• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الألفاظ الجمالية ( التعريف بالجمال وحقيقته ومكانته )

الألفاظ الجمالية ( التعريف بالجمال وحقيقته ومكانته )
أ. صالح بن أحمد الشامي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/7/2013 ميلادي - 7/9/1434 هجري

الزيارات: 78358

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الألفاظ الجمالية

(التعريف بالجمال وحقيقته ومكانته)

 

تحدثنا في مقالات سابقة عن مفهوم الجمال من وجهة نظر "علم الجمال" الحديث، ونتحدث عنه هنا من وجهة نظر الفكر الإسلامي.


وفي هذا التمهيد نحاول التعرف على رأي اللغة وكذلك بعض الآراء التي تناولت تعريف الجمال، وبعدها نتحدث عن حقيقته. فإذا تم لنا ذلك استطعنا أن ننتقل إلى علاقات الجمال، علاقته بالحق والخير، ثم علاقته بالمنفعة. والتعرُّف على مكانته بعد ذلك.


(1) الألفاظ الجمالية:

استعملت اللغة العربية الكثير من الكلمات للتعبير عن الجمال. بعضها في المجال العام وبعضها الآخر في مجالات خاصة.


ففي كتاب "فقه اللغة" للثعالبي نجد فصلاً تحت عنوان: في تقسيم الحسن. حدد فيه لكل كلمة مجال استعمالها، فقال:

الصباحة في الوجه، والوضاءة في البشرة، والجمال في الأنف، والحلاوة في العينين، والملاحة في الفم، والظرف في اللسان، والرشاقة في القد، واللباقة في الشمائل، وكمال الحسن في الشعر. ا. هـ.


واستعمل القرآن الكريم الكثير من الألفاظ للتعبير عن الجمال ومن ذلك: الجمال والحسن، والبهجة، والنظرة، والزينة. كما أشار إلى بعض وسائل التجميل كالحلية والريش والزخرف... كما استعمل ألفاظًا أخرى للتعبير عن آثار الجمال منها: السرور والعجب ولذة الأعين...


على أن المرجع في هذا الموضوع يؤول إلى كلمتين رئيسيتين هما: الجمال والحسن، وسنقف على بعض ما ورد بشأنهما في "لسان العرب" وغيره:


الجمال:

مصدر الجميل، والفعل: جَمُل.


قال ابن سيده: الجمال: الحسن يكون في الفعل والخَلْق.


قال ابن الأثير: والجمال يقع على الصور والمعاني. ومنه الحديث (إن الله جميل يحب الجمال)؛ أي: حسَن الأفعال كامل الأوصاف. ا.هـ. لسان.


وجاء في الصحاح: جمَّله: زينه.


الحسن:

الحسن: ضد القبح ونقيضه.


حسنت الشيء: زينته.


والحسنة: ضد السيئة. والإحسان: ضد الإساءة.


و(أحسن كل شيء خلقه) يعني حسَّن. يقول: حسَّن خلق كل شيء. ا. هـ. لسان. وجاء في القاموس المحيط وكذلك في الصحاح: الحُسْنُ: الجمال.


ويوضح لنا أبو هلال العسكري في كتابه "الفروق في اللغة" الفرق بين الكلمتين فيقول:

"والحسن في الأصل للصورة، ثم استعمل في الأفعال والأخلاق، والجمال في الأصل للأفعال والأخلاق والأحوال الظاهرة ثم استعمل في الصور".


ويلاحظ أن القرآن الكريم استعمل لفظ "الجمال" في نطاق ضيق لم يتجاوز ثماني مرات. واحدة منها بصيغة المصدر، والباقي كانت صفة. وكلها في مجال الأخلاق باستثناء قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ [النحل: 6]، يعني الخيل والإبل. وحتى في هذه الآية فإن أبا هلال العسكري يراه من باب الوصف المعنوي حيث يقول: في صدد الفرق بين الحسن والجمال أيضًا: "إن الجمال هو ما يشتهر ويرتفع به الإنسان من الأفعال والأخلاق ومن كثرة المال والجسم، وليس هو من الحسن في شيء، ألا ترى أنه يقال لك: في هذا الأمر جمال، ولا يقال لك فيه حسن، وفي القرآن ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾[1]".


أما لفظ "الحسن" فقد ورد في القرآن الكريم كثيرًا، في صيغه المختلفة. وقد استعمل في الصور كما استعمل في المعاني.


ونستطيع القول:

إن الفرق الذي بينه أبو هلال بين الكلمتين غاية في الدقة، وإن كان الاستعمال العام قائمًا على مساواة الكلمتين مع بعضهما كما جنح إليه صاحبا القاموس والصحاح حيث فسرا الحسن بالجمال.


(2) التعريف بالجمال:

لفت القرآن الكريم النظر إلى الجمال عن طريق الحديث عن آثاره، التي قد تكون آثارًا على العين أو على النفس، وقد جاء في الآيات الكريمة ما يوضح ذلك:

قال تعالى: ﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾[2] فالسرور أثر من آثار رؤية الجمال. قال صاحب الظلال[3] في تفسير الآية الكريمة: وسرور الناظرين لا يتم إلا أن تقع أبصارهم على فراهة وحيوية ونشاط والتماع في تلك البقرة.


وقال تعالى في صدد الحديث عن الجنة: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾[4]. ولذة العين أثر من آثار رؤية الجمال.


وقال تعالى مخاطبًا رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ﴾[5]. فالإعجاب[6] تعبير النفس عن تأثرها بالحسن.

وهكذا تهتم الآيات الكريمة بتسجيل أثر الجمال على النفس، إذ به يعرف، وبمدى قوته يعرف مقدار الجمال[7].


وقد حاول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله (المتوفى 505هـ، 1113م) أن يضع تعريفًا للجمال فقال في صدد حديثه عن معنى الحسن والجمال:

"حسن كل شيء في كماله الذي يليق به".


ويوضح ذلك بقوله: "كل شيء فجماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به الممكن له، فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال. وإن كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر، فالفرس الحسن: هو الذي جمع كل ما يليق بالفرس من هيئة وشكل ولون وحسن عدو وتيسر كرٍّ وفرٍّ عليه. والخط الحسن: كل ما جمع ما يليق بالخط من تناسب الحروف وتوازيها واستقامة ترتيبها وحسن انتظامها، ولكل شيء كمال يليق به... فحسن كل شيء في كماله الذي يليق به. فلا يحسن الإنسان بما يحسن به الفرس، ولا يحسن الخط بما يحسن به الصوت، ولا تحسن الأواني بما تحسن به الثياب، وكذلك سائر الأشياء"[8].


وهذا كلام جيد يتناول الجمال الظاهر والجمال الباطن، وإن كانت الأمثلة التي ضربها كلها من الجمال الظاهر.


وقال ابن القيم رحمه الله (المتوفى 751هـ، 1352م):

"اعلم أن الجمال ينقسم قسمين: ظاهر وباطن:

فالجمال الباطن: هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة...


وأما الجمال الظاهر فزينة خصَّ الله بها بعض الصور عن بعض، وهي من زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها: ﴿ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء ﴾. قالوا: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة"[9].


ويلاحظ أن الإمام الغزالي اعتمد على بيان الحالة التي ينبغي أن تتوفر في الشيء حتى يكون جميلاً. فلا بد أن يكون سليمًا من العيوب ثم يرتقي بعد ذلك في سلم الكمال، ودرجة جماله مرتبطة بمقدار ارتفاعه في ذلك السلم.


ويكتفي الإمام ابن القيم ببيان مجالي الجمال وهما: الباطن والظاهر. موضحًا ذلك بالأمثلة.


وعلى هذا فلا تعارض بين الرأيين إذ كل منهما تناول الموضوع من جانب غير الجانب الذي اهتم به الآخر. والإمامان لم يصرحا بأنهما يعرِّفان الجمال، وإنما كانا يتحدثان عن مفهوم الجمال. ذلك أن التعريف أمر غير ممكن لما ذكرنا في الباب الأول. ومع ذلك نستطيع أن نقول إن ما توصل إليه الإمام الغزالي يكاد يكون تعريفًا.


(3) حقيقة الجمال:

هل للجمال حقيقة قائمة موجودة؟ أم هو مجرد شعور نفسي تجاه شيء ما. وهذا الشيء لا يوصف بجمال ولا قبح، وإنما شعورنا هو الذي جعله كذلك. وعلى هذا لا يوجد شيء جميل أو قبيح لذاته.


وما كانت القضية تحتاج كبير اهتمام لولا أن بعضهم ذهب إلى الرأي الثاني. الأمر الذي يفضي إلى عدم استقرار المفاهيم، فما كان في نظرك حسناء ربما كان في نظر غيرك قبيحًا. ذلك أن الشيء أو الفعل - حسب رأيهم - ليس فيه قبح ولا حسن لذاته.


والقرآن الكريم - كما رأينا - رتب الآثار على رؤية الجمال وجعلها عامة، فقال في وصف البقرة: ﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ و﴿ الناظرين ﴾ تشمل كل ناظر. فلو لم يكن الجمال قائمًا موجودًا فيها لما كان السرور عامًا يتناول كل من رآها.


وفي وصف الجنة ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ﴾ جعل اللذة لكل عين يتاح لها تلك الرؤية.. وهكذا فلو لم يكن الجمال مستقرًا فيها لكانت هي وغيرها سواء ولكانت اللذة لبعض الأعين.


وقد تكلم الإمام الغزالي في هذه القضية، ولم يستوقفه وجود الجمال في المحسوسات فتلك بدهية لا تحتاج إلى برهان ولكنه انصرف إلى تقرير وجود الجمال في غير المحسوسات أيضًا فقال: "فاعلم أن الحسن والجمال موجود في غير المحسوسات، إذ يقال: هذا خلق حسن، وهذا علم حسن، وهذه سيرة حسنة وهذه أخلاق جميلة..[10]".


ولنستمع إلى ابن القيم يدلي برأيه في هذه القضية: قال رحمه الله:

"وهذا فصل في ذكر حقيقة الحسن والجمال ما هي؟ وهذا أمر لا يدرك إلا بالوصف... وقيل: الحسن معنى لا تناله العبارة ولا يحيط به الوصف[11]".


إنه يقرر وجود الحسن، وهذا أمر لا شك فيه ولكنه يلفت النظر إلى وسيلة إدراكه.. وهذا الإدراك قد يكون الوصف وسيلة له، وقد يدق بعض الأحيان فيستعصي على العبارة.. ولكنه موجود.


وقد اهتم علماء المسلمين في وقت مبكر بهذه المسألة، والتي عرفت في علم أصول الفقه باسم "مسألة التحسين والتقبيح"، ونحن هنا لسنا أمام آراء فردية وإنما أمام آراء مدرسية. ويحسن بنا أن نلخص هذه المسألة بقول موجز[12].


والمسألة هنا تتعلق بالأفعال فقط، ولا تتناول الأشياء، ولكنها مع ذلك تناقش أصل المسألة وهي قضية الحسن الذاتي والقبح الذاتي.


ومحور المسألة هو:

هل الأفعال منقسمة في الأصل إلى: حسن وقبيح. أي أن الحسن والقبح ذاتي فيها؟ أم أنها غير منقسمة إلى حسن وقبيح، وأن الحسن والقبح جاءها من الأمر والنهي الوارد بالشرع، وفي الأصل هي سواء؟


ونستطيع أن نقول: هناك ثلاثة مذاهب:

• ذهب "القدرية" إلى أن الأفعال كلها سواء، ولا أثر للعقل في التحسين والتقبيح ومرجع ذلك إلى الشرع.


قال ابن القيم: "وقد بينا بطلان هذا المذهب من ستين وجهًا.. فإن هذا المذهب، بعد تصوره وتصور لوازمه، يجزم العقل ببطلانه. وقد دل القرآن على فساده في غير موضع. والفطرة وصريح العقل".


ونقتطف فقرة من كلامه في مناقشة هذا الرأي:

"إن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل، والعفة والإحسان، ومقابلة النعم بالشكر، وفطرهم على استقباح أضدادها، ونسبة هذا إلى فطرهم وعقولهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم، وكنسبة رائحة المسك ورائحة النتن إلى مشامِّهم وكنسبة الصوت اللذيذ وضده إلى أسماعهم، وكذلك كل ما يدركونه بمشاعرهم الظاهرة والباطنة، فيفرقون بين طيبه وخبيثه، ونافعه وضاره".


• وذهب المعتزلة إلى أن قبح الأفعال والعقاب عليها ثابتان بالعقل.


وقد بين ابن القيم غلط المعتزلة في قولهم بتلازم الأمرين أي القبح والعقاب وبرهن على غلطهم بأدلة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾[13].


وذهب الكثير من الفقهاء من الطوائف الأربع[14] إلى القول بأن حسن الأفعال وقبحها ثابت بالعقل، والثواب والعقاب متوقف على ورود الشرع.


ويؤيد ابن القيم هذا القول ويبين حججه وأدلته...


ونخلص من هذا كله إلى أن الغالبية العظمى من أهل السنة وكذلك المعتزلة متفقون على أن الحسن والقبح يثبتان بالعقل. وهذا يعني أن الحسن حقيقة قائمة في ذات الشيء، ولهذا استطاع العقل الاهتداء إليها.


وإذن فالجمال له حقيقة، وهذه الحقيقة تظهر من خلال "موجود" تكون صفة له، قد يكون هذا الموجود شيئًا وقد يكون فعلاً. وعلى هذا لن يختلف المشاهدون على وجود الجمال في أمر جميل، وإن كانوا قد يختلفون تبعًا لشعورهم على درجة ذلك الجمال. فيكون استشعاره وقوة تأثيره لدى إنسان أكبر منها لدى إنسان آخر. قال الإمام ابن حزم "إن الشيء يتضاعف حسنه في عين مستحسنه"[15]. فأكد بذلك أن الشعور يرفع درجة الحسن ولكنه لا يوجده إذا كان معدومًا.


وإذا كان الجمال حقيقة، فما هي وسيلة إدراك هذه الحقيقة؟ وكيف يمكننا التعرُّف عليها:

ونكتفي في إيضاح هذا الجانب بنقل رأي الإمام الغزالي حيث قال:

"والصورة ظاهرة وباطنة، والحسن والجمال يشملهما.


وتدرك الصور الظاهرة بالبصر الظاهر.


والصور الباطنة بالبصيرة الباطنة[16]".


ويعطينا أمثلة لمدركات الحواس فيقول: "فلذَّة العين في الإِبصار وإدراك المبصرات الجميلة والصور المليحة الحسنة..، ولذة الأذن في النغمات الطيبة الموزونة، ولذة الشم في الروائح الطيبة، ولذة الذوق في الطعوم ولذة اللمس في اللين والنعومة[17]".


"وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار[18]".


وهكذا يبين أن إدراك المحسوسات بالحواس، وإدراك المعاني بالعقل.


(4) الجمال و"القيم":

الحق والخير والجمال، ... إنها حقائق في هذا الوجود.. وإنها قيم.


وهذا لا يعني أنها في لقاء دائم وأن بعضها لا يفارق بعضها الآخر. وإنما يعني بيان مستوى أهميتها في هذه الحياة.


فالجمال له شخصيته المستقلة في التصور الإسلامي. وهذا لا ينفي لقاءه مع الحق والخير، ولكنه أيضًا لا ينفي وجوده في مجالات لا حق فيها ولا خير.


وبناء على خاصية الشمول - التي سيأتي الحديث عنها - فإن الحق والخير هما من الميادين التي للجمال فيها كلمة ورأي.


فالخير خير، ولكنه إذا زين بالجمال كان أقرب إلى الكمال.


والحق حق ولكنه إذا زيّن بالجمال كان أدق في تحقيق العدل.


فالأمر بالمعروف خير، ولكنه إذا كان بأسلوب مهذب، بعيدًا عن الفظاظة والغلظة، أي كان بالمعروف،... كان أقرب إلى تحقيق الجدوى.. لأنه في هذه الحالة أجمل.


والصدقة على الفقير والمحتاج خير ولكنها إذا كانت على طريقة علي زين العابدين[19] رحمه الله كانت خيرًا وجمالاً.


وقد يوجد الجمال حيث لا يوجد الخير وقد أشار القرآن الكريم إلى مثال على ذلك بقوله ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾[20]، فقد وجد الجمال هنا لدى المشركة ولكنه لم يوجد الخير.


وهكذا.. فللجمال كيانه المستقل وصداقاته الحميمة..


(5) الجمال والمنفعة:

يظن بعضهم أن الجمال يُسعى إليه على اعتباره وسيلة لما وراءه من منفعة أو لذة، فهو وسيلة والمقصود ما وراءه... وليس الأمر كذلك.


إن الجمال من الأشياء التي تحب لذاتها لا لشيء آخر وراءها. فمنفعة الإنسان من الجمال هي متعة نظره أو سمعه أو شمه أو عقله، وليس هناك شيء آخر. وأي شيء أكثر نفعًا من أن تُلبى حاجة من حاجات النفس الفطرية، فرؤية الجمال تلبية لحاجة النفس في هذا الجانب. وإذن فمنفعة الإنسان من الجمال حاصلة في الجمال ذاته.


ويفرق الإِمام الغزالي تفريقًا دقيقًا بين لذة الجمال ذاته ولذة المنفعة الحاصلة من ورائه إن وجدت، وهنا يكون الإنسان أمام لذتين.. فيقول:

"إن كل جمال محبوب عند مدرك الجمال، وذلك لعين الجمال، لأن إدراك الجمال فيه عين اللذة... ولا تظنن أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة، فإن قضاء الشهوة لذة أخرى قد تحب الصور الجميلة لأجلها، وإدراك نفس الجمال أيضًا لذيذ، فيجوز أن يكون محبوبًا لذاته، وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوب لا ليشرب الماء وتؤكل الخضرة أو ينال منها حظ سوى نفس الرؤية... حتى إن الإنسان لتنفرج عنه الغموم والهموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر[21]..".


وواضح من هذا أن للجمال استقلاله الكامل عن المنفعة، إذ منفعته فيه ذاته، وهذا لا يعني أن الجمال لا وجود له حيث توجد المنفعة، وإنما المقصود أن له اعتباره الخاص، فقد يلتقي معها تارة ويبتعد عنها أخرى.


(6) مكانة الجمال:

نستطيع التعرف على مكانة الجمال من خلال التعرف على منزلته ضمن اهتمامات الناس، كما نستطيع معرفة ذلك من أوامر الشريعة التي جاءت لحفظ مصالح الخلق ورعايتها، وتصنيف هذه الأوامر، وترتيبها بحسب أهميتها ومعرفة موقع ما يتعلق بالجمال منها. وقد كفانا علماء الأصول مؤنة البحث حيث قاموا بعمليات استقرائية استطاعوا بعدها أن يضعوا النقاط على الحروف.


وقد قرر هؤلاء العلماء: أن الشريعة جاءت لحفظ مقاصد بها قوام الخلق وتحقيق مصالحهم. وتنقسم هذه المقاصد إلى ثلاثة أقسام مرتَّبة الأهم فالمهم:

• الضروريات.

• الحاجيات.

• التحسينات.


ويعدُّ كل قسم فيها كالمكمل والمتمم لما سبقه[22].


ونتساءل بالنسبة "للجمال" أين مكانه؟ وإلى أي قسم ينتمي؟

ولنترك الكلام للإمام الغزالي يحدد لنا ذلك، بأسلوبه البليغ إذ اعتمد على الأمثلة باعتبارها أكثر بيانًا من القواعد. فقال:

"ومثال الضروري من الأعضاء: الرأس والقلب والكبد.


ومثال المحتاج إليه: العين واليد والرجل.


ومثال الزينة: استقواس الحاجبين وحمرة الشفتين وتلون العينين إلى غير ذلك مما لو فات لم تنخرم به حاجة ولا ضرورة.


ومثال الضروري من النعم - الخارجة عن بدن الإنسان -: الماء والغذاء.


ومثال الحاجة: الدواء واللحم والفواكه.


ومثال المزايا والزوائد: خضرة الأشجار وحسن أشكال الأنوار والأزهار ولذائذ الفواكه والأطعمة التي لا تنخرم بعدمها حاجة ولا ضرورة[23]".


يتضح من هذا أن الجمال من قسم التحسينات، وهذا يعني أن الأشياء تصل إلى كمالها به، على أن هذا التقسيم يلفت نظرنا إلى أمرين:

أولهما: أن الجمال في شيء فَقَدَ ضرورياته أو حاجياته جمال مآله إلى الفساد[24].


ثانيهما: أن التحسينات لا بد أن تكون مأخوذة بالاعتبار ابتداء من تعاملنا مع الضروري، حتى تكون متناسقة معه ومع الحاجي.. وحنيئذٍ نصل إلى الجمال[25].


وإذن فالجمال عنصر في تركيب الشيء، وهو مع ذلك في مكان الذروة منه وهو في الوقت نفسه غير ضروري ولا حاجي.


إن العين ضرورية لعملية الرؤية، وسلامتها من الأمراض حاجة مهمة لإتمام تلك العملية بشكل كامل، ولكن سعة العين ولونها أمر جمالي، ومع هذا فالسعة واللون داخلان في بناء العين ولكن عملية الإبصار لا تتوقف عليهما.


نخلص من هذا إلى أن الجمال من فئة الكماليات، أو كما قلنا من قسم التحسينات، هذا القسم الذي هو دائمًا مهوى أفئدة الناس في قضاياهم المادية والمعنوية وهو الذي حث الإسلام على الوصول إليه في عملتي "الإتقان" و"الإحسان" اللتين سيأتي الحديث عنهما. والإسلام في تشريعه يريد دائمًا من الملتزمين به أن يصلوا إلى هذا المستوى الكمالي أو التحسيني، إذ به يتمّيزون صورة وسلوكًا.


إن قولنا - بهذا المعنى - "تحسيني" لا تعني أنه شيء لا قيمة له، أو لا ينبغي الحرص عليه، بل تعني أنه مهم وضروري لأن الدعوة إلى الوصول إليه تعني أن نتجاوز المرحلة الأولى والثانية لنصل إليه.


نكتفي بهذا القدر من هذه الجولة في التعرّف على الجمال معرفة أولية كي نستطيع التعامل معه في الفصول القادمة...



[1] الفروق في اللغة ص 81.

[2] سورة البقرة. الآية 69.

[3] تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله.

[4] سورة الزخرف. الآية 71.

[5] سورة الأحزاب. الآية 52.

[6] عجب - في اللغة - : رأى شيئاً لم يكن يعرفه فاستحسنه.

[7] لم يجد كبار الفلاسفة من بعد، أفضل من هذه الطريقة - تعريف الجمال بآثاره - فلجؤوا إليها يُبينون مفهوم الجمال:

قال "كانت": إن الجميل هو الذي يبعث السرور بصورة كلية وبدون تصور محدد. بحث في علم الجمال. برتليمي ص 382.

وقال "برادين": نحن نسمي ما يخطف لُبَّنا حقاً، شيئاً جميلاً، وليس لدينا مبدأ آخر للجمال غير هذا المصدر السابق ص 383.

ويذهب جورج سنتايانا إلى أن الجمال قيمة إيجابية باطنية ذات وضع محسوس، أو بعبارة أخرى: هو المتعة النابعة من صفة شيء من الأشياء. علم الجمال الديدي. ص 40.

[8] إحياء علوم الدين 4/299. طبقة دار المعرفة. بيروت.

[9] روضة المحبين. فسر غريبه وراجعه: صابر يوسف ص 221.

[10] إحياء علوم الدين 4/299.

[11] روضة المحبين: ص 232.

[12] نلخص هذا الموضوع من كتاب: "مدارج السالكين" لابن القيم رحمه الله. 1/ 230 وما بعدها. الكتاب بتحقيق محمد حامد الفقي. الناشر: دار الكتاب العربي. بيروت.

[13] سورة الإسراء. الآية 15.

[14] هم أتباع المذاهب الفقهية: المالكية، والشافعية، والحنفية، والحنابلة.

[15] نوادر الإمام ابن حزم. خرجها أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري. السفر الأول. ص 142.

[16] إحياء علوم الدين 4/300.

[17] المصدر نفسه 4/296.

[18] المصدر نفسه 4/297.

[19] يروى عنه أنه كان يكرم السائل ويقول له: أهلاً بمن يحمل زادنا إلى الآخرة.

[20] سورة البقرة. الآية 221.

[21] إحياء علوم الدين 4/298.

[22] فصّل الإمام الشاطبي المتوفى 790ه هذا البحث في كتابه "الموافقات" ج 2 ص 3 وما بعدها ونلخص الخطوط العريضة بإيجاز:

قال - رحمه الله -: "تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام، أحدها: أن تكون ضرورية، والثاني: أن تكون حاجية، والثالث: أن تكون تحسينية.

فأما الضرورية: فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة.. وفي الأخرى فوت النجاة..

ومجموع الضروريات خمسة هي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

وأما الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة.. وهي جارية في العبادات والعادات و المعاملات...

وأما التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات... وهي جارية فيما جرت فيه الأوليان من العبادات والعادات والمعاملات..".

[23] إحياء علوم الدين 4/303.

[24] وذلك كمن زين أو زخرف جداراً قبل تسوية سطحه مع علمه بأنه بني على غير أساس.

[25] إن هندسة المظهر أو الشكل لا بد أن يحسب حسابها قبل البدء بالبناء ذاته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عرض كتاب: الظاهرة الجمالية في الإسلام
  • رحلة في " ما هو الجمال؟ "
  • حقيقة الجمال
  • علم الجمال
  • خصائص الجمال ومقاييسه
  • الجمال والفلسفة
  • الربيع فصل الجمال
  • الماركسية والجمال
  • الوجودية والجمال
  • الحق والخير والجمال
  • المسيحية والجمال
  • الإسلام والجمال
  • الشكل والمضمون والجمال
  • الظاهرة الجمالية في الإسلام
  • الجمال .. وسيلة اختبار
  • جمال القول في العمل ( قصيدة )
  • التصور الكلي للظاهرة الجمالية

مختارات من الشبكة

  • الألفاظ ذات الصلة بالرفق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج الفروق والمقابلة في شرح دلالات الألفاظ(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مباحث الألفاظ في أُصول الحنفية - دراسة في كتاب التلويح في كشف حقائق التنقيح(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • الألفاظ الشرعية التي يقولها الإمام لتسوية الصفوف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تلخيص كتاب: دلالة الألفاظ - إبراهيم أنيس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • عندما يعتاد المراهق الألفاظ البذيئة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • منهج اعتصار الألفاظ الشرعية في استنباط الأحكام الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة فتح القريب المجيب في شرح الألفاظ التقريب (النسخة 5)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فتح القريب المجيب في شرح الألفاظ التقريب (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فتح القريب المجيب في شرح الألفاظ التقريب (النسخة 3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب