• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

من سمات الجمال .. التناسق

من سمات الجمال .. التناسق
أ. صالح بن أحمد الشامي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/12/2013 ميلادي - 26/2/1435 هجري

الزيارات: 24969

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من سمات الجمال

التناسق


التناسق[1] سمة واسعة السطح عميقة الغور، فهي المرجع والمآل لكثير من الصفات.

 

إنه النظام الخفي الذي يربط الأشياء بعضها ببعض فتبدو في وحدة متجانسة متكاملة، أو يربط بين جوانب الشيء الواحد بحيث تبدو أجزاؤه متوازنة لا يطغى بعضها على بعض..

 

فهو التناسب[2].

وهو التوازن.

وهو التجانس[3].

 

وهي - جميعًا - لا توجد إلا حيث التقدير والضبط والإِحكام.

 

والتناسق بجميع مظاهره - من تناسب وتوازن وتجانس - قد يكون:

في شكل الشيء.

وقد يكون في مادته.

كما يكون في لونه أو صوته أو حركته..

 

والتناسق بعد هذا كله:

قد يكون في الصورة الحسية وقد يكون في الصورة المعنوية.. وهو الوثاق الذي يربط بين الصورتين: الحسية والمعنوية.

 

والتناسق - كما سبق القول - ليس سمة للجمال فحسب، وإنما هو سمة واضحة في بناء الكون كله، وفي خلق الإنسان، وفي المنهج، وينبغي أن يتحقق في فعل الإنسان حتى تتم له إنسانيته.. ولن يتوفر له ذلك إلا بتطبيق هذا المنهج.

 

والتناسق - كما رأينا - يقوم على التقدير والضبط وتحديد نسب الأشياء بعضها إلى بعض، في الحجم والشكل واللون والحركة والصوت..

 

والقرآن الكريم يتحدث عن هذه السمة مقررًا اعتبارها في أصل الخلق والتكوين.. ويجري الحديث عنها في ميدانين. ميدان القواعد الكلية الشاملة وميدان الأمثلة التطبيقية.

 

ومن الميدان الأول تطل علينا آيات كثيرة منها:

قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾[4].

وقوله تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾[5].

وقوله تعالى: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾[6].

♦ ♦ ♦ ♦

إنه التقدير والضبط لكل شيء.

 

«كل شيء.. كل صغير وكل كبير، كل ناطق وكل صامت، كل متحرك وكل ساكن، كل ماض وكل حاضر، كل معلوم وكل مجهول، كل شيء.. خلقناه بقدر..

 

قدر يحدد حقيقته، ويحدد صفته، ويحدد مقداره، ويحدد زمانه، ويحدد مكانه، ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء، وتأثيره في كيان هذا الوجود.

 

وإن هذا النص[7] القرآني القصير اليسير ليشير إلى حقيقة ضخمة هائلة شاملة، مصداقها هذا الوجود كله، حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود، ويتجاوب معه، ويتلقى عنه، ويحس أنه خليقة متناسقة تناسقًا دقيقًا، كل شيء فيه بقدر يحقق هذا التناسق المطلق، الذي ينطبع ظله في القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود[8]».

 

وإذا انتقلنا إلى ميدان الأمثلة التطبيقية وجدناها تتناول الكون والإِنسان والمنهج، وعلى سبيل المثال نقف على بعض النماذج:

ففي صدد الحديث عن تناسق الكون:

قال تعالى: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [9].

 

وقال تعالى: ﴿ وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾[10].

 

وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾[11].

 

إنه التنسيق بين حركة الليل وبين حركة النهار.. حركة الشمس.. وحركة الأرض.. وحركة القمر.. بين حركة مجموعتنا الشمسية وبين.. إنه الحساب الدقيق والتقدير المضبوط الذي لا يسمح للشمس أن تغير سرعتها، ولا لليل والنهار أن يتجاوز كل منهما حدود ما رسم له..

 

وفي صدد الحديث عن الأرض وما عليها من مخلوقات:

قال تعالى: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [12].

 

وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [13].

 

ويلاحظ في الآية الأولى ما توحي به كلمة «موزون» وصفًا لكل ما أنبت في هذه الأرض.. ثم خزائن الأشياء هي في ملكه تعالى.. وما ينزل منها إنما ينزل بمقدار محدود معلوم..

 

إنه الوزن.. والمقدار المحدد. إنه التناسق.

 

وإذا كانت الآية الأولى تتناول ما ينبت في الأرض فإن الآية الثانية تتناول وبالمعنى نفسه ما تحمله الأرحام.. كل الأرحام.. وما تسقطه.. إنه بمقدار..

 

وفي صدد الحديث عن الإنسان:

قال تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾[14].

وقال تعالى: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾[15].

 

إنه التقدير والتسوية والتعديل.. إنه التناسق.

 

التناسق بين العقل والجسم.

 

التناسق بين أعضاء الجسم بعضها مع بعض.

 

التناسق بين أجهزة العضو الواحد بعضها مع بعض.

 

ونكتفي - على سبيل المثال - بالاستماع إلى «الكسيس كاريل» وهو يحدثنا عن اليد.. قال: «.. وعلى مقربة من نهاية الذراع تتنهي هذه العضلات بأوتار هي التي تحرك الأصابع واليد نفسها. وتعتبر اليد عملاً رائعًا، فهي تحس وتعمل في وقت واحد، وهي تعمل إذ وهبت نعمة البصر، ونظرًا لخصائص جلدها الفريدة ولأعصابها اللامسة، وعضلاتها وعظامها، فإن اليد قادرة على صناعة الأسلحة والأدوات، وما كنا لنكسب سيادتنا على المادة بغير مساعدة أصابعنا، تلك العتلات الخمس الصغيرة التي يتكون كل واحد منها من ثلاثة أجزاء مفصلية مركبة فوق عظام المشط وعظام الرسغ، وتكيف اليد نفسها لأداء أشقِّ الأعمال، كما تكيفها لأداء أدق الأعمال.. فاستعملت بمهارة متساوية المدية المصنوعة من الحجر الصوان في عصر الصياد الأول، ومطرقة الحداد، وفأس قاطع الأخشاب، ومحراث الفلاح، وحسام فارس القرون الوسطى، وعجلة قيادة الطائرات العصرية وريشة الرسام، وقلم الصحفي، وخيوط نساج الحرير..»[16].

 

إنه التناسق بين العظام وبين العضلات.. والأعصاب.. إنه تناسق اليد مع العمل المطلوب..

 

وهكذا بقية الأعضاء في جسم الإنسان..

 

إنها صنعة «الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى»، سبحانه وتعالى.

 

وفي صدد الحديث عن المنهج قال تعالى:

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [17].

 

وقال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [18].

 

إنه الإحكام والدقة التامة، فكل كلمة في مكانها، ولكل كلمة مدلولها.

 

إنه التناسق الكامل، فهو المنهج الذي لا يخالف بعضه بعضًا.. بل تتعاون أنظمته - من سياسية واقتصادية وأخلاقية واجتماعية... - في تغطية جوانب الحياة المختلفة في تعاون كامل وانسجام تام.

 

إنها أنظمة متعددة ولكنها ترجع إلى أصل واحد، هو العقيدة، التي جعلت أواصر التناسق وثيقة بين تلك الأنظمة حتى بدت في وحدة تامة.

 

ونحن هنا، لسنا في مجال الحديث التفصيلي ولكنا ننوه ببعض الأمثلة دلالة على الكل...

 

الزكاة عبادة وركن من أركان الإسلام، وهي - في الوقت نفسه - جانب من النظام الاقتصادي العام. وهي - في المجال الاجتماعي - ركن مهم من أركان نظام التكافل.. وهي - في الميدان الأخلاقي - عامل مهم في القضاء على الجريمة وأسبابها من حقد وضغينة.. وهي... إنها تؤدي دورها في كل هذه المجالات في تناسق تام بحيث لا يحجزها دورها في مجال عن أداء دورها في مجال آخر.

 

وفي النظام الاقتصادي حرم الإسلام الربا.

 

إنه لا يقوم على قاعدة الربح الحلال فهو يتعارض مع أصول النظام الاقتصادي. وهو يؤدي إلى الخلل في التوازن الاقتصادي.. وهو استغلال لحاجات الناس وأزماتهم فهو يخل بالنظام الأخلاقي إذ به تفقد روح التعاون والتعاطف ويتضخم الشح...

 

وهكذا يحرم الربا لا باعتباره عيبًا اقتصاديًا فحسب، بل لأنه لا ينسجم مع النظام الاجتماعي كما لا يتفق مع النظام الأخلاقي..

 

وفي إطار العبادة، قرر المنهج أن استجابة الدعاء لها ارتباط كبير بحِلّ الطعام الذي يأكله الإنسان، فالذي يدعو: يا رب.. يا رب.. ومطعمه حرام، ومشربه حرام.. فأنى يستجاب له؟!

 

إنه التناسق التام بين أنظمة هذا المنهج.

 

ولا يفوتنا قبل ختم هذه الفقرة أن نذكر بالتناسق في الأسلوب المستعمل في صياغة هذا المنهج.. إنه الأسلوب الذي تحدى الله به الناس.. إنه الإِعجاز.

 

وبعد:

أليس التناسق في هذه المجالات كلها هو الجمال نفسه؟!

إن الأشياء المختلفة قد تكون مادتها واحدة، وقد يجمعها اللون الواحد، وقد تلتقي في أداء الحركة الواحدة.. وقد يكون التناسق في التعاون بين المادة واللون والحركة، وقد...

 

ويبدو هذا واضحًا من خلال المشاهد التي تعرضها كثير من الآيات الكريمة، ونكتفي بذكر بعضها على سبيل المثال:

قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [19].

 

إن الصِّحاف والأكواب التي يقدم لهم فيها الطعام والشراب من ذهب، والذي تكون آنيته من ذهب ما يليق به أن يخدم نفسه، بل ينبغي أن يكون هناك من يخدمه، وهذا ما أشارت إليه الآية بالفعل المبني للمجهول (يطاف). ومن كانت آنيته من ذهب يحسن أن تلبى رغباته فيما يقدم له من (ما تشتهيه الأنفس) من طعام طيب ورائحة زكية.. وكذلك لا تقع عينه إلا على المنظر البهيج الذي به (تلذ الأعين)...

 

إنه التناسق التام في المستوى الذي تتطلبه آنية الذهب..

 

وقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا.. ﴾ [20].

 

إنه التناسق بالمواكبة الزمنية، فالثمر مستمر لا ينقطع، والظل مستمر لا ينقطع.. واستمرارهما يوحي باستمرار المنظر العام..

وقال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [21].

 

إن نعومة الحرير وليونته هي التي تناسب نعومة الحياة ورغدها، ولذا كانت الثياب من سندس (الحرير الرقيق) ومن إستبرق (الحرير الثخين)...

 

والجنات، تلك البساتين التي غلب عليها لون الخضرة لكثرة أشجارها والتفاف هذه الأشجار بعضها على بعض، ثم انعكاس هذا اللون على صفحة الماء الجاري تحتها يناسبه أن يكون لون تلك الثياب هو اللون الأخضر.. حتى يتكامل التناسق.

 

وقال تعالى: ﴿ .. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.. ﴾[22].

 

في هذا النص الكريم نجد أنفسنا أمام تفصيل لما أجمل في النص السابق.

 

الجو معتدل لا شمس تؤثر بحرارتها ولا زمهرير يؤثر ببرودته، والثياب ليست لدفع البر ولا لرد الحرارة، فهي - من حيث مهمتها - ألصق بالزينة منها بالضرورة، ولذا كانت من حرير. إنه النوع من الثياب الذي يناسب تلك الحياة الناعمة، حيث تمس تلك النسمة الرقيقة كل ما تلامسه من أوراق الشجر والثياب السندسية فيكون له تماوج الصدى يتردد في تلك الثياب مجاوبًا حفيف الأوراق.. إنه تناسق النغمة والحركة..

 

وإلى جانب تلك الحركة حركة أخرى وظيفتها تقريب الأشياء والحاجات وجعلها في متناول الأيدي.. ولكن هذه الوظيفة عن طريق تلك الحركة الجمالية.. وذلك أرقى درجات الجمال.

 

إن الأغصان دانية.. دانية الظلال.. دانية القطوف.

 

والآنية دانية وكذا الأكواب.. يطاف بها، فإذا بها في متناول كل راغب. والولدان لؤلؤ منثور.. هنا وهناك لتلبية كل طلب..

 

إنها حركات متناسقة كل منها تؤدي دورها..

 

والإنسان - الذي أكرمه الله بذلك النعيم - متلائم في ثيابه وحليه مع ما يحيط به، حتى لا يكون نشازًا في ذلك التناسق التام:

 

إن لون الثياب في وحدة تامة مع كل ما يحيط بها.. إنها الخضرة..

 

والحلي، في هذا المشهد من فضة، لا من ذهب، لتتناسب - لونًا ومادة - مع الأدوات التي يطاف عليهم بها.. إذ هي من الفضة أيضًا، والأكواب التي تكون - في العادة - من زجاج شفاف، إنها هنا (قوارير من فضة) صنعت بدقة وتقدير، حتى أصبحت لها شفافية الزجاج مع المحافظة على نوعية المادة (الفضة). إن اللون هنا يسير في خطين متناسقين، لون الخضرة ولون الفضة.

 

إنه التناسق في جميع الاتجاهات..



[1]التنسيق لغةً: التنظيم.

النسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، عام في الأشياء.

يقال: نسق الدر، ونسق كتبه، والكلام: عطف بعضه على بعض.

ويقال: جاء القوم نسقاً، وزرعت الأشجار نسقاً.

[2]التناسب لغةً: التشابه، والمناسبة: المشاكلة.

[3]المجانس: المشاكل، يقال: هذا يجانس هذا أي يشاكله.

[4] سورة القمر [49].

[5]سورة الفرقان [2].

[6]سورة الرعد [8].

[7]الإشارة هنا إلى الآية الأولى.

[8] في ظلال القرآن 6/3436.

[9] سورة الأنعام [96].

[10]سورة يس [37 - 40].

[11]سورة المزمل [20].

[12]سورة الحجر [19 - 21].

[13]سورة الرعد [8].

[14]سورة الانفطار [6 - 7].

[15] سورة عبس [17 - 19].

[16]الإنسان ذلك المجهول ص 116.

[17] سورة النساء [82].

[18]سورة هود [1].

[19]سورة الزخرف [70 - 71].

[20]سورة الرعد [35].

[21]سورة الكهف [31].

[22] سورة الإنسان [12 - 21].

من سمات الجمال. . التناسق

التناسق[1] سمة واسعة السطح عميقة الغور، فهي المرجع والمآل لكثير من الصفات.

إنه النظام الخفي الذي يربط الأشياء بعضها ببعض فتبدو في وحدة متجانسة متكاملة، أو يربط بين جوانب الشيء الواحد بحيث تبدو أجزاؤه متوازنة لا يطغى بعضها على بعض..

فهو التناسب[2]

وهو التوازن

وهو التجانس[3]

وهي - جميعًا - لا توجد إلا حيث التقدير والضبط والإِحكام.

والتناسق بجميع مظاهره - من تناسب وتوازن وتجانس - قد يكون:

في شكل الشيء.

وقد يكون في مادته.

كما يكون في لونه أو صوته أو حركته..

والتناسق بعد هذا كله:

قد يكون في الصورة الحسية وقد يكون في الصورة المعنوية.. وهو الوثاق الذي يربط بين الصورتين: الحسية والمعنوية.

والتناسق - كما سبق القول - ليس سمة للجمال فحسب، وإنما هو سمة واضحة في بناء الكون كله، وفي خلق الإنسان، وفي المنهج، وينبغي أن يتحقق في فعل الإنسان حتى تتم له إنسانيته.. ولن يتوفر له ذلك إلا بتطبيق هذا المنهج.

والتناسق – كما رأينا – يقوم على التقدير والضبط وتحديد نسب الأشياء بعضها إلى بعض، في الحجم والشكل واللون والحركة والصوت..

والقرآن الكريم يتحدث عن هذه السمة مقررًا اعتبارها في أصل الخلق والتكوين.. ويجري الحديث عنها في ميدانين. ميدان القواعد الكلية الشاملة وميدان الأمثلة التطبيقية.

ومن الميدان الأول تطل علينا آيات كثيرة منها:

قوله تعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }[4].

وقوله تعالى: { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }[5].

وقوله تعالى: { وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ }[6].

.....

إنه التقدير والضبط لكل شيء.

«كل شيء.. كل صغير وكل كبير، كل ناطق وكل صامت، كل متحرك وكل ساكن، كل ماض وكل حاضر، كل معلوم وكل مجهول، كل شيء.. خلقناه بقدر..

قدر يحدد حقيقته، ويحدد صفته، ويحدد مقداره، ويحدد زمانه، ويحدد مكانه، ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء، وتأثيره في كيان هذا الوجود.

وإن هذا النص[7] القرآني القصير اليسير ليشير إلى حقيقة ضخمة هائلة شاملة، مصداقها هذا الوجود كله، حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود، ويتجاوب معه، ويتلقى عنه، ويحس أنه خليقة متناسقة تناسقًا دقيقًا، كل شيء فيه بقدر يحقق هذا التناسق المطلق، الذي ينطبع ظله في القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود[8]».

وإذا انتقلنا إلى ميدان الأمثلة التطبيقية وجدناها تتناول الكون والإِنسان والمنهج، وعلى سبيل المثال نقف على بعض النماذج:

* ففي صدد الحديث عن تناسق الكون:

قال تعالى: { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[9].

وقال تعالى: { وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ 37 وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 38 وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ 39 لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }[10].

وقال تعالى: { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ }[11].

إنه التنسيق بين حركة الليل وبين حركة النهار.. حركة الشمس.. وحركة الأرض.. وحركة القمر.. بين حركة مجموعتنا الشمسية وبين.. إنه الحساب الدقيق والتقدير المضبوط الذي لا يسمح للشمس أن تغير سرعتها، ولا لليل والنهار أن يتجاوز كل منهما حدود ما رسم له..

* وفي صدد الحديث عن الأرض وما عليها من مخلوقات:

قال تعالى: { وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ 19 وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ 20 وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }[12].

وقال تعالى: { اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}[13].

ويلاحظ في الآية الأولى ما توحي به كلمة «موزون» وصفًا لكل ما أنبت في هذه الأرض.. ثم خزائن الأشياء هي في ملكه تعالى.. وما ينزل منها إنما ينزل بمقدار محدود معلوم..

إنه الوزن.. والمقدار المحدد. إنه التناسق.

وإذا كانت الآية الأولى تتناول ما ينبت في الأرض فإن الآية الثانية تتناول وبالمعنى نفسه ما تحمله الأرحام.. كل الأرحام.. وما تسقطه.. إنه بمقدار..

* وفي صدد الحديث عن الإنسان:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ 6 الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[14].

وقال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ 17 مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ 18 مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ }[15].

إنه التقدير والتسوية والتعديل.. إنه التناسق.

التناسق بين العقل والجسم.

التناسق بين أعضاء الجسم بعضها مع بعض.

التناسق بين أجهزة العضو الواحد بعضها مع بعض.

ونكتفي - على سبيل المثال - بالاستماع إلى «الكسيس كاريل» وهو يحدثنا عن اليد.. قال: «.. وعلى مقربة من نهاية الذراع تتنهي هذه العضلات بأوتار هي التي تحرك الأصابع واليد نفسها. وتعتبر اليد عملاً رائعًا، فهي تحس وتعمل في وقت واحد، وهي تعمل إذ وهبت نعمة البصر، ونظرًا لخصائص جلدها الفريدة ولأعصابها اللامسة، وعضلاتها وعظامها، فإن اليد قادرة على صناعة الأسلحة والأدوات، وما كنا لنكسب سيادتنا على المادة بغير مساعدة أصابعنا، تلك العتلات الخمس الصغيرة التي يتكون كل واحد منها من ثلاثة أجزاء مفصلية مركبة فوق عظام المشط وعظام الرسغ، وتكيف اليد نفسها لأداء أشقِّ الأعمال، كما تكيفها لأداء أدق الأعمال.. فاستعملت بمهارة متساوية المدية المصنوعة من الحجر الصوان في عصر الصياد الأول، ومطرقة الحداد، وفأس قاطع الأخشاب، ومحراث الفلاح، وحسام فارس القرون الوسطى، وعجلة قيادة الطائرات العصرية وريشة الرسام، وقلم الصحفي، وخيوط نساج الحرير..»[16].

إنه التناسق بين العظام وبين العضلات.. والأعصاب.. إنه تناسق اليد مع العمل المطلوب..

وهكذا بقية الأعضاء في جسم الإنسان..

إنها صنعة «الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى»، سبحانه وتعالى.

* وفي صدد الحديث عن المنهج قال تعالى:

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[17].

وقال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }[18].

إنه الإحكام والدقة التامة، فكل كلمة في مكانها، ولكل كلمة مدلولها.

إنه التناسق الكامل، فهو المنهج الذي لا يخالف بعضه بعضًا.. بل تتعاون أنظمته - من سياسية واقتصادية وأخلاقية واجتماعية... - في تغطية جوانب الحياة المختلفة في تعاون كامل وانسجام تام.

إنها أنظمة متعددة ولكنها ترجع إلى أصل واحد، هو العقيدة، التي جعلت أواصر التناسق وثيقة بين تلك الأنظمة حتى بدت في وحدة تامة.

ونحن هنا، لسنا في مجال الحديث التفصيلي ولكنا ننوه ببعض الأمثلة دلالة على الكل...

الزكاة عبادة وركن من أركان الإسلام، وهي - في الوقت نفسه - جانب من النظام الاقتصادي العام. وهي - في المجال الاجتماعي - ركن مهم من أركان نظام التكافل.. وهي - في الميدان الأخلاقي - عامل مهم في القضاء على الجريمة وأسبابها من حقد وضغينة.. وهي. ..

إنها تؤدي دورها في كل هذه المجالات في تناسق تام بحيث لا يحجزها دورها في مجال عن أداء دورها في مجال آخر.

وفي النظام الاقتصادي حرم الإسلام الربا.

إنه لا يقوم على قاعدة الربح الحلال فهو يتعارض مع أصول النظام الاقتصادي. وهو يؤدي إلى الخلل في التوازن الاقتصادي.. وهو استغلال لحاجات الناس وأزماتهم فهو يخل بالنظام الأخلاقي إذ به تفقد روح التعاون والتعاطف ويتضخم الشح...

وهكذا يحرم الربا لا باعتباره عيبًا اقتصاديًا فحسب، بل لأنه لا ينسجم مع النظام الاجتماعي كما لا يتفق مع النظام الأخلاقي..

وفي إطار العبادة، قرر المنهج أن استجابة الدعاء لها ارتباط كبير بحِلّ الطعام الذي يأكله الإنسان، فالذي يدعو: يا رب.. يا رب.. ومطعمه حرام، ومشربه حرام.. فأنى يستجاب له؟!

إنه التناسق التام بين أنظمة هذا المنهج.

ولا يفوتنا قبل ختم هذه الفقرة أن نذكر بالتناسق في الأسلوب المستعمل في صياغة هذا المنهج.. إنه الأسلوب الذي تحدى الله به الناس.. إنه الإِعجاز.

وبعد:

أليس التناسق في هذه المجالات كلها هو الجمال نفسه؟!

إن الأشياء المختلفة قد تكون مادتها واحدة، وقد يجمعها اللون الواحد، وقد تلتقي في أداء الحركة الواحدة.. وقد يكون التناسق في التعاون بين المادة واللون والحركة، وقد...

ويبدو هذا واضحًا من خلال المشاهد التي تعرضها كثير من الآيات الكريمة، ونكتفي بذكر بعضها على سبيل المثال:

قال تعالى:

{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ 70 يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[19].

إن الصِّحاف والأكواب التي يقدم لهم فيها الطعام والشراب من ذهب، والذي تكون آنيته من ذهب ما يليق به أن يخدم نفسه، بل ينبغي أن يكون هناك من يخدمه، وهذا ما أشارت إليه الآية بالفعل المبني للمجهول (يطاف). ومن كانت آنيته من ذهب يحسن أن تلبى رغباته فيما يقدم له من (ما تشتهيه الأنفس) من طعام طيب ورائحة زكية.. وكذلك لا تقع عينه إلا على المنظر البهيج الذي به (تلذ الأعين)...

إنه التناسق التام في المستوى الذي تتطلبه آنية الذهب..

وقال تعالى:

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا..}[20].

إنه التناسق بالمواكبة الزمنية، فالثمر مستمر لا ينقطع، والظل مستمر لا ينقطع.. واستمرارهما يوحي باستمرار المنظر العام..

وقال تعالى:

{أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا }[21].

إن نعومة الحرير وليونته هي التي تناسب نعومة الحياة ورغدها، ولذا كانت الثياب من سندس (الحرير الرقيق) ومن إستبرق (الحرير الثخين)...

والجنات، تلك البساتين التي غلب عليها لون الخضرة لكثرة أشجارها والتفاف هذه الأشجار بعضها على بعض، ثم انعكاس هذا اللون على صفحة الماء الجاري تحتها يناسبه أن يكون لون تلك الثياب هو اللون الأخضر.. حتى يتكامل التناسق.

وقال تعالى:

{.. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا 12 مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا 13 وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً 14 وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا 15 قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا 16 وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً 17 عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً 18 وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا 19 وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا 20 عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا..}[22].

في هذا النص الكريم نجد أنفسنا أمام تفصيل لما أجمل في النص السابق.

الجو معتدل لا شمس تؤثر بحرارتها ولا زمهرير يؤثر ببرودته، والثياب ليست لدفع البر ولا لرد الحرارة، فهي - من حيث مهمتها - ألصق بالزينة منها بالضرورة، ولذا كانت من حرير. إنه النوع من الثياب الذي يناسب تلك الحياة الناعمة، حيث تمس تلك النسمة الرقيقة كل ما تلامسه من أوراق الشجر والثياب السندسية فيكون له تماوج الصدى يتردد في تلك الثياب مجاوبًا حفيف الأوراق.. إنه تناسق النغمة والحركة..

وإلى جانب تلك الحركة حركة أخرى وظيفتها تقريب الأشياء والحاجات وجعلها في متناول الأيدي.. ولكن هذه الوظيفة عن طريق تلك الحركة الجمالية.. وذلك أرقى درجات الجمال.

إن الأغصان دانية.. دانية الظلال.. دانية القطوف.

والآنية دانية وكذا الأكواب.. يطاف بها، فإذا بها في متناول كل راغب. والولدان لؤلؤ منثور.. هنا وهناك لتلبية كل طلب..

إنها حركات متناسقة كل منها تؤدي دورها..

والإنسان - الذي أكرمه الله بذلك النعيم - متلائم في ثيابه وحليه مع ما يحيط به، حتى لا يكون نشازًا في ذلك التناسق التام:

إن لون الثياب في وحدة تامة مع كل ما يحيط بها.. إنها الخضرة..

والحلي، في هذا المشهد من فضة، لا من ذهب، لتتناسب - لونًا ومادة - مع الأدوات التي يطاف عليهم بها.. إذ هي من الفضة أيضًا، والأكواب التي تكون - في العادة - من زجاج شفاف، إنها هنا (قوارير من فضة) صنعت بدقة وتقدير، حتى أصبحت لها شفافية الزجاج مع المحافظة على نوعية المادة (الفضة). إن اللون هنا يسير في خطين متناسقين، لون الخضرة ولون الفضة.

إنه التناسق في جميع الاتجاهات..



[1] التنسيق لغةً: التنظيم.

النسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، عام في الأشياء.

يقال: نسق الدر، ونسق كتبه، والكلام: عطف بعضه على بعض.

ويقال: جاء القوم نسقاً، وزرعت الأشجار نسقاً.

[2] التناسب لغةً: التشابه، والمناسبة: المشاكلة.

[3] المجانس: المشاكل، يقال: هذا يجانس هذا أي يشاكله.

[4] سورة القمر [49].

[5] سورة الفرقان [2].

[6] سورة الرعد [8].

[7] الإشارة هنا إلى الآية الأولى.

[8] في ظلال القرآن 6/3436.

[9] سورة الأنعام [96].

[10] سورة يس [37 - 40].

[11] سورة المزمل [20].

[12] سورة الحجر [19 - 21].

[13] سورة الرعد [8].

[14] سورة الانفطار [6 - 7].

[15] سورة عبس [17 - 19].

[16] الإنسان ذلك المجهول ص 116.

[17] سورة النساء [82].

[18] سورة هود [1].

[19] سورة الزخرف [70 - 71].

[20] سورة الرعد [35].

[21] سورة الكهف [31].

[22] سورة الإنسان [12 - 21].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من سمات الجمال .. السلامة من العيوب
  • من سمات الجمال .. القصد
  • من سمات الجمال .. التنظيم
  • مفهوم الجمال والكبر في ميزان الشريعة
  • التناسق سمة مرتبطة بالمنهج

مختارات من الشبكة

  • آية الكرسي: من روائع التناسق واﻹبداع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التناسق في القرآن الكريم(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • سمات المذهب الحنبلي(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين)
  • سمات الإنعام والانتقام الدنيويين في القرآن الكريم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أبرز سمات وخصائص أهل السنة والجماعة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • سمات دولة النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أبرز سمات أهل السنة والجماعة(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • منظومة سمات طالب العلم(كتاب - آفاق الشريعة)
  • سمات القرآنيين(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • سمات الحداثيين العرب(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب