• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

حكم الله أولى

حكم الله أولى
أ. د. عمر بن عبدالعزيز قريشي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/6/2014 ميلادي - 4/8/1435 هجري

الزيارات: 4034

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حكم الله أولى


لا يجوز للناس أن يتخذوا غير الله ربًّا وحكَمًا، والذي يعبد غير الله جاحد للحق، خائن للنعمة، وكذلك الذي يتَّبِع غير ما شرع، ويحكم بغير ما أنزل، لماذا نُعطي بشرًا ما حقَّ منازعةِ الله في أمره ونهيه، وتحليله وتحريمه؟ لماذا يملِك إنسان ما أن يدع كلام الله جانبًا، وأن يطرَحه وراءه ظهريًّا، ثم يأتي لنا من عند نفسه بأحكام يزعم أنها أولى بالاتباع من أحكام الله؟ أهو أصدقُ من الله؟ أهو أبصرُ منه بمصالح الخَلْق؟ أم هو أذكر لما نسي رب العالمين من حاجات الناس؟!

 

إن إهمال التشريع الإلهي، واعتناق القانون الأرضي، عبثٌ شائن، وجاهليَّة مُنكَرة؛ ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾ [الأنعام: 114]، ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين ﴾ [الأعراف: 54].

 

والواقع أن إماتة شرائع السماء معصيةٌ كبرى، وكل ما هنالك من فرْق بين هذه المعصية وبين غيرها من الرذائل أن الأفراد قد يتورَّطون في الإثم عن غفْلة أو ضعفٍ أو انزلاق قدمٍ أو ثورة شهوة، أما وأد أحكام السماء فما يكون إلا عن تعمُّد وعلانية وقلة مبالاة بالله، وقد توعَّد الله - جل شأنه - من يَميلون عن الحق ويَجنحون إلى الهوى فقال: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].

 

وما ترْكُ أحكام الله إلا ببواعث الهوى، إلا أنه في مَيدان التقنين الموضوع هو مُنظَّم، معمَّم، مزوق، كأنه منطق العقل السديد، وهدى المصلحة المؤكدة؛ ولذلك - ومنعًا لهذا الغش - يقول الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ ﴾ [المائدة: 48].

 

ويقول مرة أخرى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 49].

 

ومن ثم فنحن نريد أن يعي الناس أجمعون هذه الحقيقة، وأن يثِقوا بأن الشريعة لا تنطوي على باطل ولا على عبثٍ.

 

إنها الحق الكامل: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [يوسف: 40]، ﴿ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].

 

ربما كان للقانون سلطة على الناس في أنحاء كثيرة من حياتهم، ولكنه سلطان منقوص من الأطراف، منزُوع القوى؛ إذ لم يصحَبه سناء رُوحي يوفِّر له الاحترام والهَيبة، وكم يعجِز القانون وحده عن تأمين المجتمع وبثِّ الطمأنينة والثِّقة في جنباته؟ أما تشريع الله فلا؛ ذلك أن الخضوع له من الخضوع لله الذي أنزله، والتسليم التام لكل صغيرة وكبيرة فيه هو مقتضى الإيمان: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

هل من أجل هذا كان التشريع السماوي مرعيًّا في السرِّ والعلانية، منفَّذًا في الظاهر والباطن؛ لأن تنفيذه لا يكون خوفًا من سلطة يمكن خِداعها، بل خَشية من عالم الغيب والشهادة، والمتهم بالجريمة هو نفسه أول من يَستكين لعقابها؛ لأنه يعرف أن ذلك أمر الله الذي لا رادَّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمه، بل إنه يسعى أن توقع العقوبة عليه في الدنيا حتى ينجو من عذاب الآخرة، وتلك مَيزة في القانون السماوي لا تعهد فيما يصطنعه الناس لأنفسهم من قوانين[1].

 

ثم إن إقامة حكم الله فريضة يتعاون عليها المجتمع والدولة، ويرى كلاهما أنه مُطالَب بها بوحي إيمانه، ومن ثم تَستحكِم حلقات الحصار حول المجرم، فلا يستطيع فرارًا من تَبعاتِ عمله، ولا يجد مُجيرًا من أقرب الناس إليه، إن الجميع يتقرَّبون إلى الله بتقديمه إلى القضاء لينال جزاءه العدل كما كتبتْه السماء، أما في الأحوال الأخرى، فإن المجرِم قد تُرصَد الجوائز للقبض عليه، ومع ذلك يجد من يخفيه؛ لأن القانون لم يتَّصِل بحنايا القلوب، بل قد يُماري بعض الناس في استحقاقه للعقاب، وفي صلاحية هذا القانون للتطبيق.

 

قد يخضع الإنسان لأمر صديقه الذي يحبه، أو والده الذي يبَرُّه، فيبادر إلى تنفيذ ما يَطلُبان منه وهو رضيُّ النفس، قرير العين، بل قد تبلُغ العاطفة من قلبه أن يتمنَّى لو صدَر من أحدهما أمر قد يفعله على وجه من السرعة والإتقان يدل على مدى حبه وعظيم تعلُّقه، هذه صورة من الخضوع للحبيب يعرفها الناسُ.

 

وهناك صورة أخرى للون آخر من الخضوع:

موظف مرهوب السلطة، مَخوف الأذى، يُصدِر الأمر إلى مرؤوسيه فيستمع إليه ثم ينصرِف ينفِّذه، والخوف وحده هو الذي يُحرِّك أعضاءه، إنه يؤدي العمل المطلوب دون رغبة منه، بل أحيانًا مع كُرْه له ولمن أصدَره، وما تدفعه إلى تنفيذه إلا ضرورة الطاعة، أو مخافة العقوبة، فلو أمِن هذه أو تلك، ترك العمل لفوره، وقد تحتال النفس الإنسانية في تلك الأحوال على الجمع بين كراهيتها الكامنة، ومظهر الطاعة المطلوبة فتؤدي العمل على صورة مضطرِبة مكذوبة، أبعد ما تكون عن الوفاء والصدق، إن الخضوع الأول هو الأساس الحقيقي للعلاقات الصالحة، والضمان الأوحد للمصالح الحساسة، أما الخضوع الآخر فهو شكل من أشكال السيطرة، وإن أجدى مرة أفلس مرارًا، والتشريع الذي يسود الجماهير، ويضبِط مصالحهم ويُنظِّم حقوقهم وواجباتهم يجب أن يُنظَر إليه على ضوء الحقيقة التي ضربنا لها المَثل السابق.

 

أعني أن القانون ينبغي أن يستقِرَّ احترامه، والتزام العامة والخاصة به من صوت الضمير المتردِّد بين خبايا الصدر، وبذلك يكون الخضوع له مُستنِدًا إلى دعائم نفسيَّة مَكينة لا تعرف احتيالاً، ولا التواء، إنه لأمر مُرهِق أعظم الإرهاق أن يكون تنفيذ القانون منوطًا بالسلطة المادية وحدها، فإذا ابتعدت - وما أكثر ما تبتَعِد - لم يكن هناك ظل لقانون، ولا تقدير لمصلحة.

 

تُرى أيكفي عدد الضباط والجنود لكفالة هذه المهمة؟ وإذا كفى، فهل ترتقِب مستوى رفيعًا لما نطلب؟ وكم يكلِّفنا ذلك من أعباء؟

 

لكني أرى مجتمعًا آخر، أدى الضمير الديني فيه واجبَه على نحو يستثير الرضا والإعجاب والتأمل؛ فهذا رجل يَنزلِق مع الشهوة الجنسيَّة إلى جريمة زنا ارتكبها في خفاء، ولم يره فيها أحد، ولكنه بعد انقشاع الغمَّة، وانكسار الشهوة، وصحوة الضمير يذهب بنفسه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول له: أقِم علي حدَّ الله، ما هذا؟! إنه مؤمن يرى أنه ارتكَب مخالَفة سيئة، وأنه من الواجب أن يُطهَّر منها بتحكيم القانون في بدنه!

 

وهذه فتاة على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يُصدِر أمر رئيس الدولة ألا يُغَشَّ اللبن بالماء، ويَنطلِق عمر في جوف الليل، يتعسَّس شؤون الرعية، فيستمع إلى فتاة وأمها تَهمِس إليها: امزجي اللبن بالماء، فتقول: لا، إن أمير المؤمنين منَع هذا، فتقول أمها مغريةً لها: وأين أمير المؤمنين الآن؟ فتجيبها الفتاة: إذا لم يكن أمير المؤمنين يرانا، "فرب" أمير المؤمنين يرانا.

 

وتلك فتاة أخرى: يُغريها صاحبها بالشر، والليل ساجٍ، والكواكب ساهرة، والعُزلة عن الخَلْق تامة، فيقول لها: ما يرانا إلا هذه الكواكب، فتردُّ عليه: فأين مكوكِبُها؟ جلَّ شأنه! إن الضمير الموصول بالله - سبحانه - هو القانون الحقيقي.

 

وأظن أننا يوم نُقيم سياسة التقنين على هذا المعنى نكون أرسيناها على دعائم راسخة، ويومئذ نشعر جميعًا بشيء من الراحة، إن قداسة القانون تعود قبل كل شيء إلى أصله، وإلى علاقة الناس بهذا الأصل، فإذا اعتمد القانون على أنه من عند الله جعل الناس هيمنتَه على أعناقهم جزءًا من صلاتهم وزكاتهم.

 

والتشريع الذي يبلُغ هذه الغاية هو الذي تستقيم به الأحوال وتستقِرُّ به الأوضاع، والشريعة ضمان أي ضمانٍ للصالح العام، فإن مبناها على الرحمة، وغايتها إسعاد الناس في عاجلتهم قبل آجلتهم، والخير الذي أمَر الله عباده به - وما يأمر إلا بخير - تعود فائدته في الدنيا ومثوبته في الأخرى على فاعلِيهِ وحدهم.

 

والشر الذي نهاهم عنه - وما ينهى إلا عن شرٍّ - ليس إلا وقاية لهم من أذى قريبٍ أو بعيد، ومن شرٍّ جلي أو خفي، إن الدين وما تضمَّن من شرائع هو رحمة الله بالخلق، وما بالله حاجة إلى أحد من العالمين، وقد تسمع لغطًا جهولاً حول قسوة العقوبات التي جاء بها الشرع الحكيم، كأن الله يتشفَّى بالحدود والقِصاص ممن أساء إليه، أو كأن له ثأرًا عند مَن قتَل أو سرَق، فهو ينكِّل به، لتهدأ نفسه؛ سبحانه وتعالى عما يفتري الأفَّاكون[2].

 

ويمتاز التشريع الإسلامي بطابَعه الديني الجليل، إنه يرعى المصلحة كأدق القوانين المدنيَّة، ثم هو إلى جانب ذلك وثيق العُرى ببواعث الإيمان وأمثلته العالية.

 

إنه في ميدان الحياة العمليَّة قسيم للعقيدة، وما تَلِده العقيدة من أخلاق وتقاليد، كذلك القانون عندنا، إنه يسيرُ بين خطين ثابتين من رعاية الله وتَحرِّي رضاه، كما ينطلِق النهر بين شاطئيه لا يَطغى ولا يزيغ، ويطول بنا المقام لو ضربنا الأمثلة، وعرضنا نماذجَ من اجتهاد الفقهاء وَفْق نصوص الدين وقواعده العامة، ويكفي أن نُثبِت هنا رسالة كتبها الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" إلى "أبي موسى الأشعري" إذ ولاه القضاء، وهي رسالة جمعت آدابًا كريمة، ودلَّت على منزع الفقه الإسلامي في إثبات الحقوق، وإرساء الحدود، وإرضاء الله وإنصاف عباده، قال: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله "عمر بن الخطاب" أمير المؤمنين، إلى "عبدالله بن قيس"، سلام عليك، أما بعد: فإن القضاء فريضةٌ محكمةٌ، وسُنَّة مُتَّبَعة، فافهم إذا أُدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلُّم بحق لا نَفاذ له، آسِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييئس ضعيف من عدلك، البيِّنة على مَن ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صُلحًا أَحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً، لا يمنعك قضاء قضيتَه اليوم فراجعتَ فيه عقلك، وهُديتَ فيه لرُشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفَهْم فيما تلجلَج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشياء والأمثال، تَقَصَّ الأمور عند ذلك، واعمِد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق، واجعل لمن ادعى حقًّا غائبًا أو بيِّنة أمدًا ينتهي إليه، فإن أحضر بيِّنته أخذت له بحقه، وإلا استحلَلتَ عليه، فإنه أنفى للشكِّ وأجلى للعمى.

 

المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلودًا في حد، أو مجرَّبًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو نَسَب، فإن الله تولَّى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، وإياك والقلق والضَّجَر - ضيق الصدر وقلة الصبر - والتأذي بالخصوم، والتنكُّر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق يُعظِم الله به الأجر، ويُحسِن به الذُّخر، فمن صحَّت نيته، وأقبَل على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلَّق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شَانَه الله، فما ظنُّك بثواب غير الله - عز وجل - في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام"[3].

 

وطبيعة الرسالة الإسلامية الخاتمة، وقد شاء الله أن يكون كتابها مِسْك الختام، وأن تُغلَق من بعده أبواب السماء، فلن ينزل مَلَك بوحي، ولن ينزل من الملأ الأعلى نبأ.

 

وعلى الناس من كل جنس ولون أن يستمعوا في هذا القرآن إلى الكلمة الأخيرة من هَدي الرحمن: ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون ﴾ [الروم: 30].

 

هذه الرسالة إذًا باقية مع الزمن ما بقي الزمن، فصاحبها نبي الخلود، وإذا علِمت أنها استوعبت كل ما في الرسالات الأولى من أصول ثابتة بعد أن نفَتْ عنها خرافات الجَهَلة من الأتباع، وأكاذيب الدجالين من رجال الدين، علِمت أن الإسلام في جوهره النقي دين الأزل والأبد، وأن نبي الإسلام هو إمام الأنبياء، وحامِل لواء الحق من بداية أمره إلى نهاية مستقرِّه، ولئن كان نبي الإسلام والقرآن عربيًّا بحكم المولد واللسان، فإنه ليس وَقْفًا على أمة دون أمة، من حيث التعاليم والتشريع، وميراثه مِلْك الناس جميعًا على سواء، وحق القيام على دعوته يجب على كل مَن تبلُغه آياتها؛ ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19].

 

فإذا افتخرت أمة أن النبي منها، فلتفتخر الأمم جميعًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لها: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

ومن الخطأ أن نظن في عموم الرسالة وخلودها تحكُّمًا في عقليات الأجيال، وتجاهلاً لأحوال الأمم وظروفها المتجدِّدة، ووَفقًا لحركات التطور الإنساني نحو الكمال، فإن تعميم نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتخليدها لم يُقصَد به إلا المحافظة على ذلك كله لخير الإنسان وحده.

 

فإن الإسلام أوضح الحقائق الأساسية في علاقة الإنسان بالله وبالناس وبالكون، وربْطها بهَدي الفطرة وضياء العقل[4].

 

إن الشريعة الإسلامية هي القانون الوحيد الذي يجب أن يطبَّق على كلِّ من يُقيمون في الديار الإسلامية أيًّا كانت ملَّتهم، وأيًّا كانت دولتهم، وحدود الله هي حق الله؛ لأنها جاءت لحماية الفضيلة، ومقاوَمة الرذيلة، لا فَرْق بين مسلم وغير مسلم، ووطني وأجنبي، فالكل أمام القانون سواء، والكل له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، في حدود كتاب الله وسنة رسوله، ما داموا يعيشون على أرض إسلامية، ويَستظِلُّون بسمائها.

 

فهذا أمر الله الذي أنزله في كتابه، وألزَمنا بها: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [المائدة: 49]، وحين تَسامحت دولة الخلافة العثمانية في الماضي بالنسبة لتطبيق الشريعة على الأجانب، فكان من ثِمار هذا التسامح تسلُّل الامتيازات الأجنبيَّة، التي سيطرت على بلادنا حِقبة طويلة من الزمن امتدت نحو أربعة قرون، ضاعت فيها سيادتنا القانونية والقضائية، وكانتا غلاًّ ثقيلاً في أرجلنا وأيدينا وأعناقنا، وكانت سرطانًا خبيثًا في حريَّتنا، ودفَعْنا في ذلك ثمنًا غاليًا، سِجِل صفحات هي من أسود الصفحات في تاريخنا.

 

وكان من ثمار هذا التسامح، مأساة تعطيل الشريعة الغراء، التي استبدِلت بها القوانين الوضعيَّة، والتي لا زلنا نحاول الخلاص من شِباكها حتى الآن[5].

 

والخلاصة، أنه لا سيادة في دار الإسلام إلا لشريعة الإسلام، ولا قضاء في دار الإسلام إلا لأهل الإسلام، وقد جاء في رسالة "الأم" للإمام الشافعي: أنه إذا تصالَح المسلمون مع أهل بلد فتحوها، يَشترطون في صُلحهم "ومن جاءنا منكم أو من غيركم من أهل الكفر يُحاكِمكم، أجريناكم على حُكم الإسلام، ومن لم يأتنا لم نَعرِض لكم فيما بينكم وبينه"[6].



[1] هذا ديننا؛ للغزالي ص: 215- 217.

[2] هذا ديننا، ص: 217- 220.

[3] حقيقة القومية العربية، وأسطورة البعث العربي؛ محمد الغزالي ص: 207، 208 ط دار الكتب الحديثة، الثالثة، عام 1977م.

[4] تأملات في الدين والحياة؛ محمد الغزالي ص: 90، 91 بتصرف، ط. دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة.

[5] الشريعة الإسلامية والأجانب في دار الإسلام، شرعيًّا ووضعيًّا وتاريخيًّا؛ "محمد عطية خميس" ص: 8، 9، بتصرف، ط. دار الاعتصام.

[6] نفس المرجع ص: 15.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إن الحكم إلا لله
  • الحرية ليست بالخروج عن أمر الله
  • من حكم الله تعالى في خلق المتضادات

مختارات من الشبكة

  • الصياد: كن صيادا من أولي الألباب، لا من أولي الهباب(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • الخطبة النبوية الأولى في عاصمة النور واللحظات الأولى لقدوم الموكب النبوي للمدينة(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مشروعية إطالة الركعة الأولى والحكمة منه وما يقاس عليه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أول مرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل أكون ظالما لزوجتي إذا تزوجت حبيبتي الأولى التي مات زوجها؟(استشارة - الاستشارات)
  • شرح جامع الترمذي في السنن (المستحاضة تجمع بين الصلاتين بغسل واحد) - الحلقة الأولى(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • الليلة الأولى: شهر الخير والبركات(مقالة - ملفات خاصة)
  • نشر الثقافة الإسلامية للمرة الأولى بمدينة ليفرمور(مقالة - المسلمون في العالم)
  • أيهما أولى: التصدق أم سداد الديون؟(استشارة - الاستشارات)
  • أوليات البراء بن معرور رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب