• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
  •  
    بين العبادة والعدالة: المفارقة البلاغية والتأثير ...
    عبد النور الرايس
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

نصوص لابن تيمية لم ترد في دراسة العقل

نصوص لابن تيمية لم ترد في دراسة العقل
د. فهمي قطب الدين النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/6/2014 ميلادي - 2/8/1435 هجري

الزيارات: 9180

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نصوص لابن تيمية

لم تَرِدْ في دراسة العقل


1- العقل عَرَض وليس عينًا قائمة بنفسها:

"العقل" في كتاب الله، وسنة رسوله، وكلام الصحابة والتابعين، وسائر أئمة المسلمين، هو أمرٌ يقوم بالعاقل، سواء سمي عرضًا أو صفة، ليس هو عينًا قائمة بنفسها، سواء سمي جوهرًا أو جسمًا أو غير ذلك، وإنما يوجد التعبير باسم "العقل" عن الذات العاقلة التي هي جوهر قائم بنفسه في كلام طائفة من المتفلسفة الذين يتكلَّمون في العقل والنفس، ويدَّعون ثبوت عقولٍ عشرة كما يذكر ذلك من يذكره من أتباع أرسطو أو غيره من المتفلسفة المشَّائين، ومَن تلقى ذلك عنهم من المنتسبين إلى الملل[1].

 

2- العقل، والعاقل، والمعقول:

ولفظ "العقل" إذا أُرِيد به المصدر، فليس المصدر هو العاقل الذي هو اسم الفاعل، ولا المعقول الذي هو اسم مفعول، وإذا أريد بالعقل جوهر قائم بنفسه فهو العاقل، فإذا كان يعقِل نفسه أو غيره، فليس عين عقله لنفسه أو غيره هو عين ذاته.

 

وكذلك إذا سمي عاشقًا ومعشوقًا بلغتهم، أو قيل: "محبوب ومحب" بلغة المسلمين، فليس الحب والعشق هو نفس العاشق ولا المُحِب، ولا العشق ولا الحب هو المعشوق ولا المحبوب، بل التمييز بين مسمَّى المصدر ومسمى اسم الفاعل واسم المفعول، والتفريق بين الصفة والموصوف - مستقر في فطرة العقول ولغات الأمم، فمَن جعل أحدهما هو الآخر كان قد أتى من السفسطة بما لا يخفى على مَن يتصوَّر ما يقول؛ ولهذا كان منتهى هؤلاء السفسطة في العقليات والقرمطة في السمعيات[2].

 

3- العقل والنقل:

وذلك لأن القائل الذي قال: العقل أصل الشرع، به عُلمت صحته، فلو قدَّمنا عليه الشرع للزم القدح في أصل الشرع.

 

يقال له: ليس المراد بكونه أصلاً له: إنه أصل في ثبوته في نفس الأمر، بل هو أصل في علمنا به، لكونه دليلاً لنا على صحة الشرع.

 

ومعلوم أن الدليل مستلزم لقيمة المدلول عليه، فإذا قُدِّر بطلان المدلول عليه لزم بطلان الدليل، فإذا قُدِّر عند التعارض أن يكون العقل راجحًا والشرع مرجوحًا، بحيث لا يكون خبره مطابقًا لمخبره لزم أن يكون الشرع باطلاً، فيكون العقل الذي دلَّ عليه باطلاً؛ لأن الدليل مستلزم للمدلول عليه، فإذا انتقص المدلول اللازم وجب انتفاءُ الدليل الملزوم قطعًا.

 

أما إذا قُدِّم الشرع، فإن المقدِّم له قد ظفر بالشرع، ولو قدِّر مع ذلك بطلان الدليل القطعي، لكان غايته أن يكون الإنسان قد صدق بالشرع بلا دليل عقلي، وهذا مما ينتفع به الإنسان، بخلاف مَن لم يبقَ عنده لا عقل ولا شرع، فإن هذا قد خسر الدنيا والآخرة، فكيف والشرع يمتنع أن يناقض العقل المستلزم لصحته، وإنما يناقض شيئًا آخر ليس هو دليل صحته، بل ولا يكون صحيحًا في نفس الأمر[3].

 

4- العقول العشرة لدى الفلاسفة:

وقد ذهب الفلاسفة أهل المنطق إلى جهالات، [ومن ذلك] قولهم: إن الملائكة هي العقول العشرة، وإنها قديمة أزلية، وإن العقل ربُّ ما سواه، وهذا شيء لم يقُلْ مثلَه أحدٌ من اليهود والنصارى ومشركي العرب، ولم يقل أحدٌ: إن ملكًا من الملائكة ربُّ العالم كله، ويقولون: إن العقل مبدع كل ما تحت فلك القمر، وهذا أيضًا كفرٌ لم يصل إليه أحدٌ من كفار أهل الكتاب ومشركي العرب...[4].

 

ويقولون: إن الملائكة هي العقول العشرة أو القوى الصالحة في النفس، وأن الشياطين هي القوى الخبيثة، وغير ذلك ممَّا عُرف فساده بالدلائل العقلية، بل بالضرورة من دين الرسول[5].

 

5- العقل ومكانه:

فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن، فهو متعلق بقلبه؛ كما قال - تعالى -: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ [الحج: 46]، و"قيل لابن عباس: بم نِلْتَ العلم؟ قال: بلسانٍ سؤول وقلب عقول"، لكن لفظ القلب قد يراد به المُضْغة الصنوبرية الشكل، التي في الجانب الأيسر من البدن، التي جوفها علقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجسد مضغةً، إذا صلَحَت صلَح لها سائر الجسد، وإذا فسَدت فسد لها سائر الجسد))، وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا، فإن قلب الشيء باطنه، كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك، ومنه سمي القليب قليبًا؛ لأنه أخرج قلبه وهو باطنه، وعلى هذا فإذا أراد بالقلب هذا، فالعقل متعلق بدماغه أيضًا؛ ولهذا قيل: إن العقل في الدماغ، كما يقول كثيرٌ من الأطباء، ونقل ذلك عن الإمام أحمد، ويقول طائفة من أصحابه: إن أصل العقل في القلب، فإذا كمل انتهى إلى الدماغ[6].

 

6- الحس، الإحساس:

فالحس نوعان:

• حس ظاهر يحسُّه الإنسان بمشاعره الظاهرة، فيراه ويسمعه ويباشره بجلده.

 

• وحس باطن، كما أن الإنسان يحس بما في باطنه من اللذَّة والألم، والحب والبغض، والفرح والحزن والقوة والضعف، وغير ذلك.

 

والروح تحس بأشياء لا يحس بها البدن، كما يحس مَن لا يحصل له نوع تجريد بالنوم وغيره بأمور لا يحس بها غيره، ثم الروح بعد الموت تكون أقوى تجردًا، فترى بعد الموت وتحس بأمور لا تراها الآن ولا تحس بها[7].

 

7- الصورة، التصور، الوهم:

ومن المعلوم أن مقدرات الأذهان ومتصورات العقول يحصل فيها ما لا وجود له في الخارج، تارة بألا يوجد ما يطابقه وهو الوهم، وتارة مع وجود ما يطابقه كمطابقة الاسم للمُسمَّى، والعلم للمعلوم، وهو مطابقةُ ما في الذِّهن لما في الخارج، ومطابقة الصورة العلمية لمعلوماتها الخارجية.

 

وإذا قيل في هذه الصورة: إنها كلية، فهو كقولنا في الاسم: إنه عام.

 

والمراد بذلك أنها مطابقة لأفرادها، مطابقة اللفظ العام والمعنى العام لأفراده، وهي مطابقة معلومة متصورة لكل عاقل، لا تحتاج إلى نظير، وإذا شبهت بمطابقة الصورة التي في المرآة للمرآة، أو مطابقة نقش الخاتم للشمع ونحو ذلك، كان ذلك تقريبًا وتمثيلاً، وإلا فالحقيقة معلومة، وكل عاقل يعلم مثل هذا من نفسه[8].

 

8- الخيال والوهم، الحس الظاهر والحس الباطن:

والمقصود أن يعرف اصطلاحهم ومرادهم بلفظ الخيال والوهم ونحو ذلك، وأن الخيال هو تصور الأعيان المحسوسة في الباطن، والوهم تصوُّر المعاني التي ليست محسوسة في تلك الأعيان، وكلاهما تصوُّر معين جزئي، والعقل هو الحكم العام الكلي الذي لا يختص بعين معينة ولا معنى معين.

 

وإذا عُرِف ذلك، فيقال: هذه القوة في الباطن بمنزلة القوى الحسية في الظاهر، والقدح فيها كالقدح في الحسيات، وهذه القوة لا يجوز أن يناقض تصورها للمعقول، كما لا يناقض سائر القوى الحسية للمعقول؛ لأن المعقولات أمور كلية تتناول هذا المعين، وهذا المعين - سواء كان جوهرًا قائمًا بنفسه أو معنى في الجوهر والحس الباطن والظاهر - لا يتصور إلا أمورًا معينة، فلا منافاة بينهما، فالحس الظاهر يُدرِك الأعيان المشاهدة وما قام بها من المعاني الظاهرة؛ كالألوان والحركات، والذي سموه الوهم جعلوه يُدرِك ما في المحسوسات من المعاني التي لا تدرك بالحس الظاهر؛ كالصداقة، والعداوة، ونحو ذلك، والتخيل هو بمثل تلك المحسوسات في الباطن؛ ولهذا جعلوا الإدراكات ثلاثة: الحس، والتخيل، والعقل[9].

 

9- التعلق بالصور يوجب فساد العقل:

وأما الفائدة الثانية في غض البصر، فهي نور القلب والفراسة؛ قال - تعالى - عن قومِ لوطٍ: ﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر: 72]، فالتعلُّق بالصور يُوجِب فسادَ العقل وعمى البصيرة، وسكر القلب بل جنونه، وذكر الله - سبحانه - آية النور عقب آيات غض البصر، فقال: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35]، وكان شجاع بن شاه الكرماني لا تخطئ له فراسة، وكان يقول: مَن عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات - وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال - لم تخطئ له فراسة، والله - تعالى - يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف، ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب[10].

 

10- التأويل:

وأما لفظ التأويل في التنزيل، فمعناه الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب، وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنها، فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر، وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو نفسه المقدَّسة الموصوفة بصفاته العلية.

 

وهذا التأويل لا يعلمه إلا الله؛ ولهذا كان السلف يقولون: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فيُثبِتون العلم بالاستواء، وهو التأويل الذي بمعنى التفسير، وهو معرفة المراد بالكلام حتى يتدبَّر ويعقل ويفقه، ويقولون: الكيف مجهول، وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه، وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا الله.

 

وأما التأويل بمعنى: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ كتأويل مَن تأوَّل: استوى بمعنى استولى، ونحوه - فهذا عند السلف والأئمة باطل لا حقيقة له، بل هو من باب تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته[11].

 

11- منطق أرسطو:

يا منطق اليونان ما أفسده
وعن طريق الحق ما أبعده
ولسبيل الغيِّ ما أطلبَه
وعن سبيل الرُّشد ما أهربه
وبقضايا الإفك ما أحذقه
وفي خلاف الصدق ما أصدقه
وفي قضاياه فما أكذبه
وفي انتقاض الحكم ما أعجبه
وإن تقل ما فيه ما أظهره
ولصريح العقل ما أذهبه[12]

 

أما بعد، فإني كنتُ دائمًا أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، ولكن كنتُ أحسب أن قضاياه صادقة لما رأيت صدق كثير منها، ثم تبين لي فيما بعد خطأ طائفةٍ من قضاياه وكتبت في ذلك شيئًا.

 

وهؤلاء يقولون: إن المنطق ميزان العلوم العقلية، ومراعاته تعصم الذهن عن أن يغلط في فكر، كما أن العَروض ميزانُ الشِّعر، والنحو والتصريف ميزان الألفاظ العربية المركَّبة والمفردة، وآلات المواقيت موازين لها.

 

ولكن ليس الأمر كذلك، فإن العلوم العقلية تُعلَم بما فطر اللهُ عليه بني آدم من أسباب الإدراك، لا تقف على ميزان وضعي لشخص معين، ولا يقلد في العقليات أحد بخلاف العربية، فإنها عادة لقوم لا تعرف إلا بالسماع، وقوانينها لا تعرف إلا بالاستقراء، بخلاف ما به يعرف مقادير الكيلات، والموزونات، والمزروعات، والمعدودات، فإنها تفتقر إلى ذلك غالبًا، لكن تعيين ما به يكال ويوزن بقدر مخصوص أمر عادي[13]، وقد كانت الأمم قبلهم تعرف حقائق الأشياء بدون هذا الوضع، وعامة الأمم بعدهم تعرف حقائق الأشياء بدون وضعهم[14]، وجماهير العقلاء من جميع الأمم يعرفون الحقائق من غير تعلُّم منهم لوضع أرسطو، وهم إذا تدبروا أنفسهم وجدوا أنفسهم تعلم حقائق الأشياء بدون هذه الصناعة الوضعية[15].

 

12- الكليات ووجودها:

فإذا قال القائل: (إنسان) كان للفظِه وجود في لسانه، وللمعنى وجودٌ في ذهنه، ووقوع هذا على زيد وعمرو كوقوع هذا على زيد وعمرو، وهذا هو المعنى الذي سميته معقولاً، وجعلته معقولاً صرفًا، وهل يكون المعقول الصرف إلا في الحي العاقل؟ فإن المعقول الصرف الذي لا يتصور وجوده في الحس هو ما لا يوجد إلا في العقل، وما لا يوجد إلا في العقل لم يكن موجودًا في الخارج عن العقل، فالتفتيش الذي أخرج من المحسوس ما ليس بمحسوس أخرج منه المعقولات المحضة التي يختص بها العقلاء، وهي الكليات الثابتة في حقول العقلاء، فإن الإنسان إذا تصور زيدًا أو عمرًا ورأى ما بينهما من التشابه، انتزع عقله من ذلك معنى كليًّا معقولاً، لا يتصور أن يكون موجودًا في الخارج عن العقل.

 

فهذا هو وجود الكليات، وهذه الكليات المعقولة أعراض قائمة بالذات العاقلة، لا توجد إلا بوجودها، وتعدم لعدمِها، وليس بينها وبين الموجودات الخارجية تلازمٌ، بل يمكن وجود أعيان في الخارج من غير أن يعقل الإنسان كلياتها، ويمكن وجود كليَّات معقولة في الأذهان لا حقيقةَ لها في الخارج، كما يعقلُ الأنواع الممتنعة لذاتِها وغير ذلك، فمَن استدلَّ على إمكان الشيء ووجوده في الأعيان بإمكان تصوُّره في الأذهان كان في هذا المقام أضلَّ من بهيم الحيوان[16].

 

14- الإلهام:

وأما طريقة الإلهام، فالإلهام الذي يدعى في هذا الباب هو عند أهله علم ضروري، لا يمكنهم دفعه عن أنفسهم، أو مستند إلى أدلة خفيَّة لا تقبل النقض، فلا يمكن أن يكون باطلاً.

 

وأما الاستدلال على الأحكام بالإلهام، فتلك مسألةٌ أخرى ليس هذا موضوعها، والكلام في ذلك متَّصل بالكلام على الاستحسان والرأي وأنواعهما، وأن ما يعنيه هذا بالاستحسان قد يعنيه هذا بالإلهام، وليس الكلام فيما عُلم فساده من الإلهام لمخالفته دليلَ الحس والعقل والشرع، فإن هذا باطل، بل الكلام فيما عُلم فساده من الإلهام لمخالفته دليلَ الحس والعقل والشرع، فإن هذا باطل، بل الكلام فيما يوافق هذه الأدلة لا يخالفها[17].

 

15- المادة والصورة:

والتحقيق: أن المادة والصورة لفظٌ يقع على معانٍ؛ كالمادة والصورة الصناعية والطبيعية والكلية والأولية.

 

فالأول: مثل الفِضَّة إذا جعلت درهما وخاتمًا وسبيكة، ونحو ذلك، فلا ريب أن المادة هنا التي يسمونها الهيولى: هي أجسام قائمة بنفسها، وأن الصورة أعراض قائمة بها، فتحوُّل الفضة من صورة إلى صورة هو تحوُّلها من شكل إلى شكل، مع أن حقيقتها لم تتغيَّر أصلاً.

 

والثاني من معاني المادة والصورة: هي الطبيعية، وهي صورة الحيوانات والنباتات والمعادن ونحو ذلك، فهذه إن أريد بالصورة فيها نفس الشكل الذي لها، فهو عرض قائم بجسم، وليس هذا مراد الفلاسفة، وإن أريد بالصورة نفس هذا الجسم المتصور، فلا ريب أنه جوهر محسوس قائم بنفسه[18].

 

16- العلم والعمل:

إن الخير (يكون) بمعرفة الحق واتِّباعه في العلم والعمل جميعًا، وصلاح القول والعمل بالعلم والإرادة، والعلم أصل العمل، وأصل الإرادة والمحبة وغير ذلك، وهو مستلزِم له ما لم يحصل معارض مانع، فالعلم يُوجِب اتباعه إلا لمعارض راجح؛ مثل اتباع الهوى بالاستكبار ونحوه، كما قال - تعالى -: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]، فإن أصل الفطرة التي فطر الناس عليها إذا سلمت من الفساد، إذا رأَتِ الحقَّ، اتَّبعته وأحبَّته؛ إذ الحق نوعان:

• حق موجود، فالواجب معرفته، والصدق في الإخبار عنه، وضد ذلك الجهل والكذب.

• وحق مقصود، وهو النافع للإنسان، فالواجب إرادته والعمل به، وضد ذلك إرادة الباطل واتباعه[19].

 

17- محبة العمل الصالح والعلم النافع من الفطرة:

ومن المعلوم أن الله خلق في النفوس محبة العلم دون الجهل، ومحبة الصدق دون الكذب، ومحبة النافع دون الضار.

 

وكذلك أيضًا إذا اندفع عن النفس المعارض من الهوى والكبر والحسد، وغير ذلك، أحب القلب ما ينفعه من العلم النافع والعمل الصالح، كما أن الحسد إذا اندفع عنه المرض أحب ما ينفعه من الطعام والشراب، فكل واحد من وجودِ المقتضى وعدم الدافع سببٌ للآخر، وذلك سبب لصلاح حال الإنسان، وضدهما سبب لضد ذلك، فإذا ضعف العلم غلبه الهوى (لدى)[20] الإنسان، وإن وجد العلم والهوى وهما المقتضى والدافع فالحكم للغالب[21].

 

18- فضائل قوى الإنسان:

وباعتبار هذه القوى (أي قوة العقل وقوة الغضب وقوة الشهوة)، كانت الفضائل ثلاثًا:

• فضيلة العقل والعلم والإيمان، التي هي كمال القوة المنطقية.

 

• وفضيلة الشجاعة التي هي كمال القوة الغضبية.

 

• وكمال الشجاعة هو الحِلم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الشديد بالصُّرَعة، وإنما الشديد الذي يملِك نفسه عند الغضب))"... كما أن كمال القوة الشهوية العفَّة، فإذا كان الكريم عفيفًا والسخيُّ حليمًا، اعتدل الأمر[22].

 

19- طرق العلم:

وهذه الطرق الثلاثة (السمع، والبصر، والعقل)، هي طرق العلم:

• فالبصر، وهو المشهود الباطن والظاهر، يُدرِك ما في هذه الحركات والإرادات من الملاءمة المتأخرة والمنفعة والمضرة العاجلة.

 

• والسمع، وهو وحي الله وتنزيله، يخبر بما يقصر الشهود عن إدراكه من منفعة ذلك ومضرته في الدار الآخرة.

 

• والقلب يعقل هذا المشهود وهذا المسموع، فلا بد من أن يعقل ما أمر الله به وأخبر، كما لا بد أن يعقل ما شهدنا وما حسسنا، فيعقل الشهادة والغيب، بمعنى ضبط العلم بجريان ذلك على وجه كلي ثابت في النفس[23].

 

20- الحسن والقبح في العقل والشرع:

فالناس في مسألة التحسين والتقبيح على ثلاثة أقوال: طرفان ووسط.

• الطرف الواحد: قول من يقول بالحسن والقبح، ويجعل ذلك صفات ذاتية للفعل لازمة له، ولا يجعل الشرع إلا كاشفًا عن تلك الصفات، لا سببًا لشيء من الصفات، فهذا قول المعتزلة، وهو ضعيف، وإذا ضُمَّ إلى ذلك قياس الرب على خلقه، فقيل: ما حسن من المخلوق حسن من الخالق، وما قبح من المخلوق قبح من الخالق، ترتب على ذلك أقوال القدرية الباطلة، وما ذكروه في التحوير والتعديل...

 

• وأما الطرف الآخر: فهو قول مَن يقول: إن الأفعال لم تشتمِلْ على صفات هي أحكام، ولا على صفات هي علل للأحكام، بل القادر أُمِر بأحد المتمثلين دون الآخر لمحض الإرادة، لا لحكمة ولا لرعاية مصلحة في الخلق والأمر، ويقولون: إنه يجوز أن يأمر الله بالشرك بالله، وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يأمر بالظلم والفواحش، وينهى عن البر والتقوى، والأحكام التي توصف بها الأحكام مجرد نسبة وإضافة فقط، وليس المعروف في نفسه معروفًا عندهم، ولا المنكر في نفسه منكرًا عندهم... ليس في نفس الأمر عندهم لا معروف ولا منكر، ولا طيب ولا خبيث، إلا أن يعبر عن ذلك بما يلائم الطباع، وذلك لا يقتضي عندهم كون الربِّ يحب المعروف ويُبغِض المنكر... وهذا خلاف المنصوص والمعقول، وقد قال - تعالى -: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]، وعندهم تعلُّق الإرسال بالرسول لتعلُّق الخطاب بالأفعال، لا يستلزم ثبوت صفة لا قبل التعلق ولا بعده، وجمهور الفقهاء وجمهور المسلمين يقولون: الله حرَّم المحرمات فحَرُمَت، وأوجب الواجبات فوجَبت، فمَعَنا شيئانِ: إيجاب وتحريم، وذلك كلام الله وخطابه، والثاني: وجوب وحرمة، وذلك صفة للعقل، والله - تعالى - عليم حكيم، علِم بما تتضمَّنه الأحكام من المصالح، فأمر ونهى، لعلمه بما في الأمر والنهي والمأمور والمحظور من مصالح العباد ومفاسدهم، وهو أثبت حكم الفعل، وأما صفتُه، فقد تكون ثابتة بدون الخطاب.

 

وقد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يكون الفعل مشتملاً على مصلحة أو مفسدة، ولو لم يَرِدِ الشرعُ بذلك، كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم، والظالم يشتمل على فسادهم، فهذا النوع هو حسن وقبيح، وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك، لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن، لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبًا في الآخرة، إذا لم يَرِد شرع بذلك، وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح، فإنهم قالوا: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة، ولو لم يبعث إليهم رسولاً، وهذا خلاف النص.

 

النوع الثاني: أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسنًا، وإذا نهى عن شيء صار قبيحًا، واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.

 

النوع الثالث: أن يأمر الشارع بشيء ليمتحنَ العبد، هل يطيعه أم يعصيه؟ ولا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم بذبح ابنه، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103]، حصل المقصود ففداه بالذبح... فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به.

 

وهذا النوع والذي قبله لم يفهَمْه المعتزلة وزعَمَت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متَّصِف بذلك بدون أمر الشارع.

 

والأشعرية ادَّعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وأن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع.

 

وأما الحكماء والجمهور، فأثبتوا الأقسام الثلاثة، وهو الصواب[24].

 

والتقبيح:

وهذا الحب والإحساس الذي خلقه الله في النفوس هو الأصل في كل حسن وقبح، وكل حمد وذم، فإنه لولا الإحساس الذي يعتدُّ به في حب حبيب وبُغْض بغيض، لما وجدت حركة إرادية أصلاً تحرك شيئًا من الحيوان باختياره، ولما كان أمر ونهي، وثواب وعقاب، فإن الثواب إنما هو بما تحبُّه النفوس وتتنعَّم به، والعقاب إنما هو بما تكرَهُ النفوس وتتعذَّب به، وذلك إنما يكون بعد الإحساس، فالإحساس والحب والبغض هو أصل ما يوجد في الدنيا والآخرة من أمور الحي، وبه حَسُنَ الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وذلك الأمر والنهي والوعد والوعيد، هو تكميل للفطرة، وكل منهما عونٌ على الآخر، فالشريعة تكميلٌ للفطرة الطبيعية، والفطرة الطبيعية مبدأ وعون على الإيمان بالشرع والعمل به، والعبد مَن دان بالدين الذي يصلحه، ويكون من أهل (العمل) الصالح في الآخرة، والشقي مَن لم يتبع الدين ويعمل العمل الذي جاءت به الشريعة، فهذا هذا، والله أعلم[25].



[1] فتاوى الرياض: 10/271.

[2] درء تعارض العقل والنقل: 1/285 - 286.

[3] درء تعارض العقل والنقل: 5/277.

[4] فتاوى الرياض: 9/104 - 105.

[5] فتاوى الرياض: 9/104 - 105.

[6] فتاوى الرياض: 9/303.

[7] درء تعارض العقل والنقل: 6/108.

[8] درء تعارض العقل والنقل: 5/137 - 138.

[9] درء تعارض العقل والنقل: 6/23 - 24.

[10] فتاوى الرياض: 15/425 - 426.

[11] درء تعارض العقل والنقل: 5/383.

[12] قال المحقق: "وجدت هذه الأبيات بخط ابن تيمية في ظهر أحد المخطوطات"؛ انظر: درء تعارض العقل والنقل 1/63.

[13] الرد على المنطقيين، ص 3، إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان، 1368هـ/1949م.

[14] المصدر السابق، ص 26 - 27.

[15] المصدر السابق، ص 28.

[16] درء تعارض العقل والنقل: 5/133 - 134.

[17] المصدر السابق 8/46.

[18] درء تعارض العقل والنقل: 3/84 - 85.

[19] فتاوى الرياض: 15/240 - 241.

[20] في الأصل فراغ، ووضعت الكلمة لإتمام المعنى.

[21] الفتاوى: 15/241 - 242.

[22] الفتاوى: 15/432.

[23] مسألة فيما إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود في نفسه، لابن تيمية، ص 747 - 748.

[24] فتاوى الرياض: 8/431 - 432.

[25] مسألة فيما إذا كان في العبد محبة لما هو خير وحق ومحمود في نفسه، ص 452.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العقل والدماغ عند الإمام ابن تيمية
  • العقل والأخلاق عند ابن تيمية
  • العقل والعاطفة عند ابن تيمية

مختارات من الشبكة

  • صورة مصر في قصائد نصوص المرحلة الابتدائية والإعدادية بجمهورية مصر العربية (نصوص مختارة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نقد نصوص الكتاب العربي المخطوط(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • نصوص من كتاب (حانوت عطار) لابن شهيد الأندلسي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نصوص من كتاب "الدراية بما جاء في زمزم من الرواية" لابن ناصر الدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نصوص من كتاب "مناقب بشر الحافي" المفقود لابن الجوزي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أنواع المقاطع السردية في القصة القصيرة جدا (أضمومة تفاحة الغواية للطيب الوزاني أنموذجا)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • نصوص أخرى حُرِّف معناها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دلالة نصوص الاستعاذة على توحيد الألوهية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مسألة: هل النص يشمل الأحداث في كليتها في كل عصر أم النصوص منتهية والحوادث غير منتهية؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضرورة معرفة علوم اللغة العربية للنظر في نصوص الشريعة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب