• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

معوقات النهضة

فتحي عيساوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/6/2013 ميلادي - 25/7/1434 هجري

الزيارات: 10866

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معوقات النهضة


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:

فإن مُشكلة كل أمة من الأمم هي في جوهرها مشكلة حضارتها، ولا يمكن لأمة أن تفهَم أو تحلَّ مشكلاتها ما لم تتخطَّ عوائق التقدُّم والرقي؛ وما لم تترفَّع عن التفكير الساذج والعقيم، وما لم تتعمَّق في فَهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها؛ هذا وغيره من المؤثِّرات بطريق أو بآخر؛ إن لم تؤخذ بعقل الجد وفكر واعٍ فلن تكون للأمة قائمة، ولن تعدو قدرها، ومصيرها لا محال إلى الزوال، فكان لزامًا عليها أن تَرتفِع بفكرتها إلى الأحداث الإنسانية والعلاقات البشرية، مع التزام الصدق مع الذات ومع الآخَر، ذلك أن العنصر الأهمَّ في حلقة الحضارة هو الإنسان؛ فلا بدَّ من حسن صناعته.


وما الحضارات المُعاصِرة، والحضارات السالفة، والحضارات المُستقبلة، إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القُرون إلى نهاية الزمن، فهي طريق عبر الزمن يَنتقِل فيها المشعل من جيل إلى جيل؛ مُكوِّنة سلسلة تتمثَّل فيها جهود الأجيال المتعاقبة في خطواتها، المتصلة في سبيل الرقي والتقدُّم.


ولكن سنن الله -تعالى- تقرِّر أن الأمة التي لم تقم برسالتها، ولا بدورها في تلك السلسلة، ما عليها إلا أن تخضَع وتذلَّ، ومِن ثمَّ تُحْتَضر مُنتظِرة ساعة الموت.


وليَعتبر من يفكر بوعي ورشد بمصير الأمم التي حادَت عن السنن الكونية والشرعية، كيف أصبحَت أحاديثَ وتمزَّقت كل مُمزَّق، ودفنها التاريخ في طيّاته؛ حيث استقرَّت في ضميره نسيًا منسيًّا، ونحن نرى في زوالها وانحلالها خير شاهد على أن الإسلام بما انطوى عليه من قوة روحية، وصلاحية لكل زمان ومكان، ومناعة لكل مَن اعتنقه والتزمه، كان للذين يتمسَّكون به درعًا من أن تحطمهم الأيام، أو يَذوبوا في بوتقة الغزو الفكري، يتقمَّصون شخصية الغرب، فَرِحين بما يُسخِط الرب؛ قُدوتهم أبغض الخلق إلى الله - تعالى.


لقد سرحت الأنظار وانطرحت الأفكار، فتلاقت وتصارَعت، ثم تحوَّلت من حالة الجمود إلى حالة الغليان؛ ومن ثم التبخُّر والاندثار أو الشيوع والانتشار، وظهرت النظريات مُجسَّدة في تلك الطوائف والأطياف، والتي راجَت في عقول شباب الأمة المُتطلِّعين إلى كل تجديد، فهذا يرنو إلى التمدُّن الغربي وينزع إلى الفِكر العلماني والديمقراطي، وذاك يأخذ بالفِكر التكفيري، وآخَر يَنتهِج الفكر الصوفي والانعزال الروحي؛ ويفضِّل الحياد والحَيدة، ومنهم من انحدَر بفِكره إلى مذهب المادة فيُقدِّم الشيء على الإنسان، وآخَر يَزعم الوسطية ويَحتكِر السلفية؛ ويَقف الحقيقة على شخص وطائفة، وكل واحد من هؤلاء وأولئك يتخذ ملبسًا يُعبِّر عن نزعة تفكيره؛ ويتسلح بكل متاح وممكن ليلغي من يخالفه ويُقصيه؛ فهو لا يتَّسع صدره ولا عقله للآخَر، فهذا يلبس البدلة ويركب السيارة ويتطيَّب بعِطر فاخر ليشعرنا بأنه يقفو أثر الغرب في تطوُّرهم المادي، وأنه يتزعم الدفاع عن الشعوب والأقليات، وعن الحريات وتحرير النساء، وأنه يريد أن ينشر في الأمة الحضارة المدنية، وهي في حقيقتها اللادينية وانحلال النساء وتفسُّخ الأخلاق، وأنه يُريد أن يبدل مكان شريعة الرسول نتاج العقول من قانون ودستور وضعَه مَن لا يؤمن بالله حتى، وغاياتهم السرية والمُعلنة أحيانًا هي استغلال الشعوب واستِنزاف الثروات، فهو ذئب يُكشِّر عن أنيابه يَحسبه الحَمقى والمُغفَّلون يَبتسِم.


وبإزاء هؤلاء تلك الطوائف الدينيَّة؛ إذا تبصَّرت فيها بمنهج عِلمي قويم ونظر فكري دقيق، ترى خللاً واضحًا في فهم الكثيرين منهم للإسلام، وقصورًا بيِّنًا في الوعي بتعاليمه ومقاصِده، وترتيب أولوياته من حيث المُهم والأهم وغير المُهم، على الأقل في وقت دون وقت، وفقه المُوازَنات بفقه المصالح وترتيبها لتقديم الأصلَح منها، وفقه المفاسد وترتيبها لتأخير الأفسَد منها، ثم فقه الموازَنة بين المصالح والمفاسد عند التعارُض والمزاحمة، ومعرفة متى نقدِّم درء المفسدة على جلب المصلحة، ومتى نَحتمِل المفسدة من أجل المصلحة، ناهيك عن جهل مُطبِق بالماضي والحاضر المعاش والواقع المعاصر، وحتى إنهم غير عارفين بأدواء أنفسهم وما لهم وما عليهم وماذا يجب أن يكونوا عليه والغاية من وجودهم، فلا فهم ولا دين، فهم غارقون في أوحال مُستنقَع التعصُّب المقيت والعقد التي خلَّفتْها والطائفية الخربة والسموم التي أنتجَتها، والأباطيل الناجمة عن الكذب والتشويه والتزوير وسوء الفَهم والابتداع، والمُزايَدة على الغير وإقصائه.


فالعلاقة بين الإسلام والواقع وثيقة مُترسِّخة، ولكن كثيرًا من طوائف الأمة بما فيها من طوائف المسلمين ليس لها منها إلا الكلمات الرنانة والخِطابات الجوفاء، فتقريرها باللسان ونشرها سهل ميسور خاصة في عصر الإعلام والفضائيات، ولكن ممارستها وتجسيدها على أرض الواقع وبين الناس في دولة المواطنة أمر صعب متعذِّر على قلوب وعقول لم تتَّسع لغير ذواتها، فهي لا تَنظر إلا بمِنظار طائفتها ووجهة فِكرها، فلم تتشبَّع بالعلم والإيمان ولا بالعدل والرحمَة والرفْق، ولم تَستوعِب مقاصد الشريعة ولا الرسالة الموكَلة بها ولا الأمانة التي حملها الإنسان، ولا حتى المُشترك بين أفراد وجماعات الوطن الواحد في عمارة الدنيا والحِفاظ على مُكتَسبات ومقدَّرات الأمة.


إن كثيرًا من نُخَب الأمة لا يزالون يَجهلون حقيقة الحضارة وحقيقة الإسلام، ويَفهمونها فهما مغلوطًا مبتورًا مشوَّهًا، نتيجة لعوامل الترسُّب والتحولات الحضارية عبر الزمن، والمُشوهات الجديدة من آثار توجيه الأفكار وبرمجة العقول، فلا يزال الكثير يؤمن بالخُرافات، ويَستسلِم للمُشعوِذين والدجالين، وبعضهم يَطوف بالأضرِحة والقبور، ويَستغيث بالموتى، ويعلِّق التمائم والحروز، وآخَرون يأخذون دينهم من المُستشرِقين والمُبشِّرين ومن واقع المسلمين المزري وسلوكياتهم السلبية، وما هي إلا ممارَسة المسلمين الضعيفة للإسلام، وغيرهم ظنَّ أن هذه الممارسة هي الإسلام الحقيقي المنزل فعادوه وحارَبوه؛ فهم بين غافل ومتغافِل، وقوم احتكَروا الحقيقة المُطلَقة، وادعوها لأنفسهم حصرًا دون غيرهم، وأحاطوها بسياج أحمر - لا يجوز تَخطيه - مِن مُصطلحات وفتاوى؛ ومن يفعل ذلك يلق آثامًا من العيب والذم والتصنيف، ومع هؤلاء أولئك العلمانيون الذين لا يؤمنون إلا بما آمن به الغرب؛ ديدنهم إعمال العقل وحده والدفاع عن الحريات؛ ولكن تَغيب تلك المثالية المزعومة مع كل ما هو إسلامي، وفي مقابلهم أولئك الذين يرفضون العلمانية والغرب جملةً وتفصيلاً، بل يعادون كل ما هو جديد أو يدعو إلى التغيير؛ دون أن يُغربِلوا ما عندهم ليأخذوا بما هو نافع حقًّا؛ قد يُسهِم في التقدم الحضاري فعلاً، فهم وإن قالوا: الحِكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها؛ إلا أنهم لا يعملون بها، فالمثالية المزعومة في كلام أغلب النخب الموجودة على الساحة تَبقى مجرد حِبر على ورَق وكلمات على اللسان؛ لا تَعدو المنابر والقاعات التي تُلقى فيها؛ فهي لا تجد القوابل من آذانٍ صاغية وعقول مُتفتِّحة، وهؤلاء وإن كانوا زبدة الأمة وطليعتها، فهم لم يَكونوا مَنهجيين، ولا عمليين، ولا علميين، فكانت النتيجة الحتميَّة التخلُّف والانحِطاط، والتمزق والتناحُر، والضعف والهوان.


ونرى من بين هؤلاء وأولئك عباءات التديُّن ومنابر الإصلاح، تدلنا على منهاج آخَر يقوم على عقيدة صحيحة، ورجوع إلى الماضي النيِّر والعصر الذهبي من خير القرون، وتغيير ما بالنفس من آثار الانحِطاط، ومِن ثَم تطهير المجتمع من أنواع الأوبئة التي عشَّشت في العقول، ورغم تعدُّد الأساليب والطرق، وتبايُن الاتجاهات واختلاف وجهات النظر؛ إلا أنها في كثير من الأحيان متفقة على إرادة الحركة والتجديد؛ والفرار من محيط الخرافة إلى المحيط العِلمي والمنهج العقلي السليم، ومِن الغُلوِّ والتطرُّف إلى الاعتدال والوسطية، ومن الجمود والانزواء إلى الحرَكة والفاعلية، ومن العداوات التي لا مُسوِّغ لها إلا الجهل وفساد النية إلى التعلم وحسن الظن وحب الخير للناس، ومن اللادين إلى دين الفِطرة.


فلا بد إذًا أن يكون أساس التفكير والمنهج الأكمَل والشِّعار الأرشد، والركيزة التي لا تَهدمها زلازل الإلحاد واللادين، ولا تُزعزِعها عواصف التخلُّف واللاعقل؛ قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].


وإنه لتفكير سديد؛ ذلك الذي يرى النهوض والتحضُّر إنما يكون في السير على خُطى من أقاموا الحَضارة الأولى، تلك الحَضارة التي بهرت العالم؛ إذ أوجدت لنفسها مكانة مرموقة فوق تلك الحضارات المُسيطِرة آنذاك، فإذا كان هذا التفكير صادرًا عن عقيدة قوية وإيمان راسِخ، ولسان يَستمدُّ من الوحي، ويستفيد من تجارب الآخرين ويَعتبِر؛ فلا بد له أن يصل.


ولكن المستقبل الجميل هدف بعيد وعسير؛ لكنه ليس بمستحيل، فلا بد من طرق واضحة ودفعات قوية لكي يُدرِك هدفه، وإذًا فيجب أن تحدِّد الكلمات معالم هذه الطرق، وأن تحتوي على الخمائر المباركة لهذه الدفعات.


ولكن كلمات التوعية والإصلاح قد تَحيد عن طريقها، وقد تُضاد المنهج العلمي لأسباب داخلية وخارجية؛ مما يعوق نشر الوعي المنشود والفهم المرجو باستمرار، فتكون النتيجة انحرافًا عن الجادة، أو الوقوع في حلقة مفرغة؛ حيث لا نتيجة، والتعثُّر في أوحال الفراغ والجمود وحتى الظلم والفساد، ومِن ثمَّ الدخول في سُبات جديد إلى أمد طويل لا يعلمه إلا الله -تعالى- لأن العقل الحكيم والمنهج الرشيد قد ترَكا مكانهما للانتهازية السياسية والاجتماعية، وحتى الطائفية والتطرُّف.


وبخاصة في هذا العصر المُضطرب اضطرابًا شديدًا؛ والذي يغلي بالأفكار والتوجُّهات غليان الماء في القدر، فقد تؤدي خطوة في غير محلها إلى تغيير مسار الصعود نحو الهبوط مُتسارِعة حتى الموت أحيانًا، فليس للانحراف طرُق مرسومة نظريًّا؛ ولكن له سبُل مُظلمة مُتفرِّعة عن سبيل الرشاد النيِّر؛ يتعثَّر فيها السائر في كل خطوة، ويَهوي بها في كل لحظة؛ مُبتعدًا عن الحق والصواب.


فالواجب على النخب أفرادًا وجماعات؛ أن يتعالوا على معامِع السياسة وأوحال الطائفية، وأن يتجنَّبوا المعارِك الوهمية المُشتتة للأمة؛ المُستنزفة للطاقات والجهود، والتي حتمًا تُغيِّر وجهتهم الإصلاحية وتَغير على فِكرتهم التوعوية؛ لتَجري بهم في مجاري تخدير الشعوب وتغييبهم في واقع مُظلِم مرير مُلهٍ؛ تَسري وتمرَح فيه يد الخَفاء السوداء؛ تَعيث في الأرض فسادًا، فتريق الدم وتَنتهِك العِرض وتستبيح المال بغير حق، فتعوق فيه الإصلاح؛ باغتيال الوعي وإعاقة العقل وتجميد الفِكر، فتوقع النخب في وحل السراب السياسي والتحزُّب الطائفي؛ كل حزب بما لدَيهم فَرِحون.


وإذًا فلا يَجوز إغفال الحقائق، فالمؤسَّسة القيادية والمناصِب السياسة مهما كانت ما هي إلا آلة ووسيلة تتغيَّر تبعًا للوسط الذي تعيش فيه وتتفاعل معه، وحتى رؤوس الطوائف والأحزاب والتكتُّلات، فإذا كان الوسط نظيفًا حرًّا واعيًا؛ مُتحرِّرًا من أغلال الفساد، والتحزب، والتطرف، والعنف، والإقصاء، وتجريم المخالف، وتعصيم شيخ الطائفة ورئيس الحزب والطريقة، والانعزالية، واللامبالاة، وكثير من الأمراض المتفشية في الأمة - أشرْنا إلى القليل تنبيهًا على الكثير - فلا تَستطيع هذه المؤسَّسة ولا ذلك الشيخ أو الرئيس أن يواجه محيطه بما ليس فيه، فإذا كان الوسط متسمًا بالقابلية إلى الاستبداد والفساد والجهل، فلا بد من أن تكون قيادته الفِكرية والسياسية مُستبدةً وفاسدةً تَستغِل ذلك التفرُّق والجَهل المُطبق والمتفشي في الناس لتُطيل سباتهم، وتُحصِّل غاياتها الشخصية والطائفية على حساب الأمة.


وعليه فعبَث القيادة السياسية وشيوخ الأحزاب والطوائف وتجاوَزاتهم في الأقوال والأفعال هي نتاج القابلية للاستبداد والاستِعباد الكامن في النفس، وتلك الروح المؤهَّلة للتخلف والتي تَهوى الجهل؛ فهي تُشكِّل الأرض الخِصبة ليَبذُر الظالم المُستبد فيها ما يُمليه عليه هواه وشيطانه؛ وتتعهَّده بالسقي والعِناية بطانة السوء.


ولكن كثرة الكلام من دون تَجسيدها بالأعمال ما هي إلا ثرثرَة فارغة يصحُّ أن يقال عنها: جعجعَة من غير طحين، أو تكون إذا فسَد القصد، معدة مسبقًا للاستهلاك المحلي؛ الغرض منها زيادة التخدير، فإذا صدق القول بالفعل كان التحوُّل النفسي والتغيُّر الجِذري المرجو، حتى تعود للإنسان حريته وتُحترم كرامته، ولن يتمَّ ذلك إلا إذا قام بواجباته الفردية والجماعية على الصعيد الاجتماعي، وكان واعيًا بقضاياه، يقظًا لما يدور حوله أو يُحاك ضدَّه، وبالتالي لن يقبَل قيادة مستبدة تلغي عقله، أو تُذله، أو تنهَب مالَه، أو تمتصُّ دمه.


فإذا فهم القادة أنهم يَسوسون هذا النمط من الناس؛ فإنهم سيَتعاملون وفق هذا الأساس، فكأنه بتغيير الذات قد غيَّر وضع الساسة تلقائيًّا إلى الوضع الذي يرتضيه، ذلك أن القيادة التي لا تَملِك الوسائل لمُسايَرة التغيرات النفسية والاجتماعية لا تَستطيع أن تحتفِظ ببقائها، ومصيرها إلى الزوال؛ وإن استعانَت بالكلمات الجَوفاء والخِطابات الرنانة وتأجيج العواطف في تأسيس سُلطانها، فلن يغني عنها شيئًا، وانظر إلى الدول والطوائف التي لم يعدْ لها ذِكر.


وما بقيَت الدعوة إلى الوعي والإصلاح مُلتزمة بقوله -تعالى-: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]؛ فلن يستطيع درويش أن يُهدِّد الأمة بخطر خرافته، ولا يَقدِر دجال أن يُلقي بخوره في وجوه الناس كعادة السدَنة في زواياهم لتجميد عقولهم وتضليلهم، ولا سياسي كذاب يَبيع الأماني السابِحة في الخيال، ولن يَبقى الانصياع الأَعمى يَنطلي على الأتباع تجاه مَتبوعيهم، وما هذا إلا نتيجة وعى الواقع وفهم الرسالة وأداء الدور والأمانة على أكمل الوجوه المُمكِنة.


فالمُجتمَع المتحضِّر النظيف المُنصاع لشريعة الله وحده هو الحق المَطلوب؛ ولكنه ليس هدية تُعطى، ولا غنيمة تُغتصَب، وإنما هو نتيجة حتميَّة لجهاد النفس وجِهاد التنمية؛ بالقيام بالواجب والتفاني في العمل من أجل تغيير العوائد والأفكار والاتجاهات والأشياء، وكذا التضحيات الجسيمة؛ إذ لا وجود للعَصا السحرية التي تُحوِّل الأمة بضربة واحدة إلى أمة رشيدة، مع ما بها من تخلُّف وجهلٍ، وما تَنتابها من أمراض عقلية واجتماعية، ثم إخلاص النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وساستِهم وعامَّتِهم، مُستعينًا بالله تعالى، متسلحًا بالصبر، وعزاؤه في جهده الشاق وما يُصيبه من أذى، أنه سوف يَحظى بالعاقبة الحَميدة.


وإن كان الناس مُختلفين في الحديث عن الوعي والإصلاح والنهضَة، بين مؤيد ومُنتقد، ولكل مُخطَّطاته وطرقه لتحقيق رُقي الأمة، وهذا أمر طبيعي لازم للخِلقة البشرية، ومع الكم الهائل من الاختلاف في الأفكار والتوجُّهات؛ لكن على الجميع أن يَعتمِد القاعدة المشتركة من عِفَّة اللسان ونقاوة السريرة وصفاء الذهن وقيَم الجَمال والأخلاق؛ إذ كانت المَبادئ السامية لتخليص الأمة من النقائص التي تَعتري كل أمة مريضة نائمة؛ هدفهم من وراء اختلافهم، لا الأغراض الشخصية والمناصِب السياسية، والسلام عليكم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحداثة وطريق النهضة
  • النهضة المرجوة... ودور الشباب
  • مالك بن نبي وأسئلة الاستعمار والنهضة
  • حاجتنا إلى نهضة دينية صحيحة
  • دراسة وتحليل في سبيل النهضة العربية
  • تطور النهضة في العلوم الإسلامية
  • في النهضة، كلمات مختصرة
  • هل سمعت ذات يوم شخصا يتحدث عن النهضة؟
  • حلقات مفقودة في بناء النهضة

مختارات من الشبكة

  • معوقات الدعوة المعاصرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بداية الانطلاقة الثانية لثاني البشائر وحدوث معوقات عالقة في طريق الانطلاقة الثانية(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • معوقات الدعوة في القرى والبوادي وسبل علاجها(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • معوقات استخدام معلمي ومعلمات الفيزياء في المرحلة الثانوية بمدينة نجران لتقنية الواقع المعزز في التدريس (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • معوقات تطبيق المنهج الدعوي كما بينتها سورة الحجرات(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • معوقات الدعوة في غرب إفريقيا وسبل علاجها، بوركينا فاسو أنموذجا: دراسة وصفية تحليلية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • خمس معوقات تواجه القطاع الصناعي(كتاب - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • معوقات عمل المشرف التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من معوقات الدعوة في المدارس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اتباع الهوى من معوقات الدعوة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/11/1446هـ - الساعة: 12:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب