرنه بالمبادئ والقيم التي يؤمن بها من يقيم على هذا الوطن، لقد أظهر الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا المعنى في خطابه لمكَّة، وهو مهاجرٌ منها: ((ما أطيبك من بلد، وأحبَّك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك!!)) [9، ج5، ص723].
إن هذا المعنى يجلي موقف الفطرة في محبته - صلى الله عليه وسلم - لبلده مكة، معللاً هجرته منه رغم تعلّقه به ومحبته له - بإخراج كفار قريش له، ومنعهم إياه من إقامة مبادئ الإسلام فيه.
وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ضحى بالبقاء في وطنه في سبيل مبادئه وقيمة التي حال بينه وبينها كفار قريش حينما ساوموه عليها - فإن ذلك كان في حالٍ من التخيير بين المضيِّ في الدعوة إلى الإسلام مع الهجرة عن الوطن، أو التخلِّي عنها مع البقاء في الوطن، وحال من التضادِّ بين إعطاء الأولوية للإسلام، أو التنعم بالسّكنى في الوطن، والعيش بين الأهل والعشيرة؛ لذا قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - في حدث الهجرة الدِّين على غيره، وقد أكَّد القرآن الكريم استحقاق الدين هذه الأولوية في قوله - تعالى -: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
ولا يعني بحال أن الإسلام يغير انتماء الناس إلى أرضهم وشعوبهم وقبائلهم؛ فإن هذا أمرٌ ماديٌّ حسيٌّ واقعٌ، لا سبيل إلى تغييره، فالذي يولد في بلد يُنسب إليه، ولا يُنكر عليه محبته له؛ فإن بلالاً - رضي الله عنه - الذي هاجر إلى المدينة مضحِّياً بكل شيء في سبيل عقيدته هو الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى بلده مكة، في أبيات تمتلئ رقة، وتقطر حلاوة، ينشد - رضي الله عنه - فيقول:
هَلْ أَرِدَنْ يوماً مِياهَ مَجَنَّةٍ = وهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامَةٌ وطَفِيلُ؟!
وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنيناً إليها، وقال: ((يا أصيلُ، دع القلوب تقِرَّ)) [10، ج1 ص84]، لقد أقر الإسلام هذا الانتماء، ولم يرَ حُبَّ الوطن منافياً للإيمان، ولا ملازماً له، فقد دل قوله - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، دلت هذه الآية على حب هؤلاء لوطنهم، مع عدم تلَبُّسهم للإيمان. [11، ج1 ص414]، كما أن الإسلام لم يجعل الأرض، ولا الدم، ولا اللغة، ولا المصالح الصلة الأولى التي تجمع الناس، ولم يقدمها على صلة العقيدة الصحيحة [12، ص586]؛ فإذا اتَّسقت دوائر الانتماء في فكر الإنسان، وتكاملت الحياة في ممارستها، ولم تكن متعارضة مع الانتماء إلى العقيدة فلن يكون هناك تناقض في الفكر، ولن يكون هناك مانع من العمل بكل دوائر الانتماء الفطري للإنسان؛ إن الأمر في علاقة الانتماء إلى الإسلام بالانتماء إلى الوطن ليتعدى حدود نفي التناقض إلى دائرة الامتزاج، والترابط، والاعتراف بما هو فطري؛ فالإسلام دين لا تتأتى إقامته إلا في وطن، ومكان، وجغرافيا، وهذا الواقع، والمكان، والجغرافيا لن يكون دارَ إسلام إلا إذا أصبح الانتماء إليه بُعداً من أبعاد الانتماء الإسلامي العام، ومن هنا تأتي ضرورة الوطن لإقامة الدين [13، ص35]، كما قال - تعالى -: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 141] ويتقرر حق المسلم فطرياً ودينياً في أن يعلن محبته لوطنه، وانتماءه إليه، وتفضيله على غيره في السكنى، والإقامة به، وحب الخير له، ونصرته دون عصبية تقطع آصرة أخوة الدين، أو تَشغَل عن الاهتمام بباقي أجزاء الوطن الإسلامي؛ فوطن المسلم ليس له حدود جغرافية؛ فهو يمتد مع امتداد العقيدة [14، ص141]، وانتشارها في بقاع الأرض؛ إذ لا تعارض بين حب الوطن والانتماء إلى الأمة الإسلامية، فبِوُسع الإنسان أن يحب وطنه، ويحب إخوانه المسلمين في الأقطار الأخرى، فكما أن حب الوطن لا يناقض حب الأسرة؛ بل يكون متمِّماً لها، كذلك حب الوطن لا يناقض حب المسلمين أينما كانوا؛ بل يكون متمماً له أيضاً [15، ص31].
كما أن الإسلام جعل الوطنية حقاً من حقوق الشعوب، والمحافظة عليه حياة لها بين الأمم، فلا معنى لحياة أمة وهي تفقد حق استقلالها في أرضها وبلادها، وتعيش تحت هيمنة عدوِّها وحُكمه؛ فتلك أمَّة مَيْتة وإن كانت في حكم الأحياء، يقول الأستاذ محمد عبده في هذا المعنى: "تلك سُنَّة الله - تعالى - في الأمم التي تجبُن فلا تدفع العادين عليها، وحياة الأمم وموتها في عرف الناس جميعهم معروف؛ فمعنى موت أولئك القوم هو أن العدو نكَّل بهم فأفنى قوَّتهم، وأزال استقلال أمَّتهم حتى صارت لا تُعَد أمة، بأن تَفرَّق شملها، وذهبت جماعتها، فكل ما بقي من أفراده خاضعون للغالبين، ضاعئون فيهم، مدعمون في غمارهم، لا وجود لهم في أنفسهم، وإنما وجودهم تابع لوجود غيرهم، ومعنى حياتهم عودة الاستقلال إليهم. إن الجبن عن مدافعة الأعداء، وتسليمَ الديار بالهزيمة والفرار هو الموت المحفوف بالخزي والعار، وإن الحياة العزيزة الطيبة هي الحياة الملِّية المحفوظة من عدوان المعتدين، والقتال في سبيل الله أعم من القتال لأجل الدين؛ لأنه يشمل أيضاً الدفاع عن الحوزة إذا همَّ الطامع المهاجم باغتصاب بلادنا، والتمتمع بخيرات أرضنا، أو أراد العدو الباغي إذلالنا، والعدوان على استقلالنا، ولو لم يكن ذلك لأجل فتنتنا عن ديننا، فالقتال لحماية الحقيقة كالقتال لحماية الحق، كله جهاد في سبيل الله. ولقد اتفق الفقهاء على أن العدو إذا دخل دار الإسلام يكون قتاله فرض عين على كل المسلمين". [16، ج4، ص695-697].

الوطنية في المملكة العربية السعودية
تمثل الوطنية في المملكة العربية السعودية المعنى المنسجم مع الفطرة والإسلام؛ إذ يعني مفهوم الانتماء إلى المملكة العربية السعودية معاني وقيماً عظيمة، تتمثل في:

1-
الموقع الذي اختاره الله - تعالى - ليكون مهبط الوحي، ومعقل الإسلام، وقلعته العتيدة، وحصنه المنيع، ومخزن قيمه الحضارية، وأصالته الفكرية، ومأوى أفئدة المسلمين، ومقصدهم في صلاتهم وأداء نسكهم، وجعل أرضه مسكناً خالصاً لإقامة المسلمين وحدهم إلى قيام الساعة، قال - تعالى -: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأُخْرِجَنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدعَ إلا مسلماً)) [17، ج3، ص1388]، أي: لا يدع كتابياً يقيم فيها إقامة دائمة؛ بحيث لا يمكن فهم هذا الموقع، إلا أنه أرض الإسلام والمسلمين.

2-
الإسلام الذي جعل الله هذه الجزيرة داراً له، ومأرزاً لأتباعه، يقيمون على أرضه شعائره، ويحتكمون في أمورهم إلى شرعه، ويعملون بما ينطوي عليه من مبادئ، وقيم وتشريعات، وقد ختم الله به الدين، ونسخ به الرسالات السابقة، فلم يقبل غيره ديناً، قال - تعالى -: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، فنالت هذه الجزيرة به مكانتها، وتميزت به شخصيتها، واستشعر أهلها به واجبهم، وارتبطوا به في مناهج حياتهم.

هذا المعنى تجسَّد في المملكة العربية السعودية؛ إذ تمتزج هذه الدولة منذ تأسيسها بالدين واقعاً ومسؤولية، ولا غرابة؛ فهي من حيث الواقع الدولة المؤتمنة على الحرمين الشريفين، والراعية لحجاج بيت الله الحرام، وزوَّار مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والعاملة على نشر الإسلام من خلال مؤسسات الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمقيمة لأحكام الشريعة، والمنفذة لحدود الله - تعالى - من خلال المحاكم الشرعية ذات السلطة المستقلة التي لا سلطة عليها غير سلطان الشريعة، وهي الملتزمة في جميع المجالات بالإسلام، نصت المادة الأولى للنظام الأساسي للحكم فيها على أن: "المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولغتها هي اللغة العربية". وقد مارست الدولة هذه الوظيفة في أدوارها الثلاثة منذ تأسيسها على يدي الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، فهي نتاج دعوة إصلاحية عمَّ خيرها أرجاء الجزيرة العربية، وتفيَّأ ظلالَها جميعُ أبنائها، وقطفوا ثمرتها وحدة، وأمناً، ومعتقداً صافياً، ورخاء واسعاً، وعلماً منتشراً.
إن مفهوم المواطنة يعني الالتزام؛ بمعنى الانتماء إلى هذا الوطن المملكة العربية السعودية الذي يقتضي حماية أرضه، والنهوض برسالته التي هي رسالة الإسلام، والجهاد في سبيل الحفاظ على حُرُماته ومقدساته، والذَّبِّ عن منجزاته الحضارية بشقيها: المعنوية والمادية.

إننا في الوقت الحاضر وأكثر مما مضى بحاجة مُلِحَّة إلى تعميق هذا المفهوم في عقول الناشئة؛ بعد أن تسلَّلت بعض الأفكار والآراء الغريبة على بيئة هذا الوطن المسلم، وفوجئ أبناؤه بالأحداث الدامية التي استهدفت المواطنين الآمنين، والمقيمين المستأمنين، ولعل من أفضل الوسائل التي تعمق هذا المفهوم ما يلي:
1- مناهج التعليم التي يمكن أن تؤصِّل معنى الوطن، وتبرز مكانته في العالم كله، وفي العالم الإسلامي بصفة خاصة، وتتحدث عن خصائصه وواجباته، ومواقفه الحميدة من القضايا الإسلامية كقضية فلسطين، والبوسنة والهرسك، ودور المؤسسات الخيرية في إغاثة المنكوبين، والمعوزين في العالم الإسلامي، ودعمه للمؤسسات الإسلامية العالمية؛ كمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، والبنك الإسلامي.

2-
الإعلام من صحافة وتلفاز وإذاعة الذي يمكن استثماره في إظهار الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية، ودورها الرائد في المحافظة على قيم الإسلام ومبادئه، والدفاع عن قضايا المسلمين في المحافل الدولية، وتسخيرها في ترسيخ هوية هذه البلاد في نفوس أبنائه من خلال الحوار الهادف، والبرنامج الملامس لمشكلات الناس وأحوالهم الاجتماعية، وفي التصدي للأفكار الوافدة المنافية للعقيدة الصحيحة والشريعة السمحة، وفي معالجة حالات الانحراف والغلو التي قد تظهر في المجتمع تأثراً بمجتمعات مجاورة.

الوطنية والثقافة
برزت الوطنية منذ انطلاقها في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي مقترنة بالقيم (الليبرالية)، أو الحرية الفردية و(الديمقراطية)، وتعتبر فرنسا أنصع مثال على هذا التلازم في أوروبا الحديثة؛ إذ تبنَّى الفرنسيون الوطنيون فكرة الدفاع عن ثقافتهم الوطنية مع ولائهم للدولة الفرنسية، كما تُعَد تركيا من أبرز الدول في العالم الإسلامي اهتماماً بتطوير ثقافتها الوطنية من خلال العمل على الانفصال عن العرب: في الحروف الأبجدية، واللباس، والتعليم، والعادات والتقاليد [18، ص20-26].
وفي العالم العربي ظهرت الوطنية مقرونة بمشروع الدعوة إلى الوحدة العربية الذي كان من أهدافه مقاومة الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية، وتم التسويق لهذا المشروع عن طريق بناء ثقافة وطنية جديدة على المنحى القومي لثقافة السياسة الغربية المتَّجِه إلى فصل الدين عن الدولة، وكانت رَدة الفعل الأولى عليه من المفكرين الإسلاميين بإعلان التمسك بفكرة الخلافة الإسلامية، والتنادي إلى مشروع إعادتها من جديد؛ مما أدى إلى تبلور اتجاه فكري مناهض لفكرة الوطنية العربية، يدعو إلى حماية الهُوية الإسلامية، والدفاع عنها في وجه العدوان الثقافي الغربي [19، ص34-37] الذي كان يسعى إلى تحجيمها، وإلى تحرير الوطن الإسلامي من الاستعمار الجاثم على أرضه، وتوحيد شعوبه على أساس العقيدة والمبادئ الإسلامية.
وحقيقة الأمر أن الدعوة إلى الوطنية كانت مرحلة أولى منحصرة في مفهوم الاستعلاء بالأرض، والتاريخ الإقليمي، فلما أخفقت هذه الدعوة ظهرت الدعوة إلى الإقليمية العربية التي كانت على نسق الطورانية في تركيا، والفرعونية في مصر، والفينيقية في سوريا، وقد ساهمت هذه الدعوة على تمزيق الأمة الإسلامية وفرقتها، ولقد كان للنفوذ الاستعماري داخل العالم الإسلامي أثر قوي في تفريغ مفهوم الوطنية ثم القومية من قيمته الحقيقية، وفصله عن تراث الأمة وثقافتها العامة، ولا ريب أن هذا المفهوم دخيل عليها؛ إذ أنها كانت تَعتبِر وحدة الفكر، أو وحدة الثقافة أساساً لترابط شعوبها وتماسكهم [20، ص225-226].
إن الاختلاف في مفهوم المواطنة بين القوميين والإسلاميين نشأ عنه تباين في الثقافة التي تحدد هوية الوطن، وصلته بغيره؛ إلا أن الفريقين متفقان على أن الوطنية - كما قال الأستاذ علي مزروعي-: "جمع بين الثقافة كهوية وبين الثقافة كطريقة اتصال". [18، ص23] إذ الثقافة عند الفريقين من أخص خصائص الإنسان، فهو مخلوق عاقل ومفكر، وأي انتقاص من ذلك هو انتقاص لبشريته وآدميته، وأي اهتمام بنمو ثقافته هو اهتمام بإنسانيته، والثقافة أيضاً مسألة هامة للمجتمع الإنساني؛ فهي قوام التواصل بين الشعوب من أجل التعارف، وتبادل الخبرات مهما اختلفت أجناسهم ومعتقداتهم، فعن طريقها يتبادل الناس المفاهيم، والأفكار، والمعقتدات، وأساليب الحياة، وغير ذلك من نظم وتصورات، وهي أيضاً وسيلة لتمايز الشعوب بعضها عن بعض بفضل السمات التي تتميز بها كل ثقافة عن الأخرى، مما يكسبها القدرة على الانفتاح على الثقافات الأخرى دون وَجَل من الاندماج، أو الذوبان في الثقافات الأخرى [21، ص74-84] أي مع القدرة أثناء الممارسة الثقافية على المحافظ على خصوصيات الوطن، وأصالته، وذاتيته المتمثلة في مبادئه، وقيمه، ونظمه.
إن المواطنة تعني استثمار ثقافة البيئة التي هي من الناحية العامة: "حصيلة معلومات متنوعة، وأساليب في التفكير تتسع وتضيق بحكم ارتباطها بقضايا الإنسان عموماً، وبما يتصل بالذاتية عموماً، ومجالات الهوية خصوصاً، فالمواطن المثقف: هو الشخص الذي يكون واعياً عن طريق حسه الاجتماعي؛ سواء تعلَّق الأمر بعصره أم خارج عصره، هذا - الوعي - هو الجانب الإنساني في الثقافة؛ أما ما يشعر به، ويحياه في هويته وانتسابه الوطني والقومي والروحي، فهو الجانب الذاتي في الثقافة" [22، ص6].
وفي هذا السياق يصعب جداً تصور ثقافة مجردة ومحايدة، لا ترتبط بخلفيات تاريخية، أو مذهبية تشكل مصدر موازينها، ومعاييرها، ومرجع قيمها، ولذلك فهي كثيراً ما تحمل نعتاً يحدد إطارها وأبعادها؛ لذا نجدها تُنْسَب إلى دين أو مذهب؛ كالثقافة الإسلامية، أو البوذية، أو إلى بلد، أو منطقة كالثقافة اليونانية، أو الهندية، وتتسع لمضامين ما تنتسب إليه، فالثقافة الإسلامية حينما اتخذت الإسلام رداء لها - أصبحت تتسع لكل ما يحويه هذا الانتساب من مضامين باعتبار الإسلام عقيدة، وشريعة، وفكراً، وحضارة، ومنظومة قيم [22، ص8]، وهكذا كل الثقافات الأخرى.
وإذا كان أي وطن بحاجة إلى تنمية شاملة وهادفة في كل مرافقه تستثمر كل إمكاناته وطاقاته فإن هذه التنمية لابد أن تكون متلائمة مع ثقافته، ومعطياته، ومكونات مجتمعه، ومن ذلك - على سبيل المثال - التنمية في حقل العلوم التطبيقية، هذه العلوم التي تطورت في هذا الزمن بصورة سريعة ومذهلة، وحاول المهتمون بها في ظل تسارع معلوماتها، وتلاحق نتائجها أن تنمو في معزل عن الثقافات، وبعيداً عن مضامينها مما أدى إلى نوع من الصراع والتناقض داخل المجتمعات، ولعل هذا هو الذي دفع العالم الشهير إيليا بريغورين Ilya Prigorine   إلى القول: "إنه أضحى من المُلِحِّ على العلم أن يعتبر نفسه جزءاً لا يتجزأ من الثقافة التي تطور بين أحضانها". وإلى القول: "إن العلم سينفتح على العالمية عندما لا ينعزل عن اهتمامات المجتمع، ويعدل عن اعتبار نفسه مستقلاً ومجرداً عنها، عندها يصبح العلم قادراً على محاورة الناس من جميع الثقافات، واحترام تساؤلاتهم. ولعل تجرُبة العالم الإسلامي من أوضح الشواهد على سوء النتيجة عندما استورد أنماطاً من التنمية لا تتلاءم مع معطيات واقعه، ومكونات مجتمعاته فكانت الحصيلة تقليداً شبه أعمى للحضارة الغربية [23، ص26]، وتأخراً في كثير من مجالات الحياة.

هوية الوطن الثقافية
لابد لأي وطن من ثقافة خاصة به؛ إذ لا يُتصوَّر وجود وطن بلا تراث وتاريخ، ومجتمع بلا عقيدة ومبادئ، وأمة بلا نظم وقيم، أو في أقل الأحوال لا يمكن وجود مجتمع بلا دين، يقول هنري برجسون Henri Bergson: "قد نجد في الماضي أو الحاضر مجتمعات بشرية لا تعرف العلم، أو الفن، أو الفلسفة، ولكن ليس ثمة مجتمع بلا دين" [24، ص25].
يكاد يكون من البدهي التسليم بمساهمة الأديان في جميع المجتمعات في تشكيل ثقافتها، فهي ذات حضور مؤثر في بناء الثقافة لأي مجتمع من المجتمعات مهما كان هذا الدين من الصحة أو البطلان، وما من مجتمع إلا وقد تدَيَّن، فالتديُّن فطرة خُلِق عليها الإنسان، ينزع إليها ليشبع حاجة الروح إلى الإيمان بالمعبود، ويستمد من هذا الإيمان عقيدته ومفاهيمه للوجود والحياة، ويضبط به أمور حياته، وهو كذلك ضرورة اجتماعية يتم عن طريقها التأكيد على الإيمان بالقيم والفضائل، والالتزام بالأحكام والقوانين التي تُعنَى بتنظيم شؤون الحياة.
ويعد الدين في الثقافة الإسلامية بمصادره الصحيحة الأساس الأول الذي تقوم عليه، وتأخذ منه مادتها العلمية والفكرية، وتستمد منه ذاتيتها، ووجهتها، وتصوراتها، وقوام فكرها، وتعتمد عليه في نقد التراث البشري، ومواجهة التحديات التي تعترض سبيل المحافظة على شخصيتها من الذوبان في غيرها، وهو العاصم لها من الانحراف عن الطريق السويِّ، أو الاندثار مع الثقافات الضعيفة التي لم تستطع الصمود أمام متغيرات الحياة، أو الذوبان في غيرها من الثقافات الأخرى.
إن هذه المصادر تشكل دعامة قوية في تأصيل "الفهم الصحيح لكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتفقُّه في الدين، واستيعاب التاريخ الإسلامي، وحل المشكلات المعاصرة للمجتمع الإسلامي، من خلال تحكيم شرع الله - تبارك وتعالى - تحكيماً كاملاً من غير تأويل تمليه الأهواء، أو تحمل عليه نزعة الانهزام الفكري والنفسي أمام التيارات المعادية. ولا تتحقق هذه الأصالة إلا بالإحاطة الشاملة بالإسلام عقيدة وعبادة وتشريعاً وخلقاً" [25، ص111-112].
لقد ارتبطت الثقافة الإسلامية بكلمات الله وحده غير محرفة، ولا مبدلة، ولا مخلوطة بأوهام البشر، وأغلاطهم، وانحرافاتهم، فهي تعتمد على كتاب الله الموحى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحصورة فيه، وبعيدة كل البعد عن الفكر الفلسفي الإنساني، وكتاب الله مصدر يتسِم بالصدق والصحة، قد تكفل الله فحفظه كما قال - تعالى -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أقواله، وأفعاله، وتقريراته، وقد قيَّض الله من يميز صحيحها من ضعيفها، ويبيِّن ما أُلحِق بها كذباً بحيث أصبحت معلومة، ومحصورة، ومتناولة بين العلماء الثقات، بخلاف الثقافات الأخرى المرتبطة بأديان إلهية ذات مصادر محرفة، أو وضعية لا يعرف لها أصل؛ وحقيقة مصدرها فكر البشر؛ سواء من أصل الوضع كالبوذية، أو بعد التبديل والتحريف كاليهودية والنصرانية التي لم تبق ثقة بربانية مصدرها بسبب ما طرأ عليها من تحريف غيَّر حقيقتها، وأزال قداستها [26، ص35].
وقيام الثقافة الإسلامية على مصادر صحيحة جعلها تختلف عن الثقافات الغربية والشرقية الحديثة التي قامت حضارتها وثقافاتها على بقية من دين محرف، أو فلسفة إلحادية تنكر وجود الله - تعالى - أو من فلسفة وضعية كالفلسفة اليونانية والرومانية، أو على تصور علماني يتجاهل دور الدين، ويعزله في جزء يسير من أمور الحياة، مما جعل هذه الثقافات معرَّضة للتغير، والتناقض، والانحسار [27، ص84].
وبهذا يتبين أن الثقافة الإسلامية وحدها ربانية المصدر، تستمد عناصرها من تعاليم القرآن والسنة المطهرة، سواء كانت عناصرها مما لا عمل للعقل البشري فيها سوى التلقي، والفهم، والتطبيق كأساسيات الدين التصورية، والأحكام التعبدية، والمقدرات، وأصول المعاملات، أم كانت مما للعقل مجال فيه بالاجتهاد والنظر لاستنباط أحكام عملية يحتاج إليها الإنسان مما لم يأت في النصوص له أحكام جلية [28، ص30].
كما أن الثقافة الإسلامية تعتمد على عقيدة صحيحة، هي محور ارتكازها، وقاعدتها الصلبة، منها تستمد شخصيتها، ومكوناتها، ومقوماتها، ومجالاتها، واتجاهها، وهذه العقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقضاء: خيره وشره، وقد ارتبطت بهذه العقيدة ارتباطاً تاماً، وجعلتها محوراً رئيساً تنبثق منها تصوراتها وأحكامها، وقد انفردت عن غيرها من الثقافات بهذه الميزة التي ساهمت في التأكيد على ذاتيتها واستقلالها نظراً لصحتها ووضوحها ويقينيتها، وقدرتها على تفسير الحقائق الوجودية تفسيراً صادقاً، لا غموض فيه، ولا لبس، ولا مغالاة، ولا مجافاة للواقع [29، ص39].
إن ارتباط الثقافة الإسلامية بالعقيدة أثمر آثاراً منفردة لا تثمرها أي ثقافة أخرى، فقد نشأت في قلب الإنسان المسلم وعقله حالة من الانضباط لا تتأرجح معها المفاهيم، ولا تهتزُّ معها القيم، ولا يتميَّع فيها التصور ولا السلوك، فالذي يتصور ألوهية الله - تعالى - ويدرك حدود عبوديته يتحدد اتجاهه، ويتحدد سلوكه، ويعرف على وجه الدقة: من هو؟ وما غاية وجوده؟ وما حدود سلطانه؟ ويدرك حقيقة هذا الكون، وحقيقة قوة الله وقدرته، ومن ثَمَّ يتصور الأشياء، ويتعامل معها في حدود مضبوطة، ينشأ عنها انضباط في طبيعة العقل وموازينه، وانضباط في طبيعة القلب وقيمه، وانضباط في التعامل مع سنن الله بعد ذلك، والتلقي عن هذه العقيدة يزيد هذا الانضباط، ويحكمه، ويقويه [30، ص228].

وظيفة الثقافة الإسلامية في بناء الهوية الوطنية
تضطلع الثقافة الإسلامية بوظيفة مؤثرة ورائدة في بناء الهوية الوطنية، وصياغتها وَفق تعاليم الإسلام، وقيمه السامية، تتضح في المحاور التالية:
1- المحافظة على سمات شخصية الأمة الإسلامية من الضياع، أو التلاشي والاندثار، ذلك أن أي ثقافة من الثقافات تتفرد بسمات خاصة تميزها عن غيرها، وتنتمي إلى أمة معينة ذات مبادئ وقيم وتصورات خاصة بها، فكما أن الإنسان ينتمي إلى أسرة أو جماعة أو وطن فكذلك الثقافة، كما أن الوطن الإسلامي هو المكان الذي تمتد فيه هذه الأمة بشعوبها المختلفة، وتمارس فيه شعائرها، وقيمها، ومبادئها الإسلامية.
وإذا كان الوطن الإسلامي قد تعرض لغزو الثقافة الغربية أيام الاستعمار السياسي، ولا يزال يتعرض لموجات من التغريب عن طريق وسائل الإعلام والاقتصاد، وما يعرف بـ(العولمة) - فإن الثقافة الإسلامية تؤدي وظيفة الوقاية من ضرر هذا الغزو، وتعمل على تحصين الوطن الإسلامي من أثر عملية الإحلال الثقافي الغربي التي تمارس في المجتمعات الإسلامية.

2-
العمل على توحيد شعوب الوطن الإسلامي ودوله من الناحية الفكرية، فوجود ثقافة إسلامية مشتركة يلتقي عليها المسلمون، ويشبُّ عليها الشباب المسلم سيقيها من حالة التمزق الفكري والتشتت الثقافي، ويخلِّصها من حالة الضياع والعيش بدون شخصية وفكر موحد [31، ص10]، وسيعينها على ظهور أهداف واهتمامات وتصورات مشتركة ستسهم في نسج وحدة من التكوين الداخلي بين أبناء الأمة الإسلامية، وفي توحيدهم على نماذجها البشرية وقيمها، وجمعهم على الالتزام بمصير الأمة التضامني الواحد [32، ص68].

3-
الإسهام في تشكيل البعد النفسي للفرد داخل الوطن الإسلامي، وتكوين الشعور بالأمان النفسي؛ لأن الثقافة الإسلامية أكثر العلوم اتصالاً بكرامة الإنسان، وأعمقها تأكيداً لذاته، وهذا يتحقق من خلال تأكيدها على الأطر والأنساق والنظم والقيم المستمدة من الوحي، وعنايتها بها؛ نظراً لأنه ينشأ من الالتزام بها واحترامها بشكل جماعي اطمئنانٌ ذاتيٌّ للفرد المسلم، وارتياح داخلي، فهي تُكسِب الفرد شعوراً بالتضامن والتعاون، وتحقق له إحساساً بروح الانتماء إلى جماعة المسلمين الواحدة [32، ص68-69]، ويتم معرفة أهمية البعد النفسي الذي يشكله هذا العلم عند تصور أن المسلم الذي يعيش في مجتمع غير مسلم يشعر بالغربة في أطر تفكيره ونظم حياته، وبالخوف على قيمة ومحارمه وكرامته من أن تنتهك أو يُتَعدَّى عليها، وبالتوجس الداخلي من كل شيء، إن هذا يعود إلى فقده للرباط الذي يربطه بالثقافة السائدة في وطنه المسلم.

4-
الوقوف في مواجهة الأخطار الفكرية التي يتعرض لها الوطن الإسلامي ممثَّلة في الدراسات (الاستشراقية) التي تستهدف تشويه صورة الإسلام في نفوس المسلمين، وزعزعة ثقتهم بمصادر دينهم، وتشكيكهم بمبادئ الإسلام وعقائده وقيمه وتاريخه، وفي التنصير الذي يسعى إلى تحويل المسلمين عن دينهم، ونشر الإلحاد والنصرانية في بلاد المسلمين، أو في التغريب الذي يعمل على صياغة المجتمعات الإسلامية صياغة غربية تحاكي حياة المجتمع الغربي في العادات والتقاليد ونظم الحياة.
إن مواجهة هذه الأخطار التي تحدِق بالأمة الإسلامية تحصل عن طريق تحصين أبناء الأمة المسلمين من التأثر بهذه الأفكار، ووقايتهم من أضرارها، ونقد الدراسات (الاستشراقية) المعادية، وبيان مغالطتها للحقيقة، وتعمُّدها للتشويه والكذب، وإيقاف حركة التنصير، وذلك عن طريق مضاعفة الجهد في الدعوة إلى الله - تعالى - ومنع المنصِّرين من الدعوة إلى دينهم في بلاد المسلمين، وتحقيق قدر من الوعي بأهداف (العولمة)، وأخطارها على مكتسبات الأمة.

5-
تعميق روح الانتماء إلى الإسلام، وربط المسلمين بدينهم القيِّم، وتاريخهم المجيد، وحضارتهم العظيمة، وتوثيق الصلات العَقَدية والفكرية بينهم مهما تباعدت بلدانهم، أو اختلفت أعراقهم ولغاتهم، وبناء الشعور بالأُخوة المبنية على الإيمان، والنصرة في الدين في نفوس المسلمين بحيث يُحِسُّ بعضهم بآلام بعض، ويفرحون بفرحهم، ويرتبط المسلم بأخيه برباط فكري واحد، يوحِّد مشاعرهم وأحاسيسهم؛ بل وتصوراتهم، ونظرتهم إلى الحياة، ومواقفهم من متغيراتها.

إن ثقافة تقوم بهذه الوظيفة جديرة بأن يَعتزَّ بها أبناؤها المنتمون إليها، وذلك لسمو أهدافها ومضامينها ومناهجها، فهي ثقافة دين ختم الله به الرسالات، ورضيه لعباده، كما قال - تعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3]، أحل الله به الطيبات، وحرم به الخبائث، ورفع به الحرج الذي كان على الأمم السابقة، قال - تعالى - في وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، وأصبحت الثقافة بالإسلام ثقافة عالمية، وليست ثقافة أمة عنصرية منغلقة على نفسها كبني إسرائيل، وثقافة هداية للبشرية تخاطب العقل، وتهديه للتي هي أقوم، وليس ثقافة ضلال وجهالة، فعلى المسلم أن يتمسك بهذا الدين، ويعتز به كما قال - تعالى -: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44،43]، ومعنى: {ذِكْرٌ لَكَ} أي: شرف لك، وفخر لكل من يدين به [33، ص49-51].

الثقافة الإسلامية وتعدد الثقافات
على الرغم من كون الثقافة الإسلامية تمثل هوية الأمة الإسلامية، وتضطلع بوظيفة حمايتها من التلاشي، أو الذوبان في غيرها إلا أنها واقعية في نظرتها إلى الثقافات، فهي ترى أنها متولدة عن سنة الاختلاف بين بني البشر، كما قال - تعالى -: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118-119]؛ إذ الاختلاف والتغيير سنة من سنن الله - تعالى - في المجتمعات؛ يقول ابن خلدون: "وأحوال الأمم؛ عوائدهم، ونحلهم لا تدوم على حال واحدة، وإنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص يكون في الأوقات والأمصار؛ فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول" [34، ص29]؛ ومادام الأمر كذلك فلابد إذا من استصحاب هذه الحقيقة الواقعية، ومراعاتها في مجال التعامل مع الثقافات الأخرى.
والثقافة الإسلامية كذلك على وعي تام بالثقافات الأخرى، وهذا يعود إلى كونها ثقافة إنسانية تحترم الإنسان وتكرمه، وتَحتفل بالمثل العليا، والوحدة الإنسانية، وتُعنى بالاتصال بالشعوب ومحاروتها على أساس من العلم والحق، وتهتم بمخاطبة الثقافات الأخرى على أساس من الاحترام المتبادل، كما أنها تشاركها في حماية القيم وإرساء المبادئ الإنسانية، فهي ثقافة ذات نزعة إنسانية واضحة في كل جانب من جوانبها، ولا أدل على ذلك من مكاتبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لملوك وأمراء عصره، وحضوره حلف الفضول لنصرة المظلومين، فقد روي عنه أنه قال: ((لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحِب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت)) [35، ج1، ص155]؛ أي: لو دعي إليه من غير المسلمين لأجاب مادام محقِّقاً للعدل والإنصاف لبني الإنسان؛ لذا جاءت الشريعة راعية للقيم والمثل العليا، كما قال ابن القيم: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه" [36، ج1، ص3].
إن هذه السمة المميزة للثقافة الإسلامية في وحدة العقيدة تطبع كل الأسس والنظم التي جاءت بها حضارتنا، فهناك الوحدة في الرسالة، والوحدة في التشريع، والوحدة في الأهداف، والوحدة في الكيان الإنساني العام، والوحدة في وسائل المعيشة وطراز التفكير؛ حتى إن الباحثين في الفنون الإسلامية قد لحظوا وحدة الأسلوب والذوق بأنواعها المختلفة: فقطعة من العاج الأندلسي، وأخرى من النسيج المصري، وثالثة من الخزف الشامي، ورابعة من المعادن الإيرانية تبدو رغم تنوعها وزخرفتها ذات أسلوب واحد، وطابع واحد - فلا عجب في أن تكون الثقافة الإسلامية من بين الثقافات إنسانية النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، فالقرآن أعلن وحدة النوع الإنساني رغم تنوع أعراقه ومنابته ومواطنه في قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] أعلن هذه الوحدة الإنسانية العالمية على صعيد الحق والخير والكرامة، وجعل حضارته عِقداً تنتظم فيه جميع عبقريات الشعوب والأمم التي خفقت فوقها رايات الفتوحات الإسلامية؛ ولذلك كانت كل حضارة تستطيع أن تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمة واحدة؛ إلا الحضارة الإسلامية فإنها تفاخر بالعباقرة الذين أقاموا وحدتها من جميع الأمم والشعوب" [37، ص31].
إذا كان المعنى الإنساني واضحاً في الثقافة الإسلامية فإن الثقافات الوطنية عامة تعاني من فقدان هذا المعنى، مما حَمَل الباحث الأمريكي ريتشارد ماك كوين - مستشار وفد الولايات المتحدة في الدورات: الأولى والثانية والثالثة للمؤتمر العام لـ(اليونسكو) - "على الدعوة إلى إنشاء نظام إيجابي عالمي يلبي مطامح الشعوب، مشيراً إلى أن على هذا النظام أن يُعدِّل طبائع الشعوب وأوضاعها وعاداتها، مستنداً في ذلك إلى المكتسبات العقلية والخلقية ومبتكرات الأفراد في الإطار العالمي طبعاً في ميدان الفكر والعمل والتعبير" [25، ص94]، وفي هذا السياق صدر عن مجموعة الخبراء المجتمعين بدعوة من (اليونسكو) لدراسة المشكلات الناشئة عن الاتصالات والعلاقات بين الحضارات في العالم - بيان جاء في ختامه ما يلي: "إن مشكلة التفاهم الدولي هي مشكلة علاقات بين الثقافات؛ فمن هذه العلاقات بين الثقافات يجب أن ينبثق مجتمع عالمي جديد قوامه التفاهم والاحترام المتبادل، وهذا المجتمع يجب أن يأخذ صورة نزعة إنسانية جديدة، يتحقق فيها الشمول، بالاعتراف بقيم مشتركة تحت شعار تنوع الثقافات" [38، ص423].
وإذا كانت الثقافة الإسلامية تأخذ بمبدأ التفاهم مع الثقافات الأخرى والاحترام المتبادل بينها فإنها في الوقت نفسه لا تأخذ بفكرة التعايش مع الثقافات التي تستهدف كسر الحواجز المانعة من تأثيرها لغرض إحلال ثقافتها مكانها وتوطينها [39، ص24]، لكنها لا تمانع من تفاعل الثقافات، وتقاربها في الجوانب العلمية والتطبيقية والحضارية، على أن يكون ذلك مبنياً على الاحترام المتبادل في جو سلمي بعيد عن الروح العدائية، والتعصب ضد الثقافات الأخرى، وعن احتكار المعلومات، والتقنيات الحديثة، وتوظيفها في سياق من أجل هيمنة ثقافة على أخرى.
إن محافظة كل أمة على ثقافتها لا ينافي قبول تَعدُّديَّة الثقافات، وإن رفض التعايش الثقافي المؤدي إلى إلغاء الهوية الثقافية لكل أمة لا يعني الأخذ بأحادية الثقافة؛ وإنما الأحادية الخطيرة تكمن في سلوك منهج إلغاء الثقافات الأخرى وإنكارها، وفرض ثقافة معينة عليها، هذا المنهج مارسته الثقافة الغربية ضد الثقافات الأخرى؛ فقد ميزت بين الشعوب، وألَّبتْ المذهبيات والأديان بعضها على بعض، كما مارست هذا المنهج مع الثقافة الإسلامية بشكل خاص مدة الاستعمار؛ حيث نقلت الدول الاستعمارية أنظمتها السياسية، والاقتصادية، ومذاهبها الفكرية، والاجتماعية إلى الوطن الإسلامي، وفرضتها على الشعوب الإسلامية على سبيل القسر والإلزام، واستخدمت ما أوتيت من قوة لتغيير هُوية الأمة الإسلامية، وتغريبها غير عابئة بتاريخها، ومصادرها، ومدارسها الفكرية، وخصوصيات مجتمعاتها، وعقيدتهم، وقيمهم، ومبادئهم، ولا يزال هذا المنهج مسيطراً على الثقافة الغربية على الرغم مما يعرف عنها من أنها (ديموقراطية) في منهجها، عقلانية في تفكيرها وتعاملها، تؤمن بالتعددية، والاختلاف، والتنوع بين الحضارات الإنسانية، ولعل الواقع الحالي المتجِه نحو فرض الثقافة الغربية عن طريق (العولمة) أكبر شاهد على ذلك، وهو ما يمكن رصده في السياسة الغربية الحالية التي تعمل على المحافظة على عقلية التمركز الغربي، وإقصاء الآخر، ولعل عقدة التخوُّف من "الانتقام مما فعلته الحضارة الغربية بالحضارات والثقافات التي أخضعتها لهيمنتها، وهي ما اعترف بها (البروفيسور) صموئيل هنتجتون عندما قال: "ابتداء من سنة 1500م بدأت التوسع الضخم للغرب مع جميع الحضارات الأخرى، وقد تمكن الغرب أثناء ذلك من الهيمنة على أغلب الحضارات، وإخضاعها لسلطته الاستعمارية، وفي بعض الحالات دمَّر الغرب تلك الحضارات" [40، ص21] المتعايشة فيما بينها دون أن تعتدي حضارة على خصوصيات الأخرى"، فلعل هذه العقدة هي التي دفعت الثقافة الغربية إلى الاستمرار على هذا المنهج المتطرِّف أحادي الثقافة.
وإذا كنا في سياق الحديث عن الثقافة الإسلامية فإنها ثقافة اختلفت كثيراً عن غيرها في موقفها من الثقافات الأخرى؛ فقد اعترفت بثقافات الأديان التي كانت موجودة داخل الوطن الإسلامي، ومنحت أصحابها حرية الممارسة، واحترمت مقدساتهم ومصادرهم الدينية والفكرية، فقد أقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة، وتأسيسه لدعائم الدولة الإسلامية - لليهود الذين كانوا يعيشون في المدينة حقهم في ممارسة دينهم، ففي المعاهدة التي عقدها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أهل يثرب من المسلمين واليهود، التي تعد أول دستور مكتوب للدولة الإسلامية التنصيص على أن: ((لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم)) [41، ج2، 121]، كما أن العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لأهل إيلياء دليل على أن إقرار الإسلام للأديان الأخرى، واحترام معقتداتها وما ينشأ عنها من قيم ومبادئ – موقف ثابت في تاريخ المسلمين، فكان مما جاء في عهد عمر - رضي الله عنه -: "هذا ما أعطى عمرُ أميرُ المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أماناً لأنفسهم، ولكنائسهم، وصلبانهم. لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا يُنتقَض منها ولا من حِيَزها، ولا من صُلُبهم، لا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم" [42، ج4، ص158]، وحاور المسلمون أتباع هذه الأديان بالتي هي أحسن دون إكراه يحمل أحداً على الانسلاخ من ثقافته، أو مصادرة آرائه؛ وإنما حوار منفتح، ومقنع على أساس: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 111] يمكِّن الأمة من القيام بواجب الشهادة على الناس التي جعلها الله وظيفة من وظائفها في علاقتها بغيرها، وتواصلها مع الآخرين، قال - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143].
إن الثقافة الإسلامية تمتلك خطاباً وسطياً بعيداً عن الغلوِّ، والتفريط، والتنفير في الأسلوب والمضمون، تستمدُّه من وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ وأبي موسى - رضي الله عنهما - لمّا بعثهما إلى أهل اليمن، وكانوا أهل كتاب: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّراً ولا تنفِّراً)) [43، ج5، ص107]، وتسعى أيضاً إلى تأليف القلوب، والابتعاد عن كل ما يؤجج مشاعر العداء لدى الآخر، والعمل على تضييق دائرة الخلاف معه تجنباً لكل ما يؤدي إلى القطيعة والسباب، ففي الحديث عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالت: "أتتني أمي راغبة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أأصلها؟ قال: ((نعم)). قال ابن عيينة: فأنزل الله - عز وجل - فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]"، وقال - تعالى -: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}" [الأنعام: 108]. قال القرطبي في تفسير الآية: "نهى – سبحانه - المؤمنين أن يسبُّوا أوثانهم؛ لأنه علم إذا سبوها نَفَر الكفار، وازدادوا كفراً" [44، ج7، ص61]، كما ترعى الثقافة الإسلامية في تعاملها مع الآخرين منهج العدل، والإنصاف في جميع الأحوال [45، ص13-15] عملاً بأمر الله - تعالى - للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
وفي الجملة فإن توخي النزاهة والموضوعية والاحترام في قضايا الاختلاف، والتعدد الثقافي، والتمايز الحضاري، والنظرة العادلة إلى كل الثقافات التي تعطي كلَّ ذي حق حقَّه - سيعزز مستقبل الإنسانية بالوئام والتعايش الممكن؛ بدلاً من التنافس والصدام المهلك للشعوب، المكرس للكراهية بينها [40، ص123]، وسيتيح مجالاً رَحْباً للحوار بين الشعوب، وسيمنح الآراء الصائبة الظرف المناسب لإقناع الآخرين، والانتفاع بها دون حاجة إلى إكراههم على قبولهم، ومن ثَمَّ سيجعل ثقافتها ظاهرة على الثقافات الأخرى، ذلك أن الثقافة الأقوى التي تمتلك العلم والحق والإقناع لا تخشى على نفسها من السقوط أو الانهزام.

تعدد الثقافات داخل الوطن الإسلامي
إن الوطن الإسلامي على امتداده يعِجُّ بالاتجاهات الفكرية، والمذهبيات العقدية والفقهية، وإذا كان من جامع له فإنه يجتمع على قدر كبير من الثقافة الإسلامية العامة التي هي ثقافة كل أطيافه، ونخبه، ومذاهبه، وهي مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويفترقون في تفصيلاتهم، وهذا الافتراق - وبالأحرى الاختلاف - يعود إلى مشارب، ومدارس، وقناعات شخصية، وجمعية، ونظرات إلى المستقبل لها بعد تاريخي، وعقدي، وفقهي، وقومي، وواقعي، ولا يمكن أن يُستثنَى مجتمعُ أيِّ دولة من الدول الإسلامية من هذا الاختلاف، أو التعدد الثقافي، فقد افترقت الأمة الإسلامية إلى فرق متعدِّدة، اندرس كثير منها، وبقي بعضها، لكل فرقة عقائدها، وأعلامها، ورؤاها، وتعددت الاجتهادات الفقهية في الوقائع والمستجدات، وتشكَّلت بسببها مذاهب فقهية، لكل مذهب منهجه وقواعده واستدلالاته، واختلفت النزعات الوطنية والقومية، ولكلٍّ حزبه وطموحاته، وتباينت النظرات إلى المستقبل، ولكلٍّ رأيه وتوقعاته ومعالجاته، وقد نشأ عن كل منها ثقافة خاصة بها، لها سماتها، ومفرداتها، وأطروحاتها.
وأمام هذه الثقافات المحلية ذات العمق التاريخي: كيف نقف ونحن في حال من التحدي من الثقافات الأجنبية التي تريد أن تفرض نفسها علينا، وتُلغي كل أنواع ثقافتنا؟ هل نقف موقف الإقصاء من الآخر، أم نقف منه موقف الاعتراف؟
نعم هناك من يرى ضرورة الاعتراف بتعدد الثقافات المحلية، وقبول الآخر من المواطنين في الوطن تعايشاً، وتحاوراً، وتسامحاً بحجة أن العصبيات والمذهبيات والطوائف لا يمكن أن تكون القاعدة أو المرجعية لأي مجتمع يواجه تحديات العصر الحديث [46، ص149]، وأن هذه التعددية لا تُعَدُّ خطيرة ولا ضارة، وبخاصة في ظل قيم تربوية متوازنة، يحترم فيها كل فرد خصوصيات الآخر، وكثيراً ما يقع التعايش والتساكن بين المجتمعات المتباينة في مواقفها إذا احترم كل فريق خصوصيات الفريق الآخر، وكلَّما نمت قيم الفضيلة في المجتمع، واتسعت آفاق الرؤية الإنسانية كانت أسباب التعايش والتساكن أرسخ وأقوى، وكانت قادرة على صياغة قاعدة سليمة وعادلة لتعاون مثمر ومفيد، لتحقيق مصالح مشتركة لكل من الفريقين.
والمجتمعات الإسلامية أقدر من غيرها على تحقيق هذه المعادلة بين الطوائف والمذاهب والأديان، وهذا ما يؤيده تاريخنا الإسلامي الذي احتضن أروع صورة من صور هذا التعايش في ظل قوميات متباعدة، ولغات متباينة، وبين شعوب متنافسة [47، ص383].
وهناك من يرى أن تبنِّي ثقافة واحدة ترعى الوحدة في أركان الدين وقواعد الملة، وتقر الاختلاف في القضايا الفرعية [48، ص2] دون الأصول هو الأولى، حفظاً لوحدة الأمة وتماسكها واجتماعها، لاسيما أن النصوص الشرعية من القرآن والسنة قد دعت إلى البعد عن الاختلاف والفرقة، قال - تعالى -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. وقال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "الظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفاً له؛ فإن الله بعث رسوله بالهدى، ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه، ولا افتراق، فمن اختلفوا فيه، وكانوا شيعاً - أي فرقاً كأهل الملل، والنِّحَل، والأهواء، والضلالات - فإن الله - تعالى - قد برأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما هم فيه" [49، ج2، ص196]. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "خطبنا عمر بالجابية، فقال: "يا أيها الناس، إني قمت فيكم كمقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا، فقال: ((أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة))" [9، ج...، ص...]. وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالانصراف عن قراءة القرآن - على عظم فضله - إذا كانت قراءته تؤدي إلى الاختلاف، والتنازع، والتعادي، فعن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه" [43، ج6، ص115، و17، ج4، ص2053].
لعل الجمع بين أثر هذين الرأيين في الواقع يتضح إذا أدركنا أن الاختلاف عموماً على نوعين: الأول: اختلاف تنوُّع، وهو أن يكون كل واحد من القولين والفعلين والرأيين حقاً مشروعاً، كاختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - في القراءات، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "سمعت رجلاً قرأ آية، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ خلافها، فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهة، فقال: ((كلاكما محسن، ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا))" [43، ج3، ص88]. ومنه كون كل من القولين هو في المعنى القول الآخر، لكن العبارتين مختلفتان، كما قد يختلف في ألفاظ الحدود، والتعبير عن المسميات، والمفاهيم [50، ص514]، فهذا الاختلاف سائغ، فقال العلامة ابن الوزير: "الخلاف الذي نهى عنه، وحذر منه الهلاكَ هو التعادي؛ فأما الاختلاف بغير تعاد فقد أقرهم عليه، ألا تراه قال لابن مسعود: ((كلاكما محسن)) حين أخبره باختلافهما في القراءة؟! ثم حذرهم من الاختلاف بعد الحكم بإحسانهما في ذلك الاختلاف، فالاختلاف المحذِّر منه غير الاختلاف المحسَّن به منهما، فالمحذر منه التباغض، والتعادي، والتكاذب المؤدي إلى فساد ذات البين، وضعف الإسلام، وظهور أعدائه على أهله، والمحسَّن هو عمل كل أحد بما علم مع عدم المعاداة، والمخالفة، والطعن عليه". قال: "وعلى ذلك درج السلف الصالح من أهل البيت والصحابة والتابعين" [51، ص375].

أما النوع الثاني من الاختلاف
: فهو اختلاف التضاد – أي: القولين المتضادين - إما في الأصول، وإما في الفروع، على أساس أن المصيب واحد، وهو المحمود، فهذا الاختلاف يؤول غالباً إلى العداوة والبغضاء، لأن إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق، ولا تنصفها، بل تزيد على ما مع نفسها من الحق زيادات من الباطل، والأخرى كذلك، ولذلك جعل الله مصدره البغي [50، ص516] في قوله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [البقرة: 213]. ولو حصل الإنصاف واحترام الآخر لكان هذا الاختلاف أيضاً مقبولاً سائغاً؛ إلا أن الواقي من الوقوع في البغي بين المختلفين يكون في ابتغاء كلٍّ منهما الحقَّ وحده.
ولما كانت الثقافة الإسلامية مرتبطة بالوحي الإلهي، ومستقلة في نشأتها عن تأثير الثقافات الأخرى، فهي لم تتطور عن أحد منها، أو تتولد عنها، وإنما نشأت في كنف مفاهيم القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وتصوراتهما، ونمت في ظلهما، وارتبطت بالإسلام الذي هدم الشرك، ونسخ الأديان، وانفردت بوصف الدين الصحيح، كما قال - تعالى -: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 19]. وقال - تعالى -: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. فبسبب ارتباط الثقافة الإسلامية بالوحي اختلفت عن الثقافات التي قامت على آراء البشر واجتهاداتهم، أو تطورت عن ثقافات قديمة، أو تولدت عنها؛ إذ قامت الثقافة الإسلامية على أصل ديني صحيح هو الإسلام، ونشأت مستقلة عن غيرها من ثقافات الأمم والمجتمعات، فهي ليست متطورة عنها، ولا امتداداً لأحدها.
ولا ريب أن استنادها على الوحي في كل قضاياها وتصوراتها يجعلها أيضاً مصونة عن الوقوع تحت تأثيرات الأهواء، والآراء الفاسدة، والمذهبيات المنحرفة التي ينشأ عنها الاختلاف المتضاد، وتتولد عنها العداوات؛ فالعاصم لها من ذلك يعود إلى رد مسائل التنازع والاختلاف في كل القضايا إلى كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لاستجلاء الحق وبيانه، وإلى تسويغ الاختلاف لأسباب علمية وظنية؛ شريطة ألا يفسد ما بين أهل العلم والفكر من ألفة وعصمة، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن: "العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله في قوله - تعالى -: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59]. وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرةَ مشاورةٍ ومناصحةٍ، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة، والعصمة، وأُخوَّة الدين.
نعم من خالف الكتاب المستبين، والسنة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لا يعذر فيه، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع" [52، ج24، ص172] الذين يتبعون أهواءهم، ويتبعون ما تشابه من القرآن ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله.
وإذا كانت الأمة مطالبة بأن تجتمع وتتحد على أصول الدين، وأركانه العلمية والعملية العظام، ومفاهيمه العامة، ومقاصد الشريعة التي تشكِّل مضامين الثقافة الإسلامية، ومعالمها الظاهرة - فإنه لا يضرها أن تختلف في القضايا التي دونها من الفروع والجزئيات؛ فإن الخلاف فيها سائغ وواسع؛ لاختلاف الناس في الفَهْم، "والاستنتاج، والاستنباط، واختلافهم في الرأي، والنظر، والإحاطة بعلوم الشريعة، وأسرارها، ومعانيها، وظروف النصوص النازلة وأسبابها" [48، ص2]، ذكر الإمام الشاطبي في هذا الأمر كلاماً نافعاً بعد أن ذكر اختلاف أهل الملل السابقة، واتفاق أهل الحق من أمة الإسلام فقال: "ثم إن هؤلاء المتفقين قد يعرض لهم الاختلاف بحسب القصد الثاني، لا بالقصد الأول، فإن الله - تعالى - حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار، ومجالاً للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنِّيَّات عريقة في إمكان الاختلاف فيها؛ لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات؛ فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" [53، ج2، ص168]، فهو مع كونه ضرورة، هو كذلك رحمة بالأمة، وتوسعة عليها؛ فقد اجتهد الصحابة - رضي الله عنهم - واختلفوا في أمور جزئية كثيرة، ولم يضِيقُوا ذرعاً بذلك؛ بل وطَّنوا أنفسهم على ذلك، قال يونس الصدفي: "ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة" [54، ج10، ص16]. وقد كان الإمام أحمد يحترم رأي الإمام إسحاق بن راهويه؛ وإن كان يخالفه في أشياء، قال عن ذلك: "لم يعبر الجسر إلى خرسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء؛ فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا" [54، ج11، ص371]؛ بل إن هؤلاء الفقهاء باختلافهم أتاحوا لمن بعدهم فرصة الاختيار من أقوالهم واجتهاداتهم، كما أنهم سَنُّوا لنا سنة الاختلاف في القضايا الاجتهادية، وظلوا معها إخوة متحابين [55، ص47-51]؛ فهذا عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد يرى اختلاف الصحابة سعة ورحمة، فيقول: "لا يسرني أن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة" [56، ج1، ص209، 57، ص392]، كما أن من بعدهم من الأئمة المتبوعين لم يروا أن يُحمَل أحدٌ على رأيهم بالعنف والقوة، يدل على هذا أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور لما أراد أن يحمل الناس على ما في "موطأ الإمام مالك" من آراء وأحكام بلسطان الدولة بحيث يلتزم بها الكافة، وتلغى الآراء والاجتهادات الأخرى نهاه الإمام مالك عن ذلك؛ لما في ذلك من مصادرة للآراء السائغة، وإلغاء لاجتهادات الآخرين، وما بني عليها من أوضاع وأحوال، فقد روي أنه لما حج المنصور قال لمالك: "قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي صنفتها فتنسخ، ثم أبعث إلى كل مصرٍ من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم بأن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوه إلى غيره. فقال: يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا؛ فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وأُتُوا به من اختلاف الناس؛ فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم" [58، ج1، ص145].
يبدو أن ثقافة الاختلاف، وتعدد الثقافة شائعة وممارسة إلى درجة عالية في عهود سلف الأمة الصالح وَفق ما نطقت به أقوالهم والقصص السابقة، وأن التنوع الثقافي كان ظاهرة من الظواهر الفكرية في مجتمعهم التي لا يمكن إخفاؤها، وأن الثقافة العامة التي تمثل اتجاه جمهور العلماء وعليها غالب الناس لم تكن الوحيدة في المجتمع؛ وإنما هناك ثقافات محلية تختلف سعتها، ويتباين عدد أتباعها هي ثقافة مدارس واتجاهات فكرية موجودة وقائمة، وأن العلاقة بينها كانت علاقة حوار، وتغافر، واعتذار؛ لا علاقة عداوة، وبغض، وكراهية، فعلماؤها كانوا يراعون الألفة، والعصمة، وأخوة الدين وإن اختلفوا في القضايا العلمية العَقَديَّة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية [52، ج24، ص172]، ومن الأمثلة على ذلك اعتذار شيخ الإسلام ابن تيمية لشيوخ أهل التصوف الذي حسُن ذكرهم، وثبت إيمانهم، فقال: "لكن شيوخ أهل العلم الذين لهم لسان صدق وإن وقع في كلام بعضهم ما هو خطأ منكر فأصل الإيمان بالله ورسوله إذا كان ثابتاً غفر لأحدهم خطأه الذي أخطأه بعد اجتهاده" [59، ج1، ص265]. وإنكاره ذم المجتهد وتأثيمه؛ إذ يقول: "ومن عُلِم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز أن يذكر على وجه الذم والتأثيم له؛ فإن الله غفر له خطأه" [52، ج28، ص234]. مما يجعل مسلك الاقتصار على المذهب السائد متشدِّداً؛ لما في ذلك من تنكُّر للتراث الإسلامي الذي يعترف بالثقافات المختلفة، والمذاهب المتنوعة، ولسير العلماء، ومفكري الأمة الذين كانوا يتعاملون مع مخالفيهم على أساس الحق والعدل، ويراعون في ذلك تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، ويجتنبون كل ما يفضي إلى الكراهة والعداوة.

الثقافة الوطنية و(العولمة)
إن (العولمة) في اتجاهها الفكري "تطمح إلى صياغة ثقافة كونية شاملة، تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني، فهناك اتجاه صاعد يضغط في سبيل صياغة نسق ملزم من القواعد الأخلاقية الكونية" [60، ص104]، وإن هذه الثقافة مهما استخدم في صياغتها من صيغة علمية ومعرفية فإنها - كما يراها الأستاذ عبدالوهاب المسيري - صيغت داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، فهي تحمل معالم هذا التشكيل، وتدور في إطار العلمانية الشاملة، التي تدعو إلى إنكار القيم، وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية، وتطوُّر العالم؛ ولا يبعد أن تكون الصفة المعرفية لهذه (العولمة) وسيلة للتسلل إلى أرجاء العالم من أجل بناء الهيمنة الثقافية الغربية [61، ص20] التي تسعى الدول الغربية إليها، وتعمل على تحقيقها عن طريق الاتفاقات الثقافية والاقتصادية وغيرها مع الدول الأخرى، والتي غالباً ما تفرض فيها مصالحها الثقافية، وسيادة قيمها على الأطراف الأخرى؛ لكونها تمثل الطرف الأقوى، سواء كانت هذه الاتفاقيات ثنائية، أم عن طريق المنظمات الدولية، كمنظمة التجارة، ومنظمة العمل الدولية، أو عن طريق المؤتمرات التي تقرر فيها القيم الغربية، وتلزم بها الدول الأخرى، وتربط الدول الغربية مساعداتها للدول الأخرى بتنفيذها، أو عن طريق وسائل الإعلام العالمية؛ كالفضائيات، وشبكة (الإنترنت) [62، ص37] التي تعتمد مادتها الإعلامية على تسويق الفكر الغربي؛ لذا لا يرى الدكتور عبدالرحمن الزنيدي غرابة في أن تصبح (العولمة) نهجاً جديداً للغرب، يروِّج بصورة صريحة وظاهرة من خلاله قيمه ذات البعد الجسدي المادي في القضايا التي تتصل بالمرأة، والأسرة، والمجتمع، ومعطيات حضارته المادية الشهوانية التي تُعَد أشد الحضارات فساداً في الأمور الاجتماعية، وقد تجلت بدايات هذا الترويج في قرارات مؤتمرات السكان والمرأة [62، ص29] التي عقدت في القاهرة عام (1994م)، وفي بكين عام (1995م) باهتمام ورعاية غربية.
ومن الناحية الواقعية نجحت (العولمة) الثقافية بوسائلها السياسية والمعلوماتية والاجتماعية في صياغة مفاهيم جديدة في بعض التصورات الثقافية والسياسية والاجتماعية، واستطاعت أن تحلها محل الثقافات الوطنية، ولا ريب أنها من هذه الناحية شكلت خطراً على الهوية الثقافية الوطنية للمجتمعات، وعلى الحس الوطني الرسمي المتولد عن خصوصية التجربة التاريخية للدول.
نعم؛ إنه قد لا يستطيع أي مجتمع أن يبقى صامداً في زمن انهيار الحدود، وتدفُّق الأفكار والنظم بشكل سريع ومتتابع عبر منافذ متعدِّدة أمام هذه (العولمة) دون أن يتأثر بمفاهيمها الثقافية الجديدة؛ إلا أن ذلك ليس مطَّرداً، أو حتميّاً لا مناص منه؛ فإن المجتمعات التي تمتلك ثوابت عقدية وخلقية متجذرة في قلوب أفرادها، وعقولهم، وسلوكهم، وحياتهم - قادرة بفضل ما لديها من منظومة عقدية، وتصورات فكرية، وقيم خلقية على رد هجمات (العولمة) الثقافية الغربية التي تصر على إلغاء ثقافتها لتَحلَّ محلها، دون أن تأبه بسياقها التاريخي والثقافي الخاص، مما يجعل هذه المجتمعات في حال من التحدي أمام هذا الطوفان الثقافي الغربي المندفع نحوها ليجرف ثقافتها، ويمسخ هويتها، ومصادرة ما لديها من خصوصيات.
لذا كان لزاماً على علماء الأمة ومفكِّريها من الغيورين على دينهم وأوطانهم وهم يرون ما يجري حالياً على المستوى الدولي من تهميش لثقافات الشعوب لتحل محلها ثقافة النظام الواحد، وهي ثقافة الغرب عن طريق الوسائل الحديثة المستخدمة من أجل إحداث الإحلال المطلوب، ومن هذه الثقافات ثقافتنا الإسلامية التي تتعرض كغيرها إلى محاولة مستعِرَة لإلغاء خصوصيتها، ومسخ شخصيتها التي تستمدهما من انتمائها إلى الإسلام الحنيف - كان لزاماً على هؤلاء أن يعملوا على تعزيز هوية الوعي، والولاء، والانتماء بين المادية والروحية، وغرس روح المحبة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والخشية من مخالفة أمرهما، وعلى توضيح قضايا العقيدة، وأحكام الشريعة بما يعين على تفهُّم روح الإسلام، والطرائق السوية لتناول الحياة، وتمييز الباطل من الحق، والحرام من الحلال [63، ص162].
وأمام هذا التحدي الذي تتعرض له ثقافتنا لابد في المملكة العربية السعودية - وهي مستهدفة كغيرها من الدول في عالم يعيش تطوُّراً عاصفاً تهيمن عليه الدول المتقدمة، وتعمل على فرض ثقافتها على الآخرين - من وضع استراتيجية واضحة وواقعية ومنظمة لمواجهة هذا التحدي، بحيث تساعدها على حماية ذاتها، والحفاظ على هوية المجتمع الثقافية، وصيانتها من أي ضرر تغريبي يلحق بها، والسعي في تطوير هذه الثقافة، مع التمسك بالثوابت، ومراعاة المستجدات بحيث تصبح ثقافة منتجة؛ وليست مستهلكة وحسب [21، ص48].
إذا كانت الثقافة الإسلامية أكثر من غيرها مقاومة لتيار (العولمة)؛ لما تمتلكه من مقومات الثبات، وفي مقدمتها الرصيد العقدي النقي، ومصادر الوحي الصحيحة، والماضي التاريخي المشرق، والتراث العلمي المتكامل - فإن هذا لا يعني أن الثقافة الإسلامية ليست بحاجة إلى تكريس الجهود من أجل اتخاذ موقف حضاري من حركة (العولمة) العالمية في مسارها الإلزامي، يحافظ على شخصية الأمة من الذوبان في غيرها من الثقافات، وهذا يستلزم أن نفتح عقولنا، ونعطي الدراسة والبحث العلمي حقهما، وسنجد في تراثنا الخالد ما يجعلنا الأقوى في ظل المواجهة الواعية لهذا المد العارم.

الخاتمة
يمكن فيما يلي الإشارة إلى أهم ما خلص إليه هذا البحث:
1- المواطنة لها معنيان: الأول: معنى فطري يعتبرها نزعة غريزية نابعة من حب الإنسان لوطنه، وشعوره بالانتماء إليه. والآخر: يعتبرها نزعة فكرية مذهبية، لها مبادئها العامة، وطقوسها السلوكية، تزرع في نفوس الناس، وينشَّأ عليها ناشئة المجتمع، وتحاكم مواقف أتباعها عليها، وينظر إلى الآخرين من خلالها.

2-
الوطنية من المفاهيم الحديثة التي فرضت نفسها على خريطة الفكر الإنساني، وإن كانت ذات جذور عميقة في التاريخ، فهي بهذه الصفة الفلسفية عرفت في المجتمعات القديمة، ومن أشهر صورها: وطنية اليونان، ثم وطنية الإمبراطورية الرومانية، وظهرت هذه النزعة من جديد مقترنة بقوميات محلية في أوروبا بعد الثورة الفرنسية لتحل محل النزعة الدينية المسيحية تدريجياً، وأصبحت من معطيات القرن التاسعَ عشرَ الميلادي الموجِّهَة لكل نظم الدولة نحو خدمة هذه النزعة المذهبية.

3-
إذا كان الاتجاه المذهبي عمل على ربط معنى الوطنية بالأرض والوطن فإن الإسلام لا يتنكَّر لفطرة حب الوطن؛ ولا يعُدُّه مناقضاً له، ذلك أن الإسلام نظر إليه على أنه ميل فطري راسخ في النفس، فنمّاه ولم يقيده بمضامين أي نزعة من النزعات ذات المنحى العنصري؛ بل ربط بينه وبين الدين، وعمل على إدماج البشرية بعضهم ببعض دون تمييز على أساس الحدود الجغرافية؛ فمدَّ بذلك مفهوم الوطن على امتداد العقيدة، ووسع مفهوم الوطنية؛ لتكون انتماء فطرياً إلى الأرض، وموالاة دينية لعقيدة الإسلام ومبادئه وقيمه.

4-
إن الإسلام أوجد انسجاماً بين الدين والوطنية؛ بحيث تكون الوطنية متشربة للإسلام، ويكون الوطن داراً له، وجعل للوطنية معنى واسعاً يتجاوز المعنى المحصور في الأرض، كما أن الإسلام جعل الوطنية حقاً من حقوق الشعوب، والمحافظة عليه حياة لها بين الأمم، فلا معنى لحياة أمة وهي تفقد حق استقلالها في أرضها وبلادها، وتعيش تحت هيمنة عدوِّها وحُكْمه؛ فتلك أمة مَيْتَة؛ وإن كانت في حكم الأحياء.

5-
تمثل الوطنية في المملكة العربية السعودية المعنى المنسجم مع الفطرة والإسلام؛ إذ يعني مفهوم الانتماء إلى المملكة العربية السعودية معاني وقيماً عظيمة تستمدها من موقعها، واحتضانها للحرمين الشريفين، وكونها مهبط الوحي وداراً للإسلام، ومأرزاً لأتباعه، كما يقتضي معنى الانتماء إلى هذا الوطن حماية أرضه، والنهوض برسالته التي هي رسالة الإسلام، والجهاد في سبيل الحفاظ على حرماته ومقدساته، والذبَّ عن منجزاته الحضارية بشقَّيها: المعنوية والمادية.

6-
برزت الوطنية منذ انطلاقها في أوائل القرن التاسعَ عشرَ الميلادي مقترنة بالقيم (الليبرالية) أو الحريَّة الفردية و(الديموقراطية)، وتعتبر فرنسا أنصع مثال على هذا التلازم في أوروبا الحديثة، وظهرت الوطنية في العالم العربي مقرونة بمشروع الدعوى إلى الوحدة العربية الذي كان من أهدافه مقاومة الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية، وتم التسويق لهذا المشروع عن طريق بناء ثقافة وطنية جديدة على المنحى القومي للثقافة السياسية الغريبة المتجِه إلى فصل الدين عن الدولة، وكانت رَدة الفعل الأولى عليه من المفكرين الإسلاميين بإعلان التمسك بفكرة الخلافة الإسلامية، والتنادي إلى مشروع إعادتها من جديد؛ مما أدى إلى تبلوُر اتجاه فكري مناهض لفكرة الوطنية العربية، يدعو إلى حماية الهوية الإسلامية، والدفاع عنها.

7-
إن الاختلاف في مفهوم المواطنة بين القوميين والإسلاميين نشأ عنه تباين في الثقافة التي تحدد هوية الوطن وصلته بغيره؛ إلا أن الفريقين متفقان على أن الوطنية: "جمع بين الثقافة كهوية، وبين الثقافة كطريقة اتصال"، إذ الثقافة عند الفريقين من أخص خصائص الإنسان، وإذا كان أي وطن بحاجة إلى تنمية شاملة وهادفة في كل مرافقه تستثمر كل إمكاناته وطاقاته فإن هذه التنمية لابد أن تكون متلائمة مع ثقافته، ومعطياته، ومكونات مجتمعه.

8-
يُعَدُّ الدين في الثقافة الإسلامية بمصادره الصحيحة الأساس الأول الذي تقوم عليه، وتأخذ منه مادتها العلمية والفكرية، وتستمد منه ذاتيتها، ووجهتها، وتصوراتها، وقوام فكرها، وتعتمد عليه في نقد التراث البشري، ومواجهة التحديات التي تعترض سبيل المحافظة على شخصيتها من الذوبان في غيرها، وهو العاصم لها من الانحراف عن الطريق السوي، أو الاندثار مع الثقافات الضعيفة التي لم تستطع الصمود أمام متغيرات الحياة، أو الذوبان في غيرها من الثقافات الأخرى، كما أن الثقافة الإسلامية تضطلع بوظيفة مؤثرة ورائدة في بناء الهوية الوطنية وصياغتها وَفق تعاليم الإسلام، وقيمه السامية.

9-
الثقافة الإسلامية واقعية في نظرتها إلى الثقافات الأخرى؛ فهي تراها متولدة عن سُنَّة الاختلاف بين بني البشر، وهي على وعي تام بهذه الثقافات، وهذا يعود إلى كونها ثقافة إنسانية تحترم الإنسان وتُكرِمه، وتحتفل بالمثل العليا، والوحدة الإنسانية، وتُعنَى بالاتصال بالشعوب ومحاروتها على أساس من العلم والحق، وتهتم بمخاطبة الثقافات الأخرى على أساس من الاحترام المتبادل، كما أنها تشاركها في حماية القيم، وإرساء المبادئ الإنسانية، فهي ثقافة ذات نزعة إنسانية واضحة في كل جانب من جوانبها.

10-
إذا كانت الثقافة الإسلامية تأخذ بمبدأ التفاهم مع الثقافات الأخرى، والاحترام المتبادل بينها فإنها في الوقت نفسه لا تأخذ بفكرة التعايش مع الثقافات التي تستهدف كسر الحواجز المانعة من تأثيرها؛ لغرض إحلال ثقافتها مكانها وتوطينها، لكنها لا تمانع من تفاعل الثقافات، وتقاربها في الجوانب العلمية والتطبيقية والحضارية على أن يكون ذلك مبنياً على الاحترام المبتادل في جو سلمي، بعيد عن الروح العدائية والتعصب ضد الثقافات الأخرى.

11-
الثقافة الإسلامية اعترفت بثقافات الأديان التي كانت موجودة في داخل الوطن الإسلامي، ومنحت أصحابها حرية الممارسة، واحترمت مقدساتهم ومصادرهم الدينية والفكرية، وحاورت أتباعها بالتي هي أحسن؛ دون إكراه يحمل أحداً على الانسلاخ من ثقافته، أو مصادرة آرائه؛ وإنما حوار منفتح ومقنع، يمكِّن الأمة من القيام بواجب الشهادة على الناس التي جعلها الله وظيفة من وظائفها في علاقتها بغيرها، وتواصلها مع الآخرين، وهي تمتلك خطاباً وسطياً بعيداً عن الغلو والتفريط، والتنفير في الأسلوب والمضمون.

12-
إن توخِّي النزاهة والموضوعية والاحترام في قضايا الاختلاف، والتعدد الثقافي، والتمايز الحضاري، والنظرة العادلة إلى كل الثقافات التي (تعطي كل ذي حق حقه) سيعزز مستقبل الإنسانية بالوئام والتعايش الممكن، بدلاً من التنافس والصدام المهلك للشعوب، المكرس للكراهية بينها، وسيتيح مجالاً رحباً للحوار بين الشعوب، وسيمنح الآراء الصائبة الفرصة المناسبة لإقناع الآخرين، والانتفاع بها دون حاجة إلى إكراههم على قبولها، ومن ثم سيجعل ثقافتها ظاهرة على الثقافات الأخرى.

13-
يعِج الوطن الإسلامي على امتداده بالاتجاهات الفكرية والمذهبيات العقدية والفقهية، وإذا كان من جامع له فإنه يجتمع على قدر كبير من الثقافة الإسلامية العامة التي هي ثقافة كل أطيافه، ونخبه، ومذاهبه، ويفترقون في تفصيلاتها، وهذا الافتراق - وبالأحرى الاختلاف - يعود إلى مشارب، ومدارس، وقناعات شخصية، وجمعية، ونظرات إلى المستقبل، لها بعد تاريخي وعقدي وفقهي وقومي وواقعي، ولا يمكن أن يستثنى مجتمعُ أيِّ دولة من الدول الإسلامية من هذا الاختلاف، أو التعدد الثقافي، وأمام هذه الثقافات المحلية هناك من يرى ضرورة الاعتراض بتعدد الثقافات المحلية، وقبول الآخر تعايشاً وتحاوراً وتسامحاً؛ بحجة أن العصبيات والمذهبيات والطوائف لا يمكن أن تكون القاعدة أو المرجعية لأي مجتمع يواجه تحديات العصر الحديث، وهناك من يرى أن تبنِّي ثقافة واحدة ترعى الوحدة في أركان الدين وقواعد الملة، وتقر الاختلاف في القضايا الفرعية دون الأصول هو الأولى حفظاً لوحدة الأمة وتماسكها واجتماعها.

14-
إذا كانت الأمة مطالبة بأن تجتمع وتتحد على أصول الدين، وأركانه العلمية والعملية العظام، ومفاهيمه العامة، ومقاصد الشريعة التي تشكل مضامين الثقافة الإسلامية، ومعالمها الظاهرة، فإنه لا يضرها أن تختلف في القضايا التي دونها من الفروع والجزئيات؛ فإن الخلاف فيها سائغ وواسع لاختلاف الناس في الفهم والاستنتاج والاستنباط، واختلافهم في الرأي، والنظر، والإحاطة بعلوم الشريعة، وأسرارها، ومعانيها، وظروف النصوص النازلة وأسبابها، ولنا في السلف الصالح أسوة حسنة، فقد كانت ثقافة الاختلاف، وتعدد الثقافة شائعة وممارسة في عهدهم إلى درجة عالية، وأن التنوع الثقافي كان ظاهرة من الظواهر الفكرية التي لا يمكن إخفاؤها، وأن الثقافة العامة التي تمثل اتجاه جمهور العلماء، وعليها غالب الناس لم تكن الوحيدة في المجتمع؛ وإنما هناك ثقافات محلية تختلف سعتها، ويتباين عدد أتباعها هي ثقافة مدارس واتجاهات فكرية موجودة وقائمة، وأن العلاقة بينها كانت علاقة حوار وتغافر واعتذار؛ لا علاقة عداوة وبغض وكراهية، فعلماؤها كانوا يراعون الألفة والعصمة وأخوة الدين، وإن اختلفوا في القضايا العلمية العقدية.

15-
ومن الناحية الواقعية نجحت (العولمة) الثقافية بوسائلها السياسية والمعلوماتية والاجتماعية في صياغة مفاهيم جديدة في بعض التصورات الثقافية والسياسية والاجتماعية، واستطاعت أن تحلها محل الثقافات الوطنية، ولا ريب أنها من هذه الناحية مثلت خطراً على الهوية الثقافية الوطنية للمجتمعات، وعلى الحس الوطني الرسمي المتولد عن خصوصية التجربة التاريخية للدول؛ إذ لا يستطيع أي مجتمع أن يبقى صامداً في زمن انهيار الحدود، وتدفق الأفكار والنظم بصورة سريعة ومتتابعة عبر منافذ متعدِّدة أمام هذه (العولمة) دون أن يتأثر بمفاهيمها الثقافية الجديدة؛ إلا أن ذلك ليس مطَّرِداً، أو حتميّاً لا مناص منه؛ فإن المجتمعات التي تمتلك ثوابت عقدية وخلقية متجذرة في قلوب أفرادها وعقولهم وسلوكهم وحياتهم - قادرة بفضل ما لديها من منظومة عقدية وتصورات فكرية وقيم خلقية على رد هجمات (العولمة) الثقافية الغربية، ومن هذه الثقافات ثقافتنا الإسلامية التي تتعرض كغيرها إلى محاولة مستعرة لإلغاء خصوصيتها، ومسخ شخصيتها التي تستمدهما من انتمائها إلى الإسلام الحنيف؛ لذا كان لزاماً على علماء الأمة ومفكريها أن يعملوا على تعزيز هوية الوعي والولاء والانتماء للدين الإسلامي في نفوس المسلمين.

المصادر والمراجع
:
1- ابن منظور، جمال الدين الأنصاري، تحقيق عبدالله علي الكبير وآخرين، "لسان العرب"، دار المعارف.
2- الأزدي السجستاني، سليمان بن الأشعث، "سنن أبي داود"، راجعة، عبدالحميد محمد محيي الدين، دار الفكر.
3- التهانوي، "كشاف اصطلاحات الفنون"، دار صار ببيروت.
4- الزنيدي، عبدالرحمن، مقالة "الإسلام والوطنية ممتزجان"، "مجلة المعرفة"، الكتاب العاشر "الوطنية كائن هلامي" الطبعة الأولى عام 1421هـ.
5- عبود، عبدالغني، "ديناميات المجتمع الإسلامي"، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي بالقاهرة.
6- الجندي، أنور، "الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي"، دار الاعتصام بالقاهرة، 1980م.
7- نادي الفكر الإسلامي بالرباط، "لماذا نادي الفكر الإسلامي؟" 1400هـ.
8- حسين، محمد محمد، "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر"، الطبعة السادسة، مؤسسة الرسالة ببيروت، 1403هـ.
9- الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى، "الجامع الصحيح"، تحقيق عوض، إبراهيم عطوة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
10- العسقلاني، أحمد بن علي ابن حجر، "الإصابة في تمييز الصحابة"، تحقيق الزيني، طه محمد، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة.
11- العجلوني، إسماعيل، "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"، دار التراث بالقاهرة.
12- قطب، محمد، "مذاهب فكرية معاصرة"، الطبعة الأولى، دار الشروق،1403هـ.
13- عمارة، محمد، مقالة "الروح الوطنية"، "مجلة المعرفة"، الكتاب العاشر "الوطنية كائن هلامي" الطبعة الأولى عام 1421هـ.
14- عزام، عبدالرحمن، "الرسالة الخالدة"، الطبعة الأولى، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1365هـ.
15- الحقيل، سليمان، "الوطنية ومتطلباتها في ضوء تعاليم الإسلام"، الطبعة الثانية، دار الشبل بالرياض 1413هـ.
16- عمارة، محمد، "الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده"، طبعة بيروت، 1972م.
17- القشيري النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، "صحيح مسلم"، تحقيق عبدالباقي، محمد فؤاد، رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض، 1400هـ.
18- مزروعي، علي، مقالة "الوطنية العربية وفق القرن الحادي والعشرين"، "مجلة المعرفة"، الكتاب العاشر "الوطنية كائن هلامي" الطبعة الأولى عام 1421هـ.
19- السيد، رضوان وبرقاوي، أحمد، "المسألة الثقافية"، الطبعة الأولى، دار الفكر بيروت، 1418هـ.
20- الجندي، أنور، "الإسلام والدعوات الهدامة"، دار الكتاب اللبناني.
21- الغرايبة، فيصل محمود، بحث "الثقافة العربية في عصر الاتصالات و(العولمة)"، ندوة استراتيجية الثقافة والتنمية، ودور كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي، المنعقدة بدولة الكويت من 27-29 مارس عام 2000م.
22- الحسني، محمد بلبشير، "في سبيل تأصيل الثقافة الإسلامية وتجديد الفكر"، الطبعة الأولى، منشورات الفرقان، 2000م.
23- المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، "الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي"، منشروات المنظمة عام، 1422هـ.
24- نجيب، عمارة، "الإنسان في ظل الأديان: المعتقدات والأديان القديمة"، مكتب المعارف بالرياض، 1400هـ.
25- الخطيب، عمر عودة، "لمحات في الثقافة الإسلامية"، الطبعة الرابعةَ عشرَ، مؤسسة الرسالة، 1419هـ.
26- القرضاوي، يوسف، "الخصائص العامة للإسلام"، مكتبة وهبة، عام 1397هـ.
27- الحليبي، أحمد بن عبدالعزيز، "ثقافة الطفل المسلم: مفهومها وأسس بنائها"، الطبعة الأولى، دار الفضيلة بالرياض، 1419هـ.
28- الطريقي، عبدالله، وآخرون، "الثقافة الإسلامية تخصصاً"، عام 1417هـ.
29- العمري، نادية شريف، "أضواء على الثقافة الإسلامية" عام 1401هـ.
30- قطب، سيد، "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته"، دار الشروق، عام 1399هـ.
31- سالم، محمد رشاد، "المدخل إلى الثقافة الإسلامية" عام 1407هـ.
32- مرسي، محمد عبدالعليم، "الثقافة والغزو الثقافي في دول الخليج العربية" عام 1415هـ.
33- القرضاوي، يوسف، "الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة"، مكتبة وهبة عام 1414هـ.
34- ابن خلدون، عبدالرحمن، "المقدمة"، الطبعة الأولى، دار القلم ببيروت، عام 1987هـ.
35- السهيلي، عبدالرحمن تحقيق عبدالرحمن الوكيل، "الروض الأنف في شرح السيرة النبوية"، الطبعة الأولى، دار الكتب الحديثة عام 1387هـ.
36- ابن القيم، "إعلام الموقعين"، دار الجيل ببيروت.
37- السباعي، مصطفى، "من روائع حضارتنا"، المكتب الإسلامي ببيروت.
38- مجموعة من الكتاب، ترجمة حافظ الجمالي، ويوسف مراد، "أصالة الثقافات ودورها في التفاهم الدولي"، تحت عنوان: إنسانية الغد وتنوع الثقافات، دار الفكر العربي بالقاهرة عام 1963م، مطبوعات اليونسكو.
39- الطريقي، عبدالله، "الثقافة والعالم الآخر"، دار الوطن عام 1415هـ.
40- العليان، عبدالله، مقالة "من صراع الحضارات إلى تعايشها"، "مجلة العربي" العدد / 532 مارس 2003م.
41- ابن هشام، أبو محمد بن عبدالملك، "سيرة النبي" - صلى الله عليه وسلم - تحقيق عبدالحميد، محمد محيي الدين، إدارات البحوث والإفتاء بالرياض.
42- الطبري، ابن جرير، "تاريخ الأمم والملوك"، طبعة بيروت.
43- الجعفي، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل، "صحيح البخاري"، المكتبة الإسلامية بتركياً.
44- القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن" دار إحياء التراث العربي عام 1965م.
45- جاب الله، أحمد، ورقة "انفتاح الخطاب الإسلامي ومتطلبات المرحلة المعاصرة"، مقدمة لمؤتمر كلية الشريعة بالكويت عام 1425هـ.
46- الأنصاري، حمد جابر مقالة "نحن في علاقة مشوهة مع النفس"، "مجلة العربي" العدد 518 يناير عام 2002م.
47- النبهان، محمد فاروق، "بحث ظاهرة التطرف في المجتمعات الإسلامية: أسبابها، ووسائل علاجها"، "مجلة دار الحديث الحسينية"، العدد / 13 عام 1417هـ.
48- التركي، عبدالله، "أسباب اختلاف الفقهاء"، مكتبة الرياض الحديثة، عام 1397هـ.
49- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، "تفسير القرآن العظيم"، دار المعرفة، طبعة عام 1388هـ.
50- الحنفي، ابن أبي العز، "شرح العقيدة الطحاوية" الطبعة التاسعة، المكتب الإسلامي، عام 1408هـ.
51- ابن الوزير، "إيثار الحق على الخلق"، دار الكتب العلمية بيروت.
52- ابن قاسم، عبدالرحمن، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"، مؤسسة الرسالة ببيروت.
53- الشاطبي، أبو إسحاق، "الاعتصام"، دار المعرفة ببيروت، عام 1402هـ.
54- الذهبي، محمد بن أحمد، "سير أعلام النبلاء"، الطبعة السابعة، مؤسسة الرسالة ببيروت عام 1410هـ.
55- القرضاوي، يوسف، "الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم"، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة عام 1412هـ.
56- المناوي، محمد عبدالرؤوف، "فيض القدير شرح الجامع الصغير"، دار الفكر.
57- النمري القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبدالبر، "جامع بيان العلم وفله"، الطبعة الثانية، دار الكتب الإسلامية بمصر، عام 1402هـ.
58- الدهلوي، ولي الله عبدالرحيم، حجة الله البالغة، دار التراث بالقاهرة.
59- ابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، الصفدية عام 1406هـ.
60- مسعد، محيي محمد، "ظاهرة (العولمة): الأوهام والحقائق"، الطبعة الأولى عام 1990م.
61- المسيري، عبدالوهاب، مقالة "عولمة الالتفات بدلاً من المواجهة"، مجلة المعرفة، الكتاب العاشر "الوطنية كائن هلامي" الطبعة الأولى عام 1421هـ.
62- الزنيدي، عبدالرحمن، "(العولمة) الغربية والصحوة الإسلامية"، دار إشبيليا، الطبعة الأولى عام 1421هـ.
63- بدوي، صال جمال، "تعقيب على بحث كيفية تحقيق الهوية الإسلامية للطالب الجامعي الخليجي"، ندوة استراتيجية الثقافة والتنمية المنعقدة بدولة الكويت من 27-29 مارس عام 2000م.
المادة باللغة الإنجليزية
اضغط هنا





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تطبيق الشريعة والوحدة الوطنية
  • حب الوطن: معنى ومبنى
  • التصور الحقيقي للوطن من خلال الهجرة النبوية
  • الوطنية والمواطنة
  • وطني 100%: النسخة الرسمية
  • فكرة وطني أولا ( نشأتها - واقعها - موقف الإسلام منها )
  • ثقافات ( قصة )
  • خطبة الاعتداء على الوطن

مختارات من الشبكة

  • القيم الوطنية في الفكر الإسلامي ودورها في تحصين المجتمع (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مكتبة الملك فهد الوطنية رائدة توثيق الفكر السعودي(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • بيرو: المكتبة الوطنية تعلن بدء أسبوع الثقافة العربية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • منظمة المؤتمر الإسلامي قلقة من انشقاقات الجبهة الوطنية لتحرير مورو(مقالة - المسلمون في العالم)
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار(مقالة - المسلمون في العالم)
  • كيف تضع اسمك في تعيينات مناصب الخدمة الوطنية؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ختام المسابقة الوطنية الخامسة والثلاثين للقرآن الكريم بنيجيريا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المسابقة الوطنية الثانية عشرة للقرآن الكريم في جمهورية بلغاريا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • حكم الوطنية والحديث في السياسة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جوهر الوطنية الاقتصادية(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/11/1446هـ - الساعة: 15:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب