• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    اللغات العروبية: دراسة في الخصائص
    د. عدنان عبدالحميد
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للتسخير في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج التنافس والتدافع
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الاستشراق والعقلانيون المعاصرون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    عجائب الأشعار وغرائب الأخبار لمسلم بن محمود ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    صحة الفم والأسنان في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعملية الترجمة
    أسامة طبش
  •  
    منهج التعارف بين الأمم
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    الإسلام يدعو لحرية التملك
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    آثار مدارس الاستشراق على الفكر العربي والإسلامي
    بشير شعيب
  •  
    إدارة المشاريع المعقدة في الموارد البشرية: ...
    بدر شاشا
  •  
    الاستشراق والقرآنيون
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
  •  
    نبذة في التاريخ الإسلامي للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    عقيدة التوحيد، وعمل شياطين الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الفلسفة الاقتصادية للاستخلاف في منظور الاقتصاد ...
    د. عبدالله محمد قادر جبرائيل
  •  
    منهج شياطين الإنس في الشرك
    أ. د. فؤاد محمد موسى
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

الأمة المسلمة

الأمة المسلمة
أ. د. ماجد عرسان الكيلاني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 10/8/2012 ميلادي - 22/9/1433 هجري

الزيارات: 24549

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأمة المسلمة


الأمة المسلمة[1]:

الأمة المسلمة هي ثالث مؤسسات التربية السياسية. ففي هذه المؤسسة يجري إعداد الشعوب والقوميات الإسلامية وتنظيم إداراتها على أساس الإيمان، والهجرة، والجهاد، وحمل الرسالة، والإيواء، والنصرة والولاية[2]، مع مراعاة أهمية الإختلاف - وليس الخلاف - في خصائصها وقدراتها ومؤهلاتها في تبادل الغطاء بين شعوبها وقومياتها.

 

أما تفاصيل ذلك فيه كما يلي:

أ- معنى الأمة:

الأمة مصطلح من المصطلحات التي ولدت بميلاد الرسالة الإسلامية، مثل مصطلح الصلاة والزكاة، والإيمان والإسلام، والكفر والنفاق وهكذا....

 

والأمة تعني لغويا: الجماعة من الناس التي تؤم جهة معينة[3].

 

وأما المعنى الاصطلاحي: فقد تكررت الإشارة إليه في القرآن والحديث ليدل على معان عديدة أهمها:

المعنى الأول: ورد مصطلح ((الأمة)) ليدل أن الأمة هي: إنسان + رسالة.

والرسالة هنا هي مثل أعلى يقدم النموذج الأمثل للجوانب الخيرة في سلوك الفرد والجماعة؛ ليأتم به الناس ويسعدوا. ويقدم الصورة الشاملة للجوانب الشريرة ليتجنبها الناس ويسلموا من آثارها. ويشير القرآن الى هذه الرسالة في مواضع عديدة باسم ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)).

 

وأما عن الإنسان فقد يكون فردا واحدا، مثل الإشارة إلى إبراهيم - عليه السلام - عند قوله تعالى: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120].

 

ومثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في زيد بن عمرو بن نفيل: ((يبعث أمة وحده))[4]؛ لأنه لم يشرك في دينه شيئا[5].

 

ومثل قول عبد الله بن مسعود الذي رواه عنه فروة الأشجعي حين قال: كنت جالسا مع ابن مسعود فقال: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين. فقلت: يا أبا عبدالرحمن، إنما قال الله ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]. فأعاد قوله: إن معاذا. فلما رأيته أعاد، عرفت أنه تعمد الأمر فسكت.  فقال أتدري ما الأمة وما القانت؟ قلت الله أعلم! قال: الأمة الذي يعلم الخير ويؤتم به ويقتدى.  والقانت: المطيع لله، وكان معذ بن جبل - رضي الله عنه - معلما للخير مطيعا لله ورسوله[6].

 

وقد يكون الإنسان جماعة من العلماء والدعاة الذين يحملون رسالة إصلاحية، مثل قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].

 

وقد يكون الإنسان طائفة أو قبيلة، له معتقدها ونهجها، مثل قوله تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ﴾ [الأعراف: 160].

 

وقوله أيضا: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ ﴾ [الأعراف: 168].

 

وقد يكون الإنسان جيلا له فكر واحد ولون حضاري واحد، مثل قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134].

 

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في جيل الصحابة الذي رباه: ((إن لكل أمة أجلا. وإن لأمتي مائة سنة، فإذا مرت على أمتي مائة سنة أتاها ما وعدها الله))[7].

 

وقد يكون الإنسان مجموعة متميزة بالتزامها مثل الرسالة ومبادئها، مثل قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

وبسبب هذا التميز قال عمر بن الخطاب عند ذكر هذه الآية: تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا! وفي تفسيرها قال ابن عباس: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة[8].

 

وقد يتسع مفهوم الإنسان حتى يشمل الإنسانية كلها  إذا اجتمعت على فكرة واحدة ومنهاج واحد، مثل قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ﴾ [يونس: 19].

 

﴿ وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ [الزخرف: 33].

 

والمعنى الثاني: فقد ورد مصطلح ((أمة)) ليعني منهاج حياة وما يتضمنه هذا المنهاج من معتقدات وقيم وممارسات وتقاليد، مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: ٢٢].

 

والمعنى الثالث: فقد ورد مصطلح ((أمة)) ليعني فترة زمنية، مثل قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ [يوسف: 45].

 

﴿ لَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ﴾ [هود: ٨].

 

والمعنى الرابع: حيث ورد مصطلح ((أمة)) ليعني مجموعة من الناس لها مهنة واحدة، مثل قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: ٢٣].

 

والمعنى الخامس: حيث ورد مصطلح ((أمة)) ليشير إلى المخلوقات الأخرى من الحيوانات والطيور والحشرات التي تنتمي إلى جنس واحد، مثل قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38] .

 

ولقد كشف علم الحيوان أن لكل نوع منه لغة تخاطب، وتقاليد في العمل والقيادة، ونمطا في الاجتماع وأسلوبا في الحياة.

 

ولقد تردد شرح مصطلح ((الأمة)) عند بعض المفسرين، ليشير إلى المعاني التي مرت، فهو عند الطبري: ((الجماعة والقرن من الناس))[9]، وهو ((دين وملة))[10]، وهو ((الناس كانوا على دين واحد فاختلفوا ))، وهو ((الإمام يقتدى به في الخير))[11]، وهو ((الأجل المحدود، أو مجيئ أمة وانقراض أخرى))[12]، وهو ((الطريقة: أي كنتم خير أهل طريقة))[13].

 

مما مر كله، يمكن الخروج بالملاحظات التالية حول مفهوم الأمة ومعناه:

الملاحظة الأولى: إن المعنى الاصطلاحي المتكامل للأمة يتضمن عناصر أربعة:

الأول: العنصر البشري، والثاني: العنصر الفكري، والثالث: العنصر الاجتماعي، والرابع: العنصر الزمني. فالأمة مجموعة من الناس تحمل رسالة حضارية نافعة للإنسانية، وتعيش طبقا لمبادئ هذه الرسالة. وتظل تحمل صفة الأمة ما دامت تحمل هذه الصفات. أما حين تفقدها؛ فقد يطلق عليها إسم الأمة ولكنها لن تكون النموذج الإسلامي للأمة تماما، كما يطلق إسم دين على أي دين، ولكن الدين المقبول عند الله هو الإسلام.

 

والملاحظة الثانية: إن العنصر الرئيس في مفهوم الأمة هو عنصر الرسالة، أي العطاء الذي تقدمه جماعة من الناس إلى بقية مجموعات الإنسانية؛ ليساعد على بقاء النوع البشري ورقيه.

 

والملاحظة الثالثة: لا يشترط في العنصر البشري - أو المكون الأول للأمة - الروابط الدموية أو الجغرافية، ولا الكم العددي، فقد يكون هذا العنصر فردا واحدا، وقد يكون فئة أو جماعة، أو جيلا أو أجيالا، أو الإنسانية كلها، ما دامت تحمل رسالة، ويوحدها فقه شامل لهذه الرسالات، وتطبيقات فاعلة تنتج عنها نظم وتطبيقات حضارية في ميادين الحياة المختلفة، تسهم في بقاء النوع البشري ورقيه.

 

والملاحظة الرابعة: إن الأمة تتدرج في نشأتها ونموها، كتدرج نمو الجسد الإنساني، فكما يبدأ الجسد نطفة ثم علقة، ثم يولد طفلا، ثم يصبح صبيا، ثم يقوى شابا، ثم يبلغ رجلا، ثم يعود شيخا، وكما أن الإنسان الكامل هو الذي يبلغ النضج الجسدي والنفسي والعقلي، ويقوم بوظائفه كاملة، فكذلك الأمة تبدأ فردا واحدا، ثم تصير مجموعة صغيرة، ثم قوما شعبا، حتى تنتهي بالدائرة الإنسانية كلها. والامة الراشدة هي التي تبلغ درجة الرشد الحضاري والنوعي، وأبرز شارات هذا النضج هو حمل رسالة الدعوة للخير بمعناه الواسع وإشاعته، والنهي عن المنكر بمعناه الواسع ومحاربته.

 

والملاحظة الخامسة: إن الأمة الراشدة لا ينال من وحدتها تنوع الشعوب والقبائل فيها، ولا اختلاف الألوان والمهن والأماكن، ما دامت هذه التنوعات لا تخرج عن وظيفتها في تسهيل التعارف، وما دامت ولاءاتها تدور في فلك الرسالة وحدها، ولا تدور في فلك الأشخاص والأشياء، وما دام يعمل هذا التنوع كما يعمل التنظيم الإداري القائم على الوحدة في الغاية والتنوع في الاختصاصات والوسائل.

 

والملاحظة السادسة: إن الأمة كيان صناعي يمكن بناؤه وهدمه، فهي تخرج إخراجا للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهذا الإخراج يقتضي منها بذل الجهد والمقدرات لتطوير المؤسسات التربوية والإدارية؛ للقيام بالدراسة والتخطيط المستمرين لإحكام تطوير الأمة وإخراجها بما تتطلبه وظيفتها حسب حاجات الزمان والمكان، وإلى إخراج هذه المؤسسات كان التوجيه الإلهي، مثل قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: 104].

 

والملاحظة السابعة: إن استمرار الأمة في الحياة مرهون باستمرار حملها للرسالة، وما يتفرع عنها من تطبيقات في مجالات الحياة المختلفة، فإذا ضعفت عن حمل هذه الرسالة أو توقفت فاعليتها أو تقلصت تطبيقاتها، انتهى وجود الأمة، وحل محلها أمة أخرى لا علاقة لها بسابقتها، وإن ربطتها بها روابط الدم والأرض واللغة والثقافة. وهذا ما فعله كبار الصحابة - الذين عايشوا بدء الرسالة وتطبيقاتها - من قول الله تعالى: كُ﴿ نْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: ١١٠].

 

ولقد كان الخليفة عمر حريصا على تأكيد هذا الفهم والتصور عن الأمة المسلمة حين قال في شرح الآية المذكورة: ((لو شاء الله لقال (أنتم)، فكنا كلنا، ولكن قال: (كنتم) في خاصته من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)).

 

وفي مناسبة أخرى قال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا.

 

وفي حجة حجها، قرأ هذه الآية ثم قال: يا أيها الناس، من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها.

 

وعن ابن عباس، في تفسير الذين هم خير أمة أخرجت للناس قال: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة.

 

وعن أبي هريرة في تفسير الآية المذكورة: كنتم خير الناس للناس، تجيئون بهم في السلاسل، تدخلونهم في الإسلام[14] ليدخلوا الجنة.

 

والملاحظة الثامنة: إن سعة دائرة الأمة يحددها مدى التواصل والاتصال الذي تحدده تكنولوجيا العصر، فحين كان الإنسان يسير على قدميه ويتواصل مشافهة مع بني جنسه، تحددت دائرة الأمة بالحدود الجغرافية التي أمكنه التحرك داخلها، وحين ركب الحمير والخيل اتسعت الدائرة لتشمل أكثر من قريته، وحين اكتشفت العربات التي تجرها الخيول، ورموز الكلمات والكتابة، ازدادت سعة دائرة الأمة لتشمل القارة، حتى إذا وقفت على عتبة ركوب الفضاء، والتواصل بالتلكس والتليفون والفاكس، رسمت الرسالة الإسلامية للأمة دائرة تتسع للإنسانية كلها.

 

ويرتبط بهذا التطور الجغرافي - لسعة رقعة الأمة - تطور اجتماعي مواز، يوسع دائرة القيم في كل طور، فينقلها من القيم الأسرية إلى القبلية، ثم القومية ثم العرقية ثم العالمية، وإلى هذا التدرج في الاتساع كانت الإشارة النبوية في أن كل رسول بعث إلى قومه وأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الناس كافة.

 

ولكن المشكلة في التطور المشار إليه أن البشرية كانت - وما زالت - تعجز عن مواكبته، فتقع في خطأين اثنين:

الأول: إن فئات كثيرة من البشر كانت - وما زالت - تمارس الرفض والحران، فترفض الانتقا لمن قيم طور انتهى أمده إلى قيم طور حل زمنه.

 

والثاني: إن نوازع الهوى المرتبطة بمصالح أهل المال والسلطان كانت - وما زات - تشوه مفهوم الأمة، فتنقل الرسالة أو الفكرة من المحور إلى الهامش، وتحل محلها روابط الدم أو الوطن أو المصالح المادية، وبذلك يطلق مصطلح الأمة على من لا ينطبق عليه مواصفات الأمة كما حددها القرآن والحديث.

 

لذلك كان من أبرز مسؤوليات المؤسسات التربوية الإسلامية، أن تقوم في كل جيل بمراجعة المفاهيم المتحدرة من الآباء عن معنى الأمة ومكوناتها وروابطها؛ بغية تجديد المفاهيم الصائبة، وتزكية المفاهيم المتداولة، مما علق بها من نقص أو تشويه.

 

ب- أثر الثقافة العصبية العربية في تشويه مفهوم الأمة بعد العصر الراشدي:

من الإنصاف أن نقول: إنه كما كان للبيئة المصرية أثرها في انطلاقة موسى - عليه السلام -  فإنه كان للبيئة العربية أثرها في انطلاقة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أثر له جانبان: جانب إيجابي، وآخر سلبي.

 

أما عن الجانب الإيجابي؛ فإن البيئة العربية سهلت نجاح الرسول - صلى الله عليه وسلم -  في تربية الإنسان المسلم على تعشق المثل الأعلى والتضحية في سبيله؛ ذلك أنها خلت من كثير مما كان في البيئة المصرية من ركام العقائد والثقافة والقيم التي كبلت أفهام أتباع موسى - عليه السلام - ولم يكن في الجزيرة العربية استقرار زراعي وازدهار اقتصادي؛ مما يفرز حياة الترف والتثاقل إلى الأرض، وإنما فرضت البيئة الصحراوية القاسية نوعا من حياة الطوارئ، والاستعداد الدائم للتضحية أمام الصعوبات والأخطار الطبيعية والبشرية القائمة.

 

أما عن الجانب السلبي؛ فإن قيم العصبية ومحاور الولاء التي تفرزها، لم تكن تصلح بحال للانتقال مع المسلم الجديد إلى المجتمع العالمي الجديد؛ لان هذه القيم والولاءات لا تسمح أبدا بتوسيع شبكة العلاقات الاجتماعية إلى ما وراء دائرة الولاء القبلي، وتعتبر أولئك الذين يقيمون خارج الدائرة القبلية أجانب لا ولاء يربطهم بمجتمع القبيلة.

 

ولذلك شكلت هذه القيم والولاءات العصبية عقبات ضخمة أمام تطبيق روابط الدائرة العالمية التي اتصف بها المجتمع الإسلامي الجديد، وأثرت تأثيرا سلبيا في مستقبل الأمة المسلمة، وحالت دون تطورها ونضج مؤسساتها. وحين كانت قيم العصبية القبلية هذه تضطر إلى التعايش مع قيم الإسلام العالمية، كانت تركز على الأشكال دون الأعمال، وعلى الشعائر الفردية دون المظهر الاجتماعي للعبادة، وتنفق القيم الإسلامية لدعم ولاءاتها العصبية، ولذلك وصف القرآن الكريم أصحاب هذه القيم العصبية بأنهم لَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ التوبة: ٩٧، أي هم غير مؤهلين لفقه القيم التي أنزلها، وإفراز النظم اللازمة للطور العالمي الذي وقفت البشرية على أعتابه، وجاءت قيم الإسلام لترشدهم إلى عبوره.

 

ولذلك كان التحدي الأكبر الذي واجهه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة وشروعه في بناء أمة عالمية، يتعايش فيها مختلف الأجناس والأعراق، هو قيم العصبية القبلية .

 

ولقد اتخذت جهوده لمجابهة هذا التحدي مظاهر عدة، منها:

المظهر الأول: هو تزكية أعضاء الأمة الإسلامية الجديدة من قيم العصبية القبلية ؛ باعتبارها قيما نتنة بالية لا تصلح لهم بحال، وتنظيم علاقاتهم طبقا لقيم التقوى الملائمة لطور العالمية الجديد.

 

والثاني: هو التحذير من الردة إلى قيم العصبية القبلية، وإدراج هذه الردة في قائمة الكبائر المخلدة في النار[15].

 

والثالث: التنبيه إلى دور قيم العصبية في فتن المستقبل، وما ستجره على الأمة المسلمة من كوارث ومذابح ودمار، وهو ما تقدم تفصيلاته الأحاديث النبوية، الواردة تحت كتاب الفتن، في مصنفات الحديث المختلفة[16].

 

ولذلك كانت تزكية المجتمع المدني من قيم العصبية القبلية، والانتقال به إلى قيم التقوى العالمية، محورا أساسيا من محاور التربية في صدر الإسلام، ولقد ظل التحذير من قيم العصبية أحد العناصر الرئيسة في منهاج الرسول  - صلى الله عليه وسلم - إلى أن لخص جهاده ضد الجاهلية العربية في خطبة فتح مكة فقال: ((إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب))[17].

 

ولكن ثقافة العصبية وقيمها، عادت للإمساك بدفة المجتمع بعد الخلافة الراشدة، أي بعد انقضاء جيل الصحابة الذي رباه الرسول؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور التناقض بين المبادئ الإسلامية الداعية إلى مساواة الشعوب والأجناس، وبين التطبيقات السياسية والاجتماعية التي قسمت المسلمين إلى عرب وموال، وفتحت باب الانقسامات في الأمة المسلمة، بنسبة التراجع الذي توالى من القيم الإسلامية العالمية إلى قيم الشعوبية والقبلية.

 

ولقد ابتدأت هذه الردة العصبية في الثقافة والقيم، ابتداء من امساك الأمويين بقيادة الدولة الإسلامية، وحلول الملك محل الخلافة - كما يرى ابن تيمية -[18]. ثم توالت مضاعفات هذه الردة حتى أفرغت مفهوم الأمة من محتواها الإسلامي، وأحلت محله محتوى العصبيات القبلية والشعوبية، مما نال من وحدة الأمة الإسلامية، وفتح أمامها أبواب الفتن والانقسامات المتتالية. [ابن هشام، ج4 القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، بلا تاريخ، ص41].

 

كذلك حالت هذه الردة للثقافة القبلية والقيم العصبية دون تطور المؤسسات السياسية والإدارية والتشريعية الملائمة لطور العالمية، فحالت دون رسوخ قيم الشورى، والقيادة الجماعية، ومسؤولية الحاكم أمام المحكومين، وأنعشت الحكم المطلق والملكية الاقتصادية المطلقة، والفردية، والارتجال، ولونت أشكال الإعلام والممارسات السياسية على جميع المستويات.

 

ولقد كان لهذه الردة العصبية آثارها في الشكل الذي اتخذته مؤسسات التربية الإسلامية؛ إذ انحرفت هذه المؤسسات عن هدف إخراج الأمة المسلمة وتطويرها، والارتقاء بمفهومها ومؤسساتها، طبقا للحاجات والتحديات، وحل محل ذلك ظاهرتان:

الأولى: إن مؤسسات التربية الرسمية لم تتوجه لتوليد العلوم والمعارف اللازمة لتنظيم شبكة العلاقات الاجتماعية وتطوير مؤسساتها بما يتفق مع الأصول الإسلامية في القرآن والسنة، وإنما زاغت بتأثير قيم العصبيات القبلية لتركز في مناهجها على ثقافة القبيلة التي توجه للدوران في فلك الأشخاص الأقوياء، ولتبرير ممارساتهم، والإشادة بالمنجزات المنسوبة إليهم.

 

والظاهرة الثانية: هي تركيز المؤسسات التربوية - التي لا تدور في فلك الدولة - على تربية فرد معطل الفاعلية، ينسحب من تيار الحياة الجارية، ويجسد صورة الدرويش الذي يقف موقفا سلبيا من تيار الاجتماع البشري، ويظل طوال عمره يعاني من الظلم والفاقة، منتظرا الرحيل إلى العدل والنعيم الأخرويين!!.

 

وكانت المحصلة لذلك كله هي حصر عمل المؤسسات التربوية والعلمية في ((فقه العبادات)) وتكرار نسخه واستظهاره جيلا بعد جيل؛ مما أفرز آلاف المجلدات في فقه الطهارة والحيض والنفاس والطلاق والعدة، بينما لم يزد الفقه المتعلق بالعلوم السياسية وفقه الاجتماع البشري والنظم الإدارية والتشريعية وصلات الحاكم بالمحكوم وتوزيع الثروات العامة والعمل الجماعي عن أصابع اليدين. ومن أمثالها ((الأحكام السلطانية)) للماوردي، مع ما فيه من المآخذ والانتقادات المتعلقة بمحتوياتها التي تبرز إطلاق أيدي أصحاب السلطان،  وتعدد القايدات، والاستيلاء على القيادة والمراكز بالقوة وغير القوة.

 

جـ- أهمية إخراج الأمة المسلمة:

الإطار العام الذي يحدد أهمية إخراج الأمة  المسلمة، ويحدد مكوناتها هو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 72 - 75].

 

هكذا يبدو واضحا من الآية الأولى (رقم 72) أن الترية الإسلامية لا تتوقف عند إعداد الأفراد المؤمنين، وإنما تتخذ من هذا الإعداد وسيلة لهدف آخر، هو إخراج أمة المؤمنين التي يتلاحم أفرادها عبر شبكة من الروابط الاجتماعية التي تندرج تحت أسماء: الهجرة، والجهاد، والإيواء، والنصرة، والتي تكون محصلتها النهائية هي الولاية، أي أن يتولى كل عضو رعاية شؤون الأعضاء الآخرين. أما الأفراد المؤمنون الذين يبقون خارج مهجر الأمة المؤمنة، فهؤلاء لا فاعلية لإيمانهم، ولا روابط، ولا ولاية بينهم وبين أمة المؤمنين.

 

ومع أن الآيات المذكورة أعلاه تتضمن - كما قلنا - أهمية إخراج الأمة المسلمة، وتتضمن المكونات الرئيسة لهذه الأمة، إلا أن الحديث في هذا الفصل سوف يقتصر على أهمية إخراج الأمة المسلمة، بينما يؤجل الحديث عن مكوناتها إلى الباب الذي يليه.

 

أما مظاهر هذه الأهمية فهي كما يلي:

الأهمية الأولى: هي ما تنبه إليه الآية الثانية (آية 73 من السورة) حول الأضرار التي تنجم عن عدم إخراج الأمة المسلمة. وتتمثل هذه الأضرار في ضررين رئيسيين هما:

الضرر الأول: هيمنة قيم الكفر في الارض، وإخراج أمة الكفر، حيث لا يقتصر الكافرون على ممارسة كفرهم كأفراد متناثرين، وإنما يجتمعون في أمة يوالي  بعضها بعضا. فإذا لم تقم أمة الإيمان؛ فسوف تتولى أمة الكفر القيادة في الأرض، وتهيمن على مقاليد التوجيه والتخطيط والتنفيذ، في كل ما يتعلق بشؤون السلم والحرب سواء.

 

والضرر الثاني: إن انتقال القيادة العالمية إلى أمة الكافرين، سوف يؤدي إلى استغلال خزائن الله من المقدرات البشرية والمادية استغلالا سيئا، ثم يكون من نتائج هذا الاستغلال السيئ ملء الأرض بالفتن والفساد الكبير: فتن في ميادين السياسة، وفساد في ميادين الاجتماع، وتشيع الصراعات والحروب الداخلية أو الإقليمية أو العالمية، وينتشر الفساد الكبير الذي يتمثل في الانهيارات الأخلاقية، وشيوع التحلل والفواحش، وانتشار الفلسفات والأفكار الهدامة وغير ذلك.

 

ولو نظرنا في أحداث التاريخ - الذي هو بعض من مظاهر آيات الله في الأنفس - لوجدانا براهين بينة ناصعة لهذا التقرير الذي ساقته الآية عن نتائج إخراج أمة المؤمنين، أو هيمنة أمة الكافرين، فحين أخرجت الأمة المسلمة وأحكمت روابط الولاية فيها، كانت نتيجة ذلك هزيمة أمم الكفر، التي مثلتها آنذاك أمثال فارس والروم. أما حين انحسرت التربية الإسلامية، لتقتصر على إعداد الأفراد المسلمين، الذين يعتزلون الدنيا وينتظرون الرحيل إلى العدل الأخروي، فقد نسي المسلمون - أنفسهم - مفهوم الأمة المسلمة، واختفت مكوناتها من مناهج التربية وأنشطتها، وتفككت الأمة المسلمة القائمة، واحتلت مكانها أمم غير مؤمنة، تسلمت القيادة العالمية، وملأت الأرض بالفتنة والفساد الكبير، وصار المسلم يشد الرحال إلى أمم الكفر، ليتعلم في مؤسسات كيفية إخراج الأمم، وبناء المجتمعات على النمط الذي تحدده له هذه المؤسسات وأهدافها في التبعية والاستعمار، وإشاعة الفتنة والفساد الكبير.

 

والأهمية الثانية لقيام أمة المؤمنين: هي ما توجه إليه الآية الثالثة (آية 74 من السورة) حول الفائدة والمنافع التي تترتب على إخراج الأمة المسلمة، وهي ثلاث فوائد:

الفائدة الأولى: تجسيد الإيمان في جنسية مميزة، وهوية خاصة، وفي حضارة إسلامية لها ثقافاتها ونظمها الاجتماعية، وتطبيقاتها في ميادين السلوك والقيم والعادات والتقاليد الممتدة عبر الزمان والمكان؛ ولذلك وصفت الآية بأن أفراد الأمة المسلمة، المجاهدين المتآوين، المتناصرين في مهجر واحد، هم المؤمنون حقا؛ لأنها لا تتمكن من أن تعيش إيمانها في جنسية متميزة، وتطبيقات اجتماعية لها ثقافاتها ولغتها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ولها قيمها وعاداتها وتقاليدها وأخلاقها. وبالتالي لا تفرز حضارة متميزة تنحدر عبر التاريخ وتشد إليها الرحال، ليتعلم الناس في مؤسساتها التربوية والادارية كيفية الحفاظ على النوع البشري ورقيه. وإنما تذهب جهود هذه الأقليات هدرا في روافد أمة غير مسلمة، ثم تذوب وتختفي بعد جيل أو جيلين؛ ولذلك لن يكون قبول حياة الأقلية إلا ضرورة مؤقتة، حتى ينجح العلم الإسلامي الصائب في إيجاد مهجر تقوم فيه أمة المؤمنين، فإذا قامت، صارت حياة الأقلية رضى بالاستضعاف في الأرض، وظلما للأنفس، ووضعها في بيئات مرهقة للإيمان، تهدد بذهابه والانتهاء بأصحابه إلى عقوبة الله.

 

ولذلك حدد القسم الثاني من الآية الأولى العلاقة بين الأمة المسلمة والاقليات المسلمة المتناثرة خارج دار الهجرة، بأن أفرغ هذه العلاقة من الولاء والولاية، أي عدم المسؤولية عن الاقليات، إلا ما كان من نصرتها إذا تعرضت لاضطهاد ديني من قبل أمم لا تربطها بالأمة المسلمة مواثيق ولا معاهدات.

 

وإن الباحث ليلمح في هذه العلاقة السلبية بين الامة المسلمة والأقليات المسلمة خلق نوع من الأوضاع القلقة غير المريحة، التي تجبر الأقليات المذكورة على الهجرة، إلى مهجر أمة المؤمنين.

 

والفائدة الثانية: هي الاستقرار الاجتماعي والاستقرار السياسي المشار إليهما  ﭽ لهم مغفرةﭼ . فالمغفرة هي تجنيب الأمة المسلمة عقوبات أخطاء الأمم.

 

وعقوبات الأمم في القرآن الكريم متنوعة، منها: ثوران الاحقاد الداخلية، أو إشاعة الفتن والحروب في الداخل، أو تسليط الغواة من الخارج:

﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65].

 

﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ﴾ [الإسراء: 5].

 

والفائدة الثالثة: هي الازدهار الاقتصادي المصحوب بالتماسك الاجتماعي والعلاقات الكريمة بين طبقات الأمة وأفرادها، والمحافظة على كرامة الأمة وعلى قيمها وأخلاقها في الداخل، وسمعتها التاريخية في الخارج، فالأمة المؤمنة رزقها رزق كريم، يحفظ كرامات الأفراد رجالا ونساء، فلا تضطرهم لقمة العيش إلى التفريط في كراماتهم وحرماتهم، ولا إلى تجارة الفواحش والمنكر. وهو رزق كريم يحفظ كرامة الأمة التاريخية، فلا يلطخ سمعتها ويصمها بعار الغزو والاستعمار، والتسلط والاحتلال، وهو يحفظ كرامتها الحضارية، فلا يضطرها إلى ممارسة الفضائح، ونقض المواثيق، والتآمر على الأصدقاء، وإيثار المنافع المادية على علاقات الرقي الحضاري. وهو رزق كريم يحفظ كرامة الأمة الاجتماعية، فلا تحتاج إلى تقدمة أعراضها ونسائها كراقصات ومغنيات في أماكن اللهو والفاحشة، لتجلب السائحين وطالبي المتعة المحرمة الضارة!

 

وأخيرا هو رزق كريم يحفظ للأمة المسلمة كرامتها عند الله، ويمنحها كرامة الدرجات العلى في الآخرة، سواء في المنزلة  أو في المأوى.

 

والأهمية الثالثة لقيام أمة المؤمنين: هي ما توجه إليه الآية الرابعة (آية 75 من السورة) من خلال الإشارة إلى أن الأمة المسلمة هي مجتمع مفتوح غير مغلق. فباب الهجرة إليه مفتوح، والانضمام إليه له شرط واحد فقط هو الإيمان والمشاركة في حمل الرسالة، مع مراعاة روابط الأرحام بين المهاجرين في جميع الأزمان، حتى لا يؤدي اختلاط المهاجرين بدون ضوابط إلى التفكك الاجتماعي، فالله عليم بقوانين الاجتماع السليم وغير السليم وبالنتائج الحسنة أو السيئة.

 

وبسبب هذه الأهمية - لإخراج الأمةى المسلمة - أدرك رجالات الأمة الإسلامية الأوائل أهمية إخراج الأمة المسلمة ومتطلبات العضوية فيها . من ذلك ما قاله عمر بن الخطاب حين قرأ قوله تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ﴾ [آل عمران: ١١٠]. قال: ((يا أيها الناس، من سره أن يكون من تلكم الأمة؛ فليؤد شرط الله فيها)) [19].

 

والأهمية الرابعة لمفهوم الأمة الذي تطرحه التربية الإسلامية، هي أهمية كبرى بالنسبة إلى التربية الحديثة والعاملين في ميادين التطوير التربوي في المجالين الإقليمي والدولي. والغفلة عن هذه الأهمية سوف تكون هدرا كبيرا لمصدر أساسي من مصادر التربية الدولية (Global Education) التي تتطلع المؤسسات التربوية العالمية إلى بنائها وإشاعتها . ذلك أن مفهوم الأمة يلائم المرحلة الجديدة التي وقفت البشرية على أبوابها ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم أصبحت معالم هذه المرحلة واضحة جلية في زماننا - زمن سرعة المواصلات والتكنولوجيا - حيث إنهارت مفاهيم القوم (People) والشعب (Nation)، وأخذت الحدود بين المواطن تتهدم، والروابط الدموية تتمزق، واختلطت البشرية اختلاطا شديدا من خلال الأسفار العالمية، والتجارة العالمية، والتبادل الثقافي العلمي، والزواج العالمي، ووجدت المجتمعات الحديثة نفسها بلا روابط دموية ولا روابط جغرافية، ولا بروابط ثقافية واجتماعية. بل إنه لتعاد خلخلة المجتمع الواحد، ثم تشكيل كل منها مرة كل يوم أو كل أسبوع، من حيث الجنسيات والتجمعات التجمعات البشرية، حيث يرحل أناس ويحل آخرون.

 

في هذه الظروف الجديدة، يجد الإنسان نفسه بحاجة إلى أخوة جديدة، بل أخوة الأسر والقبائل والأقوام، التي تمزقت وتناثر أعضاؤها في أطراف الأرض، وإلى بديل عن الروابط التقليدية التي تعود إلى أطوار الرعي والاستقرار الزراعي، عندما كانت التحركات والعلاقات محدودة بحدود القوم والإقليم.

 

ومن الطبيعي أن انتهاء فاعلية الروابط التقليدية أدى إلى انتهاء فاعلية القيم والمقاييس والأخلاق التي انبثقت عن هذه الروابط، ووضع البشرية أمام نوعين من الروابط والقيم والمقاييس لا ثالث لهما: فإما العودة إلى علاقات الغابة وطور الكهوف، وإما روابط الأمة الواحدة التي تعيش في قرية الكرة الأرضية الواحدة في ظل عقيدة واحدة وثقافة واحدة. وفي هذه الحال لا تجد البشرية نموذجا لهذا النوع الثاني من الروابط، إلا رباط الأمة المسلمة بمحتوياته الفكرية النفسية، وتطبيقاته الاجتماعية التي تتجاوز روابط الدم والأرض والمصالح المادية، وتتجاوب كليا مع حاجات الطور العالمي الذي دلفت إليه البشرية المعاصرة.



[1] للوقوف على شرح مفهوم الأمة المسلمة بشكل مفصل، راجع كتاب ((الأمة المسلمة: مفهومها، مقوماتها، إخراجها)) وهو كتاب وضع لفتح الباب أمام نظرية سياسية تعرض مفهوم الأمة المسلمة ومكوناتها، والعلاقات التي تنظم شعوبها في الداخل وعلاقاتها في الخارج.

[2] لشرح هذه الروابط، راجع كتاب ((الأمة المسلمة)) للمؤلف.

[3] القرطبي، التفسير، ج2، ص127 .

[4] رواه الحاكم  في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة، ذكر مناقب عبدالله بن الزبير، وذكر مناقب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. [ز]

[5] القرطبي، التفسير، ج2، ص127.

[6] الطبري، التفسير، ج14، ص1920.

[7] كنز العمال، ج14، ص193، نقلا عن الطبراني في الكبير.

[8] الطبري، التفسير، ج4، ص43-44.

[9] الطبري، جامع البيان، ج1، ص3، القاهرة، مكتبة الحلبي، بلا تاريخ، ص563.

[10] الطبري، المصدر نفسه، ج25، ص60-61.

[11] الطبري، المصدر نفسه، ج25، ص334-336.

[12] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، تفسير آية 128 من سورة البقرة، ص127.

[13] الطبري، التفسير، ج4، ص46.

[14] الطبري، التفسير، ج4، ص43-44.

[15] صحيح البخاري، باب الفتن. صحيح مسلم، باب الإمارة، مسند أحمد، ج1، ص409، 430. سنن النسائي، كتاب البيعة، وكتاب الزينة .

[16] الجامع الصغير للسيوطي، رقم 13.

[17] ابن هشام، ج4 القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، بلا تاريخ، ص 41.

[18] ابن تيمية، كتاب قتال أهل البغي، ج35، ص19 - 20.

[19] الطبري، التفسير، ج4، ص43-44 .





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عوامل القوة في حياة الأمة
  • اجتماع الكلمة ومفهوم الأمة
  • خصائص الأمة الإسلامية
  • هوية الأمة
  • خيرية هذه الأمة
  • الأمة المسلمة وخطابها العالمي
  • بالقانون الإلهي أم بالمؤامرة انهارت قوى الأمة ؟!
  • أمة التعايش والرحمة
  • إخراج الأمة المسلمة

مختارات من الشبكة

  • "حب بحب" حب الأمة لحاكمها المسلم "مسؤوليات الأمة تجاه الحاكم"(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: «كل أمتي يدخلون الجنة» الجزء السابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء السادس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الخامس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الرابع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثالث(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الثاني(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء الأول(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أمة وسط: رؤية لوسطية الأمة في الآية الكريمة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب