• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    سيناء الأرض المباركة
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    استراتيجيات المغرب في الماء والطاقة والفلاحة ...
    بدر شاشا
  •  
    طب الأمراض التنفسية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستشراق والمعتزلة
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    زبدة البيان بتلخيص وتشجير أركان الإيمان لأحمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مفهوم الصداقة في العصر الرقمي بين القرب الافتراضي ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (10) الرد ...
    محمد تبركان
  •  
    تفيئة الاستشراق
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الطعن في الأحاديث النبوية سندا ومتنا
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    طرق فعالة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (9) بسيط ...
    محمد تبركان
  •  
    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني طبعة دار البر ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    التحقيق في ملحمة الصديق (7) دلالات وعبر
    محمد صادق عبدالعال
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

إهمال مواردنا

إهمال مواردنا
فتحي حمادة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2013 ميلادي - 18/7/1434 هجري

الزيارات: 8110

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إهمال مواردنا


لقد ضيَّعت الأمةُ الكثيرَ من الخيرات، بسبب تقاعسها عن العمل، وتفريطها فيه؛ لذلك فإن النصر لن يأتي إلا إذا عَرَفنا قيمة العمل، لن يأتي النصر إلا إذا كان سلاحُنا من صنع أيدينا، لن يأتي النصر إلا إذا كان طعامُنا من زراعتنا، لن يأتي النصر إلا إذا كان الكبير والصغير في مكان عمله، لن يأتي النصر إلا إذا كانت كل احتياجاتنا من صنع أيدينا؛ فالأمة لم تستغلَّ مواردَها في إحداث طفرةٍ اقتصادية وصناعية؛ فالسودان بكلِّ ما فيها من أرض خصبة لم تستغلَّ في الزراعة، ولم تستغل مساحتها في تربية الحيوانات للاستفادة من لحومها التي تكفي الدول العربية كلها، ومصر لم تستغلَّ أرضها أيضًا في الزراعة، ولم تستغل معادنها في الصناعة، ولم تستغل سواحلها في صيد الأسماك، ولم تستغل طبيعتها في زراعة النباتات النادرة، وتربية الحيوانات والطيور التي تنتفع بها الأمة كلها، بدلاً من استيراد لحوم من الخارج بأعلى الأسعار، "... العرب في كل مكان ينتظرون رفعة مصر؛ لأن في ذلك رفعتهم جميعًا، ولم يكن للعرب مكانة في أي وقت من الزمان إلا في وجود مصر القوية كالعمود الفقري الذي تلتف حوله البلدان العربية كلها؛ لذلك يلزم أن يبدأ الإصلاح والتجديد في مصر على أسس علمية صحيحة لصالح الوطن وباقي أمة العرب من المشرق إلى المغرب؛ فمصر كانت على مدى العصور منبعًا للحضارة، والفكر، والعلم، والثقافة، والبناء، وحسن الأداء، ولكن بين آونة وأخرى تخبو فيها شعلة الحضارة، وينطوي شعب مصر على نفسه، وكأنه في غيبوبة لا يعي ما يدور حوله في العالم، ولكن سرعان ما يُفِيق هذا الشعب العظيم من الغثيان، وينتفض بكل حيوية ونشاط؛ لكى تتوهَّجَ شعلة الحضارة مرة أخرى في أرض مصر"[1].

 

وقد قدَّم الكثير من المخلصين لدينهم مشاريع مهمة جدًّا، تساعد على نهضة مصر إلا أنها للأسف لم تنفَّذ حتى الآن؛ لفساد حكوماتنا، فلننظر إلى مشروع ممر التنمية الذي قدَّمه الدكتور فاروق الباز للمسؤولين في مصر منذ عشرين عامًا، إلا أن هذا المشروع لم يهتم به أحد حتى الآن لأسباب غير معلومة، وهذا إن دلَّ، فإنه يدل على عقم إداراتنا التي تحرك بلادنا، هذا المشروع قال عنه الدكتور فاروق الباز في كتابه: "ممر التنمية والتعمير": "يمثِّل مقترح ممر التنمية مشروعًا عملاقًا، يجب دراسته بكل تمعن، لا يصح الإشارة إليه كأحد المشاريع التي تقوم بها وزارة أو هيئة، مثل هذا المشروع يؤثر على عمل وزارات عديدة، وعلى مستقبل شعب مصر بأكمله، إذًا لا يمكن لقاء المقترح بالقبول أو النفي بعد السماع عنه، ولكن يلزم نقاشه عمليًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، على مستويات عديدة من آخذي القرار إلى المتخصصين إلى عامة الشعب؛ لأن العامة سوف يقع عليهم عاتق إكمال المشروع، والاستفادة القصوى منه، يلزم لأي مقترح لمشروع تنموي بهذا الحجم دراسة الآثار الجانبية له، وخاصة من الناحية البيئية، ولأن المشروع المقترح يقلل من تدهور البيئة في وادي النيل؛ فهذا يعتبر إحدى مزاياه العديدة، الجانب الأساسي الذي يجب دراسته هو الجَدْوَى الاقتصادية للمشروع؛ أي: مدى نجاحه المؤكد من ناحية الاستثمار، وهذا يتم من خلال دراسة جدوى يجريها المختصون بناء على بيانات حقيقية ومنطقية.

 

أما المزايا والمنافع المنتظرة للمشروع، فعديدة؛ نوجز منها ما يلي:

1- الحد من التعدي على الأراضي الزراعية داخل وادي النيل من قِبل القطاع الخاص والحكومي معًا.

 

2- فتح مجالات جديدة للعمران بالقرب من أماكن التكدس السكاني.

 

3- إعداد عدة مناطق لاستصلاح الأراضي غرب الدلتا ووادي النيل.

 

4- توفير مئات الآلاف من فرص العمل في مجالات: الزراعة، والصناعة، والتجارة، والإعمار.

 

5- تنمية مواقع جديدة للسياحة والاستجمام في الصحراء الغربية بالشريط المتاخم للنيل.

 

6- الإقلال من الزحام في وسائل النقل، وتوسيع شبكة الطرق الحالية.

 

7- تأهيل حياة هادئة ومُرِيحة في بيئة نظيفة، تسمح للبعض بالإبداع في العمل.

 

8- ربط منطقة "توشكى" وشرق العُوَينات، وواحات الوادي الجديد؛ بباقي مناطق الدولة، خلال وسيلة سريعة وآمنة.

 

9- خلق فرص جديدة لصغار المستثمرين؛ للكسب من مشاريع في ميادين مختلفة.

 

10- مشاركة شريحة واسعة من الشعب في مشاريع التنمية؛ مما ينمي الشعور بالولاء والانتماء.

 

11- فتح آفاق جديدة للعمل، والتمتع بثمار الإنجاز في مشروع وطني من الطراز الأول.

 

12- خلق الأمل لدى شباب مصر، وذلك بتأمين مستقبل أفضل.

 

هذه المزايا هي ما ألهمني الخالق - عز وجل - سردها، يمكن في اعتقادي الإضافة إليها بواسطة كل مفكر يتمعن في المشروع وآفاقه، ومع أن تنفيذ المقترح هذا قد نوقش منذ عشرين عامًا مع الحكومة المصرية، ولكنه يعرض الآن كمشروع للقطاع الخاص؛ وذلك لأسباب كثيرة، في بداية الاقتراح قدَّر المختصون تكلفة المشروع بحوالي ستة بلايين دولار، أما الآن، فربما تبلغ تكلفة البنية التحتية له أربعة أضعاف هذا الرقم، وهذه القيمة ليست بالكثيرة في الوقت الحالي، لا سيما أنها تؤمِّن مستقبل شعب بأكمله، وتنقذ مصر من الوضع الاقتصادي المتردِّي في هذا الوقت بالذات، وربما تمكَّن المستثمرون من تأمين المبلغ اللازم لتنفيذ المشروع، عبر بيع الأراضي الصالحة للإعمار على جانبي المحاور العرضية في بداية المشروع، ونحن نعلم أن أسعار الأراضي للبناء تزداد بسرعة خيالية حاليًّا.

 

يتطلب المقترح الدراسة في الوزارات والهيئات الحكومية، وكذلك يتطلب المقترح دراسة مستفيضة بواسطة أهل الخبرة في المهن المختلفة، ويا حبذا أن يكون مَن يقوم بالدراسات المطلوبة - بدعم من القطاع الخاص المَعْنِي - خبراء في مراكز الأبحاث والجامعات؛ حتى نتحقق أن المقترح يتم تقييمه جديًّا بواسطة أهل الخبرة والمعرفة في جميع المجالات، في نفس الوقت يجب مناقشة مثل هذا المشروع الحيوي في مجلس الشعب؛ لكي يمكن سنُّ القوانين، واتخاذ الإجراءات التي تحمي الناس من "الروتين" الحكومي، أو استغلال بعض العاملين في القطاع الخاص، ويا حبذا لو بدأ التفكير منذ لحظة الانطلاق بمشاركة أوسع شريحة ممكنة من الناس، فيمكن لكل محافظة مثلاً البَدْء في إعداد قائمة بمشاريع التنمية وأولوياتها؛ بناءً على احتياجاتها الحقيقية، وفي ضوء مواردها من العمالة الفنية اللازمة وقدراتها الأخرى، وفي نفس الوقت يجب عدم السماح باستقطاب عمالة أجنبية للعمل في المشروع، مهما كانت الأسباب؛ لأن المصري أو المصرية يمكن تدريبهما للقيام بأي عمل كان، وبأعلى مستويات الأداء العالمية"؛ انتهى مشروع الدكتور فاروق الباز الذي يمكن أن يجعل مصر قوة تضاهي قوى الغرب.

 

ويا ليت الدول العربية الخليجية تستغل بترولها الذي يحرك عجلة الصناعة والتجارة، إن الأمة ضيعت مواردها وتركتْها للأجانب يَعِيثُون فيها فسادًا، فأصبحنا كالهشيم المحتظر، إن الأمر محزن ومخزٍ، فعارٌ على الأمة الإسلامية أن تكون هكذا، نحن علَّمنا الآخرين البناء والصناعة والزراعة، وبالرغم من ذلك سبقونا بمراحل بعد أن ضيَّعنا أنفسنا وراء الشهوات والأعمال التي لا تنفع!

 

فلينظر الشباب العاطل عن العمل - الذي يشكو الفقر ويشكو من عدم وجود فرصة عمل - إلى الرجل الذي جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان يشكو الفقر؛ فعن أنس بن مالك، قال: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه الفاقة، ثم رجع فقال: يا رسول الله، لقد جئتُك من أهل بيت ما أراني أرجع إليهم حتى يموت بعضهم، فقال له: ((انطلق هل تجد من شيء؟))، فانطلق فجاء بحِلْسٍ وقَدَح، فقال: يا رسول الله، هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه، ويَلبَسون بعضه، وهذا القَدَح كانوا يشربون فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن يأخذهما مني بدرهم؟))، فقال رجل: أنا يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن يزيد على درهم؟))، فقال رجل: أنا آخذهما باثنينِ، فقال: ((هما لك))، قال: فدعا الرجل، فقال له: ((اشترِ فأسًا بدرهم، وبدرهم طعامًا لأهلك))، قال: ففعل، ثم رجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((انطلقْ إلى هذا الوادي فلا تدع حاجًا ولا شوكًا ولا حطبًا، ولا تأتني خمسةَ عشرَ يومًا))، فانطلق فأصاب عشرة دراهم، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: ((فانطلقْ فاشترِ بخمسة دراهم طعامًا، وبخمسةٍ كسوةً لأهلك))، فقال: يا رسول الله، لقد بارك اللهُ لي فيما أمرتني، فقال: ((هذا خير من أن تجيء يوم القيامة في وجهِك نُكْتَة المسألة، إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي دم مُوجِع، أو غُرْم مُفظِع، أو فقر مُدقِع))، وعن الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يحمل الرجلُ حبلاً فيحتطب، ثم يجيء فيضعه في السوق، فيبيعه الرجل يستغني فينفقه على نفسه - خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه))، وقال محمد بن جعفر: إن أبا الحارث، قال: "سألتُ أبا عبدالله، قلت: الرجل يدع العمل ويجلس، ويقول: ما أعرف إلا ظالمًا أو غاصبًا، فأنا آخذ من أيديهم ولا أُعِينهم، ولا أقويهم على ظلمهم، قال: ما ينبغي لأحدٍ أن يدع العمل، ويقعد ينتظر ما في أيدي الناس، أنا أختار العمل، والعمل أحب إلي، إذا جلس الرجل ولم يحترف دعتْه نفسه إلى أن يأخذ ما في أيدي الناس، فإذا أعطوه أو منعوه أشغل نفسه بالعمل، والاكتساب ترك الطمع، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن يحمل الرجلُ حبلاً فيحتطب، ثم يبيعه في السوق ويستغني به - خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)).

 

فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العمل خير من المسألة، وقال الله - تعالى -: ﴿ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9]؛ فقوله هذا إذنٌ في الشراء والبيع، وأنا أختار للرجل الاضطراب في طلب الرزق، والاستغناء عما في أيدي الناس، وهو عندي أفضل، قلت: إن ها هنا قومًا يقولون: نحن متوكِّلون، ولا نرى العمل إلا بغير الظلمة والقضاة، وذلك أني لا أعرف إلا ظالمًا، فقال أبو عبدالله: ما أحسن الاتكال على الله - عز وجل - ولكن لا ينبغي لأحدٍ أن يقعد ولا يعمل شيئًا حتى يطعمه هذا وهذا، ونحن نختار العمل، ونطلب الرزق، ونستغني عن المسألة، والاستغناء عن الناس بالعمل أحب إلي من المسألة".وللأسف فإن بعض المسلمين يعيشون عالةً على الناس بدعوى أن الله - تعالى - سيرزقهم، ونسوا أن الله - تعالى - يعطي مَن يسعى، ولا يعطي مَن ينتظر قوت غيره، ويقول: أنا متوكل على الله تعالى! ولكن الله - تعالى - يريد من عباده أن يتوكَّلوا مع السعي؛ حتى يجعلوا من أنفسهم شعلة حراك في أي وقت وفي كل حين، وحتى لا يحدث بلادة للقلب، ويقلَّ نشاطه.عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجُّون ولا يتزوَّدون، ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون فيأتون إلى مكة فيسألون الناس، فأنزل الله: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]؛ فالله - تعالى - لا يرضى لعباده أن يكونوا عالة على غيرهم، وأن يكونوا متواكلين، بل يرضى أن يكونوا متوكِّلين بحق؛ فالتوكل بحق أن تسعى إلى العمل حتى لو لم تعمل.

 

قال أبو بكر المروزي: قلت لأبي عبدالله: هؤلاء المتوكِّلة الذين لا يتَّجِرون ولا يعملون، يحتجُّون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوَّج على سورة من القرآن، فهل كان معه شيء من الدنيا، قال: وما علمهم أنه كان لا يعمل؟ قال: قلت: يقولون: نقعد وأرزاقنا على الله - عز وجل - قال: ذا قول رديء خبيث، الله - تبارك وتعالى - يقول: ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9]، وقال أحد السلف عن التوكل: "التوكل حسن، ولكن ينبغي للرجل ألاَّ يكون عيالاً على الناس، ينبغي أن يعمل حتى يغنيَ نفسه وعياله، ولا يترك العمل".

 

وسئل ابن عيينة عن قوم لا يعملون، ويقولون: نحن متوكلون، فقال: "هؤلاء مبتدعة"، انظروا يا أمة الإسلام إلى أقوال العلماء في المتواكلين، الذين لا يعملون ولا يقدمون شيئًا لدينهم ودنياهم، ألم تسمعوا قصة الرجل والعصفور، إنها قصة تقضي على الشك والتواكل؛ حيث عزم أحد السابقين السفرَ خارج بلده، قاصدًا التجارة، وهو في طريقه رأى عصفورًا أعمى لا يستطيع الطيران ليبحث عن طعام - كما تقوم به الطيور الأخرى - ثم رأى عصفورًا يأتي بطعام لهذا العصفور الأعمى، ويضعه في فمه، فقال هذا التاجر: عصفور أعمى يرزقه الله، وهو لم يبحث عن رزق، وأنا أترك بلدي للبحث عن الرزق! فقرَّر العودة لبلده ظنًّا منه أن ذلك توكل على الله تعالى؛ فالله - تعالى - سيرزقه وهو في بلده من غير جهد أو مشقة، وعندما عاد إلى بلده سأله أحد العلماء عن سبب عودته سريعًا، فحكى له ما رأى، وقال: إن الله - تعالى - سيرزقني كما رزق هذا العصفور الأعمى، فقال له العالم: أتحب أن تكون العصفور الأعمى، أم العصفور الذي يأتي بالطعام له؟ فقال: أحب أن أكون العصفور الذي يأتي بالطعام للعصفور الأعمى، فقال العالم: الآن قم لتبحثَ عن رزقك.

 

إن العمل في الإسلام واجبٌ حتى آخر لحظة من العمر؛ فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن قامتْ على أحدكم القيامة وفي يده فَسِيلة فليغرسها))، فالرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - يحثنا على العمل حتى لو اقتربنا من الموت؛ فهو سبيل الصابرين وحصن الراضين، ومن المحزن أن نسمع أو نرى أناسًا يتركون أولادهم وأهليهم بلا معونة أو مؤنة، فيضيعون في دنيا لا ترحم صغيرًا أو كبيرًا، يضيعون وسط أحقاد وحسد لا تترك فقيرًا أو غنيًّا، يضيعون في مجتمع بلا قلب أو عقل، يضيعون تحت أمواج من حب الذات والنفس، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع مَن يقوت))؛ فالضياع إما لقلة مؤنة، أو لقلة عناية واهتمام بأمورهم.

 

قال أحمد بن حنبل في شرح الحديث:

"الرجل يكون له قرابة فيسافر ويتركهم، فإذا تركهم وحدهم، أليس يضيعون، وليس لهم أحد إلا هو؟"، فعلى الإنسان أن يسعى من أجل أهله، ولا يتركهم يسألون الناس، ومن العارِ أن نرى أناسًا موجودين، ولكنهم في حقيقة الأمر لا أثر لهم، ولا قيمة لوجودهم؛ لأنهم لا يهتمُّون بأولادهم وأهليهم، فعلى الرجل أن يهتم بأهله، ويا ليته يهتم بغيره من البيوت التي تحتاج إلى مال أو عناية؛ كالأرملة التي لا تجد مَن يعينها، أو التي تربِّي أطفالاً أيتامًا أو مساكين؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين؛ كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يقوم الليل ويصوم النهار)).

 

"الهمة والعزة تتحوَّل إلى عمل مُثمِر، وإلى تواصل في الإنجاز، وحرق المراحل؛ لكي يكون هناك ثمرة ظاهرة، ونتيجة باهرة من خلال هذه الهمة؛ لأن صاحب الهمة لا يرضى بالقعود، ولا يرضى بالكسل والخمول، ولا يرضى إلا أن تكون كل ثانية من ثواني حياته مملوءةً بما يتناسب مع طبيعة هذه المشاعر المتدفقة، والعواطف المتأججة في نفسه، ولذلك نرى كيف كان شباب الصحابة، والشباب في مراحل التاريخ الإسلامي كلها في الأجواء الصحيحة والتربية الجادة، كيف كانوا دائمًا يأتون بالعجائب والإنجازات الباهرة حتى في مجالات مختلفة؛ لعلِّي أذكر مثالاً في قصة زيد بن ثابت - رضي الله عنه - وهو الذي كان غلامًا صغيرًا في نحو السادسة عشرة من عمره، قال له النبي - عليه الصلاة والسلام - كما في المسند عند الإمام أحمد: ((اقرأ حرف يهود))؛ يعني: حتى يقرأ له، أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتعلم زيد اللغة حتى يقرأ له - صلى الله عليه وسلم - ما يأتيه عفوًا، فتعلَّم السريانية، في بعض الروايات أنه تعلمها في خمسة عشر يومًا، فكان يقرأ للرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان يكتب له، وفي بعضها: في سبعة عشر يومًا، وبالمناسبة أيضًا زيد بن ثابت كانت له المهمة الفريدة التي كان من مؤهلاتها الشباب؛ ففي صحيح البخاري - في الحديث المشهور في جمع القرآن - قال أبو بكر عندما استدعى زيد بن ثابت: "إنك شابٌّ عاقل لا نتهمك، كنتَ تكتب الوحي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم"، فأول هذه الخصائص أنه شابٌّ، مهمة ثقيلة - تحتاج إلى قوة، تحتاج إلى عمل متواصل - أسندت إلى هذا الشاب الفَتِي، مع ما عنده من الأمانة والعلم والخبرات السابقة كما يقال، ثم كلَّفه بجمع القرآن وكتابته، ومع أن الذي كان يحدثه أبو بكر خليفة المسلمين، ومعه عُمر وزيره، وهما أفضل الصحابة وأكبرهما سنًّا، إلى غير ذلك، مع ذلك كله قال بكل رباطة جأش وهمة تناسب الشباب، قال: "كيف تفعلانِ شيئًا لم يفعلْه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، وهذا يدل على قوة هذه الشخصية، لكن بعد أن جاءت المراجعة وانشرح صدره لذلك، قال: فوالله لو كلفني نقل جبل من مكانه، لكان أهون عليَّ، ثم انطلق وبدأ في هذه المهمة، وأعانه عمر، ووضع الشروط والضوابط، والشهادة المطلوبة على كل ما هو مكتوب أنه ثبتت كتابته بأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - أو بحضرته، وأتم هذه المهمة على أدق وأحكم وأمتن صورة، ما كانت لتكون لولا هذه الفتوة والحيوية، والحماسة والقوة في حياة الشباب، والأمر في هذا كما قلنا يطول الحديث عنه.

 

كثير من الأعمال لا تعطي ثمرتها إلا مع طول الزمن، ومع استمرارية العمل، وذو النفس التي ليست فيها هذه الحماسة غالبًا ما ينقطع نَفَسه، وينقطع عمله، وينقطع بعد ذلك أثره، ويطوى خبره؛ لأن المسألة تحتاج إلى مثل هذا - كما سنشير - من مزايا الشباب في الحماسة؛ لكونها تعطيهم قوة وثباتًا بشكل منقطع النظير، أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - وهو أميرٌ على الكوفة ظلَّ يُقرِئ القرآن في مسجدها أربعين عامًا كل يوم، وهو أمير، وهو يتولَّى الحكم، لكنه كان في صفته وسمته يدلُّ على هذا العطاء المستمر، والثبات على العمل، فليست القضية ردود أفعال، ولا سحابة صيف تنقشع، ولا أمرًا أثارتْه بعض العواطف المهيجة، ثم جاء غيرها، في حين نرى بعض الشباب وهو يتموَّج ويذهب يمنة ويسرة مع بعض هذه التقلبات العاطفية، وخاصة ونحن في عصر عولمة، وإعلام وكوكبة، وموجات متدفقة هنا وهناك تعبث بالعقول والعواطف عبثًا كبيرًا.

 

وحبيب بن زيد - رضي الله عنه - وهو من أمثلة الشباب، كيف ثبت لَمَّا أرسله النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى مسيلمة الكذَّاب، فكان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، يقول مسيلمة: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن مسيلمة رسول الله، يقول: لا أسمع لا أسمع، وإذا بمسيلمة بعد ذلك يبدأ في تقطيعه، يقطع أذنه، يجدع أنفه، ويقطعه إِرْبًا إِرْبًا، وهو ثابت على هذا النهج، الذي كان عليه مصعب بن عمير الشاب المدلَّل المُتْرَف المعطَّر، الذي قال فيه النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((ما رأيت فتى أحسن لِمَّة في أهل مكة من مصعب بن عمير))، لما دخل الإيمان في قلبه وتمكَّن، وأعطى عاطفته كلها لهذا المعتقد والمبدأ، وَوُوجِهَ بكل أنواع الحصار والتضييق وشظف العيش؛ لم تَلِنْ له قناة، ولم يتغير له موقف، ولم يتراجع في أي صورة من الصور التي أخذ بها - رضي الله عنه وأرضاه - حتى كانت بعد ذلك قصة استشهاده مضربَ مثل، بل موضع عبرة لكبار الصحابة، أبكتهم سنوات طوالاً بعد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - كما ورد في الصحيح من حديث عبدالرحمن بن عوف عند البخاري، أنه كان صائمًا في يوم خميس، وأُتِي له بطعام الإفطار، وكان فيه صنفان من الطعام - نوعان من الطعام فقط - نوعان؛ فبكى عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - فتعجب الناس، قالوا: ما يبكيك؟ قال: ذكرتُ مصعب بن عمير، مات يوم أُحُد، ويوم مات م نجد ما نكفِّنُه به إلا بُرْدة، إن غطينا رأسه بدا قدماه، وإن غطينا قدميه بدا رأسه، وأخشى أن نكون قد عجِّلت لنا طيِّباتنا.

 

بقي موقف جعفر في ثباته الفريد يوم قطعت يده اليمنى، فرفع الراية بيسراه، فقطعت فضمَّها بعضديه حتى خرَّ واستشهد - رضي الله عنه - على هذه الصورة من الثبات الرائع في قوة الحماسة والثبات على المنهج والمبدأ"[2].



[1] ممر التنمية والتعمير؛ للدكتور فاروق الباز.

[2] العمل؛ للدكتور علي بن عمر بادحدح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أهمية الاستثمار في تنمية الموارد البشرية
  • استراتيجية إدارة الموارد البشرية ودورها في إنجاز استراتيجية المنظمة
  • أزمة موارد أم أزمة ضمائر؟
  • موارد تهدر في تجارة الرذيلة

مختارات من الشبكة

  • موارد العلوم الإسلامية (دراسة تطبيقية على علوم السيرة النبوية)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تحذير الأجيال من خطورة الإهمال (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مواردنا المالية من منظور اقتصادي(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • الإهمال الوالدي للصغار(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الإهمال عنوان الهالكين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر قاعدة (إعمال الكلام أولى من إهماله) على مباحث فحوى الدلالات عند الأصوليين (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إهمال وتقصير في لغة حقها التقدير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعم ذي الجلال بين الإمهال والإهمال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إهمال تربية الأولاد (الحلقة السابعة)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • إهمال الأطفال وظلم اليتامى (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب